المشاعر والتجارب الشخصيّة... نحو نقاش تنظيميّ جديد

 

مثل أيّ جسم بشريّ أو تنظيميّ في بلادنا، تعمل الجمعيّات والمؤسّسات الأهليّة الفلسطينيّة تحت وطأة واقع مستعمَر، فيه تعاني من سياسات إفقار تمويليّة ومهنيّة، وبسببه تصبح المسارات التنظيميّة أكثر تعقيدًا وأكثر تحدّيًا، ممّا لو تناولناها بصورتها المجرّدة في سياقات أخرى.

بينما تحمل صفحة فيسبوك، والنشرة الشهريّة، والصور، الكثير من المقاومة والإنجازات وفقًا لفهم كلّ مؤسّسة لدورها، نتساءل نحن المهتمّين بالدراسات التنظيميّة، عن سلامة الموجودات/ ين داخل مباني المؤسّسات الأهليّة؛ فكيف تبدو حياتها اليوميّة التنظيميّة؟ ماذا يحدث في اجتماعات طواقمها، وبين كتابة رسائل البريد الإلكترونيّ والتقارير، في استراحة الغداء (إذا وُجِدَت)، وفي المحادثات الشخصيّة والمهنيّة؟

هي جوانب تنظيميّة أهملتها أبحاث الدراسات التنظيميّة منذ بداياتها، وهي أيضًا تجارب راكمناها نحن الناشطات/ ين الموظّفات/ ين في المجتمع المدنيّ؛ نحن الأشخاص المدفوعين نحو التغيير العادل...

هي جوانب تنظيميّة أهملتها أبحاث الدراسات التنظيميّة منذ بداياتها، وهي أيضًا تجارب راكمناها نحن الناشطات/ ين الموظّفات/ ين في المجتمع المدنيّ؛ نحن الأشخاص المدفوعين نحو التغيير العادل. عن العاطفة والمشاعر في العمل أتحدّث. وهنا لا بدّ من ذكر تموضعي باحثةً في هذا المجال؛ إذ إنّني راكمت تجارب تطوّع في مؤسّسات المجتمع المدنيّ منذ عام 2013، وكنت لمدّة أربع سنوات جزءًا من طاقم في مؤسّسة تغيير اجتماعيّ، وجزءًا من حراك طلّابيّ حتّى عام 2020، وأخذتني التجارب الشخصيّة، وتجارب زملائي إلى التساؤل عن الإدارة ومكانة المشاعر فيها. وهنا أيضًا، لا أخفي انحيازي نحو طريقة إدارة نسويّة معيّنة، ونحو قيم معيّنة. مقابل هذا الوعي الشخصيّ، رافقتني الحيطة والحذر في معالجة أيّ تأثير في صيرورة التحليل والكتابة، فيها حاولت جاهدة تفسير النتائج بشكل متعاطف وأخلاقيّ، وكأيّ صيرورة بحثيّة وإنسانيّة، فتجربتي البحثيّة عرضة للأخطاء والانحياز.

    

إرث غربيّ وتحدٍّ نسويّ

تُعَدّ المشاعر من الموارد الرئيسيّة في نظريّات علم الاجتماع والتحليل النفسيّ التنظيميّ لبقاء المؤسّسات وتطوّرها، كما أنّه يُشار إلى دورها الأساسيّ في عمليّات وصيرورات تنظيميّة وإنسانيّة كالتعلّم، والفهم، والتحريك الجماهيريّ، وتحقيق الوكالة الذاتيّة. تخبرنا الأدبيّات بأنّه وعلى الرغم من اليقظة التنظيميّة المتأخّرة نحو المشاعر، وتأكيد أهمّيّتها والتطرّق لها في المسارات التنظيميّة، ما زالت الثنائيّات البنيويّة القامعة متجذّرة في طريقة تعاملنا وتطرّقنا نحو المشاعر والعاطفة؛ فنجد هذه الثنائيّات تتعزّز في سياقات غربيّة، وبين المجتمعات الأميركيّة والأوروبّيّة الّتي اعتمدت على علاقة المنطق والعاطفة بصفتهما نقيضين، تعلو فيها قيمة المنطق على العاطفة، وتُعَرَّف العاطفة على أنّها انعدام بل تهديد للمنطق.

