حبّي، لقد ضاع منّي الأولاد: نحو عدالة تعليميّة للفلسطينيّين في إسرائيل

بلديّة «نوفْ هَچَليلْ»، وتظهر بقايا الاسم قبل تغييره «نَتْسيرِتْ عيليتْ»

 

«نَتْسيرِتْ عيليتْ» (وبالترجمة الحرفيّة «الناصرة العليا»)، هو الاسم السابق لمدينة مبنيّة على التلال المطلّة على مدينة مسقط رأسي، الناصرة. شبيهًا بما حصل وقت إنشاء إسرائيل قبلها بثماني سنوات، تأسّست «نَتْسيرِتْ عيليتْ» عام 1956 على أراضٍ صودرت من الفلسطينيّين كجزء من الخطّة المستمرّة لـ «تهويد الجليل». في عام 2019، غُيِّر اسم المدينة إلى «نوفْ هَچَليلْ»، بُغْيَة فصلها عن الناصرة الّتي تُعَدّ أكبر مدينة عربيّة في مناطق 1948. كانت النيّة من هذه الحركة التمثيليّة واضحة؛ «نوفْ هَچَليلْ»، «نَتْسيرِتْ عيليتْ» سابقًا، هي مدينة يهوديّة بغضّ النظر عن عدد المواطنين العرب الّذين يعيشون فيها الآن. رغم كلّ شيء، أصبحت هذه المدينة واحدة من المواقع القليلة الواعدة للأزواج العرب، الّتي يمكنهم الانتقال للعيش فيها، نظرًا إلى العنصريّة البنيويّة الّتي تؤثّر في توسّع البلدات العربيّة، الّتي كتبت «هيومن رايتس ووتش» عنها أنّها "تخنق نموّ المجتمع [في بلدته العربيّة] وتقوّض رفاهيّته، في حين أنّها تعزّز تطوير مدينة مجاورة ذات أغلبيّة يهوديّة".

كثنائيّ متزوّج في بداية الطريق يعتني بالابن الأوّل، كانت عائلتي في ذلك الوقت من بين هؤلاء الأزواج في مطلع القرن. كنّا نعيش في «نَتْسيرِتْ عيليتْ» لأنّها كانت الخيار الوحيد الممكن بالنسبة إلينا؛ إذ لم نكن نرغب في تبذير الوقت الّذي يتطلّبه بناء منزل، حتّى لو أُتيح لنا العثور على قطعة أرض مناسبة في مجتمع مرحّب. ببساطة، كنّا نبحث عن مكان نركن فيه سيّارتنا، حيث المساحات الخضراء العموميّة الّتي تمكّننا من اصطحاب ابننا في نزهة، ومن الوصول إلى ملاعب حيث يمكنه اللهو. خلافًا للمدينة الملاصقة جغرافيًّا، الناصرة، قدّمت «نَتْسيرِتْ عيليتْ» كلّ هذه الاحتياجات. ومع هذا، ثمّة فخّ في العيش في «نوفْ هَچَليلْ» كفلسطينيّة؛ إذ يبدو أنّ فيها مشكلة تتمثّل في اختفاء الأطفال.

كشف تقرير البلديّة الأخير حول توزيع أولئك الأولاد على المدارس عن حقيقة مروّعة؛ إذ يغادر 2166 من الأولاد العرب المدينة الّتي يقيمون فيها؛ طلبًا للعلم في مدارس مدينة الناصرة العربيّة...

