جمهور يافا يجبر الشيخ سلامة على التمثيل

يافا (1920 - 1930)

 

العنوان الأصل: ليلتا التمثيل.

المصدر:  جريدة فلسطين.

موعد النشر: 13 تمّوز (يوليو) 1913.

موقع النشر: جرايد.

 

وصلت الأجواق المصريّة إلى بلدتنا أوّل من أمس الإثنين، مع الباخرة الخديويّة، فنزل منها إلى البلدة نحوًا من 50 ممثّلًا وممثّلة، مع الشيخ سلامة وجورج أفندي أبيض، ودوام البقيّة وعددهم 30، السفر إلى بيروت برفقة الشيخ عكاشة.

وفي مساء اليوم نفسه، مثّل الجوق رواية لويس الحادي عشر، وكان الإقبال عظيمًا، ونصف مَنْ بالقاعة كانوا وقوفًا، لأنّه ليس فقط قد بيعت أوراق أكثر من اللازم، بل لأنّ الذين أُوْكِلَ إليهم أمر المحافظة على الباب وردع الناس، صاروا يُدْخِلونَ خلسة الّذين يطلبون مقابل إكرام يضعونه في جيوبهم. هذا فضلًا عن الألوف الّتي كانت محتشدة في الشوارع والأماكن المجاورة لقاعة التمثيل.

من أرشيف «جريدة فلسطين».

 

وقد دام الهدوء حتّى نهاية الفصل الثالث، إلى أن علم الحاضرون أنّ الشيخ سلامة لا دور له في تلك الرواية، ولا ظهور له على «المرسح»، فقام قائمهم واستولت الضجّة على القاعدة وفُقِدَ النظام، وصمّ الهتاف الآذان، فاعتذر الجوق بمرض الشيخ في تلك الليلة، وأنّه سيُرضي الجميع ويمثّل في الليلة القادمة، فلم يقنعهم هذا، بل آل فريق من الحاضرين على أنفسهم، مقاطعة كلّ ممثّل وكلّ خطيب يريد إقناعهم، واتّصلت القحّة بهذا الفريق، أنّه عندما رُفِعَ الستار عن الفصل الخامس، أقاموا القاعدة وأقعدوها وأنزلوا الستار ومنعوا التمثيل، فخرجت السيّدات وأكثر الحضور وساد اللغط وبقي الناس في انتظار بلا جدوى مدّة ساعتين، فتكدّر الجوق وقلع ملابسه وذهب جمعٌ كبير قرب الساعة الثانية بعد نصف الليل، وأقاموا الشيخ من فراشه وأحضروه إلى «المرسح» فغنّى بعض أبيات، ورفض الجمع دون إتمام الرواية.

أمّا الليلة الثانية، فمُثّلت بها رواية «غانية الأندلس»، وكان الشيخ سلامة بطل الرواية، فسحر الألباب بألحانه ولعب بالعقول وأدار على النفوس أحبّ نشوةٍ من نشواتها، وتلطّف لإرضاء الجمهور بأن ظهر مرارًا على «المرسح»، وبذل أكثر ما في وسعه حتّى خشينا على صحّته.

وقامت بدور غانية الأندلس، الآنسة فكتوريا بحوس، فأبدعت بما أتت، وعلى الأخصّ في موقف قراءة التحرير، وإذا اعتنت هذه الآنسة بفنّها الّذي كما علمنا أنّها قريبة العهد به، وكان لها من يرشدها فيه، كان لها شأن.

هذا وقد كان أهالي البلدة، أرسلوا وفدًا منهم للاعتذار لجورج أفندي أبيض، عمّا حدث في تلك الليلة الماضية، ولمّا حضر في المساء كمتفرّج، قامت له القاعة وطال تصفيق الاستحسان، ثمّ تقاطر إليه الراجون واحد بعد واحد، ليتمّ الفصل الخامس من رواية أوّل أمس، فتلطّف ولبّى الرجاء، وكان فيه كما كان بالأمس، أعجوبة من عجائب الزمن كما وصفناه في مقالنا الأوّل.

والّذي علمناه في آخر ساعة، أنّ أجواق جورج أفندي أبيض، والشيخ سلامة حجازي وعبد الله عكاشة، سيمثّلون ليلتين أُخْرَيَيْن في يافا، لأنّ الباخرة الفرنسيّة الّتي كانوا يقصدون أن يسافروا بها، لا تذهب إلى بيروت رأسًا، بل تعرّج في طريقها إليها على حيفا وعكّا.

 

عَمار: رحلة دائمة تقدّمها فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، ليقفوا على الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين قبل نكبة عام 1948، وليكتشفوا تفاصيلها؛ وذلك من خلال الصحف والمجلّات والنشرات الّتي وصلت إلينا من تلك الفترة المطموسة والمسلوبة، والمتوفّرة في مختلف الأرشيفات المتاحة. ستنشر فُسْحَة، وعلى نحو دوريّ، موادّ مختارة من الصحافة الفلسطينيّة قبل النكبة، ولا سيّما الثقافيّة؛ لنذكر، ونشتاق، ونعود.