22/03/2023 - 12:59

لماذا يخيف نموّ تيك توك الغرب؟

تنظر الحكومات إلى تيك توك بقلق لأسباب مختلفة، فهو أوّل تطبيق صينيّ موجّه للمستهلك ينتشر في الغرب، ويعتبر مصدر فخر في بكين، ولكنّ الملكيّة الصينيّة للتطبيق تجعل السياسيّين في أماكن أخرى متخوّفين حيال إحكام قبضتهم على انتباه مواطنيهم

لماذا يخيف نموّ تيك توك الغرب؟

(Getty)

منافسو تيك توك متوتّرون. والشكّ يأكل الحكومات. قطّة تجاهد لترى ما على المنضدة، تقفز على رجليها الخلفيّتين أوّلًا، ثمّ تلتفّ لأعلى لإلقاء نظرة فاحصة، وترتدّ كما لو أنّ الكهرباء قد صعقتها عند رؤيتها لقطعة من ورق القصدير. أعلنت تيك توك أنّ هذا المقطع الدراميّ ذا الستّ ثوان على أنّه واحد من أكثر مقاطع المنصّة رواجًا، بعدد مشاهدات وصل إلى أكثر من 40 مليون مرّة.

تعدّ مقاطع فيديو القطط مثل برامج النكات الّتي تعرض على التلفزيون في وقت متأخّر من الليل، إلّا أنّها إلى جانب مئات الملايين من المقاطع القصيرة الأخرى على تيك توك تتسبّب بالأرق للأشخاص في وادي السيليكون والعواصم الغربيّة، إذ ينمو التطبيق بوتيرة أذهلت المنافسين والمنظّمين الحكوميّين، وتمكّن خلال خمس سنوات فقط، من الوصول إلى نخبة وسائل التواصل الاجتماعيّ العالميّة، وهو ناد اعتاد المسؤولون الأميركيّون اعتباره مغلقًا للغاية أمام المنافسة لدرجة أنّهم بدأوا قضيّة مكافحة احتكار ضدّ عضوه البارز، فيسبوك.

بينما تستحوذ تيك توك على انتباه المستخدمين، وأموال الإعلانات الّتي تأتي معهم، يعيد منافسوه الكبار كتابة تطبيقاتهم الخاصّة لتقليده. ولا ينتهي أثره هنا: قد يؤدّي انتقال تيك توك إلى التجارة الإلكترونيّة إلى تعطيل صناعات أخرى.

تنظر الحكومات إلى تيك توك بقلق لأسباب مختلفة، فهو أوّل تطبيق صينيّ موجّه للمستهلك ينتشر في الغرب، ويعتبر مصدر فخر في بكين، ولكنّ الملكيّة الصينيّة للتطبيق تجعل السياسيّين في أماكن أخرى متخوّفين حيال إحكام قبضتهم على انتباه مواطنيهم، وقد ينتهي الأمر ببيانات المستخدمين في الأيدي الخطأ، كما يخشون، أو قد تتحكّم الدعاية الصينيّة فيما يراه الناس حول العالم. حظر التيك توك بالفعل في الهند، أكبر سوق لها سابقًا، وتدرس دول أخرى، بما فيها أميركا، خطواتها التالية بدقّة.

قبل عشر سنوات، أسّس تشانغ يي مينغ، رجل أعمال صينيّ مثقّف أكبر من مارك زوكربيرغ بسنة، شركة برمجيّات تدعى بايتدانس BayteDance. ومن بين إبداعاتها الأولى منصّة Neihan Duanzi لمشاركة النكات، ومنصّة Toutiao لنشر الأخبار المختصرة. استخدمت التطبيقات الذكاء الاصطناعيّ لمعرفة نوع الأخبار أو القصص الّتي يحبّها المستخدمون. ونجح كلا التطبيقين، وصار Toutiao اليوم هو منفذ إخباريّ في الصين، مع 360 مليون مستخدم.

