الفنّانة جمانة إميل عبّود: معرض "خارج الظلال" يعرض رؤى مرحّبة عن فلسطين

الفنّانة جمانة إميل عبّود | Colin Davison

 

المصدر: Miami New Times.

ترجمة: فريق التحرير.

 

حين تفكّر بالأرض في فلسطين، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهنك، عادةً، الصراع القائم فيها. لكن، لدى جمانة إميل عبّود، فإنّ المشهد الطبيعيّ الفلسطينيّ يستدعي روابط أقدم من ذلك، ويستدعي العديد من المخلوقات الأسطوريّة، مثل جنّيّات الماء والغيلان.

"تُحكى هذه القصص منذ وقت طويل قبل عام 1948"، تقول لنا الفنّانة المولودة في الجليل عبر الهاتف من بيتها في القدس. إنّها تريد لنا أن ننظر إلى القرون التي سبقت إعلان قيام دولة إسرائيل، والتي سبقت التوتّرات التي تشهدها المنطقة الآن، "لقد كانت صلتنا بالمشهد الطبيعيّ وموارد الماء شديدة العمق والجمال".

منذ نشأتها، اعتادت إميل عبّود على تخيّل وطنها بعد هجرة عائلتها إلى كندا، عندما كانت لا تزال في الثامنة من عمرها. "لقد حاولنا أن نحافظ على الثقافة الفلسطينيّة في بيتنا"، تقول مستذكرة ماضيها، "وهذا يتضمّن حكي القصص الشعبيّة حول القرى التي تركتها عائلتنا وراءها".

 

 

عندما عادت إلى إسرائيل لتدرس الفنّ وهي في أوائل العشرينات، بدأت تبحث عن الأمكنة التي سمعت هذه الحكايات عنها. على خلاف الغابة التي قطعها هانسل وغريتل، أو الجسر الذي قطعته العنزات الثلاث في القصص الشعبيّة الغربيّة[1]، فإنّ القصص التي سمعتها إميل عبّود في طفولتها تدور حول أمكنة محدّدة يمكن تعيينها، بالقرب من "شجرة معيّنة، أو نبع، أو بئر".

"بالنسبة لخالاتي وعمّاتي وجدّاتي، لم تكن هذه مجرّد كلمات"، تقول، وتضيف: "كان الناس يعتقدون بأنّ مصدرًا معيّنًا من مصادر الماء المرتبط بقصّة ما، يمتلك قدرة خاصّة على الشفاء، أو أنّه مسكون، ثمّ كان يقال لنا ألّا نذهب إلى هناك، وإلّا فإنّنا سنلقى الغولة".

بالإضافة إلى القصص التي سمعتها من عائلتها، غاصت إميل عبّود في بطون الكتب، مثل كتاب "قول يا طير"، الذي جمع فيها إبراهيم مهوّي وشريف كنعانة مجموعة من القصص الشعبيّة الفلسطينيّة، والمجلّد الصادر عام 1922، الذي جمع موادّ د. توفيق كنعان، الطبيب الفلسطينيّ الذي اتّجه إلى الإثنوغرافيا، والذي يعتمد على هذه القصص. تستذكر إميل عبّود بالقول: "كان مرضاه يدفعون له أجره عبر حكي ما يعرفونه من تعاويذ وقصص أسطوريّة وطقوسيّة".

انطلقت الفنّانة ومساعدها، المصوّر الفوتوغرافيّ ومصوّر الفيديو عيسى فريج، للبحث عن "الأمكنة المسكونة" المذكوة في هذه القصص، في "مواضع الماء العتيقة" و"الكهوف القديمة"، وقد استكشفا نحو 20 موقعًا يعتقدان بأنّها مرتبطة بقصص شعبيّة. وقد رفعا الستار عن هذه الأمكنة في الفيديو، غير السرديّ، ثلاثيّ المشاهد - Three channel، بعنوان "مسكونة"، الذي يتجوّل ببطء بين مشاهد الطبيعة الخالية من الوجود البشريّ. تتردّد أصداء الطيور عبر الغابة، يمرح حصان فوق أرض حجريّة، تتمرأى سلسلة من التلال على مشارف مدينة بعيدة. أشجار تتفتّح زهورها البنفسجيّة، ماعز يثغو، مطر يتساط، وماؤه يبقبق وهو يتسلّل إلى الكهوف. هنا وهناك، تظهر شخوص بشريّة بعيدة وضئيلة.

