الطابون - آثار يَمانِيَةٌ في الدارجة الفلسطينيّة

بلطف عن وكالة سوا الإخباريّة

 

تمثّل لغة أيّ أمّة تاريخها الثقافيّ والحضاريّ والعلميّ والأدبيّ، فضلًا على السياسيّ والعقديّ، بل العقليّ في غاية النهاية؛ لأنّ حركة الأمّة في الجغرافيا تُخلّف آثارَها في لغتها، سواء في النصوص أو في الألفاظ. هكذا تجد لهجات القبائل بادية، وتتبدّى معها الاختلافات والتحوّرات الصوتيّة الّتي تطرأ على الكلمات بالانتقال من بيئة إلى أخرى، وتجد إلى جوارها التغيّرات الّتي تطرأ على معنى الكلمة بين بيئة وأخرى عبر الزمن. وبمثل هذا التصوّر تصبح اللغة مجالًا للبحث الحفريّ الكاشف عن لُقًى تشبه اللُّقى الأثريّة؛ من نقود مسكوكة، أو فخّاريّات وأوانٍ، أو نقوش تحفظ على شاهد قبر حكاية امرأة سادت قومها وتملّكت عليهم.

 

(1)

وقد شغلتني قولة أطلقها اللغويّ المشهور، أبو عمرو بن العلاء (ت 154هـ)، فصَل بها فصلًا شبه تامّ بين لسان عرب الجنوب القحطانيّة ولسان عرب الشمال العدنانيّة، إذ قال: "ما لسان حِمْيَرَ وأقاصي اليمن، اليوم، بلساننا، ولا عربيّتهم بعربيّتنا"[1]. وهو ما تابعه عليه ابن جنّي (ت 392هـ) بقوله: "ويكفي من هذا ما تَعْلَمُهُ من بُعد لغة حِمْيَرَ من لغة ابنَي نزار"[2]. وخصّص ابن منظور (ت 711هـ) الخلاف بين اللسانين في الحِمْيَرِيَّة، فقال: "وحَمَّرَ الرجل: تكلّم بكلام حِمْيَر، ولهم ألفاظ ولغات تخالف لغات سائر العرب؛ ومنه قول الملك الحِمْيَرِيّ ملك ظَفار، وقد دخل عليه رجل من العرب فقال له الملك: ثِبْ، - وثِبْ بالحِمْيَرِيَّة: اجلس - فوثب الرجل فاندقّت رجلاه، فضحك الملك، وقال: ليست عندنا عَرَبِيَّتْ. مَنْ دخل ظَفار حَمَّرَ - أي: تعلّم الحِمْيَرِيَّة -"[3].

شغلتني قولة أطلقها اللغويّ المشهور، أبو عمرو بن العلاء (ت 154هـ)، فصَل بها فصلًا شبه تامّ بين لسان عرب الجنوب القحطانيّة ولسان عرب الشمال العدنانيّة، إذ قال: "ما لسان حِمْيَرَ وأقاصي اليمن، اليوم، بلساننا، ولا عربيّتهم بعربيّتنا".

وأشدّ انشغالي بهذه القولة بسبب من الظرف الزمنيّ في قولة أبي عمرو (اليوم)؛ فهو ممّن عايش نهايات القرن الهجريّ الأوّل إلى منتصف القرن الثاني، وهو أعظم رواة اللغة والأشعار في عصره، فضلًا على أنّ طرق القراءات كلّها تلتقي عنده، ثمّ تتفرّع في مسارات من بعده، هذا إلى أنّ الرجل دخل اليمن، وخَبِرَ لسان أهلها، فهو لم يقل ذلك عن هوًى وعصبيّة للسان مُضَر وربيعة، أو قلّة معرفة[4].

واستند إلى هذه القولة طه حسين لإثبات أنّ أكثر شعر اليمانية المنسوب إلى الجاهليّة إنّما هو منحول عليهم، وناقشه في هذا المخالفون ممّن أثبتوا هذا الشعر، وخاضوا طويلًا في بيان هجرات القبائل اليمانية إلى الشمال، واختلاطها بالعدنانيّة طباعًا ولسانًا وفنون قول[5]. غير أنّ أحدًا لم يتتبّع ما أثبتته المعاجم العربيّة من مظاهر ذلك اللسان المختلف، ويتثبّت من صحّة القولة تصحيحًا أو تخطئة. وليس لكاتب هذه السطور أن يُفيض القول في ذلك، فله مجاله الخاصّ، لكنّه تراءت له في ثنايا التتبّع آثار من ذلك اللسان قرّت في الدارجة الفلسطينيّة.

