في عصر التكنولوجيا: هل الإبداع بخطر؟

فرض ظهور وسائط جديدة للكتابة والإبداع معطيات لم تكن في الحسبان على صعيد الإبداع العربي، حيث أعطت الثورة الكبيرة في الاتصالات والمعلومات الفرصة لظهور أشكال جديدة من الكتابة لم تكن معروفة من قبل، وظهر ما يعرف باسم التدوين المصغر

في عصر التكنولوجيا: هل الإبداع بخطر؟

فرض ظهور وسائط جديدة للكتابة والإبداع معطيات لم تكن في الحسبان على صعيد الإبداع العربي، حيث أعطت الثورة الكبيرة في الاتصالات والمعلومات الفرصة لظهور أشكال جديدة من الكتابة لم تكن معروفة من قبل، وظهر ما يعرف باسم التدوين المصغر، حيث يمكن لشخص من خلال هاتفه الذكي كتابة تدوينة من 140 حرفًا فقط يقرأها الملايين من المتابعين له على شبكات التواصل الاجتماعي.

فكل كاتب تواجهه الآن نقطة تحول خطيرة، وهي المحك في مستقبله، بمعنى أن التكنولوجيا، خاصة تكنولوجيا المعلومات، قلبت الموازين من عدة جوانب، حتى الجانب الشخصي تغير، فهناك الآن كتاب لم يعودوا يستخدمون القلم ويكتبون مباشرة على الكمبيوتر، بينما هو على سبيل المثال لديه مكتبة كبيرة تحتوي على عدة آلاف من الكتب والقواميس، واعتاد أن يمسك بالقلم وأن يفكر في الكتابة، فلا يمكن أن تأتيه الأفكار دون أن يكون ممسكًا بالقلم، ودون أن يرجع إلى رفوف مكتبته.

حيث يظهر أن المشكلة الأخطر ليست في الكتاب وتعاملهم مع التكنولوجيا، بل تكمن في المتلقين بشكل عام، فقد دخل الكمبيوتر حياتهم وجعلهم متلقين للمعلومات، فهؤلاء لم يعودوا يعطون للقراءة وقتًا، وباتت اهتماماتهم موزعة بين الإنترنت وبين القنوات الفضائية.

ولم يقف تأثير ظهور هذه الوسائط عند حد ظهور أشكال جديدة من الكتابة أو التدوين فقط، بل انعكس هذا التأثير على الأشكال التقليدية من الإبداع والكتابة التقليدية، حيث أدى ظهور الإنترنت والتطبيقات المتصلة به إلى تغييرات على منهج كتابة أشكال الإبداع العربية التقليدية، وهو ما يتفق معه الناقد والمترجم د. محمد عناني الذي يقول إن شيوع الإنترنت سيؤدي إلى أن يتحول الشعر العربي عن منهجه الشفاهي، حيث يكتب للأذن، ليصبح موجهًا للعين.

 واعتبر د. عناني أن ذلك يمثل خطرا على طبيعة الشعر العربي، ويقول: 'أتصور أن ذلك سيكسب القصيدة خصائص الصورة بينما تنقص القصيدة عن نفسها عنصرًا من أهم مقوماتها، وهو الإيقاع أو موسيقى اللفظ'.

قرية عالمية

ومن ناحيته، يرى القاص والناقد يوسف الشاروني، أن هناك تطورات على ضوء ما حدث في القرن العشرين، خاصة في الربع الأخير منه حيث تسارعت الاكتشافات، وهو ما نتج عنه تطورات علمية سريعة في كل مجالات الحياة، مشيرًا إلى ما تحقق في هذا الصدد من تطورات بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات، حتى أن العالم أصبح قرية عالمية واحدة وصغيرة، ولم يعد كما كان في الماضي عالم مترامي الأطراف، وذلك بفضل شبكة الإنترنت وتطبيقات هذه الشبكة.

ويشير الشاروني في هذا الصدد، إلى ما أحدثته هذه التطورات في شكل الوسائط المرتبطة بالحاسب الآلي والإنترنت من تطورات في أشكال مخرجات الإبداع خاصة القصة، حيث لم تعد القصة مقصورة فقط على شكل القصة المطبوعة التقليدية المعروفة فحسب، بل ظهرت أشكال أخرى من القصة تعيد إلى الأذهان القصة الشفاهية التي تطورت إلى قصة إذاعية وقصة درامية، ثم بدأ الشباب من الكتاب في تحويلها إلى قصة مرئية أو مسموعة من خلال الوسائط المتعددة وتطبيقات الإنترنت.