وسرعان ما تساءل تشانغ عمّا يمكن أن تفعله خوارزميّته. وأصدرت بايتدانس في عام 2016 تطبيق Douyin الّذي يسمح للمستخدمين بتسجيل مقاطع فيديو، وهم يمثّلون مع أغان ومقاطع فيديو أخرى، وهم يزامنون شفاههم مع الأصوات. صمّم Douyin على غرار تطبيق Musical.ly، وهو تطبيق صينيّ آخر لمزامنة الشفاه كان شائعًا بين الأميركيّين الشباب، ولكن محسن بمحرّك اكتشاف بايتدانس المعزّز بالذكاء الاصطناعيّ، ونجح نجاحًا مدوّيًا! وأصدرت بايتدانس في العام التالي، تطبيقًا مزدوجًا خارج الصين، بواجهة وخوارزميّة متطابقة، ولكنّ محتوى منفصلًا. لقد استخدمت شعار Douyin لحنكة موسيقيّة تهكميّة، ولكن كان لها اسم أذكى: تيك توك.

لم يلاحظ تيك توك في البداية سوى القليل من المستخدمين خارج آسيا، ولكن في عام 2017، اشترت بايتدانس موقع Musical.ly وسرعان ما نقلت 100 مليون مستخدم إلى تيك توك. نمّا التطبيق منذ ذلك الحين مثل أيّ تطبيق آخر، وفي سبتمبر من العام نفسه، عندما كان عمره أربع سنوات تقريبًا، وصل إلى مليار مستخدم، وهي رقم كبير استغرق فيسبوك ويوتيوب وإنستغرام حوالي ثماني سنوات لتحقيقه، وإن كان ذلك في وقت كان فيه عدد أقلّ من الأشخاص متّصلين بالإنترنت. صار تيك توك تطبيق الهاتف المحمول الأكثر تنزيلًا في العالم منذ أوائل عام 2020. وفي الوقت الّذي كان الجمهور الشابّ يشعر بالفتور من فيسبوك، صار مدمنًا على تيك توك، وتعتقد شركة البيانات eMarketer، أنّ 44٪ من مستخدمي تيك توك الأميركيّين تقلّ أعمارهم عن 25 عامًا، مقارنة بـ 16٪ من مستخدمي فيسبوك.

جعل تيك توك من إنشاء الأفلام أمرًا سهلًا، وهو بهذا صنع مع تحرير الفيديو ما صنعه إنستغرام مع تحرير الصور قبل عقد من الزمن، ممّا سمح للهواة بتحويل الفيديوهات الضعيفة إلى أفلام ذات مظهر أنيق. والأهمّ من ذلك للمستخدمين أنّ خوارزميّة الاكتشاف المعزّزة بالذكاء الاصطناعيّ كانت تعطي الجميع احتماليّة الانتشار الفايروسيّ على الإنترنت، سواء كانوا مبدعين معروفين أو غير معروفين، وكان هذا في عصر يكافح فيه منشئو المحتوى الجدد على منصّات مثل الفيسبوك، خصوصًا أنّها تكافئ أولئك الّذي لديهم الكثير من المتابعين أكثر من غيرهم. وفي حين أنّ أكبر الحسابات الشخصيّة على فيسبوك هي للرياضيّين أو المطربين أو المشاهير الآخرين، فإنّ كبار مستخدمي «تيك توك» يشتهرون بكونهم مشاهير تيك توك. يتصدّر المجموعة خابي لام، وهو كوميديّ سنغاليّ صامت، ويتابعه 146 مليون متابع. دلّل تيك توك منشئي المحتوى المتميّزين — ودفعهم —للبقاء على المنصّة.

مشاهدة تيك توك سهلة وغير معقّدة، ففي الوقت الّذي توصي فيه أغلب تطبيقات الوسائط الاجتماعيّة بمحتوى من شبكة أصدقاء المستخدم، لا يتطلّب تيك توك أيّ شبكة، ولا بحث، ولا حتّى أيّ تسجيل دخول: تقوم خوارزميّة بنسخ مقاطع الفيديو من أرشيفاتها الواسعة، وتتعرّف على ما يحبّه المشاهد. كما أنّ صيغة المحتوى تسبّب الإدمان بشكل كبير، إذ يقضي مستخدمو التطبيق أميركا ما معدّله 46 دقيقة يوميًّا عليه وهو أطول بقليل ممّا يقضونه على يوتيوب وأطول بـ 16 دقيقة ممّا يقضونه على فيسبوك أو إنستغرام.