 

(2)

أذكر من طفولتي في سبعينات القرن العشرين، مجيء جدّتي لأمّي (حُسْن) إلى بيتنا في صوفين (قلقيلية)، عجوزًا راجفة اليدين، حانية الظهر كالزاوية القائمة، وبناءَها ’طابونًا‘ حضّرنا لها موادّ بنائه: ترابًا من الحوّر المطحون المنخول (صخر ليّن جيريّ أبيض)، والتبن المنخول، والماء، وحوضًا لجبْل هذه كلّها. كانت رعشات يديها وهي تقيم بناء كالقِطْع المخروطيّ، ينحني كلّما ارتقت فيه قليلًا في تدوير دقيق، حتّى انتهت إلى أعلاه وتركت له فوهة دائريّة. تُرِكَ حتّى جفّ تمامًا وتماسك، ثمّ وُضِعَ في حفرته الخاصّة الّتي أعدّها الوالد، ووُضِعَ حواليه وفي جوفه بعض الحطب والقشّ، وأُشْعِلَت فيه النار... ثمّ نُقِّيَ داخله من الرماد، وأُشْعِلَت النار حوله، حتّى إذا أصبحت جمرًا طُمِرَ الجمر بالرماد. هكذا، صار ’الطابون‘ جاهزًا للخَبز. كانت أولى الأكلات فيه ’الفطير المُشَلْتِت‘.

قبل سنوات كثيرة، زرت المغرب مشاركًا في مؤتمر علميّ بمدينة فاس، وصحبَتنا زميلة من الأردنّ. صحبَنا الإخوة المنظّمون إلى مطعم للغداء، وحين أُحْضِرَ الخبز وبعض المشهّيات صاحت الزميلة: "خبز طابون... الله!"، ولم تدرِ، كما لم يدرِ أكثرنا من المشارقة، سبب تهامس مضيفينا المغاربة وتبسّمهم اللطيف من ذلك الهتاف، ثمّ عرفنا أنّ ’الطابون‘ في دارجتهم يعني: فَرْج المرأة.

يقف القارئ في تاريخ حركة القبائل العربيّة وانتقالها؛ ما يؤكّد أنّ ثمّة وجودًا تاريخيًّا حقيقيًّا لأبناء بعض القبائل القحطانيّة اليمانية في فلسطين...

وعلى فترة من هذا، أخبرت أحد الأصدقاء من مصر، هنا في الدوحة، بما شرعت في كتابته، فقال إنّهم في مصر يطلقون على بائعة الخبز ’الطابونة‘، وقال صديق من المغرب يعرف الدارجة التونسيّة: الطابون عند التوانسة رغيف الخبز الثخين.

كلّها متّصل بالطابون، لكنّ المعنى الحقيقيّ للفظ ظلّ في الدارجة الفلسطينيّة، وشاع في غيرها: التنّور، والفرن، والمخبز، والمِخبازة، كما شاعت في فلسطين في العقود الأخيرة.

 

(3)

ولدى الحكايات كنت أسمع الوالد يقول إنّنا من الحِفائيّة (الحفاة)، وحين امتدّ بي الزمان عرفت أنّ الأصول تعود إلى الروقة من عُتَيْبَة، الّتي يرى بعض النسّابة أنّها مَذْحَجِيَّة، يمانية الأصول. لكن أنّى لهذا أن يكون؟ أَبَلَغَت هجرة القبائل اليمانية بعد انهيار سدّ مأرب هذه الديار؟

يقف القارئ في تاريخ حركة القبائل العربيّة وانتقالها؛ ما يؤكّد أنّ ثمّة وجودًا تاريخيًّا حقيقيًّا لأبناء بعض القبائل القحطانيّة اليمانية في فلسطين، وقد يقف على أكثر من هذا؛ فالقبائل اليمانية الّتي سكنت برّ الشام (سوريا ولبنان والأردنّ وفلسطين) هي القبائل نفسها، توزّعت بين هذه البيئات واستقرّت. وأسوق هنا بعض هذه القبائل وأماكن سكناها كما وردت في «كتاب الأنساب» للسمعانيّ ومصادر أخرى:

- قُضاعَة، ومنها جُهَيْنَة[6]: مناطق متفرّقة من فلسطين.

- الأَزْد[7]: باروذ التابعة للرّملة.

