العدسة الّتي أراد مسرح عشتار تغييرها

"نزهة في وجودنا" - المسرح البديل في بلجيكا

تحوّلت قصّة ليلى الحمراء الشّهيرة، لكاتبها الفرنسيّ شارل بيرو، من قصّة خرافيّة إلى عمل مسرحيّ يصوّر واقع المعاناة الفلسطينيّة في ظلّ الاحتلال الإسرائيليّ، وذلك في إطار مهرجان عشتار الدّوليّ لمسرح الشّباب بنسخته الثّالثة، تحت عنوان 'يلّا نغيّر هالعدسة'، والّذي عُقِدَ في عدد من مسارح الضّفّة الغربيّة، ما بين 11 و19 تمّوز (يوليو) 2016.

الغابة، منطقة عسكريّة مغلقة

تطرح قصّة ليلى الحمراء بصيغتها الفلسطينيّة، قضيّة احتلال الأرض ومحاولة تغيير هويّة سكّانها، كما تسلّط الضّوء على سياسة مصادرة الأراضي؛ الذّئب يمثّل الاحتلال الإسرائيليّ، وليلى الطّفل الفلسطينيّ، والجدّة الجيل الفلسطينيّ المتقدّم، من بقي منه في أرضه ومن هُجّر.

جسّد الممثّلون الغابة الّتي لطالما ما كنّا نرسمها في خيالنا عندما تُروى لنا حكاية ما قبل النّوم، والّتي فيها تدور أحداث المسرحيّة. فبينما كانت ليلى الحمراء في طريقها إلى منزل جدّتها في طرف الغابة، متّشحة الحطّة الفلسطينيّة، فإذ بقطيع من الذّئاب يعترضها فجأة، ويسألونها عن هويّتها وينزعون عنها حطّتها، ويسرقون المربّى الّذي كانت تحمله إلى جدّتها بذريعة شكّهم في أنّها تخبّئ أسلحة فيه.

'المهرّج' لمحمّد الماغوط

لا تكتفي الذّئاب بذلك، فهم يمنعونها من عبور الغابة نحو بيت جدّتها بذريعة أنّ الغابة صارت منطقة عسكريّة مغلقة، يُمنع على العرب تحديدًا دخولها. ثمّ يجري حوار بين الذّئاب وليلى، حيث يصرّون على معرفة موقع بيت جدّتها ليقوموا بالاستيلاء عليه. تصرّ ليلى على رفضها البوح بمكان البيت، إلى أن يقنعها ذئب بمكره بذلك، فتخبرهم. تصل الّذئاب إلى بيت الجدّة الّتي تأبى فتح الباب لهم، وعندما يصرّون على أن تعطيهم مفتاح الباب، تهجم عليهم وتضربهم مرغمة إيّاهم على الاستسلام.

تنتهي المسرحيّة بقول جدّة ليلى: لن أسلّمكم مفتاح بيتي، وسيعود كلّ من يحمل المفتاح إلى بيته مهما طال الزّمن؛ في إشارة إلى الأمل الفلسطينيّ بتطبيق حقّ عودة اللّاجئين إلى بيوتهم في القرى والمدن الّتي هُجّروا منها، سواء في النّكبة عام 1948 أو في النّكسة عام 1967.

قضايا المجتمع

بهذه المسرحيّة، وغيرها الكثير من المسرحيّات الّتي عُرِضَت في مهرجان عشتار الدّوليّ لمسرح الشّباب، أراد القائمون على المهرجان طرح قضيّة الشّعب الفلسطينيّ بأبعادها المختلفة، فنّيًّا، وإيصال صوتهم للعالم، إذ شاركت مسارح دوليّة في عروض المهرجان، كما حضره جمهور من مختلف أنحاء العالم.

'الوقت الضّائع' - مجموعة مسرح المضطّهدين اليونانيّة

تقول المديرة الفنّيّة للمسرح، إيمان عونة، لفُسْحَة حول هدف المهرجان: 'يهدف المسرح إلى تشجيع الإبداع وتحفيز التّغيير المستمرّ من خلال مجموعة من البرامج التّدريبيّة والعروض المحترفة، وأبرز ما يحاول المسرح مناهضته من خلال الفنّ هو الاحتلال'، مؤكّدة على أنّ الثّقافة تقع في صلب نضال الشّعب الفلسطينيّ ضدّ الاحتلال ومن أجل حماية أرضه وفرض سيادته عليها.

لا يكتفي المسرح بطرح مواضيع مناهضة الاحتلال، بل يتعدّى ذلك إلى طرح قضايا المجتمع الدّاخليّة، كالفساد والعنف المجتمعيّ، في سبيل التّوعية والتّغيير نحو الأفضل. وقد شاهدنا ذلك في المسرحيّة الأولى من العرض الختاميّ للمهرجان، بعنوان 'يلّا نغيّر هالعدسة'، حيث تطرّق إلى عدّة قضايا اجتماعيّة، من ضمنها التّحرّش الجنسيّ وفساد بعض الرّأسماليّين الّذين يؤدّي جشعهم إلى زيادة المجتمع فقرًا. 

