يافا ضحيّة جمالها

ممّا تبقّى من يافا بعد تهجيرها | آرمون، ويكيمديا

 

"غير أنّ النهر المذبوح يجري:
كلّ ماءٍ... وجه يافا
كلّ جرحٍ... وجه يافا
والملايين الّتي تصرخ: كلّا... وجه يافا
والأحبّاء على الشرفة أو في القيد أو في القبر... يافا
والدم النازف من خاصرة العالم... يافا"
[1].

- أدونيس -

 

لكي تضحك تل أبيب...

لكي تضحك تل أبيب كان على يافا أن تعبس أوّلًا. لكي تُدَوَّن في بطن التاريخ، كان عليها أن تطرد يافا من صفحاته. كي تفتح «أَحوزاتْ هَحوفْ» أذرعها للبحر، وتُقبل إليه بفنادقها وحدائقها، كان على «حيّ المنشيّة» أن يدير ظهره للبحر ويواري الثرى تحت الأرض. كي يُزهّر «ديزِنْغوفْ – سينْتِر»، كان على بيّارات عائلة الحنّاوي أن تذوي. إذن، لم تكن «جدليّة المحو والإنشاء»، في المشروع الصهيونيّ، وفق تعابير هنيدة غانم[2]، عارضًا وحادثًا عابرًا في المشروع بقدر ما هي بنية متجذّرة لا يستقيم دونها.

 

 

يقول الغيطاني: "لو لم يُدْفَن الأساس جيّدًا لما علا البنيان، وعلى قدر متانة الغائب يكون مقدار الظاهر"[3]. كي نقف على محو يافا ومعاول هدمها، لا بدّ من تقليم معاول بناء تل أبيب وفهمها. يافا اليوم واحدة من خمس مدن، كانت مدنًا فلسطينيّة تحوّلت إلى ما يُعْرَف بـ «مدن مختلطة»، يشكّل سكّان هذه المدن المختلطة نحو 10% من السكّان الفلسطينيّين في الأراضي المحتلّة عام 1948، كما يشكّل سكّان يافا العرب ما يقارب 4% من مجمل سكّان تل أبيب - يافا، ونحو 40% من سكّان يافا، الّتي باتت حيًّا ضمن بلديّة تل أبيب – يافا.

إنّ تتبّع مسار المحو في يافا، لا يمكن إلّا من خلال الاستمساك بخيط العلاقة الّذي يجدلها بنقيضتها تل أبيب، والسير في هذا الخيط المركّب بينهما في المراحل الزمنيّة المختلفة. لا يسهم ذلك في إضاءة مسار محو يافا كما تمثّل في السياسات المكانيّة والزمانيّة تجاهها، بل ما تتعرّض له المدن المختلطة الأخرى. علمًا أن تسمية «المدن المختلطة» لم تكن إلّا «غسيلًا ورديًّا» لسياسات بناء الحدود الداخليّة، الّتي انتقلت من العزل الصلب والفعليّ في الماضي إلى العزل السائل عن المكان والزمان حاليًّا.

لم تمشِ علاقة تل أبيب بيافا بمعادلة خطيّة ومستقيمة (أي بتباعد تل أبيب عنها كلّما تقدّم الزمن)، بل بمسار دائريّ مركّب، بدءًا بالهروب من يافا، والانعزال عنها قبل النكبة، من أجل تأسيس تل أبيب، ثمّ بهدمها ومحوها الفعليّ إبّان النكبة وخلالها، مرورًا بِبَتْرِها عن الزمان الفلسطينيّ من خلال التهويد، وتحويلها إلى أحياء فقر، وعزل سكّانها في «غيتو» منذ نكبة 1948 حتّى منتصف الثمانينات، وصولًا إلى مرحلة استملاكها زمانيًّا ومكانيًّا من خلال العودة إليها مجدّدًا، لبعثها (صهيونيًّا) من جديد بعد تدميرها، وهو المسار الممتدّ منذ منتصف الثمانينات حتّى اليوم.

 

مدينة «مختلطة»

لم يعرف القاموس السياسيّ والاجتماعيّ الفلسطينيّ مصطلح «المدن المختلطة»، إلّا منذ عقود قليلة، ثمّ إنّ قاموس اليهود الاجتماعيّ لم يعرفه أيضًا سوى في أربعينات القرن العشرين، رغم أنّ عربًا ويهودًا قد سكنوا مدنًا فلسطينيّة كصفد وطبريّا وحيفا وغيرها (منها يافا ذاتها)، ولم تستخدم حينها تعبير «الاختلاط». كان الظهور الأوّل للمصطلح بريطانيًّا، وذلك على يد «لجنة بيل» الّتي تشكّلت على إثر الثورة الفلسطينيّة الكبرى (1936 - 1939)، الّتي اقترحت تقسيم فلسطين إلى كيانين سياسيّين بيت العرب واليهود. ذكرت اللجنة في اقتراحها أنّ ثمّة «مدنًا مختلطة» (طبريّا وصفد وعكّا وحيفا) لا يمكن تقسيمها، بالتالي اقترحت أن تبقى هذه المدن تحت الإدارة البريطانيّة[4].

