مصطفى سعد: الثقافة جسرنا لاعتراف ألمانيّ أكبر بفلسطين

من أحد أنشطة جمعيّة "الجسر الثقافيّ الفلسطينيّ - الألمانيّ"

"اخترنا منذ لحظة تأسيس جمعيّتنا، عام 2015، تسميتها "الجسر الثقافيّ الفلسطينيّ – الألمانيّ"، ونحن نعي ما نقول. طموحنا أن نكون، بالفعل، جسر حوار وتفاعل معرفيّ وثقافيّ وإنسانيّ بين الجالية الفلسطينيّة والمهاجرين واللاجئين العرب من جهة، والشعب الألمانيّ المضيف، أفرادًا، وأحزابًا، ومؤسّسات، من جهة أخرى".

نستضيف في صالون فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، عضو جمعيّة "الجسر الثقافيّ الفلسطينيّ - الألمانيّ" في تورنغن، الدكتور مصطفى سعد، الذي أسّس الجمعيّة مع مجموعة ناشطين ثقافيّين فلسطيّنيين لتكون جسرًا بين الشعبين، بهدف العمل المشترك، ولنقل رواية الفلسطينيّين وثقافتهم إلى الألمان.

نظّمت الجمعيّة طوال عامين مجموعة من الأنشطة الثقافيّة، واستطاعت أن تجمع الفلسطينيّين الذين يعيشون في ولاية تورنغن الألمانيّة، سواء أكانوا من الذين أتوا إلى ألمانيا قديمًا أم مؤخّرًا.

الدكتور مصطفى سعد

يعيش الدكتور مصطفى سعد في مدينة فايمر منذ بداية تسعينات القرن الماضي، المدينة التي تُعَدّ واحدة من أهمّ المدن الثقافيّة في أوروبّا، فهي مدينة الشاعرين الكبيرين غوتة وشيلر، وقد اختارتها المفوّضيّة الأوروبيّة عاصمة للثقافة الأوروبيّة عام 1999، ووضعتها اليونيسكو على قائمة التراث العالميّ.

يقول سعد: "جئت إلى ألمانيا الديمقراطيّة طالبًا ضمن منحة من منظّمة التحرير الفلسطينيّة؛ درست الهندسة المدنيّة، ثمّ قدّمت رسالة الدكتوراه، بعدها توجّهت إلى الوطن العربيّ، تحديدًا لبنان والإمارات، وعملت فترة قصيرة، ثمّ عدت بداية التسعينات إلى مدينة فايمر حيث أقيم وأعمل إلى اليوم".

تركّز جمعيّة "الجسر الثقافيّ الفلسطينيّ الألمانيّ"، كما يبدو من اسمها، على العمل الثقافيّ، بوصفه جسرًا لا ساحة صراع، لكن هل يخلو هذا العمل من السياسة؟

يجيب سعد: "في أيّ عمل نقوم به، سواء أكان ثقافيًّا، أو رياضيًّا، أو أيّ شيء آخر، العامل السياسيّ موجود دائمًا، لكنّ تركيزنا هنا على العامل الثقافيّ، محاولين إبراز الجوانب الثقافيّة والحضاريّة للشعب الفلسطينيّ وحقوقه، ما يصبّ بالنهاية في مصلحة العمل السياسيّ وقضيّة شعبنا الفلسطينيّ العادلة".

 

لكن، لماذا؟

"كثير من الألمان ليس لديهم فكرة عن الفلسطينيّين بصفتهم شعبًا، ونحن جماعة ذات حضارة أو تاريخ، ومن المهمّ إبراز مكوّنات الشعب الذي ينتمي لأرض فلسطين التي كانت مسكونة طوال الوقت، ولم تكن أرضًا بلا شعب"، يقول سعد، ويتابع: "نرى مهمّتنا في الدفاع عن الرواية الفلسطينيّة المحقّة، وعن ثقافة الشعب الفلسطينيّ الذي تعرّض للاضطّهاد ولا يزال، ولذلك، قرّرنا في الجمعيّة التركيز على قضايا الفنّ والأدب والثقافة، والإرث والتراث، كذلك الطعام واللباس الذي يحاول الإسرائيليّون انتزاعه منّا وادّعاء امتلاكهم له".

جمعيّة لكلّ الفلسطينيّين

تتألّف جمعيّة "الجسر الثقافيّ الفلسطينيّ الألماني"ّ من أكثر من عشرين عضوًا فاعلًا، وتستهدف قرابة المئتي فلسطينيّ من المقيمين في ولاية تورنغن، الجزء الأكبر منهم يقيمون في ألمانيا منذ فترة طويلة، وقد انضمّ إليهم فلسطينيّون سوريّون وفلسطينيّون عراقيّون حديثًا.

