التكنولوجيا البيومتريّة: تقدّم ملحوظ يهدّد أمن الأفراد وخصوصيّتهم

في منتصف القرن العشرين، أدّت التطوّرات في علوم الكمبيوتر والإلكترونيّات إلى اختراقات في تكنولوجيا القياسات الحيويّة، حيث سمح ظهور أجهزة الكمبيوتر بالتخزين الفعّال واسترجاع مجموعات البيانات الكبيرة، ممّا مهّد الطريق لأنظمة التعرّف على بصمات الأصابع والوجه

التكنولوجيا البيومتريّة: تقدّم ملحوظ يهدّد أمن الأفراد وخصوصيّتهم

(Getty)

يعدّ تاريخ تكنولوجيا المعلومات البيومتريّة شهادة على الخطوة الّتي حقّقتها البشريّة في دمج العلم والتكنولوجيا لمواجهة التحدّيات العمليّة، حيث وجدت القياسات الحيويّة، وهي القياس والتحليل الإحصائيّ للخصائص البدنيّة والسلوكيّة للأفراد، تطبيقاتها في مجموعة متنوّعة من القطاعات، من الأمن والتحكّم في الوصول إلى الرعاية الصحّيّة والتمويل، فيما يدعو الكثير من الخبراء، إلى معالجة مخاوف تتعلّق بضمان تدابير الخصوصيّة والتخفيف من مخاطرها الجدّيّة.

ويمكن إرجاع أصول التعرّف على القياسات الحيويّة إلى الحضارات القديمة باستخدام طرق بدائيّة مثل بصمات اليد والأختام للمصادقة، ومع ذلك، اكتسب التطوّر الحقيقيّ للقياسات الحيويّة زخمًا في أواخر القرن التاسع عشر عندما قدّم ألفونس بيرتيلون قياس الأنثروبومتريّة، وهو نظام لقياسات الجسم، لتحديد هويّة المجرمين، وكان هذا بمثابة بداية للطرق العلميّة في تحديد الأفراد بناء على الخصائص الفيزيائيّة الفريدة.

وفي منتصف القرن العشرين، أدّت التطوّرات في علوم الكمبيوتر والإلكترونيّات إلى اختراقات في تكنولوجيا القياسات الحيويّة، حيث سمح ظهور أجهزة الكمبيوتر بالتخزين الفعّال واسترجاع مجموعات البيانات الكبيرة، ممّا مهّد الطريق لأنظمة التعرّف على بصمات الأصابع والوجه، واكتسب التعرّف على بصمات الأصابع قبولًا واسعًا، وأصبح ممارسة معياريّة في تطبيق القانون وعلوم الطبّ الشرعيّ، ومع تقدّم التكنولوجيا، انضمّت معرفات القياسات الحيويّة الأخرى مثل أنماط القزحيّة وبصمات الصوت وحتّى تحليل المشي إلى مجموعة طرق تحديد الهويّة، وهو ما أصبح يثير قلق حقوقيّين حول العالم، من هذه المعلومات الّتي يمكن استغلالها من أطراف أخرى.

وجلب تطوير تكنولوجيا المعلومات البيومتريّة العديد من الفوائد عبر مختلف المجالات، حيث حسنت القياسات الحيويّة بشكل كبير أنظمة التحكّم في الوصول، ممّا يجعلها أكثر أمانًا وملاءمة، وأصبح التعرّف على الوجوه، على سبيل المثال، حجر الزاوية في أمن المطارات، ممّا يعزّز عمليّات مراقبة الحدود ويقلّل من مخاطر الاحتيال في الهويّة، كما أحدثت تكنولوجيا القياسات الحيويّة ثورة في رعاية المرضى في قطاع الرعاية الصحّيّة، ما يضمن تحديد المريض من خلال القياسات الحيويّة وجود سجلّات طبّيّة دقيقة ويقلّل من الأخطاء ويمنع الاحتيال. علاوة على ذلك، مكّنت الأجهزة البيومتريّة القابلة للارتداء الأفراد من مراقبة مقاييسهم الصحّيّة، ممّا يسمح بالكشف المبكّر عن المشكلات الصحّيّة المحتملة.

واعتمدت المؤسّسات الماليّة أيضًا أساليب المصادقة البيومتريّة لمكافحة الاحتيال وتبسيط المعاملات، حيث أصبحت بصمات الأصابع والتعرّف على الوجه جزءًا لا يتجزّأ من تطبيقات الخدمات المصرفيّة عبر الهاتف المحمول وأنظمة الدفع الإلكترونيّة، ممّا يوفّر مستوى أعلى من الأمان من كلمات المرور التقليديّة أو أرقام التعريف الشخصيّة.

وفي حين أنّ انتشار تكنولوجيا القياسات الحيويّة يوفّر العديد من المزايا، إلّا أنّه لا يخلو من التحدّيات والمخاوف، لا سيّما في مجالات الخصوصيّة، حيث يدور أحد الانتقادات الأوّليّة حول احتمال إساءة استخدام البيانات البيومتريّة، ونظرًا لأنّ معرفات القياسات الحيويّة شخصيّة للغاية وفريدة من نوعها للأفراد، فإنّ أيّ خرق أو وصول غير مصرّح به إلى هذه البيانات يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، بما في ذلك سرقة الهويّة والمراقبة.

كما يثير جمع وتخزين المعلومات البيومتريّة أسئلة حول الموافقة والمراقبة، وغالبًا ما يتمّ جمع البيانات البيومتريّة دون أن يفهم الأفراد تمامًا الآثار المترتّبة على استخدامها، بالإضافة إلى ذلك، تنشأ مخاوف بشأن إمكانيّة قيام الحكومات والشركات بتجميع قواعد بيانات بيومتريّة ضخمة، والّتي يمكن استغلالها للمراقبة الجماعيّة أو لأغراض شائنة أخرى، وكذلك هناك مخاوف تتعلّق بقابليّة هذه التكنولوجيا للتحيّز، لا سيّما في أنظمة التعرّف على الوجه، حيث أظهرت العديد من هذه الأنظمة معدّلات خطأ أعلى عند محاولة تحديد الأفراد ذوي البشرة الداكنة أو العروض التقديميّة للجنسين، وينبع هذا التحيّز من مجموعات البيانات المستخدمة لتدريب هذه الخوارزميّات، والّتي كانت تميل تاريخيًّا نحو بعض الديموغرافيّات. والنتيجة هي تقنيّة لا تقوّض فعّاليّتها فحسب، بل تديم التفاوتات الاجتماعيّة.

وقد تجاوز التطوّر السريع لتكنولوجيا القياسات الحيويّة الأطر التنظيميّة والمبادئ التوجيهيّة الأخلاقيّة. سمح هذا الفراغ التنظيميّ لبعض الكيانات بتنفيذ أنظمة القياسات الحيويّة دون مساءلة مناسبة. يمكن أن يؤدّي عدم وجود إرشادات واضحة إلى عواقب غير مقصودة، مثل التحيّزات المذكورة أعلاه دون رادع أو احتمال استهداف الأفراد بشكل غير عادل بناء على تحديدات القياسات الحيويّة الخاطئة.

التعليقات