حاليًّا، 28% من سكّان «نوفْ هَچَليلْ» هم من العرب (نحو 12000 نسمة)؛ 56% من اليهود، والبقيّة معرَّفون بـ «آخرين»، وهم في الغالب مهاجرون غير يهود من الاتّحاد السوفييتيّ سابقًا. علاوة على ذلك، يشكّل الأولاد العرب دون سنّ 18 عامًا ما يقارب 40% من مجمل الأطفال في المدينة. وعلى الرغم من ذلك، كشف تقرير البلديّة الأخير حول توزيع أولئك الأولاد على المدارس عن حقيقة مروّعة؛ إذ يغادر 2166 من الأولاد العرب المدينة الّتي يقيمون فيها؛ طلبًا للعلم في مدارس مدينة الناصرة العربيّة، والسبب الرئيسيّ في هذا هو عدم وجود صفّ دراسيّ واحد في «نوفْ هَچَليلْ» يدرّس باللغة العربيّة. هذا على الرغم من أنّ اللغة العربيّة كانت تُعَدّ لغة رسميّة في إسرائيل لغاية عام 2018، حين خُفِّضَ مقامها إلى «مكانة خاصّة» بموجب «قانون أساس – القوميّة» العنصريّ. بالإضافة، ثمّة أيضًا قرار «المحكمة العليا» التمييزيّ، الّذي لم يصدر فيه قرار مبدئيّ بشأن حقّ السكّان العرب في التعلّم بلغتهم الأمّ، واكتفى بتحديد المواصفات البيروقراطيّة، الّتي بموجبها يحقّ لـ 25 طالبًا عربيًّا من نفس الفئة العمريّة (بين 6 و13 عامًا) أن يكون لهم صفّ دراسيّ؛ لـ 40 طالبًا عربيًّا مع فارق سنّ لا يزيد على سنتين بينهم، يحقّ أن يكون لهم صفّان دراسيّان؛ ويحقّ لـ 100 طالب عربيّ من سنّ 6 إلى 13 أن يكون لهم مدرسة ابتدائيّة. من الجدير ذكره أنّ هذه المواصفات قد نُطِقَ بها بعد 62 عامًا من تحديد نفس المواصفات في «قانون التعليم الإلزاميّ ومدارس الدولة (تسجيل الطلّاب) (1959)»، لكن بما يتعلّق بإنشاء صفوف دراسيّة دينيّة يهوديّة في ألوية توجد فيها مدارس حكوميّة علمانيّة أو العكس، كما كتب قاضي «المحكمة العليا» إلرون في القرار: "... منبع الكثير من الصعوبات الّتي تبرز في الاستئناف المعروض أمامنا هو حقيقة أنّه لا يوجد في قانون [التعليم الإلزاميّ]، ولا في القوانين ذات الصلة [لعام 1959]، إشارة إلى شروط واضحة لإنشاء مؤسّسة تعليميّة رسميّة لها خصائص مناسبة للسكّان العرب". يكفي أن نقول إنّ الـ 2166 طفلًا عربيًّا، المقيمين في «نوفْ هَچَليلْ»، ويرتادون مدارس الناصرة، كان بإمكانهم الحصول على أكثر من 20 مدرسة مختلفة لو كانوا يهودًا.

فلا عجب، إذن، من أنّ 331 طفلًا عربيًّا فقط من المقيمين في «نوفْ هَچَليلْ» يرتادون مدارسها. حقًّا، إنّ العدد الإجماليّ للطلّاب العرب في «نوفْ هَچَليلْ»، الملتحقين بمدارس مدينتهم، هو أقلّ من أولئك الّذين يرتادون مدرسة واحدة فقط في الناصرة، مثل «راهبات الناصرة» (الّتي تستضيف 441 طالبًا من سكّان «نوفْ هَچَليلْ»)، أو «المدرسة المعمدانيّة» في الناصرة (تستضيف 351 طالبًا).

في الواقع، لا وجود لطلّاب عرب في بعض مدارس «نوفْ هَچَليلْ» على الإطلاق. في نهاية الأمر، إنّ 828 طالبًا من بين 3182 طالبًا في «نوفْ هَچَليلْ»، يتعلّمون في مدرسة واحدة من أصل أربع مدارس دينيّة يهوديّة، مثل «حَبادْ» أو «تلمودْ هَتوراه»، وهي ببساطة ليست خيارًا للعائلات العربيّة. ثمّة أيضًا ثلاث مدارس أُسِّسَتْ في أحياء منفصلة لا يعيش فيها فلسطينيّون، وبالتالي لا يوجد أطفال عرب بين طلّابها. هذه المؤسّسات تشمل «كيشيتْ» و«شوفو» و«نِتوفا»؛ فإذا استثنينا تلك المدارس من حساب توزيع الطلّاب العرب في مدارس «نوفْ هَچَليلْ»، ينتج أنّ متوسّط ​​نسبة الطلّاب العرب في مدارس المدينة يرتفع من 8.4% بانحراف معياريّ 8.5 (أي يتراوح التمثيل بين 0 و17.6%) إلى 12.6%، بانحراف معياريّ 7.3 (أي يتراوح التمثيل بين 3 و17.6%)، وهذا عدد بعيد جدًّا عن نسبة سكّان المدينة العرب - 28%. من المفترض أنّ كلّ بلديّة يهمّها أمر سكّانها عليها أن تأخذ بالحسبان هؤلاء الأطفال المختفين عنها، لكنّ بلديّة «نوفْ هَچَليلْ» ليست كهذه.