يحقّق تيك توك ربحًا سريعًا من هذا الاهتمام، وبلغت إيراداته حوالي 4 مليارات دولار في العام الماضي، ومن المتوقّع أن تصل إلى 12 مليار دولار هذا العام و23 مليار دولار في عام 2024، وكلّها تقريبًا من الإعلانات (توقّعات eMarketer). وهذا أكثر من أرباح تويتر وسناپ شات وپينتيريست وغيرها من التطبيقات في الطبقة الثانية من وسائل الإعلام الاجتماعيّة، ويضعه على قدم المساواة مع يوتيوب. قد يصبح تيك توك أكبر حجمًا، وفقًا لتوءّمه الصينيّ Douyin، والّذي يقضي المستخدم العاديّ 100 دقيقة من يومه عليه، وهو ما يمثّل أكثر من 12٪ من إجماليّ الوقت الّذي يقضيه المستخدم على الإنترنت في الصين، وفقًا لشركة بيرنشتاين Bernstein الماليّة. استحوذت بايتدانس، الّتي تمتلك العديد من التطبيقات الصينيّة الشهيرة إلى جانب Douyin، على 28٪ من سوق الإعلانات الرقميّة في الصين العام الماضي، متقدّمة على منافسيها مثل Tencent وBaidu، ولا تزال تنمو.

يوضّح Douyin أيضًا كيف يمكن لـ «تيك توك» أن ينخرط في أسواق أخرى غير الإعلانات، حيث يعدّ التطبيق قوّة كبيرة في التجارة الإلكترونيّة، ويقوم نجوم البثّ المباشر بعرض المنتجات في طريقة تشبه قنوات التسوّق التلفزيونيّ، ولكن بطريقة عصريّة. وعلى الرغم من أنّ محاولة «تيك توك» الأولى من نوعها، في افتتاح متجر تيك توك الّذي تمّ إطلاقه في نوفمبر في بريطانيا وإندونيسيا، فشلت، فمن غير المرجّح أن تستسلم الشركة.

منافسو تيك توك متوتّرون

(Getty)

أعلن زوكربيرغ في أبريل أنّ موجز الأخبار على فيسبوك، والّذي أظهر على مدار أكثر من 16 عامًا للمستخدمين بشكل أساسيّ منشورات من أصدقائهم، سيصبح «محرّك اكتشاف»، باستخدام الذكاء الاصطناعيّ لتقديم المحتوى من جميع أنحاء الإنترنت، تمامًا مثل تيك توك. وذكر زوكربيرغ تيك توك خمس مرّات في مكالمة أرباح في فبراير. قامت ميتا Meta، الشركة الأمّ لفيسبوك وإنستغرام، بتطوير تنسيق فيديو قصير يشبه ذلك الموجود في تيك توك تحت اسم Reels، والّذي أدمج في كلا التطبيقين. وبعدها صارت هذه الميزة موجودة في كلّ التطبيقات بسمّيّات مختلفة مثل Sanpchat Spotlight وYouTube Shorts وPintrest Watch وNetflix Fast Laughs، قد نجح بعضهم، حيث صارت الـ Reels تمثّل أكثر من 20٪ من الوقت الّذي يقضيه الناس على إنستغرام، وصار لدى اليوتيوب 1.5 مليار مستخدم شهريًّا لميزة الـ shorts، وهو على الأرجح أكثر من عدد مستخدمي تيك توك بالكامل.

لكنّ تيك توك بدوره يسرق بعض أفكار منافسيه، إذ رفع الحدّ الأقصى لطول مقاطع الفيديو لديه إلى عشر دقائق، وهو اقتحام لسوق اليوتيوب، كما أطلق التطبيق ميزة المقاطع المختفية على غرار «قصص» سناپ شات، وهو يجرّب الآن نموذج اشتراك، مشابه لذلك الموجود على منصّة تويتش Twitch، منصّة أمازون للفيديو المباشر، حيث يدفع المعجبون مقابل الوصول إلى قناة منشئ المحتوى، وقد بدأ تيك توك مؤخّرًا في دفع نصيب من عائدات الإعلانات لبعض منشئيّ المحتوى، كما فعل موقع يوتيوب منذ فترة طويلة.