رتبط مصطلح «المدن المختلطة» بالانفصال وبناء الحدود منذ البداية، وذلك عندما طُرِحَ في سياق صهيونيّ سياسيّ، لتأكيد ضرورة تمكين اليهود سياسيًّا في المدن المقصودة...

أمّا صهيونيًّا، فقد جرى استخدام المصطلح للمرة الأولى عام 1943 (وفقًا لأرشيف صحيفة «يديعوت أحرونوت»)، وذلك في إطار نقاش عمّاليّ – هستدروتيّ حول تمكين اليهود ودعمهم في «المدن المختلطة»، كما جاء على لسان أبا خوشي[5]؛ أي أنّه – وللمفارقة - ارتبط مصطلح «المدن المختلطة» بالانفصال وبناء الحدود منذ البداية، وذلك عندما طُرِحَ في سياق صهيونيّ سياسيّ، لتأكيد ضرورة تمكين اليهود سياسيًّا في المدن المقصودة؛ إذ إنّ الفترة الّتي أعقبت الهجرات الثانية والثالثة و«وعد بلفور»، أي منذ صَهْيَنَة الوجود اليهوديّ في فلسطين، قد تولّد معه أزمات بين المجتمعين العربيّ واليهوديّ في يافا، كاستقالة أعضاء بلديّة يهود من بلديّة يافا، وتذمّر من السكّان اليهود لإهمال البلديّة لهم[6]. رغم أنّ بناء تل أبيب بدأ قبل «وعد بلفور»، منذ خروج ثلّة من اليهود لإقامة حيّ «أَحوزاتْ بايِتْ» عام 1909، إلّا أنّ نشأتها السياسيّة والعمرانيّة تبلورت بعد ذلك، خاصّة بعد الهجرة الصهيونيّة الثالثة.

 

نقيض يافا المبكِر

"مَنْ صاغَ سيرته بمنأًى عن هبوب نقيضها وعن البطولة؟

لا أحد..."[7].

- محمود درويش –

 

لم تخبّئ تل أبيب منذ بداية تأسيسها حمولتها التوراتيّة، ومحاولة إعادة بعثها زمنيًّا في مقابل يافا، من خلال مدّ خيط الوصل بين الحاضر الصهيونيّ التل أبيبيّ والماضي التوراتيّ اليهوديّ، رغم دمغها بمعقل «العلمانيّة» في إسرائيل.

"لطالما سأبنيك وتُبنين عذراء إسرائيل"[8]، مستوحًى من آية في «سِفْر يِرْمياهو» في التوراة حول وعد الربّ ببناء الهيكل الثالث، هكذا كان شعار تل أبيب، وكأنّ عمليّة إنشائها جزء من هذا الوعد والتعمير. كان ذلك بداية الوصل الزمانيّ للمكان التل أبيبيّ، ليس باستدعاء الماضي إلى الحاضر والعكس، وهو ما يمكن أن يفسّر لنا اختيار الاسم «تل أبيب» المُسْتَوْحى من «سِفْر يِحَزْقيل» من التوراة، كترجمة لكتاب نشره هرتسل سابقًا بعنوان «إنتونيلاند»، أي أرض جديدة – قديمة.

كان خيار تل أبيب منذ بدايته الانعتاق تمامًا من ثقل يافا التاريخيّة وحمولتها، وبناءها بصورة مقابلة ليافا لا مكمّلة أو حتّى محتوية؛ وهو ما يفسّر رفض مقترحات تسمية تل أبيب بأسماء مرتبطة بيافا مثل «نافي يافو»...

إذن، فالعمليّة تسير في اتّجاهين: استقدام للماضي وبعثه في الحاضر، وسفر من الحاضر إلى الماضي لإسقاط مفهوم الحاضر عليه.

لقد كان خيار تل أبيب منذ بدايته الانعتاق تمامًا من ثقل يافا التاريخيّة وحمولتها، وبناءها بصورة مقابلة ليافا لا مكمّلة أو حتّى محتوية؛ وهو ما يفسّر رفض مقترحات تسمية تل أبيب بأسماء مرتبطة بيافا مثل «نافي يافو»[9]. لقد كان الخيار التحرّر من عبء يافا المناقض للسرديّة الصهيونيّة.

 

المخيال الصهيونيّ ليافا حتّى النكبة

"تدمير يافا، المدينة والميناء قادم قادم لا محالة، وجيّد أن يأتي... إن دُفِنَت فلن آخذ بعزائها"[10].

بهذه الكلمات البسيطة والواضحة، وصف دافيد بِنْ غوريون تدمير يافا القادم. لم يبدأ خيط المحو الصهيونيّ ليافا عام 1948، وإن كان هو عام محوها الفعليّ عن زمانها الفلسطينيّ؛ ففي العودة إلى ما قبل ذلك نجد أنّ خطّة المحو كانت قائمة في المخيال الصهيونيّ، سواء الرسميّ أو غيره، وقد عرفت تل أبيب الكثير من الألقاب والأسماء الّتي عبّرت عن هذا المخيال تجاهها، وتجاه يافا في الوقت نفسه.

