بين تركيا وسورية: عالِم زلازل يشرح ما حدث

كان زلزالاً كبيراً فعلاً، وكان للاهتزاز الناجم عن انتقال الطاقة من المصدر أو مركز الزلزال إلى خارجهِ عواقب مدمرة على كل من يعيش قربهِ. انهارت آلاف المباني، ووصل عدد الضحايا في البلدين إلى نحو 22 ألف قتيل

بين تركيا وسورية: عالِم زلازل يشرح ما حدث

(Getty)

(ترجمة: عرب٤٨)

في صباح اليوم السادس من شباط/ فبراير 2023، ضرب زلزال كبير منطقة جنوب شرق تركيا، بالقرب من الحدود مع سورية، وأشارت البيانات المُستمدة من مقاييس الزلازل التي تقيس اهتزاز الأرض الناجم على أن الزلزال الصباحي الأول كان بقوة 7.8 على مقياس درجة العزم[1]، وتمكنت أجهزة استشعار الزلازل في كافة أنحاء العالم من التقاط هذه الموجات الزلزالية، وقد ظهرت في أوروبا، وبعض الأماكن البعيدة حتى عن تركيا، مثل المملكة المُتحدة.

كان زلزالاً كبيراً فعلاً، وكان للاهتزاز الناجم عن انتقال الطاقة من المصدر أو مركز الزلزال إلى خارجهِ عواقب مدمرة على كل من يعيش قربهِ. انهارت آلاف المباني، ووصل عدد الضحايا في البلدين إلى نحو 22 ألف قتيل، توجد تقارير عن أضرار في خطوط أنابيب الغاز؛ مما أدى إلى نشوب حرائق في هاتاي التركية في اليوم الأول من الكارثة. وجاء الزلزال الثاني بعد ساعات قليلة، وضرب وسط تركيا بقوة 7.5 درجة.

الزلزال، كيف وقع؟

تعتبر هذه المنطقة من تركيا معرضة للزلازل لوقوعها عند تقاطع ثلاث من الصفائح التكتونية المُشكِّلة لقشرة الأرض: الصفائح الأناضولية والعربية والإفريقية. تتجه الصفيحة العربية شمالًا إلى أوروبا، مما يتسبب في دفع صفيحة الأناضول (التي تقع تركيا فوقها) نحو الغرب.

الصفيحة العربية تصطدم بالصحيفة الأوراسية، وتدفع بالصفيحة الأناضولية غربًا... أو للتبسيط، تضغط سورية للاقتراب من أوروبا، وتضغط بذلك على تركيا. ميكينورتون/ ناسا/ويكي

تؤدي حركة الصفائح التكتونية إلى زيادة الضغط على مناطق الصدع عند حدودها، ويعد الإطلاق المفاجئ لهذا الضغط هو المسبب للزلازل ولاهتزاز الأرض؛ ومن المحتمل أن يكون الزلزال الثاني قد حدث على أحد الصدوع الرئيسة التي تفصل بين صفيحة الأناضول والصفيحة العربية: إما صدع شرق الأناضول أو صدع البحر الميت التحويلي، والاثنان "صدوع انزلاقية مضربية"، مما يعني أنهما يستوعبان بعض حركة الصفائح التي تتحرك فوق بعضها البعض.

"أكبر بكثير" من الزلازل السابقة

تقع وتتحرك الزلازل في هذه المنطقة سنويًا؛ بسبب حركة الصفائح التكتونية المُستمرة، إلا أن زلزال تركيا وسورية الحالي كبير ومُدمِّر بالمقارنة مع تاريخه، وذلك بسبب كمية الطاقة الُطلقة. تذكر هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS) حدوث ثلاثة زلازل فقط أعلى من 6 درجات في نطاق 250 كيلومترًا من هذا الموقع منذ عام 1970. وبصول الزلزال الأول في 6 فبراير إلى 7.8، يكون أقوى الزلازل التي شهدتها المنطقة في تاريخها (آخر زلزال مُسجل فيها كان بقوة 7.4).

يستخدم علماء الزلازل الحديثون مقياس درجة العزم، والذي يمثل كمية الطاقة المنبعثة من الزلزال (مقياس ريختر قديم، على الرغم من أنه توظيفه بشكل خاطئ أحيانًا في الأخبار)، ويعتبر هذا المقياس غير خطي: كل درجة للأعلى تمثل 32 ضعف الطاقة المنبعثة، وهذا يعني أن قوة 7.8 على مقياس ريختر تطلق طاقة فعليًا حوالي 16.000 مرة أعلى من الطاقة من الزلازل الأكثر اعتدالًا (5 درجات) والتي تحدث عادة في المنطقة.