يُنْتِج هذا الواقع عددًا من العقبات أمام العائلات العربيّة في «نوفْ هَچَليلْ»، بدءًا بمواصلات شاقّة يوميًّا، وانتهاءً بفصل قسريّ عن مساحاتهم الشخصيّة خلال أهمّ مراحل نموّ أطفالهم. لا يسعني إلّا التساؤل عمّا إذا كان قادة البلديّة والإداريّون فيها قد فشلوا في اتّخاذ خطوات إزاء هذه الإحصائيّات المقلقة؛ لأنّها تعكس تصوّرهم المثاليّ لـ «نوفْ هَچَليلْ»؛ مدينة خالية كلّيًّا من السكّان العرب. في نهاية الأمر، كانت جهودهم لتغيير اسمها وكيفيّة تسويقها تهدف إلى الانفصال المباشر عن الناصرة العربيّة الملاصقة أدناها؛ فهل ثمّة ما هو أفضل لتحقيق هذا الهدف، من تذكير الأطفال العرب، بشكل منهجيّ، بأنّ هذه ليست شوارعهم؟ هل ثمّة تكتيك أكثر نجاعة من أن تمنع الأطفال الفلسطينيّين من التعلّم في مدينتهم، أو التطوّر باستخدام لغتهم فيها؛ كي يتحقّق محو اللغة العربيّة من المجتمع؟

هل ثمّة تكتيك أكثر نجاعة من أن تمنع الأطفال الفلسطينيّين من التعلّم في مدينتهم، أو التطوّر باستخدام لغتهم فيها؛ كي يتحقّق محو اللغة العربيّة من المجتمع؟

المرتدّ العربيّ، عيساوي فريج، عضو الكنيست من حزب «ميرِتْسْ» ‘اليساريّ‘ المزعوم، الّذي يشغل حاليًّا منصب وزير التعاون الإقليميّ في الحكومة الإسرائيليّة اليمينيّة المتطرّفة، كان قد شارك مؤخّرًا في جلسة لجنة الكنيست حول انعدام الأمن المتزايد في البلدات العربيّة. وفيها، صرّح فريج بصوت عالٍ بكلام يُقال عادة بصوت خافت: "إنّ انعدام الأمن الشخصيّ في البلدات العربيّة يؤدّي إلى حركة هجرة إلى البلدات اليهوديّة، وهذا سيحتّم عليكم فتح مدارس للفلسطينيّين هناك، في نوفْ هَچَليلْ، في كَرْميئيلْ، في حيفا، في عكّا، في كلّ مكان". وعندما طلب منه عضو الكنيست أيمن عودة، توضيح ما إذا كان يدّعي أنّ الفلسطينيّين، الّذين يعيشون ويدرسون في البلدات اليهوديّة، يجب اعتبارهم تهديدًا، خاطب فريج أعضاء الكنيست اليهود مباشرةً وقال: "أحاول الدخول في رؤوسكم وإخباركم أنّ الأمن الشخصيّ والتنمية [في المدن العربيّة] هما مصلحة يهوديّة أكثر من كونهما مصلحة عربيّة". وفي هذا لا يسعني إلّا أن أجادله وأقول إنّه ينبغي اعتبار الأمان والتنمية للعرب، أكثر من مجرّد تهديد محتمل للهيمنة الإسرائيليّة اليهوديّة.