منذ نشأتها قدّمت تل أبيب نفسها إلى الصهاينة بوصفها «مدينة فوق الرمال»، وفي تعبيرات أخرى اسْتُخْدِمَ لقب «المدينة البيضاء». تطرح المدينة نفسها على الرمال لتعمّرها من القحل والمحل؛ فالرمال ترتبط ذهنيًّا بالصحراء والفراغ، وفلسطين وفقًا لهذا المخيال أرض بلا شعب يسكنها، و«عروس» لمّا تجد نصيبها بعد! نرى ذلك مليًّا في العودة إلى رسومات ناحومْ جوتْمان، وهو من أشهر رسّامي تل أبيب الكلاسيكيّين والانطباعيّين. قدّم جوتْمانْ عشرات اللوحات الّتي نقلت انطباعه عن مدينة تل أبيب وهي لا تزال في المهد، ولم تخبّئ رسوماته طغيان الكثبان الرمليّة والحقول الصفراء فيها.

 

لوحة لناحوم جوتمان، تصوّر تل أبيب يوم السبت بداية نشأتها شمال يافا

 

"من زبد موجةٍ وغيمة...
شيّدتُ لنفسي مدينةً بيضاء
كمثلهم في الزبد غارقة، وفي الماء طافحة
وكمثلهم بهيّة"
[11].

- نوعْمي شيمِر -

 

لا يمكن بياض تل أبيب أن يكتمل في ذلك الوقت إلّا إذا تعارض و«سواد» يافا، وقد تبنّى مخطّطو تل أبيب في تلك الفترة توجّهًا سُمّي «التوجّه الحداثيّ الصهيونيّ» المرتبط بـ «المدرسة العالميّة»، وذلك لربط تل أبيب بأوروبّا، مقابل النمط «التقليديّ» الشرقيّ المحلّيّ. يظهر ذلك في بناء «ميدان ديزِنْغوفْ» و«بيت آنْجِل» على سبيل المثال، لكنّه يظهر بفظاظة أكبر في التغييرات الّتي أقيمت على مباني «شارع اللنبي»، حيث أزيلت الأقواس وتحوّلت إلى مثلّثات[12].

لم تجد هذه التمثّلات سبيلها في الشعر والمعمار فقط، بل في معارض المدينة الّتي تنظّم في متاحفها، وقد حمل أحدها عنوان «أن تسكن فوق الرمال» (كذلك الّذي نُظِّمَ عام 2004 في «متحف تل أبيب»)، وُزِّعَ ضمن فعاليّات المعرض كتيّب توضيحيّ للطفرة العمرانيّة في المدينة تحت عنوان «المدينة البيضاء».

 

من يوتوبيا إلى أنوميا... بل دستوبيا

"أحيانًا حتّى تُغَيِّر بلدًا، عليك أوّلًا تغيير سرديّتها"، يقول الجغرافيّ شارون روتِرْبِرْغ في كتابه «مدينة بيضاء مدينة سوداء»، الّذي يسهب فيه كيف أنّ بناء «المدينة البيضاء» تل أبيب كان على أنقاض «المدينة السوداء» يافا إبّان – وبعد - النكبة[13].

 

«شْديروتْ روطْشيلْد» في تل أبيب خلال عشرينات القرن الماضي

 

عبء يافا وتاريخها - كما سكّانها - أثقل من كاهل الصهيونيّة؛ فكان لا بدّ من أن يكون المحو فعليًّا أوّلًا من خلال التهجير والتدمير. لم يبق في «عروس البحر» أكثر من 3647 فلسطينيًّا من أصل أكثر من 70 ألفًا سكنوا حتّى 1948[14]. دُمِّرَ الحيّز المدينيّ والعمرانيّ للمدينة الّتي كانت قد بدأت تخطو نحو حداثتها منذ عشرات السنوات قبل النكبة، بُتِرَت عن الزمان الفلسطينيّ بفعل التدمير، تحوّلت كما أشار كمال الجعفري من يوتوبيا إلى أنوميا[15]، وربّما الأدقّ ديستوبيا. سُوِّيَت أحياء بالأرض مثل «المنشيّة» و«السكنات»، ودُمِّرَت «البلدة القديمة» وأحياء أخرى، وجُمِّعَ الفلسطينيّون في «حيّ العجمي» الّذي تحوّل إلى «جيتو». هكذا إذن بدأ عُمْرُ «الاختلاط» الرسميّ بفكرة «الجيتو» والمعازل، بعد أن ضُمَّت تل أبيب إلى يافا في نيسان (أبريل) 1950.

لم يكن المحو محوًا فعليًّا فقط من خلال التدمير والتهجير والعزل، بل رمزيًّا أيضًا من خلال فصل يافا عن زمانها الفلسطينيّ، وفصل الفلسطينيّين الباقين عن مكانهم. تشكّلت اللجان الخاصّة لتغيير أسماء شوارع يافا وتهويد معالمها؛ فالدولة الإسرائيليّة ليست دولة يهوديّة فقط، بل دولة مُهَوِّدَة باستمرار، كما يقول يفتحئيل[16].

 لم تكن التسميات الجديدة اعتباطيّة، تحوّلت من خلالها «السكنات»، الّتي شهدت أجمل بيّارات فلسطين، إلى «يافو دالِتْ» و«يافو جيمِل»، و«حيّ النزهة» إلى «شْديروتْ يِروشالايِمْ»، و«شارع فيصل» إلى «يَهودا يَميتْ»، و«شارع عبد الرؤوف بيطار» إلى «شيفْطي يِسْرائيلْ»، وغيرها، وقد شُيِّدَت النصب التذكاريّة لمحاربي ومجرمي «الإيتْسيل» في «حيّ المنشيّة» المُدَمَّر.