تضرر منطقة جراء الزلزال في إدلب، سورية (Getty)

يميل الناس للاعتقاد بأن طاقة الزلزال تصدر من منطقة أو مكان واحد فقط، إلا أنها تنتج عن الحركة على طول منطقة الصدع، وكلما كبر الزلزال، زادت مساحة الصدع المُتحركة، وبارتفاع قوة الزلزال إلى 7.8 درجة، فمن المُحتمل أن تكون الحركة على طول منطقة يبلغ طولها حوالي 190 كلم وبعرض 25 كم، وهذا يعني أن الناس سيشعرون بالزلازل على امتداد مساحات كبيرة.

وتشير التقديرات إلى أن الاهتزازات الشديدة إلى العنيفة (بما يكفي لإحداث أضرار جسيمة) قد شعر به 610.000 شخص في المنطقة المحيطة على بعد حوالي 80 كم شمال شرق على طول حدود الصفائح التكتونية، حيث شعر الناس بهزة خفيفة في أماكن بعيدة مثل إسطنبول، أكبر مدن تركيا (حوالي 815 كم)، وكذلك الناس في بغداد في العراق (800 كم) وفي القاهرة في مصر (950 كم).

ماذا عن الهزَّات الارتدادية؟

تُتبع الزلازل الكبيرة بالعديد من الزلازل الصغيرة والمعروفة باسم الهزات الارتدادية حيث تتكيف القشرة مع التغيرات في الإجهاد، ويمكن أن تستمر هذه الهزَّات لأيام أو لسنوات بعد الحدث الأولي (الزلزال). وقعت في أول 12 ساعة بعد الزلزال الأول في جنوب شرق تركيا ثلاثة زلازل أخرى تجاوزت قوتها 6 درجات، وكان أولاها بقوة 6.7 درجة، ووقع بعد 11 دقيقة من الحدث الأولي، ثم أتبعت بآلاف الهزات الارتدادية الأضعف، ووصلت حسب نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي إلى 1300 هزّة.

وقع الزلزال الثاني بقوة 7.5 على مقياس ريختر إلى الشمال من الزلزال الأول، ولكن على نظام صدعي مُختلف، ولكنه مجاور: صدع سورو (Sürgü Fault)، ويكاد يعتبر هذا الزلزال الثاني من قوته، من الناحية الفنية، لأنه يعتبر زلزالا منفصلاً في حد ذاته، على الرغم من احتمالية وقوعهِ بسبب الزلزال الأول. وفي حين أن الهزات الارتدادية عادة ما تكون أصغر بكثير من قوة الزلزال الأول، إلا أنه قد يكون لها عواقب مُدمرة مماثلة؛ مما يزيد من أضرار البنى التحتية التي تضررت من الزلزال الأول، وهو ما يعوق جهود الإنقاذ.

مع استمرار شعور السكان الذين يعيشون في هذه المنطقة بآثار هذه الزلازل الكبيرة، لا يسعنا إلا أن نأمل أن تصل المساعدات الدولية إلى تركيا وسورية في أقرب وقت ممكن للمساعدة في جهود الإنقاذ المستمرة، وسط الهزات الارتدادية المستمرة.


إحالات:

[1] مقياس درجة العزم أو مقياس العزم الزلزالي، وهو مقياس يستخدم لقياس جدة الزلازل عبر مقدار الطاقة التي تصدرها عنها، ويعتمد المقياس على أساس عزم الزلزال والذي يساوي صلابة الأرض مضروبة في متوسط كمية الانزلاق على الفالق (الصدع) وحجم المساحة التي انزلقت. وقد جاء هذا المقياس تحسينًا على مقياس ريختر الذي اخترعه عالم الزلازل الأمريكي تشارلز ريختر عام 1935م، وفي كلا المقياسين يزيد القياس كلما كان الزلزال قويًا. ويكون مقياس ريختر ومقياس العزم الزلزالي متماثلين في معظم الزلازل التي تبلغ قوتها أقل من سبع درجات، ولكن يقيس مقياس العزم الزلزالي الزلازل القوية بصورة أكثر دقة.

التعليقات