كلّ هذا الاضطراب صحيّ في سوق كان يعتقد منذ فترة طويلة أنّ المنافسة قد انتهت فيها. وأعلنت لجنة التجارة الفيدراليّة الأميركيّة في عام 2020 رفعها قضيّة مكافحة احتكار ضدّ شركة ميتا Meta. ونظرًا لأنّ تيك توك بدأ يأخذ المستخدمين والمعلنين من ميتا، الّتي انخفضت قيمتها السوقيّة بأكثر من النصف هذا العام، فهناك سبب أقلّ للقلق بشأن نقص المنافسة.

أخذ المنظّمون الحكوميّون بدلًا من ذلك في القلق بشأن تيك توك لسبب مختلف: الأمن القوميّ. تأسّست شركة بايتدانس، مالكة تيك توك، في جزر كايمان ولديها مستثمرين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك شركة چنرال أتلانتك General Atlantic الأميركيّة وشركة سوفت بانك SoftBank اليابانيّة. وقد وصف بيل فورد، رئيس چنرال أتلانتك والعضو في مجلس إدارة بايتيدانس، شركة بايتيدانس بأنّها «شركة إنترنت عالميّة ذات تراث صينيّ، وليست شركة إنترنت صينيّة». لكنّ المقرّ الرئيسيّ للشركة يقع في بكين.، ومثل غيرها من الشركات الصينيّة الكبرى، فإنّها تخضع لنفوذ الحزب الشيوعيّ الصينيّ الرسميّ وغير الرسميّ.

اضطرّت بايتدانس في عام 2018 إلى إغلاق تطبيق Neihan Duanzi، الّذي كان يضمّ أكثر من 200 مليون مستخدم، بعد أن ادّعى منظّم وسائل الإعلام في الصين أنّ محتواه «الفظّ» ونكاته «أثارا استياء شديدًا بين مستخدمي الإنترنت». قدّم السيّد تشانغ، مؤسّس بايتدانس، اعتذارًا علنيًّا: «لقد ضلّ المنتج، ونشر محتوى يتعارض مع القيم الأساسيّة الاشتراكيّة. أنا المسؤول، وأقبل كلّ العقوبة لأنّ المنصّة فشلت في توجيه الرأي العامّ توجيهًا صحيحًا».

ماذا تريد حكومة الصين من تيك توك؟ تريد أمرين حسب الادّعاءات. أوّلًا، بيانات مستخدمي التطبيق الّذين يزيد عددهم عن مليار مستخدم. لا يوجد دليل على أنّ تيك توك يجمع معلومات لا ينبغي له جمعها. ولم يجد مختبر المواطن بجامعة تورنتو العام الماضي أيّ إشارة إلى أنّ تيك توك أو Douyin يحصدان جهات اتّصال، أو صور، أو صوت، أو فيديو، أو بيانات المواقع دون أخذ الأذونات من المستخدمين. ووجدت أنّ لمنصّة Douyin بعض الميزات الّتي يمكن اعتبارها خادعة خارج الصين، مثل «تحميل كود برمجيّ ديناميكيّ» (على سبيل المثال، تحميل كود إضافيّ أثناء التشغيل). لكنّ تيك توك لا يحتوي على أيّ كود مريب.

ومع ذلك، مثل معظم التطبيقات الاجتماعيّة، يجمع تيك توك معلومات حول هواتف العملاء وأنماط الاستخدام والمواقع، ويستخدم خدمات تتبّع تابعة لجهات خارجيّة. يمكن للحكومة بموجب القانون الصينيّ أن تطلب أيّ بيانات من الشركات الصينيّة، بما في ذلك البيانات الموجودة في الخارج. ولهذا أمرت لجنة الاستثمار الأجنبيّ في الولايات المتّحدة (CFIUS)، وهي لجنة تقودها وزارة الخزانة وتتولّى فحص الصفقات المتعلّقة بمخاطر الأمن القوميّ، بإلغاء صفقة شراء شركة صينيّة لتطبيق غريندر Grindr في عام 2020، وهو تطبيق مواعدة يسجّل ميول المستخدمين الجنسيّة وحالة فيروس نقص المناعة البشريّة لديهم، من بين أمور أخرى.