لم تكن آلة المحو تسير في اتّجاه التدمير والإنشاء فقط، بل تغيير هويّة المباني أيضًا الّتي سَلِمَت من التدمير الفعليّ، وهو ما شهده أهمّ معالم «حيّ النزهة»...

لم تكن آلة المحو تسير في اتّجاه التدمير والإنشاء فقط، بل تغيير هويّة المباني أيضًا الّتي سَلِمَت من التدمير الفعليّ، وهو ما شهده أهمّ معالم «حيّ النزهة»؛ إذ تحوّلت «سينما الحمرا» إلى «سينما يفؤر»، و«سينما نبيل» أضحت «سينما نوغا»، فضلًا عن تحوّل يافا إلى فضاء لإسكان يافا آلاف المهاجرين اليهود، خاصّة من مناطق البلقان والمغرب العربيّ.

 

نحت يافا كمدينة الدمار

رسم المخيال والواقع الصهيونيّ يافا مكانًا مظلمًا متخلّفًا يمثّل الجريمة والعنف والتخلّف؛ إذ تحوّلت بفعل النكبة إلى أحد أحياء فقر تل أبيب، وباتت مزارًا لصنّاع السينما الّذين بحثوا عن ديكور لأفلام عن الحرب والدمار. أمّا فلسطينيًّا، فقد حُمّلت يافا بتناقضات المكان ما بعد النكبة، فهي المكان «الكبير» النوستالجيّ والفردوس المفقود في المخيال وفي النصّ، لكنّها أيضًا «المكان الصغير» الّذي لا يشبهنا، والّذي تنكّر لنا في الزمن الصهيونيّ الجديد، ربّما كان هذا ما عناه الشاعر طه محمّد علي بقوله: قصيدة «عنبر»:

"الأرض خائنة

 الأرض لا تحفظ الودّ

 والأرض لا تؤتمن

 الأرض مومس

أخذت بيدها السنين

تدير مرقصًا

على رصيف ميناء

تضحك بكلّ اللغات

وتلقم خصرها لكلّ وافد"[17].

 

نُزعت يافا عن ثوبها الفلسطينيّ خلال العقود الأولى للنكبة، من خلال سياسات «إخلاء وبناء»، أو بلغة المؤرّخ مارك لافين «المحو والاستكتاب»، أي طرد الماضي الفلسطينيّ عن يافا وإلباسها الحلّة الصهيونيّة. في هذه الفترة دُمِّرَ 70% من مباني «البلدة القديمة»، واسْتُكْمِلَ تدمير «المنشيّة» وغيرها من «السكنات».

 

معرض فنّيّ خارجيّ في ما تبقّى من يافا، في ما يُعْرَف بـ «حيّ الفنّانين»

 

سياسة «الاستطباق»

"منذ أن خرج سكّان يافا العبريّون لبناء أحوزاتْ بايِتْ، أي تل أبيب، ولّدت المدينة دولة. أمّا الآن فإنّ تل أبيب تخرج إلى يافا، ولأوّل مرّة منذ قيام الدولة تأتي لتصلح وتعمّر يافا" (رونْ خولْدائي، رئيس بلديّة تل أبيب)[18].

لا يمكن عجلة المحو الإسرائيليّة أن تتوقّف ("ما دام في القلب نفس يهوديّة نابضة")[19]، لكنّها قد تغيّر من مسارها. زمن المحو يسير بصورة دائريّة؛ فبعد الخروج والانعتاق والهروب من يافا حلّت العودة الصهيونيّة من جديد منذ الثمانينات. ليس العودة الجديدة إلى يافا بهدف محوها فعليًّا، ولا حتّى بإهمالها؛ فذلك قد أُنْجِز، بل لبعثها من جديد واستكمال المحو الرمزيّ. في البدء كان الخروج من المكان الفلسطيني قبل النكبة، ثمّ محو المكان في النكبة وتهويده بعدها. أمّا الآن، فهو أوان العودة إلى ما تبقّى من المكان من أجل استملاكه زمانيًّا وإعادة تشكيله وفق التخطيط النيوليبراليّ الصهيونيّ الجديد.

منذ أواسط الثمانينات لم تعد السياسات الاستعماريّة مدفوعة في بُعْدِها الاستعماريّ فقط، بل النيوليبراليّ أيضًا، وهو ما غيّر شكل التخطيط الصهيونيّ ليافا ووجهته ونمطه. تشكّل «طاقم تخطيط يافا» لإعادة إعمار يافا، ضمن رؤية نيوليبراليّة عمادها تشجيع القطاع الخاصّ للاستثمار فيها. سبق ذلك دخول مجموعة من الفنّانين الإسرائيليّين والاستئجار والسكن في البلدة القديمة، بعد ترميم بعض المنازل والورش ليتحوّل إلى «حيّ فنّانين» وجدوا ضالّتهم في يافا، الّتي شكّلت لهم «نوستالجيا» وفضاءً للإبداع، بعيدًا عن تل أبيب المعاصرة الّتي تطحن أحلامهم.

