التثاؤب والضحك: السؤال الذي لا يزال محيّرًا حتّى الآن

لم يقتصر التثاؤب في عدواه على البشر فقط، وإنّما ثبت لدى العلماء، من خلال العديد من الأبحاث، حدوثه على الحيوانات كذلك

التثاؤب والضحك: السؤال الذي لا يزال محيّرًا حتّى الآن

(Getty)

يحاول العلماء منذ زمن بعيد، إيجاد العلاقة والصلة المشتركة ما بين الضحك والتثاؤب من ناحية العدوى، ومن المعروف أنّ أكثر الحالات انتقالًا بالعدوى هو التثاؤب، سواء من خلال النظر إلى شخص يتثاءب أو السمع عن الأمر، أو حتّى التفكير به. هذا ما أعلنت عنه دراسات مختلفة خلال العقود الماضية، لكنّ هذا الأمر، ما يزال محيّرًا وغامضًا بالنسبة للعلماء حتّى وقتنا هذا، وما يؤكّد أيضًا، القول المأثور "إذا تثاءب أحدكم، فإنّه يمكن أن يعدي 7 آخرين"، هو ما أثبتته دراسة نفسيّة أيضًا، أجرتها الأستاذة في جامعة ماريلاند، ميري هاينز.

"بمجرّد أن تنفتح أبواب التثاؤب، سوف تكون العدوى، وكذلك الأمر حين يتعلّق بالضحك" تقول عالمة الأعصاب هاينز، والتي أجرت دراستها على الضحك وردود الفعل البشريّة تجاهه، حيث خلصت إلى أنّ الضحك هو ظاهرة اجتماعيّة، وبحثت في دراستها، استجابة الدماغ لأصوات الضحك، وأسبابها النفسيّة والفيسيولوجيّة.

ونشرت مجلّة "رويال سوسايتي"، بحثًا للأستاذة في كليّة العلوم في جامعة "آلتو" في فنلندا، لوري نومينا، حول عمليّة "نسخ السلوك"، والذي يطبّق على التثاؤب والضحك. وتقول في دراستها "نحن ببساطة ننسخ سلوك وضحك الآخرين، وعندما يحدث ذلك، فإنّه يتمّ تحويل هذه المعلومات إلى نفس المنطقة من أدمغة المراقبين والمشاركين".

لم يقتصر التثاؤب في عدواه على البشر فقط، وإنّما ثبت لدى العلماء، من خلال العديد من الأبحاث، حدوثه على الحيوانات كذلك. إذ تقول أستاذة السلوك الاجتماعيّ في جامعة أمستردام، إنّ الضحك هو إشارة لعب عند البشر وحيوانات أخرى"، وهو ما يمكن أن يكون إشارة إلى استلطاف ما أو قبول ما، ولكن من الأمور المحيّرة كانت في جميع الدراسات، هو الضحك الجماعيّ. وأشار عالم النفس روبرت بروفين، في كتابه "الضحك"، إلى أنّه من الممكن أن يضحك الشخص وحيدًا، لكن يمكن أن يزيد الضحك لأكثر من 30 مرّة في حال كان مع آخرين، مبرّرًا ذلك بأنّ ردّة الفعل تجاه الضحك المعدي هي فوريّة وغير إراديّة، وتتعلّق مباشرة بالتواصل بين الناس: دماغ إلى دماغ.

التثاؤب والضحك… كيف يتبنّاه البشر

(Getty)

يقول عالم وظائف الأعضاء وعالم الأعصاب هاري ويتشل "للضحك العديد من القواعد الدقيقة"، وفرّق بين الظروف التي يتحقّق فيها ضحك الناس، وناقش في كتابه حالات مختلفة من الضحك، منها "أوبئة الضحك" التي أصابت عددًا من الكنائس، و"طاعون الضحك"، الذي أصاب العديد من مناطق أفريقيا الوسطى عام 1962، إلى درجة أنّ عددًا من المدارس اضطرّت إلى الإغلاق، بعد نوبة ضحك معدية بين الطلاب استمرّت إلى عدّة أيّام.

وصدر عدد في مجلّة "بروسيدينغ أوف ذا سوسيال سوسايتي" في أيلول سبتمبر 2022، ضمّ 40 أكاديميًّا، وجاء بعنوان "فكّ شيفرة الضحك من منظور علم الأحياء وعلم النفس، وهدف هذا البحث إلى معالجة الأسس البيولوجيّة والنفسيّة والعصبيّة والثقافيّة للضحك، لدى البشر والحيوانات الأخرى من منظور طبيعيّ وتطوّري، ودراسته مع الأخذ في عين الاعتبار النوايا السلوكيّة والاستجابة لدى المتلقّي، وتمّت الإشارة في هذا البحث، إلى أنّ الضحك يؤثر على المحادثات، ويمكن أن يرتفع ويهبط بها، ويمكن أن يؤسّس إلى روابط اجتماعيّة متينة.

وأعلن باحثون من جامعة ماينس الألمانيّة للطبّ النفسيّ عن نتائج بحثهم، التي أشارت إلى أنّ الضحك هو معدٍ، من خلال دراسة الأعمال الكوميديّة التي يترافق معها صوت ضحك مصطنع في الخلفيّة، وقال أندرياس يارانوفسكي، أحد الباحثين، إنّ "الضغط النفسيّ يمكن أن يؤثّر بشكل هائل على إدراكنا، خاصّة في المواقف التي ليست واضحة المعنى بشكل تامّ".

وحاول عدد من الباحثين ربط التثاؤب والضحك معًا، وهو ما فعله القائمون على دراسة بريطانيّة حديثة نُشرت في دوريّة "كورنت بيولوجي" إلى كون التثاؤب معديًا. حيث أشارت إلى أنّ التثاؤب يعد شكلًا من حالة تسمّى "الإيكوفيونمينا"، والتي يشيرون إليها بأنّها "تقليد آلي وفوريّ"، والمسؤول عن هذا الأمر في الدماغ، هي القشرة الحركيّة الأوليّة، وهو أمر مشترك يحدث للدماغ مع الضحك، أو التثاؤب.

وأجرى العلماء تجاربهم على نحو 36 متطوّعًا، لاختبار ما الذي يحدث في الدماغ حين يتثاءبون، وتوصّلوا إلى أنّ درجة الرغبة في التثاؤب، كانت تختلف طبقًا لطريقة عمل القشرة الحركيّة الأوليّة في أدمغة المشاركين

التعليقات