نجد هذا في الإرث البيروقراطيّ والهندسيّ والاستعماريّ لنشأة المَأسسة، حيث نشأت الشريعة الإداريّة والدراسات التنظيميّة في المستعمرات الأولى في تجاربها على الشعوب المقهورة. كما تحدّثت نظريّة الاستشراق عن صقل الغرب لصورة «الشرقيّ» أو «الآخر»، الّذي جرى تصويره شخصًا عاطفيًّا، وطفوليًّا، ومتخلّفًا. في هذا الإرث تُبْنى مكانة دونيّة للمشاعر، ومنها تخلق الممارسات وإدارة داخليّة وخارجيّة تهدف إلى السيطرة على المشاعر، وتطبيق إدارة غير عاطفيّة. تنوّعت الممارسات الّتي سعت إلى السيطرة أو ترويض المشاعر لأغراض ربحيّة استغلاليّة، وتشكّلت من خلال مصطلحات «جهد عاطفيّ»، «تفعيل عاطفيّ»، وغيرها من أساليب إدارة مختلفة.

ناضلت النسويّات على مذاهبهنّ المختلفة إلى تحدّي هذه الثنائيّات والسياسات القامعة، وربطت التجارب الشخصيّة بالسياسيّة بعبارة «الشخصيّ هو السياسيّ»، علامةً على عدم الفصل بين الحيوات المختلفة؛ فتشكّلت تنظيماتهنّ حول ممارسات إعادة بناء علاقات القوّة بين العمّال، والتركيز على تطوير المهارات والقدرات الشخصيّة لدى أفراد المنظّمات، وعملوا على تحدّي أيّ فصل يحدث للذات بين الحيّزين الشخصيّ والعامّ. مثلًا، يُعْتَبَر نموذج مامبي وبوتمان (1992) أحد النماذج التنظيميّة النسويّة لإدارة المشاعر، آخذين بالحسبان التحدّيات التنظيميّة والشخصيّة، وملتصقين بقيم وممارسات نسويّة، منها أهمّيّة وجود مجتمعات داعمة، والاهتمام والعناية ببعضها بعضًا، والترابط المقرون بالمسؤوليّة الفرديّة وتحمّل الغموض والضبابيّة الموجودة في العمليّة التنظيميّة والهيكليّة. تهدف هذه النماذج إلى موازنة المتطلّبات القيميّة المختلفة، وجعل المجموعة مكانًا مريحًا للجميع، وتحدّي أنظمة العمل التقليديّة الّتي تجعل من التجارب منفصلة مغتربة عن إنتاجها، وإلغاء الجهد العاطفيّ وأيّ قوانين على العاطفة، كانت جندريّة أو أخرى.

تنطلق هذه المقالة من أهمّيّة الانتباه والشرعيّة للتجارب العاطفيّة، والتعبير عن المشاعر داخل الحياة التنظيميّة للمؤسّسات والمجموعات. تبدأ هذه الأطروحة من نقطة أوّليّة تسأل فيها عن مكانة المشاعر داخل الثقافات التنظيميّة في المؤسّسات غير الربحيّة بشكل عامّ...

أضافت تجارب النسويّات السوداوات ونسويّات الجنوب جوانب أخرى من التحليل يتقاطع مع العرق، والطبقة الاجتماعيّة وعلاقتها بإدارة المشاعر؛ فقد قاموا بتحدّي مفهوم «الأخويّة النسويّة»، والتعامل مع طبقات أخرى من الظلم والعنصريّة. على ضوء هذه التغييرات، خاضت النسويّات الفلسطينيّات حربهنّ على «الأخويّة النسويّة» في علاقتهنّ بالنسويّات الإسرائيليّات، كاشفات لعلاقات القوّة والاستعلائيّة، فبدؤوا بالانفصال عنهنّ في سنوات التسعينات، وتشكيل مؤسّسات مستقلّة بهنّ. رافق هذا الانفصال، التغييرات الإقليميّة من «اتّفاق أوسلو»، و«انتفاضة القدس والأقصى» (الثانية) الّتي نبّهت الفلسطينيّين إلى ضرورة وجود مشروع وطنيّ مستقلّ.