يقول سعد: "منذ التأسيس؛ ركّزنا على أهمّيّة أن تكون الجمعيّة لكلّ الفلسطينيّين، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينيّة، أو الحزبيّة، أو الفصائليّة؛ علاقتنا مع السفارة الفلسطينيّة (الممثّليّة) جيّدة أيضًا، وأحد أسباب نجاحنا في اعتقادي أنّنا نصرّ على أن تكون فلسطينيّتنا أهمّ من أيّ شيء آخر، لذلك، فالخلافات الفصائليّة لم تصل إلينا على الإطلاق".

تُمَوّل الجمعيّة عن طريق اشتراكات أعضائها، كما تحصل في بعض المشاريع على تمويل ألمانيّ، كأيّ جمعيّة ألمانيّة غير ربحيّة. عملت الجمعيّة على جمع الفلسطينيّين وتنظيم لقاءات وزيارات بين الجالية، كذلك زيارات للعائلات الفلسطينيّة القادمة حديثًا، كما أطلقت مهرجانًا صيفيًّا في المدينة، يجمع الفلسطينيّين ببعضهم البعض، وبالألمان كذلك، وعملت مع الطرف الألمانيّ بشكل كبير على تنظيم ندوات أدبيّة وسياسيّة وفكريّة، محاولة التأثير لصالح القضيّة الفلسطينيّة. كما أقامت مؤخّرًا عدّة ندوات ضمن برنامج "الاندماج" للتعريف بالثقافتين العربيّة والألمانيّة.

ثمّة حركة قويّة في المجتمع الألمانيّ، ولا سيّما المستوى السياسيّ، ترى كلّ نقد لإسرائيل معاداة للساميّة. أيّ دور تؤدّيه الجمعيّة في ظلّ أجواء كهذه؟

يجيب سعد: "التعامل مع الطرف الألمانيّ يحتاج إلى خبرة، فهم لديهم تاريخ سيّء مع اليهود، وهذا ينعكس على تعاملهم السياسيّ حكومةً وشعبًا. نحن ننقل روايتنا وندعمها بالحقائق التاريخيّة دون تزييف، وهذا يأخذنا إلى جمهورين: المنفتح، وهو قسم كبير، الذي يتفهم روايتنا، والطرف الثاني، المتصلّب، الذي يرى أيّ نقد لإسرائيل عداء للساميّة، وهذا نواجهه بشكل دائم ولن ينتهي، لكنّ استخدام هذا المصطلح في كلّ صغيرة وكبيرة يدفع كثيرًا من الألمان إلى الاستياء من الاستسهال في استعماله. هذا لا يعني أنّ موقف الألمان سيتقدّم بسرعة، الأمر يحتاج عملًا مكثّفًا".

هل تعرّضتم لمضايقات أو اتّهامات من هذا النوع؟

"نعم، تعرّضنا، لكن بصفتنا أفرادًا، لا الجمعيّة. والطرف الألمانيّ الذي يعرفنا وقف معنا ضدّ الصهيونيّين"، يقول سعد، ويضيف: "للحقيقة، ثمّة تفاعل إيجابيّ دائم من الألمان، وذلك بفضل تدعيم روايتنا بحقائق تاريخيّة، وهو ما يحاول الإسرائيليّون التشكيك به. التعاطف لا يقتصر على هؤلاء الألمان فقط، فهم ينقلونه إلى أناس آخرين، إلّا أنّ المشهد ليس ورديًّا بالتأكيد، ثمّة سياسة ألمانيّة عامّة، والتأثير فيها يحتاج وقتًا أطول".

ويشير سعد إلى وجود تخوّف كبير لدى الصهيونيّين تجاه القادمين الجدد، وأنّ قدوم هذا الكمّ سيزيد معاداة الساميّة بحسب زعمهم، وهذا بالضرورة يؤثّر في السياسة الألمانيّة. "أرسلنا عدّة رسائل للسياسيّين بهذا الشأن، وأعتقد أنّ مهمّتنا الآن كسب اعتراف ألمانيّ بدولة فلسطين ورفع التمثيل الدبلوماسيّ من ممثّليّة إلى سفارة".

هل ثمّة عمل مع يهود مناصرين للقضيّة؟

"حتّى الآن لا يوجد أيّ تواصل مباشر معهم، ويبدو أنّهم غير مهتمّين بذلك أيضًا. من جهة أخرى، ثمّة جاليات فلسطينيّة في أماكن أخرى بألمانيا، مثل هنوف، لديها علاقات قويّة مع اليهود المناصرين للقضيّة الفلسطينيّة، وهذا مهمّ، ولا بدّ من التوضيح أنّنا في قضيّتنا لا نعادي اليهود، بل الصهاينة. نحن أصحاب قضيّة عادلة ومنفتحون على الجميع، لكن لدينا أولويّاتنا، ولا سيّما أنّنا ما زلنا في البدايات".

ويختم سعد حديثه متفائلًا: "ألمانيا مهمّة في السياسة الدوليّة، وهي محرّك السياسة الأوروبيّة، وأيّ تغيير في السياسة الألمانيّة سيؤدّي إلى تغيير في أوروبّا، لذلك علينا أن نعمل سويّة بشكل أكبر، لفلسطين، لا لانتماءاتنا الضيّقة".