يُعَدّ هذا المسار مسارًا مقدّمًا لما بات يُعْرَف بسياسة «الاستطباق - Gentrification» (التطهير الطبقيّ)، يبدأ بدفع مستثمري قطاعات البناء والإسكان إلى أحياء مهملة ومهمّشة، بغية إعادة ترميم مبانيها وإنشائها من جديد بصفتها مشاريع إسكان، وتطوير البنى التحتيّة فيها من أجل إحيائها تجاريًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا[20]، وهي عمليّة شبيهة لما يشهده «شارع يافا» في حيفا[21].

يصبح المكان الجديد «لامكانًا»، يُشْعِر سكّانه الأصليّين باغتراب، وعدم المقدرة على التكيّف مع نمط الحيّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ والعمرانيّ الجديد، بعد «التحديث» المفاجئ والمباغت من الأعلى...

تُخْفي هذه العمليّة - كما يُشير نيل سميث - تناقضًا جوهريًّا، وهو أنّها تؤدّي إلى تغيير معالم المكان، ورفع أسعار العقارات فيه، وتغيير طابعه الاقتصاديّ، ما يؤدّي إلى هجرة أهاليه بشكل صامت. يصبح المكان الجديد «لامكانًا»، يُشْعِر سكّانه الأصليّين باغتراب، وعدم المقدرة على التكيّف مع نمط الحيّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ والعمرانيّ الجديد، بعد «التحديث» المفاجئ والمباغت من الأعلى، وهي محاولات جارية اليوم في «العجمي» و«الجبليّة» ومعظم أحياء يافا العربيّة.

عام 2002، نُشِرَ في جريدة «زمن تل أبيب» مقال عنوانه " أختنا العرجاء"، وُصِفَت يافا من خلاله بـ "العنزة السوداء" الّتي تحتاج إلى مَنْ ينقذها، وتل أبيب تأتيها على صهوة جوادها الأبيض لنهضتها. توسّعت منذ أواسط التسعينات ما يطلق عليه سياسة «الاستطباق».

 

النيوليبراليّة الإسرائيليّة «تعانق» الثقافة العربيّة

ليس المكان الفلسطينيّ وحده المستهدف في عمليّة المحو النيوليبراليّ الصهيونيّ الجديد؛ إذ جرت تغييرات في سياسات المحو الإسرائيليّة منذ الثمانينات، مع تحوّل إسرائيل نحو النيوليبراليّة، وخاصّة ما رافق ذلك من لَبْرَلَة سياسيّة محدودة أوائل التسعينات.

خلقت النيوليبراليّة صعودًا لتيّارات سياسيّة إسرائيليّة جديدة تطمح للتعبير عن فئات مجتمعيّة داخل المجتمع الإسرائيليّ، كالشرقيّين المتديّنين «شاس»، ومهاجري الاتّحاد السوفييتي لاحقًا، وغيرهم. ساهم ذلك في انتشار ما يُعْرَف بـ «سياسات الهويّة» الّتي أثّرت في طبيعة الصهيونيّة ذاتها وتوجّهها نحو هويّة العرب في أراضي 48. باتت الصهيونيّة أكثر «مرونة» مع تقبّل ثقافة العرب المختلفة، لكن شرط عدم تسييسها، وأن تبقى ضمن حدود التعدديّة الثقافيّة الصهيونيّة وسياسات الهويّة فيها؛ بالتالي، أصبحت الصهيونيّة أكثر «سماحة» مع هذه الثقافة ومع حقّها في التعبير عن نفسها، سواءً في احترام لغتها أو مطبخها مثلًان طالما أنّ هذه العمليّة تحصل دون تسييس نحو هويّة وطنيّة فلسطينيّ. وقد نجد ذلك في إقامة مهرجانات للمطبخ الشاميّ والشرقيّ مثلًا في حيفا وغيرها، مترافقًا مع التسويق لمشروع الاستباق والمحو الجاري في أحيائها العربيّة[22]. كما تحاول مشاريع الإعمار الجديدة أن «تراعي» ما تعتبره «نمطًا شرقيًّا أصليًّا».

 

«بيت آنجل»، أحد رموز «المدينة البيضاء» المعماريّة، من عام 1933

 

يتميّز مشروع الاستطباق عن الاستعمار التقليديّ بأنّه ليس أحاديّ الجانب، بل متعدّد ومترامي الأطراف، يحمله وكلاء عدّة؛ إذ لا تشكّل الدولة الوكيل الحصريّ له، وإن كانت الدولة هي الدفيئة البنيويّة له بالسياسات، بيد أنّ الأفراد والمجتمع الصهيونيّ في المشروع يتحوّلون إلى وكلاء محو، كما يمكن العرب أنفسهم أن يتحوّلوا كذلك، لكنّ ذلك يحتاج نقاشه إلى مساحة أخرى.

 

يافا «المختلطة»

"هنا تصعد كتيبة الجنود نحو الحدود... والحدود هي في قلب كلّ جنديّ...”.