لأكثر من عشرين عامًا، يطالب السكّان العرب في «نوفْ هَچَليلْ» بإنشاء مدرسة عربيّة محلّيّة. في عام 2014، رفعت مجموعة من تسع عائلات عربيّة من الأهالي المقيمين في «نوفْ هَچَليلْ» قضيّتهم إلى المحاكم الإسرائيليّة، ممثّلين قضائيًّا من قِبَل «جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل» (ACRI). خلفيّات هؤلاء الأهالي متنوّعة كثيرًا، ومن بينهم علماء نفس، قانونيّون، معلّمون، رجال أعمال، مهندسون. والأهمّ من ذلك أنّ من بينهم أهالي سبق لهم أن أدخلوا أطفالهم في مدارس الناصرة، وأهالي اختاروا دور الحضانة ورياض الأطفال اليهوديّة في «نوفْ هَچَليلْ». على الرغم من خلفيّاتهم وخبراتهم المختلفة، فإنّ الضرورة المجتمعيّة لمدارس عربيّة في مدينتهم، علاوة على الرغبة المشتركة في ضمان سلامة أطفالهم وتطوّرهم، دفعتهم إلى التحالف معًا. لسوء الحظّ، لم تلقَ مطالبهم آذانًا صاغية.

في قرار أصدرته «المحكمة العليا» مؤخّرًا، الّذي حدّد فقط، كما أسلفنا، المعايير العمليّة اللازمة لتأسيس صفّ أو مدرسة عربيّين، فشلت المحكمة في الاعتراف بحقّ مجتمعات الأقلّيّات في التعلّم بلغتهم الأمّ على النحو المنصوص عليه في القانون الدوليّ. كما تجاهل القضاة الخلاصات العلميّة الأخيرة الّتي أبرزت النجاحات العالميّة للأطفال من مجتمعات الأقلّيّات الأصلانيّة، عندما أُتيحَت لهم الفرصة للتعلّم باللغة الّتي يتكلّمونها في البيت. وبدلًا من ذلك، اكتفت «المحكمة العليا» بتوسيع نطاق فاعليّة المواصفات العدديّة الّتي ينصّ عليها قانون التعليم؛ لتنطبق أيضًا على الطلّاب العرب وحقّهم بصفوف دراسيّة عربيّة.

بعبارة أخرى، يجري الآن احتساب الأطفال العرب على نحو كمّيّ عند تقييم الجدوى من فتح صفّ دراسيّ جديد أو مدرسة جديدة، وبهذا يكون قلب الطاولة على رؤوس الأهالي، حيث تقع طائلة التحضير لإقامة مدرسة على أكتافهم، وفي نهاية الأمر، تلك الصفوف الدراسيّة والمدارس سوف تشبه، لغويًّا وهيكليًّا، تلك المدارس اليهوديّة العبريّة حصريًّا، الموجودة في «نوفْ هَچَليلْ».

لقد تجاهل هذا القرار السبب الرئيسيّ الّذي يحمل الغالبيّة العظمى من سكّان «نوفْ هَچَليلْ» العرب على تكبّد كلّ المصاعب، وتسجيل أطفالهم في مدارس ناطقة باللغة العربيّة الّتي يديرها العرب في الناصرة.

يُظْهِر نهج المحكمة المعيب العدسة الضيّقة، الّتي من خلالها تحلّل وتصوّر المؤسّسات الإسرائيليّة اليهوديّة حالة الأقلّيّة العربيّة في إسرائيل. قد يكون هذا القرار متوقّعًا في مجتمع ميّزاته عدم المساواة والفصل العنصريّ، ويكون القضاة فيه عادةً صهاينة، من الطبقة الوسطى أو العليا، والّذين نادرًا ما يتمتّعون بالخبرة أو بالتدريب المهنيّ، اللازمين لفهم تعقيدات الحياة داخل مجتمع أصلانيّ حُوِّل أفراده إلى أقلّيّة. نتيجة لذلك؛ تصدر المحاكم الإسرائيليّة روتينيًّا قرارات كثيرة تدعم فيها السياسات والممارسات العنصريّة؛ على سبيل المثال، استمرار دعمها للاعتقالات الإداريّة للفلسطينيّين - وهذه ممارسة تبنّتها إسرائيل عن الانتداب البريطانيّ على فلسطين، بالرغم من أنّها ممنوعة دوليًّا - إذ تسمح المحكمة بسجن الفلسطينيّين لفترات زمنيّة غير محدّدة دون تقديم لائحة اتّهام، وأيضًا قرار المحكمة الّذي صادق على تعديل قانون الجنسيّة، ليسمح بالفصل بين أفراد الأسرة الفلسطينيّة إذا كان أحد الزوجين حاملًا للهويّة الإسرائيليّة.