تنطلق هذه المقالة من أهمّيّة الانتباه والشرعيّة للتجارب العاطفيّة، والتعبير عن المشاعر داخل الحياة التنظيميّة للمؤسّسات والمجموعات. تبدأ هذه الأطروحة من نقطة أوّليّة تسأل فيها عن مكانة المشاعر داخل الثقافات التنظيميّة في المؤسّسات غير الربحيّة بشكل عامّ، والنسويّة على وجه الخصوص؛ كونها مثيرة بحثيًّا وذات دور مركزيّ في مجال العاطفة. حاولت أن أحدّد هذه المكانة من خلال المواقف، والقيم، والفرضيّات الّتي تحملها المديرات/ القياديّات عن المشاعر، كما بتجارب الموظّفات مؤشّرًا إضافيًّا لموقع هذه المكانة داخل الثقافات التنظيميّة العاطفيّة. اعتمد البحث على تحليل 17 مقابلة من 6 مؤسّسات نسويّة فلسطينيّة تنوّعت في تعريفها، ومجالها، وحجم طواقمها. ومن ضمن الإجابة عن سؤال البحث، يمكننا القول إنّ مكانة المشاعر في مؤسّسات المجتمع المدنيّ تنوّعت وتعلّقت بثيمات عدّة، وهي ليست بالضرورة سببًا ومسبّبًا لهذه المكانة، لكنّها ارتبطت بالثقافة العاطفيّة الموجودة داخل المؤسّسات؛ فبدا الدمج والفصل بين الشخصيّ والمهنيّ نهج ثقافة عمل معيّنة، وهي ثيمة تزامنت مع ثيمة وجود هرميّة أو مساواة بين القيم الّتي تحملها المديرات، الّتي ارتبطت بشكل كبير بمدى شرعيّة التعبير عن المشاعر وعدم شرعيّته، في الحياة اليوميّة للمؤسّسات.

 

مكانة رسميّة للمشاعر

أظهر بعض المؤسّسات (المجموعة الأولى) بيئة عاطفيّة شخصيّة وحميميّة (Personalized Space) تحتوي وتدعم وتعطي شرعيّة للمشاعر. رُبِطَت هذه المكانة بالقيم النسويّة وجوهر العمل النسويّ، فتؤكّد إحدى المديرات بقولها: "يعني أوّل إشي عشان أنا أكون نسويّة وممارساتي تكون نسويّة، وعشان خطابي يكون نسوي، مهمّ أكون بمحلّ بوسعني واللّي بِحْكُمِش عليّ واللّي بعطيني". تحدّت المديرات في هذه المجموعة المباني الجندريّة والتقليديّة لدور «المدير التقليديّ» الحازم الخالي من المشاعر، وعرّفن موضوع الحزم على أنّه قدرة المديرة والمدير على التعبير عن المشاعر، وقول الأمور الجميلة والصعبة بشكل يعي علاقات القوّة وحاجات المؤسّسة والأفراد. "أنا مش من الناس اللّي بِتْعَبِّط، بسّ كثير مهمّ لإلي أسأل، أقدّر، حتّى لو عندي انتقاد أقوله بسّ بطريقة اللّي كمان ما تأذيش اللّي قبالي، بحاول قدّ ما بقدر"؛ فسمحت هذه المكانة بشرعيّة كبيرة للتعبير عن المشاعر، بشكل يتيح للجميع بأن يكون جزءًا من المحادثة مهما كانت طبيعتها.

كما كانت المساواة بين القيم (Heterarchy of Values) أمرًا مركزيًّا في مؤسّسات المجموعة الأولى، وعبّرن فيها عن إدارة متوازنة تحاول بشكل دائم موازنة احتياجات المؤسّسة واحتياجات العاملات فيها؛ فتطلّب هذا التوازن تعاون جميع الأطراف في المؤسّسة وممارسات عادلة، فتقول المديرة: "بمعنى طريقة فيها إنّه الطابة بإيدك إنت في محلّ الشغل، وتعالي ديري حالك بشكل إنّك تكوني عادلة كمان مع محلّ الشغل"؛ فنرى في مقولتها أيضًا قيمة للوكالة الذاتيّة، وحرّيّة العمل، واعتماد الثقة، والتشجيع.

