الهويّة العربيّة في كاريكاتير «كأس العالم فيفا قطر 2022»

«كأس العالم قطر 2022».

 

هويّة عربيّة في حدث عالميّ

تعاني الهويّة العربيّة منذ أزمة واضحة، في انعكاس متبادل لواقع التشظّي العربيّ، إلّا أنّ اللحظة الراهنة الّتي تتمثّل بـ «كأس العالم فيفا قطر 2022»، استدعت أن تتجلّى الهويّة بصورة أقرب إلى أن تكون بعيدة عن هذا التشظّي وما يصحابه من إحساس بالاغتراب، وهو ما انعكس في فنّ الكاريكاتير على شكل احتفاء بالجانب الجمعيّ من هذه الهويّة، لتبدو واحدة، بعيدة عن العنصريّة والعرقيّة وتأكيد الاختلافات.

شهد فنّ الكاريكاتير القطريّ تطوّرًا منذ عام 2020، وصولًا إلى تخصيص الدولة «جائزة كتارا للكاريكاتير»، أمّا عناية الدولة بالفنّ وتوثيق الهويّة، فيمكن الوقوف عليها أساسًا من خلال المتاحف الّتي عبّرت عن مستويات الوطنيّة والعروبة والإسلام، مثل «المتحف العربيّ للفنّ الحديث»، و«متحف قطر الوطنيّ»، و«متحف الفنّ الإسلاميّ»، وغيرها.

انطلاقًا من أنّ الفنّ لغة عالميّة بصريّة[1]، وفي سياق كأس العالَم، نلحظ نماذج من فنّ الكاريكاتير تعالم سؤال الهويّة من منطلق جمعيّ، متجاوزة الحدود المكانيّة، وضمن بوتقة زمانيّة واحدة متمثّلة بالحدث العالميّ الّذي يرقبه الملايين حول العالَم، حيث تعيش الشعوب العربيّة اللحظة الترفيهيّة بانتماء عربيّ هويّاتيّ ضمن الدولة المستضيفة، بضمن عمليّة تثاقف مع مختلف ثقافات وجنسيّات العالَم.

كاريكاتير سعد المهنّدي

 

مواجهة خطاب الغرب

لقد أخذت «اللجنة العليا للمشاريع والإرث» على عاتقها، منذ قرار «الفيفا» عام 2011 منح قطر حقّ استضافة كأس العالم، تكريس جهودها للعناية بتجهيزات هذه المناسبة، من خلال التركيز على عرض عناصر الإرث والثقافة العربيّة المسلِمة، وتحديدًا الخليجيّة، وقد ظهر في المراكز الغربيّة خطاب استخفاف بإمكانيّة إقامة هذه المناسبة على أرض عربيّة شرق أوسطيّة، وقد تمثّل هذا في تصريحات استشراقيّة تستند إلى شعور بفوقيّة غربيّة على العربيّ وغيره من أبناء شعوب الشرق والجنوب. 

في مواجهة هذا الخطاب، ظهرت أعمال كاريكاتيريّة عربيّة تركّز على مبدأ الحوار، مع التركيز على عناصر الهويّة العربيّة الإيجابيّة، وجماليّات الحضور العربيّ في الحدث، والحلم العربيّ بنجاح دولة عربيّة لأوّل مرّة على مستوًى عالميّ بتجهيز نسخة استثنائيّة من كأس العالم. ساعد على ذلك وجود ثورة تكنولوجيّة غير مألوفة في التاريخ البشريّ، متمثّلة بمنصّات التواصل الاجتماعيّ وغيرها من وسائط وإمكانيّات.

نجد رسومات ضمن هذا السياق لفنّانين قطريّين منهم سعد المهنّدي، وغير قطريّين من العرب وغير العرب، منهم عماد حجاج، وإيفين ديفيد الّذي حصل على المركز الأوّل بـ «جائزة كتارا» في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2022.

ساعد العالم الافتراضيّ على نقل صورة كأس العالم عالميًّا، من خلال تميمة ’لَعّيب‘، الّتي كانت حاضرة خلال افتتاح الحدث، وهذا أضاف نكهة عربيّة قطريّة من خلال شخصيّة افتراضيّة ترتدي الغترة والعقال.

من الأعمال الكاريكاتيريّة أيضًا ما ذهب إلى التأكيد على ارتباط كأس العالم بقوانين ومبادئ الدولة المستضيفة، بالإضافة إلى التعبير عن رفض سلطة المركز الغربيّ.

 

كاريكاتير علاء اللقطة

 

المكان العابر للحدود

أطلق فنّان الكاريكاتير الأردنيّ، ذو الأصل الفلسطينيّ، عماد حجاج، رسمًا كاريكاتيريًّا امتلك بُعْدًا حواريًّا عبّر من خلاله عن حضور الذات العربيّة، على اختلاف أقطارها العربيّة في كأس العالم، من خلال توظيف الرموز والثيمات المكانيّة والزمانيّة[2]، وهو ما يمكن أن يُرى أعلى إحد الرسومات بعنوان "مونديال قطر 2022"، حيث الإحالة الزمانيّة للحدث العالميّ، في حين أنّ الرسم تخلّلته صورة للكرة الأرضيّة، عليها رجل ذو ملامح قطريّة يرتدي زيًّا رياضيًّا يحمل علم دولة قطر، وموسوم بعبارة لمحمود درويش "سجّل، أنا عربيّ"، كما تتّضح على جانبَي الصورة في الأسفل معالم من دولة قطر. 