هكذا تقدّم قصيدة «كتيبة مجهولة» ليِحيئِلْ موهَر، الّتي تغنّيها جوقة جيش الاحتلال الأبرز «هَناحَل»، مفهومها عن الحدود في البنية الصهيونيّة. يُخْبِرُنا باحثو الاستعمار الاستيطانيّ أنّ الأرض أساس المشروع[23]، لكن هل يمكن مشروع الاستيلاء على الأرض والحيّز أن يكتمل إلّا إذا ترافق مع بناء الحدود، أو بلغة أدبيّات الاستعمار: التخوم؟

لم تحدّد إسرائيل حدودًا صلبة لمشروعها خارجيًّا، وما من اتّفاق أو إجماع واضح حولها. ربّما كان لذلك أعراضه السياسيّة، من الانشغال إلى درجة الهوس في بناء الحدود الداخليّة، أو بلغة يِفَتْحِئيلْ «التخوم الداخليّة»[24]، وهي الفضاءات المحتملة للاستعمار رمزيًّا، زمانيًّا ومكانيًّا، داخل حدود الدولة الاستعماريّة. ومع التطوّر في مفهوم التخطيط الإسرائيليّ، شكّلت يافا فضاء محتملًا لرأس المال اليهوديّ، وصيدًا شهيًّا لأنياب النيوليبراليّة الإسرائيليّة الشرهة.

لا تُبْنى الحدود في المدينة المختلطة الاستعماريّة بصورة صلبة دائمًا؛ فبعد إنجاز مهامّ المحو الفعليّ والتدمير والتهجير، لا يجري بالضرورة إهمال المكان الفلسطينيّ (يافا) والانقطاع عنه، بل بإعادة نَسْجِه من جديد صهيونيًّا، وهو ما يفسّر إقبال تشجيع الجهات الرسميّة القطاع الخاصّ للاستثمار في يافا، وتقديم التسهيلات في ترميم البيوت وبنائها، الّتي كانت إلى عقود خلت بيوت أشباح بعد أن نُزِعَتْ عنها فلسطينيّتها.

الحدود -  في المنظور الصهيونيّ - لا تحمل بالضرورة بُعْدَ العزل والقطع، بل تحمل وجهًا آخر من الوصل والجدل والخياطة. إنّه وصل وخياطة يعملان في أكثر من اتّجاه وبُعْد، إنّها توصل تل أبيب بيافا من جديد...

عندما ندقّق في المرادفات العبريّة لكلمة «حدود» بالعبريّة، نجد أنّ «خطّ التماس» أحدها، وهي ترجمة مجازيّة لكلمة «كافْ هَتيفِرْ»، بيد أنّ «تيفِرْ» بالعبريّة تعني حرفيًّا «خياطة» أو «نسجًا»؛ فالحدود -  في المنظور الصهيونيّ - لا تحمل بالضرورة بُعْدَ العزل والقطع، بل تحمل وجهًا آخر من الوصل والجدل والخياطة. إنّه وصل وخياطة يعملان في أكثر من اتّجاه وبُعْد، إنّها توصل تل أبيب بيافا من جديد، كما يصرّح خولْدائي[25]، لكنّها أيضًا تصل بين المكان اليافيّ بالزمان الصهيونيّ، بعد أن قطعته عن زمانها وتاريخها الفلسطينيّين.

 

«تلّة أندروميدا» مثال  الحدود داخل «الاختلاط»

”الرومانسيّة هي العامل الأساسيّ الّذي يأتي بجمهور جديد إلى يافا"[26].

كانت هذه إحدى الجمل الّتي ردّدها مصمّم مشروع «تلّة أندروميدا» السكنيّ في يافا، المُقام على أرض وقفيّة أرثوذكسيّة، وقد أُنْشِئ منذ منتصف التسعينات لجذب الأغنياء اليهود للسكن في يافا. تقع التلّة على «خطّ التماس» بين يافا وتل أبيب، توصل تل أبيب بيافا «الجديدة»، وهي من الأمثلة البارزة لتحوّل يافا من فضاء مهمل إلى فضاء «يُرَحِّب» بالأغنياء، ويشكّل لهم فضاءً بعيدًا عن ضوضاء تل أبيب، كما يقول أحد سكّانها[27].

جسّد مشروع «أندروميدا» زوايا أخرى من الاستطباق ومن السياسة الجديدة تجاه يافا، من خلال الدفع باتّجاه مشاريع عقاريّة حديثة في يافا باسم التعدّديّة الثقافيّة الّتي تشكّل في الواقع وجه استملاك يافا الجديد. تحمل «أندروميدا» معها تناقضات مشروع المحو الإسرائيليّ الجديد؛ فهي تبوح بكلّ ما يناقض ما تعلن. يشكّل بناؤها المعماريّ هجينًا يحاول المزج بين ما يدّعيه «سحر المكان» والبناء الحديث، لكنّه أفاض بعمارة خارج المكان، كما أنّ شعارات الاندماج والاختلاط في المكان سقطت أمام رغبة السكّان في الانفصال عن البيئة المجتمعيّة اليافيّة، ليتحوّل المشروع إلى «مدينة داخل المدينة»، كما أشار أحد السكّان. محكمة التأمين منقطعة عن محيطها، إنّها الحدود داخل الحدود الّتي لا سبيل عنها في المشروع الصهيونيّ.
لا يشكّل «مشروع أندروميدا» (وغيره من المشاريع) ربطًا بين يافا «الجديدة» وسكّان تل أبيب الأغنياء فحسب، بل هو أيضًا وصل ينسج المكان بالخيال الصهيونيّ ليافا.