 

حيّز ضيّق للعاطفة

في المجموعة الثانية من المؤسّسات، تجلّت بيئة متصارعة مع المشاعر؛ فعلى الرغم من تصريح المديرات بأهمّيّة المشاعر والعاطفة ودورها في العمل، إلّا أنّهنّ صرّحن أيضًا عن حيّز ضيّق جدًّا لها داخل الحياة اليوميّة في المؤسّسات، وأوعزوا هذا الإهمال بسبب الظروف الّتي يعانون منها في سياق عملهنّ اليوميّ. ومن تحليل المقابلات، نرى أنّ المشاعر والتعبير عنها ارتبطت بأعقاب حدوث مشكلة داخل الطاقم، أو استقالة أفراد، أو انفجارات عاطفيّة مفاجِئة. ويعدّ هذا الارتباط بين المشاعر والمشاكل، بتعبئة الجوانب العاطفيّة، بدلالات سلبيّة كالعبء والخطر.

برزت قيم العمل، والتضحية، والإنجاز، والمهنيّ، والإستراتيجيّ، وصورة النسويّة «القويّة» بصفتها قيمًا أعلى وأفضل من قيم أخرى، وتجلّت على أنّها قيم مفرغة من المشاعر، أو ذات أفضليّة على الجوانب العاطفيّة...

برزت أيضًا مواقف لدى المديرات وبعض الموظّفات تتّسم بثنائيّات وهرميّات (Logics of Dualities and Hierarchies) بين العمل/ المهنيّ وبين الشخصيّ/ العاطفيّ، كما برزت ثنائيّة العاطفة والمنطق ذات علاقة هرميّة، تقول إحدى المديرات: "صار تفضيلي للأشياء كيف تعتمد المنطق، كيف توجّه حالك. بحسّ إنّه المنطق والعقل بسحب لقدّام والمشاعر بطريقة تعاملنا معها عم بتكون مرّات إشي يعطينا شرعيّة يسحبنا لورا. أو يخلّينا واقفين بمحلّنا". وأحيانًا أخرى بدت العلاقة نقيضًا للعمل والإنتاجيّة؛ فتقول مديرة أخرى: "إنّه بدنا نشتغل، يعني عنّا شغل بدنا نخلّصه، في هاي إشي اللّي هو مربوط بكلّ موضوع الأَنْجَزِة [من إنجاز] ومش أَنْجَزِة، يعني من ناحية إحنا بدنا الجمعيّات النسويّة تكون إطار داعم وحاوي، وبحتوي وبحضن وبطوّر، بسّ من ناحية ثانية بدناش نشتغل يعني، بنفعش الجمعيّة تكون حضانة".

فبالإضافة إلى «تخريب» المشاعر والعاطفة لجوّ العمل والمسؤوليّة، فقد أُشير إلى علاقة هذه المواقف بالثقافة أو المجتمع المحلّيّ، فتحدّثت مديرة وموظّفة من مؤسّسات مختلفة، بتبرير حذر، عن أنّ المجتمع العربيّ ذو ثقافة عاطفيّة جدًّا، فيها «يغرق» أو «يتزحلق» الإنسان العامل بمشاعره، ويفقد قدرته على الإنتاج أو تحمّل المسؤوليّة. وتلمّح هذه النظرة إلى المشاعر حسب الأدبيّات إلى صورة استعماريّة مذوّتة عن المجتمع والثقافة العربيّة. وبعيدًا عن اللوم والتذنيب للعاملات، تعبّر هذه الصورة عن هول القمع من حولنا ولذواتنا، في اعتبار العاطفة تهمة لإزالة الشرعيّة.

