"هوامش" تُناقش الإعلام الفلسطينيّ وقضايا الجنسانيّة: مشهد مركّب

نظّمت جمعيّة 'القوس' للتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة، مؤخّرًا،  لقاءً جديدًا من ملتقى 'هوامش' الفكريّ حول قضايا التعدّديّة الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطينيّ، والذي يُعقَد شهريًّا في  حيفا في مقهى 'المحطّة'، بحضور العشرات من المشاركين، في ندوة خاصّة حول البحث الجديد الذي أصدرته 'القوس'.

تمحور اللقاء حول البحث الذي أعدّه الباحث د. إمطانس شحادة، الذي درس وتناول مواقف الإعلام العربيّ الفلسطينيّ في أراضي 48 والضفّة الغربيّة، لقضايا التعدّديّة الجنسيّة والجندريّة والمثليّة، والذي يرصد جانبًا من واقع الصحافة الفلسطينيّة في تطرّقها وتناولها  لما يتعلّق بالقضايا المذكورة، مُعتَمِدًا على رصد ودراسة عدد من الصحف والمواقع الإلكترونيّة، ومحاورة عدد من الصحافيّين والعاملين في الإعلام.

يُذكر أنّ هذا اللقاء جاء بعد عقد يومين دراسيّين في الشهرين الماضيين للإعلاميّين والصحافيّين الفلسطينيّين في حيفا ثمّ رام الله، حيث تناولوا البحث وناقشوه.

أمّا في 'هوامش'، فكان اللقاء مفتوحًا، وقد حضره العشرات، بمشاركة ربيع عيد ورأفت إغباريّة والباحثة همّت زعبي، التي قدّمت قراءة نقديّة للبحث.

الإعلام المحلّيّ والجنسانيّة

في مداخلته التي حملت عنوان 'الإعلام المحلّيّ والجنسانيّة'، تحدّث طالب الماجستير في الإعلام والدراسات الثقافيّة، والمشارك في إعداد البحث، الصحافيّ ربيع عيد، عن تاريخ تشكّل وسائل الإعلام المحلّيّة في الأراضي المحتلّة بعد نكبة عام 1948، مستعرضًا آثار النكبة في واقع وسائل الإعلام بعد النكبة وخلال فترة الحكم العسكريّ، والتي شهدت تراجعًا كبيرًا مقارنة بسنوات ما قبل النكبة، حيث ازدهرت الصحافة الفلسطينيّة بشكل كبير.

ثمّ تطرّق عيد لبدء تعدّد الصحف ووسائل الإعلام في الثمانينات والتسعينات، ومن بعدها ظهور المواقع الإخباريّة الإلكترونيّة ونشوء حالة من التنافس بين وسائل الإعلام الجماهيريّة التي كانت تحمل أجندات مختلفة، ما بين الإعلام الحزبيّ والتجاريّ والثقافيّ المستقلّ، مبيّنًا أنّ الأجندة الخاصّة بكلّ وسيلة إعلام كانت تحكم تناولها لقضايا الجنسانيّة. ففي حين ابتعدت الصحف والمواقع التجاريّة في بداياتها عن تناول قضايا الجنسانيّة خوفًا من خسارة الإعلانات، واكتفت بتناولها بشكل هامشيّ وعابر، باتت تتنافس فيما بينها بالنشر حول هذه القضايا بهدف الربح من خلال الأخبار الفضائحيّة و'المثيرة'، أو حتّى المُختلقة.

أمّا الصحف والمواقع الحزبيّة التي لها تأثير في جمهور واسع، فلم تكن قضايا الجنسانيّة على أجنداتها الرئيسيّة في السابق كما اليوم، بما يتلاءم مع أجندات الأحزاب والحركات السياسيّة؛ وذلك بسبب الواقع السياسيّ الذي كان يُحَتّم التركيز على القضايا السياسيّة، وأيضًا، في الكثير من الأحيان، خوفًا من فتح ملفّات وقضايا اجتماعيّة قد تؤدّي إلى صدام مع الجمهور، مع وجود حالات قليلة مختلفة. لكن في نفس الوقت، شهدت وسائل الإعلام المحلّيّة في العقد الأخير انفتاحًا أكبر على هذه القضايا لعدّة أسباب، أبرزها وجود محرّرين وصحافيّين قرّروا تناول الموضوع وطرحه بجرأة وإعطائه مساحة أكبر، وذلك بفعل زيادة الوعي ولنشاط مؤسّسات المجتمع المدنيّ والناشطين، بالإضافة إلى النقاش الجاري حوله عالميًّا، إن كان في الأكاديميا أو وسائل الإعلام، والذي يفرض نفسه أيضًا محلّيًّا، لا سيّما في عصر العولمة والثورة التكنولوجيّة. كما أنّ هناك حالات وظواهر تطرأ في الفضاء العامّ المحلّيّ، لم يعد بالإمكان التغاضي عنها.