الرسالة الّتي أراد حجاج إيصالها ترتبط بسياق هدف الدولة المستضيفة بتشكيل هويّة عربيّة جمعيّة تضمّ العرب كلّهم، بحيث يُقْرَأ المكان في الصورة على أنّه عابر للحدود المكانيّة والعرقيّة والدينيّة، ليشمل كلّ العالم.

 

كاريكاتير عماد حجّاج

 

أمّا سعد المهنّدي، وهو رسّام كاريكاتير قطريّ معروف بنشاطه الفنّيّ على منصّة «تويتر»، وقد شارك في العديد من الرسومات الكاريكاتيريّة المعبّرة، فقد عَكَسَ في رسوماته البُعْد الثقافيّ للهويّة العربيّة الجمعيّة، حيث تظهر في رسمته الأولى إحالة مكانيّة لمعالم موجودة في الغرب والبلاد العربيّة، تعتليها صورة للكرة الأرضيّة مرتدية الغترة والعقال، وهما رمزان ثقافيّان شائعان في العديد من الدول العربيّة، وبالتحديد في منطقة الخليج العربيّ، ما يحيل إلى أنّ الهدف من استضافة قطر لكأس العالم محكوم ببيان صورة الثقافة العربيّة، وهو ما مثّله المهنّدي في العديد من رسوماته على «تويتر»، كما أكّد في رسوماته قيمًا عربيّة وإسلاميّة متجذّرة في قطر والبلاد العربيّة المختلفة، ذاهبًا في رسمته الثانية إلى أنّها جزء من الهويّة العربيّة العامّة، الّتي ستكون جزءًا من هويّة كأس العالم العالميّة، المقامة على أرض عربيّة مسلمة.

 

محاورة الآخر

ممّا سبق، يُعَدّ حدث «كأس العالم فيفا قطر 2022» سجالًا مع المراكز الغربيّة وخطابها في بعض جوانبه، حيث خاضت قوًى فيها حملة إعلاميّة عنيفة ضدّ الدولة المضيفة، تمثّلت بالترويج لشائعات تشكّك في جاهزيّتها للحدث، رغم أنّه سبقت كأس العالم إقامة قطر «كأس العرب» عام 2021، وقد كان ذلك اختبارًا لجاهزيّة بنيتها التحتيّة للمناسبة الكرويّة الأهمّ عالميًّا، هذا وسيتبع كأس العالم إقامة «كأس أمم آسيا» عام 2023، حسبما أعلن «الاتّحاد الآسيويّ لكرة القدم» هذا العام، ممّا قد يمهّد للاعتراف بدولة قطر مستقبلًا مركزًا رياضيًّا عالميًّا.

 

كاريكاتير سعد المهنّدي

 

نجد أنّ فنّ الكاريكاتير قد أدّى دورًا، ولا يزال، في تفنيد موقف العديد من وسائل الإعلام الغربيّة تجاه قطر، من خلال التصدّي المستمرّ للشائعات والادّعاءات الّتي تطرحها، ومن خلال خطاب بصريّ يقوّض المركزيّة الغربيّة، ويضيء على إنجاز تمثّل بخلق هويّة عربيّة جمعيّة واحدة تضمّ العرب جميعًا، وهو ما ينسجم مع تفاصيل الحفل الافتتاحيّ لكأس العالم، الّذي كان التركيز فيه على إبراز معالم الحضارة والهويّة العربيّة والإسلاميّة، ومن ضمن ذلك توثيق الارتباط بالهويّة اللغويّة، العربيّة، إلى جانب توظيف الإنجليزيّة. وقد كان القرآن حاضرًا لتأكيد الهويّة الإسلاميّة الّتي يتمتّع بها غالبيّة العرب، ولتأكيد هويّة الدولة المستضيفة أيضًا.

لقد أكّد القائمون على «كأس العالم فيفا قطر 2022»، وتحديدًا من خلال حفل افتتاحه، على ثقافة الحوار بين الشرق والغرب، وهي أبعد ما تكون عن محاولة التقليل من شأن الآخر، بعكس ما انتهجه جزء من هذا الآخر ضدّها في كثير من الأحيان.

 


إحالات

[1] حيدر سهيل البياتي، الفنّ وأزمة الهويّة، المجلّة الأردنيّة للفنون، عدد 1 (2022)، ص 41-44.

[2] المرجع نفسه. 

 


 

مها زيادة

 

 

باحثة فلسطينيّة، حاصلة على الماجستير في «الأدب المقارن» من «معهد الدوحة للدراسات العليا»، مهتمّة بقضايا الأدب وتحليل الصورة المرئيّة.