إنّ هذه الثنائيّات البنيويّة اتّصلت مع هرميّة بين القيم (Hierarchy of Values)، وتفريغ للمشاعر منها؛ فبالرغم من وجود قيم مختلفة ومتنوّعة داخل هذه الثقافات المتصارعة، إلّا أنّه برزت قيم العمل، والتضحية، والإنجاز، والمهنيّ، والإستراتيجيّ، وصورة النسويّة «القويّة» بصفتها قيمًا أعلى وأفضل من قيم أخرى، وتجلّت على أنّها قيم مفرغة من المشاعر، أو ذات أفضليّة على الجوانب العاطفيّة الّتي تحملها. ارتبطت هذه الفلسفة الإداريّة بالممارسات اليوميّة في علاقات الطاقم في ما بينهم؛ إذ أدّى التفكير الثنائيّ إلى ممارسات إداريّة تضع المشاعر والحاجات الطبيعيّة للأفراد جانبًا ومؤقّتًا، ولم تجد هذه الممارسات الكثير من الترحيب، بل ارتبطت باستنزاف عاطفيّ وإنسانيّ بطيء للموجودات والموجودين في المؤسّسة.

 

نضال عاطفيّ

أمّا في القول البحثيّ الأخير، فأشارت تجارب الموظّفات إلى مركزيّة العاطفة في عطائهنّ وتجاربهنّ التنظيميّة؛ فقد أجمعت الموظّفات، والموظّفون، على الأهمّيّة والحاجة إلى اعتراف وتقدير عاطفيّ (Emotional Recognition) في مواقف العمل المختلفة، حيث تمتّعت الموظّفات والموظّفون، في المجموعة الأولى من خَيْر عاطفيّ(Emotional Well-Being)  داخل العمل، وعبّروا عنه من خلال وعي أكبر للأبعاد الشخصيّة والمهنيّة، وتأثير الشرعيّة في أنسنة حيّز العمل: "باختصار، بتحسّي إنّه حدا شايفك، يعني شايفك كبني آدمة، كمشاعر…". وكان من المثير أيضًا أنّ الأثر الّذي تركته المواقف الإداريّة المتعاطفة ذات الشرعيّة للمشاعر، كان كبيرًا في تقليل الجهد العاطفيّ والألم التنظيميّ الّذي لا يمكن تفاديه في مراحله المختلفة من العمل.

وأمّا في الظروف الّتي تقلّصت فيها المساحات العاطفيّة، فقد عبّرت الغالبيّة العظمى من الموظّفات والموظّفين عن غضب صارخ داخل المقابلات، وكان الرفض لمصطلحات نظريّة خالية من العاطفة ككلمات مثل «المهنيّ»، و«الإستراتيجيّ»، وصور «النسويّات القويّات»، فتقول إحداهنّ: "ما هو إيش معنى مهني، إيش مهني إنّه نتعامل كأنّه إحنا مش بني آدمين؟ إنّه هيك مهني؟ إنّه إحنا منتعامل شغل بسّ؟ إنّه لا كمان إحنا لمّا إحنا منشتغل فإحنا منشتغل بإيش حاسّين وإيش منفكّر". ورافق هذا الرفض نوعًا من التقرّب والتواصل نحو صورة الإدارة والعلاقات المنشودة، فيها مكان للتعبير عن الحاجة إلى تقدير، وإلى الشرعيّة العاطفيّة، وربطها بالرسالة العادلة الّتي تحملها النسويّات.

تهدف المقالة إلى رفع وعينا، مؤسّساتٍ وجهاتٍ وأفرادًا مسؤولات ومسؤولين، تجاه السياسات والحقوق العاطفيّة وتقاطعها مع كلّ القضايا الّتي نناضل من أجلها، وتحاول أطروحتها الاعتراف بالتحدّيات والتركيبات والسياقات السياسيّة القامعة وتأثيراتها داخل المؤسّسة...

في النهاية، لا تهدف هذه المقالة إلى خلق ثنائيّة سطحيّة للتطرّق إلى المشاعر والعاطفة؛ أي لا تعني المكانة الرسميّة للمشاعر في المجموعة الأولى، أنّه من السهل للمديرات التطرّق أو التعبير عاطفيًّا عن جميع المواضيع، ولا يعني أيضًا ضيق الحيّز أنّه بنيويّ في جميع مشاريع المؤسّسات من المجموعة الثانية، بل تأخذنا إلى تساؤلات أكثر تعقيدًا وعمقًا حول الوضع التنظيميّ الراهن. كما لا تهدف المقالة إلى السعي وراء النموذج النسويّ «المثاليّ» التنظيميّ.