يدعو هذا البرنامج التجريبيّ إلى الإبقاء على الوضع الراهن في «نوفْ هَچَليلْ»، حيث اللغة العبريّة هي اللغة السائدة في التدريس، على الرغم من أنّها ليست اللغة الأمّ للطلّاب الروس أو العرب المقصودين.

وفي خطوة مذهلة حقًّا، دعم ممثّلو السكّان العرب في «نوفْ هَچَليلْ» في القائمة المشتركة (مع 3 أعضاء في المجلس البلديّ) هذا «الإصلاح» التربويّ الأخير، وصوّتوا، مثل بقيّة أعضاء مجلس المدينة اليهود، ضدّ تأسيس مدرسة عربيّة، بدلًا من الدفاع عن حقّ الأطفال العرب الأساسيّ في التعلّم بلغتهم الأمّ.

وجب لسيرورة الأحداث هذه أن تشكّل نداء لإيقاظ العاملات والعاملين في التعليم والإدارة التربويّة، الّذين يُفْتَرَض عنهم العمل لدعم العائلات العربيّة في «نوفْ هَچَليلْ». بناءً على عرض تقديميّ من الدكتورة ميلا شوارتز من «كلّيّة أورانيم»، ورسالة من الدكتورة أورنا سمحون إلى مديرة التربية والتعليم في «نوفْ هَچَليلْ»، وإلى مدير اللواء الجماهيريّ، وافق مجلس البلديّة على تطوير برنامج تجريبيّ للتعليم المتعدّد الثقافات، بتوجيه من الدكتورة شوارتز، يشترط لتحقيقه: أن يكون صفّا اللغة العربيّة والروسيّة "صفّان اختياريّان"، و"دون أن يمسّا بالدراسات الجوهريّة" باللغة العبريّة؛ أن يكون عدد كافٍ من الأهالي المعنيّين؛ وأن ينال المنهاج الدراسيّ موافقة جميع الأطراف المعنيّة عليه - دون تعريف هذا المنهاج أو الكشف عنه. بالإضافة إلى ذلك، جرت الموافقة على هذا البرنامج التجريبيّ لصفّ مدرسيّ واحد، الصفّ الأوّل في مدرسة ابتدائيّة محدّدة، وغنيّ عن القول إنّ هذه المدرسة لا تعتمد في تعليمها على اللغة الأمّ، لا للعرب ولا للروس.

تدّعي هذه المبادرة التركيز على التعدّديّة الثقافيّة، من خلال تقديم جوانب ثقافيّة من المجتمعات اليهوديّة والعربيّة والروسيّة في «نوفْ هَچَليلْ»؛ بهدف تعزيز التعاون في ما بينها. ومع ذلك، وعلى الرغم من حقيقة أنّ هذا البرنامج يشمل مجتمعات تتحدّث بلغات مختلفة، إلّا أنّه يتجاهل أفضل الممارسات المعروفة والموثّقة للتعليم المتعدّد الثقافات والمتعدّد اللغات.

بداية، لا يعتمد هذا البرنامج لغة البيت، الّتي أظهرت مجموعة متنوّعة من الأبحاث أنّها أفضل نهج للبرامج المتعدّدة اللغات الّتي تشمل طلّاب أقلّيّات. في جوهره، يدعو هذا البرنامج التجريبيّ إلى الإبقاء على الوضع الراهن في «نوفْ هَچَليلْ»، حيث اللغة العبريّة هي اللغة السائدة في التدريس، على الرغم من أنّها ليست اللغة الأمّ للطلّاب الروس أو العرب المقصودين. لكن من المهمّ الإقرار بأنّ الأطفال الناطقين بالعربيّة يُعامَلون غالبًا بشكل مختلف عن الأطفال الناطقين بالروسيّة أو الأمهريّة في إسرائيل، وفقًا لهويّاتهم الدينيّة.