مشهد مركّب

وخلص عيد إلى القول إنّ المشهد الإعلاميّ المحلّيّ، على تنوّعه، مشهد مركّب في تناوله لقضايا الجنسانيّة؛ فهو ما زال يجمع ما بين التجاهل التامّ أو المعاداة لطرح هذه القضايا، أو طرحها بهدف الربح وزيادة القراءات دون معايير مهنيّة، وثمّة من يحاول طرحها بشكل جدّيّ ومهنيّ وعميق، لترسيخ هذه القضايا كأمر طبيعيّ وضروريّ في المشهد الإعلاميّ.

ودعا عيد العاملين في وسائل الإعلام إلى الاطّلاع على البحث وقراءته، كونه البحث الأوّل من نوعه في فلسطين الذي يتناول تعامل وسائل الإعلام الجماهيريّ مع قضايا الجنسانيّة، كما دعا إلى عدم الاكتفاء بهذا البحث لفهم المشهد الإعلاميّ في هذا الخصوص، بل إلى إجراء بحث آخر يُرَكِّزُ على وسائل التواصل الاجتماعيّ ودورها في 'فرض' هذه القضايا على النقاش العامّ والمعرفة، والمساحة الفرديّة في التعبير، مقابل احتكاريّة وسائل الإعلام الجماهيريّ، وذلك للوصول إلى حالة فهم أعمق لتجلّي قضايا الجنسانيّة من خلال وسائل الإعلام.

مسار البحث

ثمّ عرض رأفت إغباريّة، ناشط في 'القوس' وأحد معدّي البحث، البحث، متطرّقًا إلى بداية العمل عليه، من وضع خطّة العمل والمباشرة في تطبيقها، وأهداف البحث، والأسباب الّتي دفعت 'القوس' لإعداده، عارِضًا قائمة الصّحف والمواقع الإلكترونيّة التي تناولها، في أراضي 48 والـ 67، ثمّ البحث الكمّيّ لتناول كلّ صحيفة لموضوعات تتعلّق بالجنسانيّة والجندر.

 ثمّ قدّم شرحًا لطريقة ومنهج العمل الذي اتُّبِعَ أثناء إعداد البحث حول اختيار الوسائل الإعلاميّة، والصحافيّين، والإعلاميّين المُحاوَرين في المقابلات الشخصيّة، والمصطلحات والمفردات الّتي ركّز عليها البحث، والنتائج الّتي برزت منه، بالإضافة إلى محاولة تحليل بعض النتائج التي توصّل البحث إليها. كما تطرّق إغباريّة إلى بعض المواقف التي واجهتهم أثناء إعدادهم للبحث، وكيف تأثّر من التغيّرات والأحداث العالميّة والمحلّيّة المتعلّقة بموضوع البحث.

نقد

المداخلة الأخيرة كانت للباحثة همّت زعبي، الّتي قدّمت قراءة نقديّة للبحث. وقد أشارت فيها إلى أهمّيّة البحث والدور الذي تقوم به 'القوس' وغيرها من الجمعيّات التي تسلّط الضّوء على قضايا مهمّة لم يسبق أن طُرِقَت في الأبحاث، مشيرة إلى أنّ هذا البحث هو الأوّل من نوعه.

 ثمّ قدّمت زعبي ملاحظات نقديّة حول البحث متعمّقة في 'الكيف' بعيدًا عن المادّة الكميّة التي برزت في البحث، إذ اعتبرت أنّ المادّة الكمّيّة تطغى على التّحليل الكيفيّ لنتائج البحث، فعلى الرّغم من إشارة البحث إلى أنّه يعرض النتائج دون الخوض في تحليلها، إلّا أنّ زعبي ترى أنّه كان من الجدير بالبحث تحليل النتائج ومحاولة عرض المواقف. كما تطرّقت زعبي إلى القسم الخاصّ بالمقابلات الشّخصيّة التي اعتبرت أنّها لم تتعمّق في مواقف الصّحفيّين أنفسهم، بل اكتفت بطرح أسئلة دون التفرّع إلى فحص الموقف الشّخصيّ وهو ما يتقاطع مع ملاحظتها السّابقة بما يتعلّق بنقدها لطغيان الكمّي على الكيفيّ في فحص النتائج ومحاولة تحليلها.

وتطرّقت زعبي إلى الإعلام المحلّيّ ومدى ضرورة التشبيك معه والعمل على إعداده ليكون إعلامًا ذا مساحة موضوعيّة ومهنيّة لتناوُل هذه الموضوعات، بدون علاقة مباشرة 'للقوس' أو غيرها من جمعيّات حقوقيّة.

الفقرة الأخيرة من اللقاء شهدت مداخلاتٍ من الحضور، الذين طرحوا أسئلة عامّة حول البحث، وإعداده ونتائجه، وأسئلة حول ما قُدِّمَ خلال المداخلات.

 لقراءة النسخة الإكترونيّة من البحث اضغط/ ي هنا.