ليلى العلوي: وثّقت الهروب من المذبحة، فاختطفتها المذبحة!

'ناطرين'، اسم المشروع الفوتوغرافيّ الأخير للمصوّرة الفرنسيّة المغربيّة ليلى العلوي، وهو توثيقٌ للّاجئين السّوريّين الهاربين من ويلات المذبحة على أرض سوريا؛ لكنّ ليلى لم تدرك أنّ رائحة الذّبح ستباغتها هي نفسها، ستلاحقها في تنقّلها بين المدن والمطارات والأزقّة.

ليلى؛ المصوّرة الشابّة، كانت ضحيّة الهجوم الدّمويّ الأخير في بوركينا فاسو، وفي الوقت الذي عُرِضَتْ لوحات مشروعها؛ 'المغاربة/ Marrocans' في باريس، غيّب الموت الانتحاريّ ليلي عن مواصلة مشاريعها التّوثيقيّة عميقًا في قصص النّاس.

ليلى المولودة في باريس عام 1982، درست التّصوير الفوتوغرافيّ والمولتيميديا في جامعة مدينة نيويورك، تنقّلت بعدها بين المغرب وبيروت، في محاولةٍ لتوثيق صورةٍ إنسانيّةٍ لحياة المهاجرين واللاجئين.

ترصد أعمال ليلى التّنوّع الثّقافيّ في الشّرق، وتحاول التّركيز على عمليّات بناء الهويّات الثّقافيّة من خلال الخوض في القصص الإنسانيّة، ضمن رؤيةٍ مبدئيّةٍ مناهضةٍ للرؤى الاستشراقيّة تجاه الإنسان الشّرقيّ بعامّة، والعربيّ بخاصّة.

من معرض 'المغاربة' لليلى العلوي

ناطرين

في مشروعها؛ ' ناطرين'، عاشت ليلى عشرة أيّامٍ في مخيّمات اللجوء في عكّار وعرسال ومناطق أخرى. حاولت العلوي عيش تفاصيل اللجوء الموجعة بإنسانيّتها المتألّمة المشرّدة، وقد شكّلت الأعمال دخولًا جريئًا لحياة اللاجئين بعد استئذانهم 'لمرافقة' ورصد أوجاعهم، فجاءت واقعيّة الصّور كواقعيّة المأساة؛ إلّا أنّ واقعيّة الحدث لم تنتقص من فنّيّة الأعمال.

في مجال الڤيديو آرت، قدّمت العلوي عملًا مهمًّا باسم ' المعبر/ crossings'؛ تحاول من خلاله تقديم صورةٍ شبه صامتةٍ للهروب من العدم إلى 'الجّنّة'؛ لكنّها لا تعطي صورةً للجنّة (الغرب)، بل تمنحنا صورةً للبحر؛ البحر الذي يبتلع البشر من على قواربهم. إنّه عملٌ عن الموت في بلادك بسب لقمة العيش، والعقيدة، والمذهب، والطائفة، والانتماء السّياسيّ. وهي تحاول إظهار الفاجعة في معاني العبور إلى الغرب وإسقاطاتها الجّسديّة والنّفسيّة على المهاجرين، فاختصرت العمل بثلاث مشاهدَ: صورة الإنسان المقهور ما بين الرّمل والبحر.

من معرض 'ناطرين' لليلى العلوي

لم تكن تلك أعمال العلوي الوحيدة، فقد قدّمت أعمالًا نوعيّةً إضافيّةً؛ إلّا أنّها حرصت أيضًا، في البدايات والنّهايات، على تقديم الأعمال التي تساهم في فهمٍ أعمقَ لبلورة الهويّات الإنسانيّة المضطّهدة، التي تحاول الخروج من مستنقعها الذي هو من صنيعة الاستعمار والهجرة إلى 'نعيم' بلاد المُسْتَعْمِر.

في مشروعها الفوتوغرافيّ؛ 'No Pasara'، تقدّم ليلى تفاصيل الوجع الذي يولّد الحلم بالهجرة، وهي تتحدّث عن الاستعداد لحرق كلّ الحواجز من أجل الوصول لأوروبا.

أمام سياسة التّضييق والتّشديد لكبح موجات الهجرة المغاربيّة، يتولّد ميلٌ تصاعديٌّ لتحطيم كلّ العقبات أمام أوروبا - الحلم.

أمّا في إنتاجها؛ 'مغاربة/ Morrocans'، الذي كان يُعرض في باريس حتّى يوم مقتلها، فقد قدّمت صورةً جماليّةً لبلدها الأصليّ؛ المغرب.

من فيديو آرت 'المعبر' لليلى العلوي

تحاول العلوي، متأثّرةً من الفنّان الأمريكيّ؛ روبرت فرانك، وعمله؛ 'The Americans'، التّواصل مع تراثها باعتباره حالةً أساسيّةً وطبيعيّةً، في حالةٍ من الجّدل مع الاستشراقيّ بعامّةٍ، والمصوّر الاستشراقيّ بخاصّةٍ، الذي يحاول تصوير المغربيّ من خلال تصوّراته الذّاتيّة للجمال، ومن خلال الفنتازيا الخاصّة به لسحر الشّرق، بما يخدم حالته الغربيّة الما بعد كولنياليّة؛ فالأعمال عندها، عن مغربها، تُقَدَّمُ باعتزازٍ، في قراءةٍ جماليّةٍ لتراثها وقصصها، وتعدّديّة الانتماءات فيها، وبالاستعانة بثقافتها الغربيّة الخارجيّة، وأصولها الدّاخليّة للبلد الأصل، تُقَدِّمُ علوي فلوكلورها عن طريق البورتريت الذي يعبّر عن الأنا الإنسانيّة.

بين توثيق الوجع ورصد الحلم والهرب به، كانت ليلى ضحيّةً. رحلت مبكرًا تاركةً أعمالًا إنسانيّةً توثيقيّةً مهمّةً، ومساحةً طويلةً من الإبداع، لم تكتمل...