يقول تيك توك إنّ الحكومة الصينيّة لم تطلب أبدًا، ولم يتمّ تزويدها، ببيانات المستخدمين (على الرغم من أنّ بعض كبار الموظّفين يعترفون بشكل خاصّ بأنّهم قد لا يعرفون ما إذا كان لديهم). لدى التطبيق إمكانات ابتزاز أقلّ من غريندر. ومع ذلك، يشير جيمس لويس من مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة، مركز أبحاث أميركيّ، إلى أنّ قواعد بيانات السيرة الذاتيّة لوكالات الاستخبارات تقوم بشكل روتينيّ باستخراج المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعيّ. يسجّل برنامج المراقبة المحلّيّة الواسع في الصين بصمات الوجه والصوت، وسيكون تسجيل مثل هذه البيانات ومطابقتها مع الأفراد أسهل إذا جاءت المعلومات مباشرة من تيك توك، وليس من الويب. وإذا تحقّقت طموحات تيك توك لتوسيع أعمالها، فلن تعرف الشركة فقط كيف يبدو شكل مستخدميها وصوتهم، ولكن أيضًا ما يشترونه وأين يعيشون.

حظرت الهند في عام 2020 تطبيق تيك توك وعشرات التطبيقات الصينيّة الأخرى، وعلى الرغم من أنّ سبب الحظر هو اشتباك حدوديّ، زعمت الهند أنّ التطبيقات كانت «تسرق وتنقل خلسة» معلومات المستخدمين الهنود. وأصدر دونالد ترامب، الرئيس الأميركيّ وقتها، بعد شهرين، أمرًا تنفيذيًّا يتطلّب بيع تيك توك لشركة أميركيّة في غضون 45 يومًا وإلّا، فإنّه سيواجه الحظر، مستشهدًا بالـ «الكمّيّة الكبيرة» من المعلومات الّتي كان يجمعها، «ممّا يسمح للصين بتتبّع مواقع الموظّفين والمتعاقدين الفيدراليّين، وبناء ملفّات معلومات شخصيّة للابتزاز وإجراء تجسّس الشركات». (نجحت بايتدانس في الطعن في الأمر في المحكمة، وألغى خليفة السيّد ترامب، جو بايدن، الأمر).

حاول تيك توك تهدئة هذه المخاوف من خلال إبقاء بيانات المستخدمين الأجانب خارج الصين. هذا في حدّ ذاته لا يعتدّ به كثيرًا: فقد وجد تقرير صادر عن BuzzFeed الشهر الماضي أنّ الموظّفين المقيمين في الصين وصلوا مرارًا وتكرارًا إلى بيانات المستخدمين الأميركيّين مؤخّرًا في يناير. ونقل عن عضو في إدارة الثقة والسلامة في تيك توك قوله «كلّ شيء مكشوف في الصين».

أعلن تيك توك في 17 يونيو 2022 بدايو توجيه حركة المستخدمين الأميركيّين تاريخه عبر خوادم تديرها أوراكل، وهي شركة أميركيّة لديها عقد مماثل مع زووم، وهي شركة تقنيّة أخرى واجهت شكوكًا بشأن صلاتها بالصين. سيتمكّن الموظّفون في الصين من الوصول إلى بيانات المستخدمين الأميركيّين فقط عبر البروتوكولات الّتي يشرف عليها فريق أمنيّ مقرّه في أميركا؛ ويجري التوصّل إلى التفاصيل مع السلطات الأميركيّة، وإذا وافقوا على الخطّة، فيمكن تكرارها في أماكن أخرى حول العالم.

(Getty)

ولكن هناك مخاوف أمنيّة أخرى لا تتعلّق بما يتعلّمه تيك توك عن مستخدميه، ولكنّ ما يتعلّمونه منه. يقدّم التطبيق نفسه كمنصّة ترفيهيّة مع محتوى «يغيّر يومك للأحسن»، ولكن مع نموّه، ازداد اتّساع نطاق إنتاجه. حوالي ثلث مستخدمي تيك توك يتعاملون معه كمصدر للأخبار، وفقًا لمعهد رويترز في جامعة أكسفورد. وتكون الحصّة من الناس الّتي تتّخذه مصدرًا للأخبار في البلدان ذات الإعلام الجماهيريّ الضعيف: في إندونيسيا وماليزيا والفلبّين وتايلاند، حبق يستخدم حوالي نصف السكّان التطبيق للحصول على الأخبار. ويعتبر الشباب، أكثر مستخدمي تيك توك حماسًا، الأكثر عرضة من غيرهم للحصول على الأخبار من التطبيق. وفي الوقت نفسه، تستخدم وسائل الإعلام الرئيسيّة تيك توك للترويج لمحتواها (أطلقت The Economist قناة تيك توك هذا الأسبوع).

