كائنات همام السّيّد المنهكة

يستضيف غاليري أجيال في الحمرا (لبنان)، معرضًا للفنّان السّوريّ المقيم في لبنان، همام السّيّد (1981). المعرض بعنوان 'عبثيّ'، يصوّر الفنّان فيه ملامح وجسد الشّخصيّة المنهكة جسديًّا وروحيًّا، والإنسان الّذي أثقله الواقع السّياسيّ والاجتماعيّ وحوّله إلى كائن لا يستطيع الحركة بخفّة. هو إنسان مشوّه إذًا،  حاصرته الظّروف حتّى غيّرت أبعاد جسده الثّلاثيّ فصار رأسه وجسده في حالة تشابه وتماه في الأبعاد.

تضخّم

يتخفّف الفنّ هنا من الألوان ويركّز على الحجم وتغييره المفرط، دلالة على وجود شاذّ. هنا اختلاف مع كائنات جيوكوماتي  النّحيلة الّتي جعلتها العزلة تتخفّف من كلّ شيء،  ففي لوحات السّيّد الّتي تستفيد من النّحت لكي تنحت قصّة الوجود المأسور، يبدو الجسد وكأنّه حكاية أفرغت فيها قوالب اجتماعيّة كثيرة حتّى جعلتها تتضخّم، وعلى عكس شخصيّات فرناندو بوتيرو أيضًا، فهنا التّضخّم ليس حدثًا طبيعيًّا، إنّه فعل قسريّ ومضطّهد يذيب الملامح الخاصّة ويجعلها تتحرّك وتتشابه في كتلة لحميّة تبدو أكبر ممّا حولها، قد يجعلها الفنّان تلهو بخيط أو بدولاب، أو يعطيها اسم نوح أو الثّور المجنّح، لكن في كلّ الأحوال، لا تستطيع مغادرة ثقلها الكبير.

همام السّيّد

في لوحة للسّيّد تحمل عنوان 'الحبّ عند شاغال'، تبرز لوحة الفنّان الرّوسيّ الفرنسيّ شاغال، 'القبلة'، وكأنّها على عنق الفتاة المتضخّمة، هنا العنق مجرّد جدار، أو تمثال نرسم عليه ما تبقّى من جماليّات. وفي لوحة أخرى تحضر الشّعارات كلافتات كانت هي الأخرى علامة على أزمة ذاك الإنسان، هو يحتضنها وفي الوقت ذاته تشكّل ضغطًا على وجوده الطّبيعيّ.

جمود

اللّعبة الجماليّة هنا  تكبّر حجم الجسد على حساب الأشياء الّتي تحضر بشكل بسيط ونادر، الجسد المسخ هو الحاضن، هو المكان، لقد تشيّأ وانقلب إلى جماد؛ أمّا المدينة كما في لوحة 'البرميل'،  فتصغر كثيرًا حتّى تبدو مثل صفحة الماء بينما يسقط الجسد ويتداعى، هنا يصير الغياب المتعمّد  للأشياء أداة لكي تحضر، لكن في الملامح المربكة والمتآكلة. الأشياء موجودة في نتيجتها البائسة، وهي الإنسان المرسوم والمحدود مسبقًا، الّذي لم يعد بإمكانه أن يتخفّف من الواقع.

الألوان القليلة أيضًا تبدو كأنّها متوارية ولا تظهر كثيرًا، ربّما القسوة والشّحوب هو أيضًا جزء من هذه العوالم الّتي تلاحق الكائن الممزّق، فلا ألوان صاخبة أو صارخة، وفي لوحات الحبر أيضًا ثمّة غالبًا لون واحد في الجسد كلّه، والخلفيّة سوداء.

ما يثير الانتباه هنا هو الجمود، وهي صفة ذاك الوجود الضّاغط، فيشعر المشاهد للأعمال أنّها لا تتحرّك، حتّى الشّخصيّات المختلفة تتشابه، رغم أنّها ليست واحدة، إلّا أنّها لا تنطلق بحرّيّة، فالماضي قد أثقلها إلى درجة الأسر في لوحة السّيّد، وفي واقعها المعيش.

الحبّ عند شاغال
نوح
لامسوس