يلّا نغيّر هالعدسة

وعن سبب اختيار 'يلّا نغيّر هالعدسة' عنوانًا للنّسخة الثّالثة من المهرجان، والّذي يُعَدَّ مشروع تخرّج 12 طالبًا من طلّاب نوادي الدّراما في مسرح عشتار، يقول الطّالب الخرّيج نزار شرارة لفُسْحَة: 'ارتأينا أن يكون عنوان مهرجاننا هذا العام ’يلّا نغيّر هالعدسة‘، لأنّنا نرغب في تغيير نظرة المجتمع تجاه الشّباب، ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وكذلك نظرتنا نحن الشّباب إلى مجتمعنا. ويمكن لهذا أن يحدث من خلال تعرّفنا على مختلف وجهات النّظر والرّؤى المتباينة بين الأجيال المختلفة في مجتمعنا، وكذلك الثّقافات المتعدّدة فيه'.

'مونولوجات غزّة'

وعن تجربة دراسة التّمثيل المسرحيّ في مسرح عشتار، تقول الطّالبة الخرّيجة أسيل سابا لفُسْحَة: 'إنّ دراسة المسرح غيّرت الكثير في شخصيّتي، إذ جعلتني أكثر انفتاحًا على العالم، وساعدتني على كسر حاجز الخوف. كما مكّنني المسرح عبر تطوير إحساسي بالشّخصيّات الّتي أمثّلها ومعرفة تفاصيلها بدقّة، من أن أكتشف ذاتي والتّعمّق في تفاصيلها أكثر.'

أربع خشبات، سبعة عروض

استقبلت خشبة مسرح عشتار برام الله في إطار المهرجان، مسرحيّة 'نزهة في وجودنا'، من إنتاج المسرح البديل في بلجيكا، وهي محصّلة تدريب الممثّلين وارتجالاتهم الفرديّة، وتشمل الغناء، والرّقص، والشّعر، ومشاهد استعاريّة عن الولادة، والشّباب، والبلوغ، والشّيخوخة.

وعلى خشبة مسرح عشتار أيضًا، عُرِضَتْ مسرحيّة 'مونولوجات غزّة'، وهي شهادات لأطفال غزّيّين حول العدوان الإسرائيليّ على غزّة عامي 2008 و2009، وقد أدّاها مجموعة من طلّاب عشتار في رام الله وغزّة، بالإضافة إلى ممثّلين أعضاء في المسرح.

أمّا مسرح الحرّيّة بمخيّم جنين فقد عرض مسرحيّتين؛ الأولى 'مروّح ع فلسطين'، وهي من إنتاج مسرح الحرّيّة، وتستند إلى قصص حقيقيّة لفلسطينيّين حول واقع حياتهم في الأغوار، والمناطق المحاذية لجدار الفصل العنصريّ، والمخيّمات، وتجمّعات البدو. أمّا الثّانية، فهي مسرحيّة 'الوقت الضّائع'، من إنتاج مجموعة مسرح المضطّهدين اليونانيّة، وتتحدّث عن واقع الطّلبة في اليونان والمشكلات الّتي يواجهونها.

ملصق المهرجان

وعرض مسرح الحارة في بيت جالا مسرحيّتين من إنتاجه؛ 'الطّريقة المضمونة للتّخلّص من البقع'، وتتناول سعي ثلاث نساء إلى التّخلّص من البقع الدّاكنة الّتي تركتها تجارب الحياة فيهنّ، وكذلك مسرحيّة 'نهب الفردوس' لخزعل الماجدي، والّتي تتحدّث عن السّلطة والقوّة الّتي تؤدّي بالإنسان إلى القتل، مطالبة البشر بالابتعاد عن المقدّس، والنّزول من السّماء إلى الأرض.

أمّا مسرح المحكمة العثمانيّة في رام الله، فقد استضاف مسرحيّة 'المهرّج' لمحمّد الماغوط، وهي من إخراج محمّد عيد وإنتاج مسرح عشتار، وتمثيل طلّاب سنة ثالثة ورابعة في المسرح. تتناول المسرحيّة قضيّة الاستبداد الّذي تعاني منه الشّعوب العربيّة وضياع فلسطين.

كما احتُفِلَ فيه بتخريج طلبة السّنة الرّابعة لهذا الهام، كما عُرِضَتْ نتاجات ورشات المهرجان في نسخته الثّالثة.

يُعَدُّ المسرح من أعمق الوسائل المؤثّرة في الفرد والمجتمع، ولا يقتصر دوره على التّرفيه والإمتاع، بل يتعدّاه إلى نشر التّوعية والتّثوير والتّغيير الإيجابيّ، وقد أراد مسرح عشتار في مهرجانه الدّوليّ أن 'يغيّر العدسة'، فهل تسنّى له ذلك؟! الإجابة على هذا السّؤال تبقى رهن المستقبل، القريب والبعيد.