- لَخْم[8]: غزّة، ومن بطونها بنو الدار الّذين أقطع رسول الله أحدَهم تميمًا الداريّ بيت عَيْنون في منطقة الخليل.

- كِنْدَة[9]: الرّملة والدّاروم.

- أَشْرَس[10]: منها السّكاسِك: الرّملة، والسَّكون: الدّاروم.

- أَوْصاب، وكُرَيْب بن أَبْرَهَة من حِمْيَر[11]: الرّملة.

- بنو الجَرّاح من طَيِّئ[12]: الرّملة وغزّة.

وتنبغي الإشارة إلى ارتباط أسماء بعض البلدان في فلسطين بأسماء القبائل اليمانية الّتي سكنتها، فمِسْكَة[13] مثلًا، سكنها أبناء قبيلة مِسْكَة من جُهَيْنَة، وعَكَّةُ/ عَكّا[14] سكنها أبناء قبيلة عَكّ.

هكذا إذًا كانت الحكاية، امتزج بعض أبناء القبائل اليمانية بسكّان فلسطين، وفشت بعض ألفاظهم في الدارجة الفلسطينيّة منذ القديم، وما زال بعض هذه الألفاظ دليلًا واضحًا على ذلك.

 

(4)

آثار يمانية في الدارجة الفلسطينيّة:

أسوق هنا بعض ما نصّت عليه المعاجم من ألفاظ يمانية الأصول، وظلّ مستعمَلًا إلى يوم الناس هذا في الدارجة الفلسطينيّة، وخاصّة منطقة شمال فلسطين، ممّا أذكره:

امتزج بعض أبناء القبائل اليمانية بسكّان فلسطين، وفشت بعض ألفاظهم في الدارجة الفلسطينيّة منذ القديم، وما زال بعض هذه الألفاظ دليلًا واضحًا على ذلك.

- "وَطَبَنْتُ النَّارَ: إِذَا دَفَنْتَهَا لِكَيْلَا تُطْفَأَ، لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ. وَالطّابونُ: المَوْضِعُ الَّذي تُدْفَنُ فيهِ النّارُ"[15]. واشْتُقَّ من هذا اللفظ في الدارجة الفلسطينيّة مثل: "طوبَنَتْ": إذا كَثُرَ الدخان ونحو ذلك.

- "وَقَزَّتْ نَفْسي عَنِ الشَّيْءِ: إِذا أَبَتْهُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ. وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ في مَعْنَى: عِفْتُ الشَّيْءَ"[16]. وهذا اللفظ وبعض مشتقّاته ممّا فشا في لسان مُضَر، واسْتُعمِلَ منه: التَّقَزُّر، والمُقَزِّر، مع اشتراك هذه المادّة بالمادّة المحوَّرة عن ’زُجاج‘ الّذي صار ’قَزاز/ أَزاز/ أَجاز‘ في بعضِ البيئاتِ اللهجيّة، فثمّة ’تَقْزِيزٌ‘ للنوافذ.

- "وَالعُطْبَةُ: القُطْنُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[17]. ومعناها في الدارجة الفلسطينيّة: قطعة القماش الصغيرة الّتي بدأت تأكلها نار وئيدة بدون شعلة، فيكثر دخانها، واشْتُقَّ منها: ’عَطْبَن، مْعَطْبِن‘ بزيادة النّون.

- "وَالنَّتْكُ: لُغَةٌ يَمانِيَةٌ: شَبيهٌ بِالنَّتْفِ، نَتَكَ يَنْتُكُ نَتْكًا". وأضاف الزّبيديّ: "النَّتْكُ، أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وَقالَ اللَّيْثُ: هُوَ جَذْبُ شَيْءٍ تَقْبِضُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَكْسِرُه إِلَيْكَ بِجَفْوَةٍ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: هُوَ النَّتْرُ أَيْضًا"[18]. ومن هذا المعنى الأخير دلّت هذه اللفظة في الدارجة الفلسطينيّة على: الاستفراغ، وسُمِّي ما يُنْتَكُ: ’النّْتاك‘.

- "وَالخَمَجُ: الفُتورُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ. يُقالُ: أَصْبَحَ فُلانٌ خَمِجًا: إِذا فَتَرَتْ أَعْضاؤُهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ تَعَبٍ. وَرُبَّما قيلَ: خَمِجَ اللَّحْمُ يَخْمَجُ: إِذا أَرْوَحَ، وَلا يَكونُ إِلّا للنَّيِّ"[19]. وما زالت محافظة على معناها في الدارجة الفلسطينيّة، واشْتُقّ منها: ’مْخَمِّج‘ للدلالة على الكسول الّذي تضحي الدنيا وهو ممدّد في فراشه، أو الّذي يمتدّ به النوم غارقًا فيه.