تهدف المقالة إلى رفع وعينا، مؤسّساتٍ وجهاتٍ وأفرادًا مسؤولات ومسؤولين، تجاه السياسات والحقوق العاطفيّة وتقاطعها مع كلّ القضايا الّتي نناضل من أجلها، وتحاول أطروحتها الاعتراف بالتحدّيات والتركيبات والسياقات السياسيّة القامعة وتأثيراتها داخل المؤسّسة.

وفي النهاية تحاول هذه الأطروحة التشجيع على خلق ثقافة عاطفيّة والحفاظ عليها، تعتمد على التعاطف، وشرعيّة للتعبير العاطفيّ، وترى المشاعر إحدى الموارد الأساسيّة؛ آنذاك تستطيع المؤسّسات أن ترفع قدرتها وقدرات العاملات والعاملين فيها بشكل بنّاء ومتماسك، فيه نستطيع تحقيق خير ومنفعة شخصيّة ومؤسّساتيّة، تساعدنا على تكملة هذا النضال، وتغيير المباني القامعة.

.........

مرجعيّة

- Antonacopoulou, E. P. & Gabriel, Y. (2001) Emotion, learning and organizational change: Towards an integration of psychoanalytic and other perspectives, Journal of Organizational Change Management, 14(5),435-451, https://doi.org/10.1108/EUM0000000005874

- Armstrong, D. (2004). Emotions in organizations: disturbance or intelligence? In C. Huffington, D.  Armstrong, W.  Halton, L. Hoyle, & J. Pooley (Eds). Working Below the Surface: The emotional life of contemporary organizations (1st ed. pp. 11-27). Routledge. https://doi.org/10.4324/9780429485237.

- Brescoll, V. L., & Uhlmann, E. L. (2008). Can an angry woman get ahead? Status conferral, gender, and expression of emotion in the workplace. Psychological Science, 19(3), 268–75.

- Bunjun, B. (2001). Feminist Organizations and Intersectionality: Contesting Hegemonic Feminism. Atlantis, 34 (2), 115-126.   

- Cheney, G. and Lee Ashcraft, K. (2007), Considering “the professional” in communication studies: Implications for theory and research within and beyond the boundaries of organizational communication. Communication Theory, 17, 146-175. https://doi.org/10.1111/j.1468-2885.2007.00290.x

- Hochschild, A. (1979). Emotion work, feeling rules, and social structure. American Journal of Sociology, 85(3), 551-575. http://www.jstor.org/stable/2778583

- Hochschild, A. R. (1983). The managed heart: commercialization of human feeling. Berkeley, CA: University of California Press.

- Lee Ashcraft, K. (2000). Empowering “professional” relationships: Organizational communication meets feminist practice. Management Communication Quarterly, 13(3), 347–392. https://doi.org/10.1177/0893318900133001

- Mumby, D. K. & Putnam, L. L. (1992) The politics of emotion: A feminist reading of bounded rationality. AMR, 17, 465–486. https://doi.org/10.5465/amr.1992.4281983

- Spade, D. (2013). Being together, after nonprofitization. Women's Studies Quarterly, 41(3/4), 247-252. http://www.jstor.org/stable/23611520

- Williams, T. K. (2012). Understanding internalized oppression: a theoretical conceptualization of internalized subordination [Doctoral dissertation, University of Massachusetts]. Open Access Dissertations.627. https://scholarworks.umass.edu/open_access_dissertations/627

- Zoabi, H. (2014). Feminist and Women Organization inside Palestine. Israeli Issues Journal, 55 (2), 73-83. 

 


ماري عزّام

 

 

 

ناشطة من شفاعمرو. حاصلة على الماجستير في علم الاجتماع وعلم الانسان بتخصص الدراسات التنظيمية من الجامعة العبرية في القدس.