19/05/2023 - 13:17

الغابات الخرسانيّة: أثر الحضارة على البيئة

تساهم الغابات الخرسانيّة إلى حدّ بعيد في التدهور البيئيّ، مع توسّع المدن، يتمّ رصف مساحات شاسعة من الأرض، ممّا يتسبّب في تآكل التربة وتعطيل أنظمة الصرف الطبيعيّ

الغابات الخرسانيّة: أثر الحضارة على البيئة

(Getty)

أدّى التوسّع الحضريّ السريع الّذي شهده العالم إلى ظهور غابات الخرسانيّة وتحويل المناظر الطبيعيّة إلى مدن مترامية الأطراف. ويؤثّر ذلك على البيئة، والتنوّع البيولوجيّ، وصحّة الإنسان، والجوانب الاجتماعيّة والاقتصاديّة.

واكتسب مفهوم الغابات الخرسانيّة شعبيّة خلال منتصف القرن العشرين، حيث حيث شهدت المدن نموًا سريعًا وتحضرًا، ومع توسّع المناطق الحضريّة وهيمنة ناطحات السحاب وغيرها من الهياكل الخرسانيّة على المناظر الطبيعية ، ظهر مصطلح "الغابة الخرسانية" كوسيلة لتصوير الطبيعة القمعيّة وغير الطبيعيّة لهذه البيئات الحضرية في بعض الأحيان.

وتساهم الغابات الخرسانيّة إلى حدّ بعيد في التدهور البيئيّ، مع توسّع المدن، يتمّ رصف مساحات شاسعة من الأرض، ممّا يتسبّب في تآكل التربة وتعطيل أنظمة الصرف الطبيعيّ، وتشير الدراسات إلى أنّ تحويل المساحات الخضراء إلى أسطح خرسانيّة يؤدّي إلى تفاقم تأثير الجزر الحراريّة الحضريّة، ورفع درجات الحرارة المحلّيّة وتكثيف موجات الحرّ، بالإضافة إلى ذلك، تساهم الطلبات المتزايدة على الطاقة وانبعاثات الكربون من المباني وأنظمة النقل في المدن بشكل أكبر في تغيّر المناخ العالميّ.

كما يؤدّي تحويل الموائل الطبيعيّة إلى غابات خرسانيّة إلى فقدان التنوّع البيولوجيّ، حيث تظهر الأبحاث أنّ التحضّر يؤدّي إلى تفتيت النظم البيئيّة، وتقييد حركة الأنواع وتعطيل موائلها الطبيعيّة، ويؤثّر تقليص المساحات الخضراء في المدن سلبًا على النباتات والحيوانات، حيث لا تستطيع العديد من الأنواع التكيّف مع البيئة الحضريّة، وكذلك أظهرت الدراسات انخفاضًا في أعداد الطيور، وانخفاض تنوّع الحشرات، وإزاحة النباتات المحلّيّة عن طريق الأنواع الغازيّة. يمكن أن يكون لهذه التغييرات في الديناميّات البيئيّة تأثيرات متتالية، وتعطيل شبكات الغذاء المعقّدة وتقليل مرونة النظام البيئيّ بشكل عامّ.

العيش في غابات خرسانيّة يمكن أن يكون له آثار ضارّة على صحّة الإنسان، كما أثبتت دراسات عديدة، حيث يعدّ تلوّث الهواء والتلوّث الضوضائيّ وعدم كفاية الوصول إلى المساحات الخضراء من الاهتمامات الرئيسيّة، وتربط الأبحاث بين التعرّض طويل الأمد لتلوّث الهواء، الناجم في المقام الأوّل عن انبعاثات المركبات والأنشطة الصناعيّة في المناطق الحضريّة، وأمراض الجهاز التنفّسيّ، ومشاكل القلب والأوعية الدمويّة، وحتّى الوفاة المبكّرة، وزيادة على ذلك، تشير الدراسات إلى أنّ التعرّض المحدود للطبيعة والمساحات الخضراء يمكن أن يؤدّي إلى زيادة مستويات التوتّر، وقضايا الصحّة العقليّة، وانخفاض الرفاهية العامّة بين سكّان الحضر.

وتمثّل الغابات الخرسانيّة تحدّيات اجتماعيّة واقتصاديّة تؤثّر في كلّ من الأفراد والمجتمعات، ومع توسّع المدن، يصبح نقص المساكن أكثر انتشارًا، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع أسعار المساكن والتشرّد، وهو ما كشفته أكثر من دراسة عن العلاقة بين التحضّر وعدم المساواة في الدخل، حيث يعاني الأفراد ذوو الدخل المنخفض في كثير من الأحيان من أجل الحصول على مساكن ميسورة التكلفة والخدمات الأساسيّة في المناطق الحضريّة، وفضلًا عن ذلك، يمكن أن يؤدّي تركيز الأنشطة الاقتصاديّة في المدن إلى إهمال المناطق الريفيّة، ممّا يؤدّي إلى تفاوتات في خدمات التنمية والتعليم والرعاية الصحّيّة.

ويشكّل تحوّل العالم إلى غابات ملموسة تهديدات كبيرة على البيئة والتنوّع البيولوجيّ وصحّة الإنسان والرفاه الاجتماعيّ والاقتصاديّ، وذلك للآثار الضارّة للتحضّر على مختلف جوانب الحياة.

وأكّدت إحدى هذه الدراسات التي أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، على أهميّة المساحات الخضراء الحضريّة في التخفيف من الأثر البيئيّ للغابات الخرسانيّة.

ووجدت الدراسة أنّ وجود المتنزّهات والحدائق والأسطح الخضراء في المناطق الحضريّة، يساعد على تحسين جودة الهواء وإطلاق الأكسجين، ممّا يعزّز الرفاهيّة العامّة لسكّان المدن.

التعليقات