ويؤكد الشاروني، أن انتشار الإنترنت سيؤدي إلى تواري القصة المطبوعة في كتاب بشكله التقليدي، لكن هذا الشكل لن ينتهي، فسيعود لمرحلة تشبه المخطوط في عصر ما قبل الطباعة، ولن يعرفه الجمهور إلا إذا عرض على الإنترنت وسيقل دور المكتبات العامة، ويقول: “أتوقع أن يعتاد الإنسان على القراءة السريعة جدًا لأن العصر سيكون شديد الازدحام بالمعلومات”.

ويرى الشاعر شعبان يوسف، أن هذه المتغيرات تؤثر على منظومة الحياة بأكملها، وليس على الثقافة فحسب، وهو يعتقد أن الكتابة الأدبية تحتاج من الكتاب إلى وقفة خاصة واهتمام بالغ ينطلق أول ما ينطلق من فهم مؤشرات هذه المستجدات وتأثيرها على منظومة الحياة، وخاصة الجانب الثقافي منها.

ويضيف يوسف: 'أتصور أن مستجدات مثل العولمة تهدف إلى ضرب الثقافة الخاصة لكل أمة من الأمم ذات الحضارة، وأتصور أن الكتابة عليها معول كبير في مقاومة هذا الاستلاب'.

ثقافة عالمية

ويرى الناقد محمد السيد عيد، أن الكتابة ستبقى ما بقي الإنسان، ولن تتغير إلا الوسائط التي تنقل الإبداع إلى المتلقين، وبالتالي سيتغير شكل الكتاب لكن لن ينتهي دوره، فإذا كانت الصدارة متوقعة للكمبيوتر والإنترنت، فإن ذلك لن يقضي على المكتبات ولن ينهي دورها، ولكنه يؤدي إلى تغيير شكلها، فبدلًا من المخازن والرفوف المكدسة بالكتب، ستحتوي المكتبة على ديسكات وأقراص ليزر، والإنترنت لن ينهي دور الكاتب بل سيزيد من انتشاره، وسيرفع من مستوى ثقافته، فالإنترنت سيؤدي إلى عالمية الثقافة، والمستقبل للثقافة المرئية.

ويقول الناقد المغربي محمد أسليم: لا أدري بماذا أجيب على هذه الأسئلة الشائكة التي تحتاج إجاباتها إلى خيال، وما يخطر على بالي الآن، هو أن الكتابة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقراء، وبالمعاش الإنساني، وفي نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين لم يكن لدى الإنسان من وسائل المتعة والترفيه إلا الكتب والمجلات، وكانت هي نفسها وسيلة التثقيف لكن الآن تغير الأمر، فأنا أتوقع انخفاض القراءة وزيادة عدد الكتاب غير الجادين الذين يكتبون أدبًا هابطًا همه الإثارة التي تضمن التوزيع، أما الكتابة الجادة فستضيع في زحام الكتابات الهابطة والساقطة، بينما الكمبيوتر والإنترنت فسيغنيان الناس عن قراءة الكتب، لذا فأنا غير متفائل فيما يخص مستقبل الكتاب.

ومن وجهة نظر الناقد والمترجم طلعت الشايب: إن مستقبل الكتابة يتوقف أولًا على مستوى تطور المجتمع، بمعنى أن المجتمعات المتخلفة ستظل متابعة بنفس أسلوب الكتابة وبنفس أسلوب التلقي، مضيفا: “لابد أن نضع في اعتبارنا حجم انتشار لمعظم الجمهور المتلقي للكلمة المكتوبة، وثانيًا الإنترنت يعتمد على اللغة الإنجليزية، فكم عدد المتلقين الذين يتمكنون من استقبال الإنترنت؟ ثالثًا، يقدم الإنترنت مادة لا تمت إلينا بصلة في معظمها”.

ويؤكد الشايب أنه من الصعب القول بأن الربع الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد تغيرات كبيرة في الكتابة أو في التلقي، وأعتقد أن الخطر الأكبر هو السماوات المفتوحة، فعدد كبير جدًا من المحطات يبث باللغة العربية، ويواكب التطورات العالمية بأكثر مما تواكبه الإمكانيات المحلية، لذا لن يبقى وقت كبير للقراءة، لأن التلفزيون أسرع والصورة مغرية، ولن تكون الأمية عائقًا.

اقرأ/ي أيضًا| رواد العلوم وصناع التاريخ... أحمد زويل مثالًا

التعليقات