أثار دور تيك توك المتنامي كمنصّة إخباريّة مخاوف من أنّه، على حدّ تعبير تيد كروز، عضو مجلس الشيوخ الأميركيّ، «حصان طروادة يمكن للحزب الشيوعيّ الصينيّ استخدامه للتأثير على ما يراه الأميركيّون، ويسمعونه ويفكّرون فيه». من المعروف أنّ الحكومة الصينيّة تتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعيّ في الداخل. في الثالث من يونيو، عشيّة الذكرى السنويّة لمذبحة ميدان تيانانمين، طرد لي جياكي، بائع متجوّل يعرف باسم ملك أحمر الشفاه، من موقع التواصل الاجتماعيّ ويبو، بعد عرضه كعكة تشبه دبّابة. تعمل الرقابة الحكوميّة في مكتب بايتدانس في بكين، وفقًا لموظّف سابق (تنفي الشركة هذا). لا تؤدّي عمليّات البحث عن الرئيس الصينيّ شي جين بينغ على Douyin، التوأم الصينيّ لتيك توك، إلّا لعرض بعد البروبغندا الصينيّة عنه.

نفس البحث على تيك توك ينتج المزيد من النتائج العاديّة. ومع ذلك، أظهر اعتدال تيك توك أحيانًا خصائص صينيّة. وحظرت المبادئ التوجيهيّة الداخليّة الّتي اكتشفتها صحيفة الغارديان في عام 2019 الإشارات إلى تيانانمين والتبت وتايوان، إلى جانب «مواضيع مثيرة للجدل للغاية» من دول أخرى، بما في ذلك أيرلندا الشماليّة. وقد تمّ تحرير هذه القواعد منذ ذلك الحين. يقول تيك توك إنّ إدارة المحتوى تتمّ منذ عامين من خارج الصين. لكنّ خوارزميّة التوصية، اللغز السرّيّ، لا تزال تحدثه شركة بايتدانس في الصين.

وتشكّ نانا لي من الهيئة الرقابيّة الجمعيّة الآسيويّة لحوكمة الشركات، في أنّ الحكومة الصينيّة توجّه تغطية تيك توك. وتقول: «نظرًا لشعبيّة تيك توك خارج الصين، لا أعتقد أنّهم سيخاطرون بها. ستكون هناك تكلفة على سمعة جميع الشركات الصينيّة في الخارج. ولماذا قد تفعل ذلك؟»

رغم كلّ ذلك يبقى مصدر الترفيه المفضّل للمراهقين الأميركيّين، ومصدر الأخبار بشكل متزايد، يدار من الصين نهاية. ويلاحظ راسموس نيلسن من معهد رويترز أنّ معظم الدول لديها قواعد تحدّ من الملكيّة الأجنبيّة لشركات الإعلام القديمة. عمليّات دمج وسائل الإعلام بشكل عامّ تخضع لمزيد من التدقيق من الصفقات الأخرى، حيث إنّ تركيز الملكيّة له آثار تتجاوز القدرة على التسعير، كما يشير. وعلى النقيض من ذلك، تواجه منصّات وسائل الإعلام الاجتماعيّة القليل من التنظيم في معظم الديمقراطيّات. في الشهر الماضي، دعا بريندان كار، عضو لجنة الاتّصالات الفيدراليّة الأميركيّة (FCC) المعيّن من قبل السيّد ترامب أپل وغوغل إلى طرد تيك توك من متاجر تطبيقاتها، لكنّ لجنة الاتّصالات الفدراليّة لا تستطيع إجبارهم على ذلك.

وفي حين أنّه من السهل على المنظّمين مراقبة إنتاج الصحف أو محطّات التلفزيون، من الصعب معرفة ما يراه الناس في موجزاتهم الاجتماعيّة الشخصيّة. وحظرت قنوات سبوتنيك وروسيا اليوم، وهي قنوات إخباريّة لها صلات بالكرملين، في العديد من الدول الغربيّة في مارس/ آذار بسبب ما وصفه الاتّحاد الأوروبّيّ بـ «التلاعب المنهجيّ بالمعلومات والتضليل» بشأن الحرب في أوكرانيا. سيكون من الصعب معرفة ما إذا كان مستخدمو تيك توك يتعرّضون لـ «حملات تضليل تفيد الحزب الشيوعيّ الصينيّ»، كما جاء في الأمر التنفيذيّ لترامب. تتعهّد تيك توك بأن تسمح، كجزء من صفقتها مع أوراكل، بفحص خوارزميّتها من طرف ثالث.

