التعليم العربيّ... تحدّيات الجائحة

أ ف ب

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

حملت لنا جائحة الكورونا (Covid-19) العديد من التحدّيات في مجالات الحياة المختلفة: الاقتصاديّ، والاجتماعيّ، والثقافيّ، والسياسيّ، ولا سيّما المجال التعليميّ. ومن أبرز التحدّيات الّتي فرضتها الظروف الصحّيّة في المجال التعليميّ، الانتقال من التعليم الوجاهيّ إلى التعليم المحوسب عن بُعد، وتقتضي هذه النقلة التزوّد بأدوات خاصّة للتعليم والتعلُّم والإستراتيجيّات والطرائق، أضف إلى ذلك ضرورة التزوّد بالمهارات التكنولوجيّة والأدوات الرقميّة المحوسبة؛ فهل استطعنا تخطّي التحدّيات الّتي طرحتها الجائحة في المجال التعليميّ بنجاح؟ وهل  ثمّة جاهزيّة تامّة لهذه النقلة المفاجِئة عند المعلّمين والطلّاب والأهالي؟

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

تخبّط وضبابيّة

يُشير واقعنا المعيش إلى أنّنا نمرّ بمرحلة من التخبّط والضبابيّة في سبل مواجهة هذه التحدّيات، ولا يقتصر هذا التخبّط على المستوى الفرديّ أو الأسريّ أو المدرسيّ، بل يشمل المستوى المؤسّساتيّ والوزاريّ. ومن سمات هذا التخبّط على المستوى الوزاريّ الإسرائيليّ، عدم وضوح القرارات الوزاريّة تارة، والتراجع عن قرارات سابقة تارة أخرى، علاوة على تخبّط الأهالي بين قرارَي إرسال أبنائهم إلى المدرسة أو إبقائهم في البيت، ومدى الالتزام بالمهامّ التعليميّة المُلقاة على عاتق الأبناء.

ويشمل هذا التخبّط أيضًا اختيار طرائق التعليم المناسبة، بين التعليم التزامنيّ وغير التزامنيّ، واختيار طرائق التقويم والتقييم المناسبة بين المهامّ المنزليّة والامتحانات، عدا المرونة اللازمة في كمّيّة الموادّ المنهجيّة، وتداعيات كلّ ذلك على السنوات التعليميّة القادمة.  

 

اتّساع الفجوة

وشهد المجتمع الفلسطينيّ – بخاصّة - عقبات كثيرة في التعليم عن بُعد في الفترة السابقة، وهذه العقبات تلقي بظلالها على التعليم الآنيّ والمستقبليّ. ومن أكبر هذه العقبات عدم توفّر البنية التحتيّة المناسبة للاتّصال بالإنترنت، أو عدم توفّر جهاز الحاسوب في المنزل، أو عدم كفاية جهاز واحد لتعلُّم كلّ الأبناء في المنزل الواحد، فضلًا على أنّ التعلُّم عن بُعد يعتمد إلى حدّ كبير على متابعة الأهل، ومن ثَمّ فإنّ غالبيّة الأهالي العاملين لم يتمكّنوا من متابعة هذه السيرورة عن قرب؛ وهذا يمسّ بجودة التعليم والتعلُّم، بالإضافة إلى الإقصاء التامّ للطلّاب في القرى منزوعة الاعتراف في الجنوب؛ لافتقارها للبنى التحتيّة الّتي تسمح بالاتّصال بالإنترنت والكهرباء.

ومن المتوقّع أن تؤدّي هذه العقبات إلى اتّساع الفجوة بين جهازَي التعليم العربيّ واليهوديّ، وبين الطبقات الاجتماعيّة المختلفة. وقد أثبت امتحان البيزا الدوليّ الأخير أنّ الفجوة بين هذين الجهازَين كبيرة جدًّا، إلّا أنّ التوقّعات المستقبليّة في ظلّ الكورونا تشير إلى اتّساع هذه الفجوة؛ وهو ما يقتضي التفكير في حلول جدّيّة وجذريّة، والقيام بخطوات فعليّة لسدّ هذه الفجوة، ومنع اتّساعها في المراحل المقبلة.

 

باتّجاه الحلّ

يجب أن تشمل الحلول جميع الأصعدة والمستويات التعليميّة؛ انطلاقًا من بناء خطّة وزاريّة واضحة المعالم، تُراعي الظروف الحياتيّة والمزايا الخاصّة لكلّ مجموعة، وتأخذ بعين الاعتبار الإمكانيّات المختلفة، سواء توفَّرَ التعليم الوجاهيّ في المدارس أو تفاقمت الأزمة الصحّيّة؛ فيقتضي آنذاك الانتقال إلى التعليم عن بُعد.

وفي جميع الحالات، يجب أن يكتسب المعلّمون أدوات بيداغوجيّة محوسبة، وأن يستغلّوا الإمكانيّات الوافرة الّتي تُتيحها التكنولوجيا والحوسبة، هذا عدا ضرورة تهيئة الطلّاب لطريقة التعلُّم عن بُعد، وإكسابهم المهارات اللازمة للتعامل مع الدروس التزامنيّة وغير التزامنيّة؛ من إدارة الوقت، والالتزام، والتعلُّم الذاتيّ المستقلّ، والمهارات التكنولوجيّة.

 

 

د. آثار حاجّ يحيى

      

 

محاضرة وباحثة ومرشدة تربويّة في المعهد الأكاديميّ العربيّ - كلّيّة بيت بيرل.