 

 

تغيب بوضوح نقاط التفتيش العسكريّ، ويختفي جدار الفصل الذي يفصل الأراضي الفلسطينيّة عن إسرائيل. تؤكّد إميل عبّود على أنّها تعمّدت إخفاء هذه الحواجز وحجبها، "أريد أن أخلق الانطباع بأنّ هذا المشهد الطبيعيّ مفتوح لاحتضانك، من دون شروط، وبحرّيّة كاملة".

سترحّب جمانة إميل عبّود وعيسى فريج بجمهور ميامي في هذا المشهد الطبيعيّ، حيث سيعرضان "مسكونة" جزءًا من فعاليّة سلسلة الأداءات "العيش معًا - Living together" [محرّر الترجمة: انطلق الحدث في شباط (فبراير) الماضي]، التي يستضيفها متحف الفنّ والتصميم في كلّيّة Miami Dade. سيكون الفيديو الجزء الأوّل من "خارج الظلال"، العرض الذي ظلّ ينمو منذ نحو سبع سنين.

في الجزء الأوّل من العرض، ستستذكر إميل عبّود، الحكواتيّة، القصص الشعبيّة كما كانت تُروى في الماضي. في أحد الفيديوهات التي تصوّر أداءها للقصص في نسخة سابقة من "خارج الظلال"، خلال تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، في معرض دارة الفنون بعمّان، الأردنّ، تظهر إميل عبّود وهي تتحدّث بأسلوب بسيط، فيما تمتلئ عيناها بالدهشة والتعجّب.

في الجزء الثاني، تعدنا بأنّها ستنسج خيوط القصص الفلسطينيّة بخيوط القصص المألوفة لجمهورها. فخلال هذه المقابلة، قالت لنا إنّها تأخذ استراحة من "أداء واجباتها" في دراسة القصص الشعبيّة جنوب فلوريدا، وأثناء الأداء، ستطلب مباشرة من جمهورها أن يرووا ما في جعبتهم من قصص.

 

 

أمّا في الجزء الثالث من العرض، وعلى خلفيّة عرض "مسكونة"، ستتحدّث إميل عبّود وفريج عن قصّة بحثهما وإيجادهما للمواقع التي تظهر في الفيديو. مرّة أخرى، تؤكّد عبود على أنّهما سيتجنّبان أيّ مواجهات سياسيّة صريحة، وسيعلّقان على تجربتهما مع العالم الطبيعيّ والفائق للطبيعة.

يظهر العالم الفائق للطبيعة في رسومات إميل عبّود لجنّيّات الماء والوحوش التي تطارد القصص الشعبيّة. وبغضّ النظر عن محتوى هذه الرسومات المثير للخوف، فإنّها متقنة في تصويرها للغرابة: طير ذو لون أخضر شاحب يحمل وجه امرأة ويقف مفتوح الأجنحة؛ سمكة بخليط من الألوان الفاتحة تفتح فمها عن أسنان حادّة.

"بالنسبة لي، الوحش ليس كيانًا مادّيًّا، بل فكرة"، تقول إميل عبّود، "لقد حاولت أن أرسمهم على نحو متشابه، فتبدو الغولة كما لو أنّها عروس جميلة. لا يمكنك أن تميّز مَنْ هو الوحش، ومَنْ هو ليس كذلك".

 

...................

 

[1] "هانسل وغريتل"، قصّة خياليّة شهيرة من أصول ألمانيّة، تدور حول طفلين يتوهان في الغابة فيعثران على بيت من الحلوى تسكنه ساحرة عجوز، وبعد سلسلة من المغامرات، يتمكّن الطفلان من النجاة من مكيدتها. وقصّة "العنزات الثلاث" من أصول نرويجيّة، عن ثلاث عنزات يواجهن العملاق الذي يسكن أسفل النهر، لكي يتمكّنّ من الوصول إلى المراعي الخضراء [المترجم].

 

روزنة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من الإنجليزيّة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، بإشراف الشاعر والمترجم أسامة غاوجي.

 

بعض الصور الواردة في هذه المقالة من اختيارات هيئة التحرير، لا المصدر الأصل.