فهل يرضي هذا منتقديه؟ ما زالت بايتدانس حريصة على إقامة أعمالها الدوليّة على أسس أكثر رسوخًا. وحتّى مع ارتفاع شعبيّة تيك توك، يمكن القول إنّ عدم اليقين في الخارج والقمع على شركات التكنولوجيا في الداخل قد أضرّ بالشركة الأمّ. وأصبحت مراقبة الصين للمحتوى عبر الإنترنت أكثر صرامة، ممّا يهدّد البثّ المباشر والتجارة والإعلان المرتبط به. وخفّضت تايغر غلوبال Tiger Global، وهي شركة أميركيّة لإدارة الاستثمار، تقييمها لبايتدانس بنحو الثلث منذ وقت سابق من هذا العام، إلى أقلّ من 300 مليار دولار، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال. في العام الماضي كان هناك حديث عن طرح عام أوّليّ. ويبدو أنّ هذا لم يعد مطروحًا الآن.

تقاعد تشانغ، مؤسّس بايتدانس، من منصبه كرئيس تنفيذيّ ورئيس مجلس إدارة العام الماضي، مع اشتداد حملة الحكومة ضدّ أقطاب التكنولوجيا. (لا يزال يمتلك حصّة كبيرة في الشركة ويقال إنّه يحتفظ بأغلبيّة حقوق التصويت).

يقارن البعض في تيك توك مأزقها بحالة اليقين الّتي واجهت الشركات اليابانيّة في الغرب في الثمانينات، لكنّ الموقف أكثر تعقيدًا من ذلك. وقع بايدن العام الماضي أمرًا تنفيذيًّا، وضع المعايير الّتي ستقيم الحكومة من خلالها المخاطر الّتي تشكّلها التطبيقات المتّصلة بالخصوم الأجانب، بما في ذلك الصين، ويقال إنّ إدارته تعمل على وضع لوائح جديدة للبرمجيّات الأجنبيّة، مع التركيز على إساءة استخدام البيانات.

وتقوم لجنة الاستثمار الأجنبيّ في الولايات المتّحدة، وهي اللجنة الّتي ألغت صفقة غريندر، بمراجعة تيك توك أيضًا، وتواجه ضغوطًا متزايدة لتقديم تقرير (في 24 حزيران/يونيو، أرسل ستّة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريّين رسالة مثيرة إلى وزارة الخزانة). يمكن للجنة أن تأمر بإلغاء صفقة Musical.ly البالغة من العمر خمس سنوات - وهو احتمال معقّد للغاية - أو حتّى العودة إلى خطّة ترامب لإجبار بايتدانس على بيع تشغيل أعمال تيك توك الأميركيّة. ونظرًا لشعبيّة تيك توك، قد تجد لجنة الاستثمار الأجنبيّ في الولايات المتّحدة أنّه من الأسهل قبول عرض الشركة بالتعاون مع أوراكل وفتح خوارزميّة التطبيق للتدقيق الخارجيّ.

غير أنّ الصين قد لا توافق على تلك الشروط. عندما طالب ترامب ببيع أعمال تيك توك الأميركيّة في عام 2020 أصدرت الصين قانونًا يصنّف خوارزميّة توصية تيك توك على أنّها تقنيّة حسّاسة، ممّا قد يمنع بيعها لشركة أجنبيّة. قد يمنع القانون أيضًا بايتدانس من السماح للمنظّمين الأميركيّين بفحص كود التطبيق البرمجيّ، كما يعتقد آدم سيغال من مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجيّة.

قد تفضّل الصين حظره على تسلميه. قد تواجه أميركا من جانبها، خيارًا بين الاستغناء عن التطبيق الأكثر رواجًا في العالم أو أن تتجاهل المخاطر المصاحبة له، ويقول سيغال: «في مرحلة ما، سيجفل أحدهم وسيتّخذ الآخر قرارًا».

التعليقات