 

مشروع «تلّة أندروميدا»

 

يعيش المشروع الصهيونيّ علاقة مركّبة بالمكان في فلسطين، وتناقضًا بين ما يسمّيه زيلي جورْفيتْش «المكان الصغير» المتمثّل بالحياة اليوميّة، و«المكان الكبير» المتمثّل بالأسطورة والنجاة[28]. إنّ الحمولة الفلسطينيّة للمكان في يافا تثقل على المخيال الصهيونيّ؛ فلا يكون ثمّة سبيل من بتر هذه الحمولة الفلسطينيّة أوّلًا، قبل أن تبدأ عمليّة النسج والخياطة بين المكان المبتور من فلسطينيّته والزمان الصهيونيّ الجديد.

"كم قلنا لرائحة المكان: تحجّري لننام

كم قلنا لأشجار المكان تجرّدي من زينة الغزوات كي نجد المكان

واللامكان هو المكان وقد نأى في الروح عن تاريخه"[29].

- محمود درويش -


لم يكن اختيار اسم المشروع «أندروميدا» عبثًا؛ فـ «أندروميدا» هي الميثولوجيا اليونانيّة الّتي تتحدّث عن فتاة جميلة، أرسل إله البحر إليها وحشًا لالتهامها، بعد أن غضب من والدتها الّتي افتخرت بجمالها، فجاء البطل المخلّص في اللحظة الأخيرة ليحرّرها من قيودها والصخرة. يأتي الزمان الصهيونيّ، ويقدّم نفسه إلى يافا (المكان) لتلبسه بعد أن خلع عنها زمانها الفلسطينيّ، وبترها عن التاريخ.

إنّه زمن المحو الّذي بدأ بالخروج من يافا ثمّ محوها، ثمّ يعود إليها ليربطها بزمان آخر وميثولوجيا تتخطّى زمانها الفلسطينيّ.

إلى جانب مشاريع شبيهة بمشروع «أندروميدا»، تجري عمليّة الاستطباق في حيّي «العجمي» و«الجبليّة» على قدم وساق، بصفتها مشاريع سكنيّة أخرى تنتظر ما كان يُعْرَف سابقًا بـ «السكنات»...

إلى جانب مشاريع شبيهة بمشروع «أندروميدا»، تجري عمليّة الاستطباق في حيّي «العجمي» و«الجبليّة» على قدم وساق، بصفتها مشاريع سكنيّة أخرى تنتظر ما كان يُعْرَف سابقًا بـ «السكنات»، مثل «سكنة الهريش»، من خلال الاستيلاء على البيوت العربيّة الجميلة، وتحويلها إلى مشاريع سكنيّة أو مزارات ثقافيّة، كما الحال في «تل العرنتجي» و«بيت دار بركات» على حدود «حيّ النزهة»؛ وهو الحيّ الّذي لم تسلم حتّى أشجاره التاريخيّة من الاقتلاع. فضلًا على مشاريع استهدفت طريقة الميناء، لتغيّر من معالمه وتكوينه الاقتصاديّ والعمرانيّ تمامًا.

 

امتلاك الزمن اليافيّ

"أمّا الزمان، الّذي لم نشعر به إلّا متأخّرين، فهو الفخّ الّذي يتربّص بنا على حافّة المكان الّذي جئنا إليه متأخّرين، عاجزين عن الرقص على البرزخ الفاصل بين البداية والنهاية!"[30].

- محمود درويش -

تحوّلت صورة يافا في المخيال الصهيونيّ من الزمن المتخلّف والجريمة والفقر إلى زمن «النوستالجيا» و«الأكزوتيكا» الأصليّة. تطرح تل أبيب نفسها على يافا اليوم، بصفتها المسيح المخلّص من التخلّف، الّذي سينتشلها من قاع التهميش إلى مجد العالميّة والسياحة والعولمة؛ بيد أنّ قبول يافا لهذا العرض يحوّلها إلى لامكان، ويحوّل زمانها التاريخيّ إلى عمليّة معاوضة لما ينقص تل أبيب من تاريخ.

إنّها معادلة التضادّ الحتميّة والقدريّة بين تل أبيب، المدينة المبتورة التاريخ والقصيرة الذاكرة، وبين يافا المثقلة بالتاريخ بفائضٍ في الذاكرة. لكنّها عمليّة مركّبة ومترامية الأوجه والأبعاد والملامح، ولا يمكن اختصارها بفكرة المحو الفعليّ فقط أو مفهوم «المدينة الإثنوقراطيّة». إنّه نمط جديد من المحو، يحتاج إلى تقليم بتروٍّ وإلى تعريب بهدوء.

..........

إحالات:

[1] علي أحمد سعيد- أدونيس، «مقدّمة لتاريخ ملوك الطوائف»، لدى سمير حاجّ (محرّر)، يافا بيّارة العطر والشعر (عمّان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004) ص 183.

[2] هنيدة غانم، «المحو والانشاء في المشروع الاستعماريّ الصهيونيّ، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، مجلّد 96 (خريف، 2013)، ص 120.