المقصود هو التفرقة الّتي عبّرت عنها وزارة التربية والتعليم الإسرائيليّة بشكل صريح، حيث تميّز بين الطلبة بناءً على ما إذا كانوا يهودًا أو من «القطاع»، وهو مصطلح غامض عمدًا يُقْصَد به توصيف المجتمع الفلسطينيّ. إنّ البرنامج التجريبيّ المقترح، الّذي يُفْتَرَض أنّه متعدّد الثقافات، لا يحوي في إطار عمله إقرارًا بأنّ المجتمع العربيّ في إسرائيل، كجزء من مجموعة الأقلّيّة الأصلانيّة، يُعامَل بشكل مختلف عن المجتمع اليهوديّ استنادًا إلى عنصريّة بنيويّة، في ما يتعلّق بتنظيم الإسكان والتعليم والرعاية الصحّيّة وتخصيص الأراضي. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الفلسطينيّون في إسرائيل من استبداد العنصريّة اللغويّة، الّتي برزت جليًّا مؤخّرًا في «قانون القوميّة» الّذي خفّض من منزلة اللغة العربيّة.

مع توفّر هذا الكمّ الهائل من الأبحاث عن التعليم الثنائيّ اللغة والمتعدّد اللغات، في سياق أقلّيّة أصلانيّة، يُتَوَقَّع من أيّ مقترَح تعليميّ عالي الجودة أن يشمل مركّبات تعزّز اللغة العربيّة وعلاقة الأطفال بها؛ نظرًا إلى أنّ تجاربهم المعيشة في المجتمع الإسرائيليّ سيكون لها - بلا شكّ - التأثير المعاكس. للتوضيح. لا يجوز الإنكار بأنّ الكِفايَة اللغويّة في اللغتين العبريّة والإنجليزيّة من الضرورات الحاليّة للمواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، من أجل تحقيق أيّ شكل من أشكال النجاح خارج مجتمعاتهم. هذا الأمر نتيجة مباشرة لذات الأنظمة الاستعماريّة الّتي تعمل لإخضاع الفلسطينيّين في إسرائيل، لكنّها مع ذلك حقيقة لا جدال فيها. لكن يبدو أنّ صائغات السياسات وصائغيها، المسؤولين عن هذا البرنامج التجريبيّ، قد غاب عنهم السؤال المهمّ، وهو: كيف يمكننا أن نضمن نجاحًا متعدّد الثقافات واللغات، وفي الوقت ذاته نُلْحِق أقلّ قدر ممكن من الضرر بالأطفال من الخلفيّات المهمّشة، في هذه الحالة؛ من الفلسطينيّين الناطقين بالعربيّة؟

لا يمكن تلبية احتياجات الأطفال العرب، إلّا من خلال برامج تُدرِك وتأخذ في الحسبان تجاربهم المعيشة؛ والبرامج المقترحة حاليًّا، على شاكلة برنامج الدكتورة شوارتز، تفشل في القيام بذلك.

بناءً على جميع الأدلّة العلميّة المتاحة، سيأتي هذا البرنامج بشكله المقترح بأشدّ الضرر على الأطفال الفلسطينيّين المشاركين؛ لأنّه يستهدف لغتهم الأمّ على وجه الخصوص، على حساب الظروف الاجتماعيّة - السياسيّة المحيطة. لا يمكن التقليل من شأن الآثار السلبيّة الموثّقة في ثقة الأطفال وبلورة الهويّة في مثل هذه الحالات. هذا صحيح بشكل خاصّ؛ لأنّ سياقات تعلّم هؤلاء الأطفال العرب يُقْصَد بها التركيز على الروابط الثقافيّة طوال الوقت؛ إذ يُدْمَج الأطفال الناطقون بالعربيّة والروسيّة والعبريّة في بيئة تعليميّة، تهيمن فيها اللغة العبريّة، داخل مجتمع إسرائيليّ يهوديّ يتصرّف بفوقيّة.

