مونودراما فلسطينيّة غير مكتملة في تونس

"في عيون الجنّة"، هيام عبّاس | KAAI

اختُتِمَت في تونس نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فعاليّات مهرجان أيّام قرطاج المسرحيّة لدورتها الثامنة عشر، وقد احتوى برنامج المهرجان ثلاثة عروض مونودراما فلسطينيّة، كان أوّلها مونودراما ناطقة باللغة الإنكليزيّة للفلسطينيّة هيام عبّاس، من إخراج البلجيكيّ Ruud Gielens، وموندراما 'طه' لعامر حليحل، ومونودراما 'ساغ سليم' لسليم ضوّ.

عزلة هيام عبّاس

هيام عبّاس

صعدت هيام عبّاس في اليوم الأوّل بعد افتتاح المهرجان على مسرح 'مدار' في مدينة قرطاج للعرض، حيث عُرضَ العمل البلجيكيّ - الفلسطينيّ، 'في عيون الجنّة' الناطق باللغة الإنجليزيّة مرّتين.

تظهر الشخصيّة وحيدة على المسرح الفارغ سوى من كرسيّ تجلس عليه أحيانًا، وإذا أرادت جلست على الأرض في أشدّ حالاتها الانفعاليّة التي تجسّدها الوضعيّة والسرد الجريء لحياة امرأة تأخذ بعض النقود مقابل أن يستمتع الغرباء بجسدها بعض الوقت، ثمّ يتركونها وحيدة يتملّكها الحقد على الماضي والاشمئزاز من الحاضر والخوف من المستقبل، دون أن تعني لهم شيئًا غير اللذّة العابرة، تعويضًا عن جميع اللذات الأخرى المفقودة في بلد دخل فصل الربيع العربيّ. تخلع عبّاس معطفها الطويل وتلفّه على الكرسيّ لتتعرّى الكثير من التفاصيل التي تلفّها الأسرار العميقة، والتي يمكن أن تُفصح عنها غرفة مغلقة تجمع بين رجل وامرأة غريبين عن بعضهما، داخل مجتمع منغلق على نفسه، ابتداءً من الرجل الرجعيّ المقنّع بالشعارات اليساريّة، وانتهاءً بالرجل المنتمي للإسلام السياسيّ، صاحب التناقضات المتنافرة.

لا بدّ أنّ هذه الشخصيّة عرفت الكثير من الرجال في حياتها، إلّا أنّها وجدت نفسها في نهاية المطاف غارقة في العزلة، هي العزلة التي شاهدناها من خلالها، وهي لا تجد ما ترويه لنا إلّا سخطها الساخر أحيانًا على واقعها. لكن، لولا عزلتها هذه، لما كنّا تعرّفنا عليها، فعزلتها هي من صنعت منها شخصيّة مسرحيّة مونودراميّة.

دون أيّ توضيح!

عامر حليحل

كان من المفروض أن يُقَدّم عرضا مونودراما فلسطينيّان آخران من أراضي 48؛ 'طه' لعامر حليحل، حيث يجسّد فيه سيرة حياة الشاعر الفلسطينيّ طه محمّد علي، وعرض 'ساغ سليم' لسليم ضوّ، الذي يجسّد سيرة حياته الشخصيّة. لكنّ جمهور المهرجان تفاجأ بمنشور على الموقع الرسميّ وصفحة الفيسبوك الرسميّة للمهرجان، يفيد بخبر إلغاء العرضين لأسباب خارجة عن نطاق المهرجان، حسب توضيح الإدارة.

وفي سؤال وجّهته فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة لعامر حليحل، عن سبب إلغاء عرضه، يقول: المهرجان تجاهل رسائلي منذ عشرة أيّام، وقبل موعد العرض بيومين وصلتني رسالة قصيرة من المهرجان تفيد بإلغاء العرض، دون أيّ توضيح آخر!'

'لا يمكن أن أستخفّ بالجمهور التونسيّ'

سليم ضوّ

وقال الفنّان سليم ضو لفُسْحَة إنّ قرار إلغاء مشاركته في المهرجان كان نتيجة الإهمال والمماطلة الكبيرين في التواصل وعدم التعامل بجدّيّة مع العرض وفنّانيه، لا سيّما أنّه أُبْلِغَ بعدم قدرة المهرجان على استضافة الموسيقيّ حبيب شحادة، لأنّهم لم يتمكّنوا من تحصيل تأشيرة له بسبب جواز سفره الإسرائيليّ، واقترحوا على ضوّ عشيّة انعقاد المهرجان أن يستبدلوا حبيب بعازف عود آخر، وهو ما ليس ممكنًا فنّيًّا لأنّ الموسيقى أساسيّة أساسيّة في بنية العمل، والأمر يحتاج إلى تدريبات كثيرة ومراجعات وإدراك لروح العمل، وهو ما رفضه ضوّ.

يقول ضوّ: '’ساغ سليم‘ قصّتي وقصّة كلّ الفلسطينيّين في الوطن والشتات، وفي كلّ بقعة على هذه الأرض. لا يمكن لهذا العرض أن يتمّ إذا نَقُصَ، أو انتُقِص منه ولو جزء صغير. قراري هذا جاء كي لا أخون نفسي، مهنتي، قصّتي، قصّتكنّ وقصّتكم جميعًا. لا يمكن أن أستخفّ بأيّ جمهور، وبالأخصّ الجمهور المسرحيّ الرائع في تونس وأقدّم أمامه عملًا ليس بالمستوى الفنّيّ والمهنيّ المطلوبين. على أمل اللّقاء في فرصة أخرى، مستقبلًا. هذا ما أرجوه وأتمّناه.'

محمّد بكري...

محمّد بكري

يُذكر أنّ الفنّان الفلسطينيّ محمّد بكري، واجه بعض المشاكل عند وصوله إلى مطار قرطاج الدوليّ في تونس، بعد دعوته من مهرجان أيّام قرطاج السينمائيّة، إذ مُنع من الخروج من المطار لعدّة ساعات، قبل السماح له بالانتقال إلى إقامته المخصّصة له.

ختامًا، ما الذي يجعل بعض الدول العربيّة ترفض استقبال الفلسطينيّين المجبرين على حمل جوازات السفر الإسرائيليّة، في الوقت الذي تستقبل فيه نفس الدول زوّارًا إسرائيليّين تحت غطاء سياحيّ دينيّ؟ وفي نفس الوقت الذي تستمرّ فيه إسرائيل بممارسة الحصار بأنواعه كافّة، ومن ضمنها الحصار الثقافيّ على الفلسطينيّين، لا سيّما أولئك الذين الذين يعيشون في أراضي 48، ويمثّلون أقلّيّة قوميّة في دولة الاحتلال!

 

سعد محفوظ

 

 

من موالد مدينة طولكرم. طالب في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، تونس. له مجموعة شعريّة بعنوان 'طار ما كان في يدها'، حاصلة على المرتبة الأولى في 'جائزة عبد الرحيم محمود للإبداع' - مسابقة الكاتب الشابّ.