[3] جمال الغيطاني، سفر البنيان (القاهرة: دار الهلال، 2004)، ص 93.

[4] دانييل مونْتْريسْكو، «الفضاء المدينيّ وسياسة الهويّة في المدن المختلطة: يافا، 1948- 2004»، لدى إيلي ريخِس (محرّر)، سويّة لكن لوحدنا: مدن مختلطة في إسرائيل (تل أبيب: جامعة تل أبيب، 2007)، ص 75-76. 

[5] المرجع نفسه.

[6] يديعوت تل أبيب - يافو، مجلّد 1-3، 1953، ص 28.

[7] محمود درويش، ديوان «أرى ما أريد»، قصيدة «مأساة النرجس»، الأعمال الكاملة (بيروت: رياض الريّس للكتب والنشر، 2005)، ص 827.

[8] سفر يرمياهو، العهد القديم، آية د.

[9] دانييل مونْتْريسْكو، مدينة متشظّية سويّة: ثنائيّة القوميّة في الحياة اليوميّة في يافا (القدس: فان لير، 2020)، ص 80 [العبريّة].

[10] المرجع نفسه، ص 84.

[11] نوعْمي شيمِرْ، «مدينة بيضاء»، شيرونت، شوهد في 07/01/2020، في: https://bit.ly/2LuTjaC

[12]  ميخالْ لافينْ، مدينة بيضاء: التخطيط العمرانيّ العالمي في إسرائيل (تل أبيب: بلديّة تل أبيب، 1984)، ص 10+17. [عبريّة].

[13]  Sharon Rotbard, White City, Black City: Architecture and War in Tel Aviv and Jaffa (Cambridge, Massachusetts: MIT press, 2015).

[14] مونْتْريسْكو، فضاء مدينيّ...، ص 81.

[15] استخدم عالم الاجتماع إيميل دوركهايم مصطلح «أنوميا» للإشارة إلى حالة انهيار النظام الثقافيّ والاجتماعيّ، وتفكّك الأطر المرجعيّة، وانتشار حالة اللامعياريّة في المجتمع.  

[16] أورين يفتحئيل، «بروفسور أويرن يفتحئيل- مجتمع إثنوقراطيَ في إسرائيل/ فلسطين: مشروع حدود لا ينتهي»، youtube، 8/4/2013، شوهد في 07/01/2020، في: https://bit.ly/2JUOTcN

[17] طه محمّد علي، قصيدة «عنبر»، الأعمال الكاملة (حيفا: دار راية للنشر، 2011) ص 47.

[18] المكان المثاليّ ليافو (بلديّة تل أبيب- يافو، 1999)، ص 5.

[19] من «هتيكْفا»، النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ.

[20] Neil Smith, New Urban Frontier: Gentrification and the Revanchist City (Routledge: New York, 1996).

[21] انظر مثلًا: يارا سعدي، «يوتوبيا ‘اختلاف حيفا‘ ومحاولة ترويض الجسد الفلسطينيّ، جدليّة، نُشِرَ في 13/12/2017، شوهد في 07/01/2020، في: https://www.jadaliyya.com/Details/34821

[22] للاستزادة، انظر: يارا سعدي، المرجع نفسه.

[23] Patrick Wolfe, »Settler-Colonialism and the Elimination of the Native,« Journal of Genocide Research, Vol. 8, no. 4 (2006), p 395.

[24] Oren Yiftachel, »The Internal Frontier: Territorial Control and Ethnic Relations in Israel,« Regional Studies, Vol 30, no 5, P 493- 508.

[25] المكان المثاليّ ليافو...

[26] مونْتْريسْكو، «مدينة متشظّية...»، ص 226.

[27] المرجع نفسه، 225.

[28] زيلي جورْفيتْشْ، عن المكان (تل أبيب: عامْ عوفيدْ، 2007) [عبريّة].

[29] محمود درويش، قصيدة «الهدهد»، ديوان «أرى ما أريد»، الأعمال الكاملة، إعداد علي مولا، (منتدى مكتب الإسكندريّة، 2014) ص 846.

[30] محمود درويش، «في حضرة الغياب»، الأعمال الجديدة الكاملة 2 (بيروت: رياض الريّس للكتب والنشر)، ص 365-366.

 

*شكرًا لعبد أبو شحادة ورامي صايغ وعلي حبيب الله على التصويبات.

 

تُنْشَر هذه المادّة ضمن ملفّ «الساحل الفلسطينيّ»، بالتعاون بين جمعيّة الثقافة العربيّة وفُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة ورمّان الثقافيّة، في إطار «مهرجان المدينة للثقافة والفنون» 2020.

 

خالد عنبتاوي

 

 

طالب دكتوراه في «معهد جنيف - قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا». باحث في مركز «مدار»، كما عمل في مركز الدراسات «مدى الكرمل»، وهو ناشط سياسيّ واجتماعيّ. نشر عدّة موادّ سياسيّة في مجلّة «جدل» ومجلّة «قضايا إسرائيليّة»، وكذلك موادّ ثقافيّة في منابر أخرى. صدرت له مؤخّرًا دراسة حول «الحكم العسكريّ في الضفّة الغربيّة» عن مركز «مدار».