إنّ الأطفال العرب الفلسطينيّين، مثلهم مثل جميع الأطفال، يقظون وحسّاسون لبيئتهم. بغضّ النظر عن اللغات أو الثقافات المختلفة الّتي يتعرّضون لها، فهم يذوّتون في لاوعيهم نفس الواقع التمييزيّ الّذي نعيش فيه جميعًا، الّذي يفضّل البعض على الآخرين. في هذه الحالة، يدرك مع الوقت الأطفال الناطقون بالعربيّة، والقاطنون في بلدات يهوديّة مثل «نوفْ هَچَليلْ»، وفي دولة إسرائيل عمومًا، أنّ لغتهم الأمّ تعدّها المؤسّسات العامّة والحكوميّة أقلّ منزلةً. في غضون ذلك، تُمْنَح العبريّة السلطة الكاملة في الحيّز العامّ وفي الأطر الأكثر «رسميّة». (ومن المفارقات، يحاكي هذا الوضع ديناميكيّة مشابهة حاضرة داخل العالم العربيّ المزدوَج اللغة - العامّيّة والفصيحة - الّذي يحتاج إلى أن يُؤْخَذ في الحسبان عند إنشاء مدرسة عربيّة، وسأتناول هذا الموضوع في مقال آخر).

إنّ الطريقة الوحيدة لعلاج هذه المظالم بهدف ضمان التنوّع الثقافيّ والحوار بين الثقافات، هي أن تُصَمَّم برامج تستند على أحدث الأبحاث حول مكافحة العنصريّة، وتؤكّد استحالة تجاهل السياقات الاجتماعيّة - السياسيّة للطلّاب. على العكس، تضع هذه البرامج السياقات الاجتماعيّة - السياسيّة في المركز، من أجل الالتفاف عنها، قدر الإمكان وبأقلّ قدر ممكن من الضرر. لا يمكن تلبية احتياجات الأطفال العرب، إلّا من خلال برامج تُدرِك وتأخذ في الحسبان تجاربهم المعيشة؛ والبرامج المقترحة حاليًّا، على شاكلة برنامج الدكتورة شوارتز، تفشل في القيام بذلك.

أدعو كلّ شخص مهنيّ يشارك في التخطيط التعليميّ والتربويّ للأطفال الفلسطينيّين العرب في جهاز التعليم الإسرائيليّ، إلى الالتزام بتغيير جدّيّ، من أجل تجنّب ارتكاب نفس الأخطاء، وعدم تعزيز الوضع القائم الّذي يسوده العنف. هذا الأمر يتطلّب تغييرًا هادفًا يضع الأطفال العرب وأسرهم في المركز؛ أن يُسْتَمَع إلى هذه الأُسُر ويُتَعاوَن معها ومع المهنيّات والمهنيّين العرب والمنظّمات المجتمعيّة؛ أن يُلْتَزَم ويُسْتَنَد على أحدث الأبحاث المتعلّقة بالتعليم المتعدّد الثقافات واللغات؛ وأن تكون معالجة الحقائق الاجتماعيّة - السياسيّة من أجل توفير خطّة تعليميّة مناسبة ثقافيًّا ولغويًّا. هذه هي الطريقة الوحيدة لحلّ قضيّة اختفاء الأطفال بشكل حاسم.

 

صدرت المقالة بالإنجليزيّة في المجلّة الإلكترونيّة Mondoweiss، تحت عنوان:

The long and winding road for Palestinian educational equity in Israeli schools

ترجمة (عن الإنجليزيّة): هاني سلّوم؛ مراجعة: جبير طربية.

 


 

ريم خميس

 

 

بروفيسورة اختصاصيّة في علوم اللغة، الكلام والاتّصال، ومديرة مختبر البحث العصبيّ في اضطرابات الاتّصال في «جامعة أديلفي» في نيويورك. تتمحور أبحاثها العلميّة بما يخصّ تطوّر اللغة والتحليل الدماغيّ للغة، بالإضافة إلى بحث التشخيص والعلاج الإكلينيّ، وتأثير حالة ازدواجيّة اللغة أو ما يسمّى بالديغلوسيا.