- "وَالطَّحْرُ وَالطُّحارُ: النَّفَسُ العالي، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، يُقالُ: طَحَرَ يَطْحَرُ طَحْرًا وَطُحارًا"[20]. وما زال اللفظان بهذا المعنى في الدارجة الفلسطينيّة، وتُخَصّ بهما المِعْزى في لحظات الولادة، ويُشَبَّه المرء بها حين يكون في ضيق لا يعبّر عنه إلّا بذلك النفَس.

- "وَالسُّخامُ: الفَحْمُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ. وَالسَّخَمُ: السَّوادُ، سَخَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، أَيْ: سَوَّدَهُ، يَتَكَلَّمُ بِها عَرَبُ الشّامِ"[21]. ومنها في الدارجة الفلسطينيّة: ’مْسَخَّم، مْسَخَّمِة‘، وقد يُشْتَقُّ منها بالنّحت مع ’سخط‘ مثل: ’مْسَخْمَط، مْسَخْمَطَة‘، أو بالنحت مع ’خبط‘، فيُقال: ’سْخُمْبُط‘.

- "وَدَفَرْتُ الرَّجُلَ عَنّي: إِذا دَفَعْتَهُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[22]. وهي ماثلة إلى اليوم بهذا المعنى، وتُستَخْدَمُ أيضًا للدلالة على صَدْمِ السيّارة ونحوها للشخص: ’دَفْرَتُه سيّارة‘. 

- "وَالنَّدّافُ: الَّذي يَنْدِفُ القُطْنَ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ. وَحِرْفَةُ النَّدّافِ: النِّدافَةُ"[23]. وهي في الدارجة الفلسطينيّة إلى يوم الناس هذا، وإنْ تكن الحِرفة بدأتْ بالتلاشي، وصار أكثر استخدام ’النَّدْف‘ للثلج المتساقط تشبيهًا له بالقطن.

- "وَالرِّغْنَةُ: الأَرْضُ السَّهْلَةُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[24]. وتُقالُ أيضًا في الدراجة الفلسطينيّة للأرضِ السهلَةِ الَّتي ارْتَوَت مِن الماءِ.

"وَالهَبْرَةُ: الأَرْضُ السَّهْلَةُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، زَعَموا"[26]. وفي الدارجة الفلسطينيّة ما زالَ هذا المعنى واردًا، فضلًا على الامتداد باللفظ للدلالة على ما في قطعة اللحم الحمراء المُكْتَنِزة بلا عَظْمٍ، ولا دُهْن ظاهر.

- "وَالوَهَرُ: تَوَهُّجُ وَقْعِ الشَّمْسِ عَلى الأَرْضِ حَتّى تَرى لَها اضْطِرَابًا كَالبُخارِ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، يَقولونَ: رَأَيْتُ وَهَرَ الشَّمْسِ، وَأَصابَني وَهَرُها"[25]. والوَهَرُ وَالوَهَرَةُ في الدارجة الفلسطينيّة لِما يُستَقْبَحُ مِنَ الرائحةِ السيِّئة من الشّخصِ حينَ يَمورُ الحَرُّ، وكذلك المنظر البَشِع.

- "وَالهَبْرَةُ: الأَرْضُ السَّهْلَةُ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، زَعَموا"[26]. وفي الدارجة الفلسطينيّة ما زالَ هذا المعنى واردًا، فضلًا على الامتداد باللفظ للدلالة على ما في قطعة اللحم الحمراء المُكْتَنِزة بلا عَظْمٍ، ولا دُهْن ظاهر.

- "وَالمَزْعُ أَيْضًا: نَفْشُ القُطْنِ بِالأَصابِعِ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، مَزَعْتُ القُطْنَ أَمْزَعُهُ مَزْعًا. وَتَمَزَّعَ القَوْمُ الشَّيْءَ بَيْنَهُمْ: إِذا اقْتَسَموهُ"[27]، وأضاف الزّبيدي: "وَمَزَعَ القُطْنَ مَزْعًا: نَفَشَهُ بِأَصابِعِهِ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ، قالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، كَمَزَّعَهُ تَمْزيعًا، قالَ الجَوْهَرِيُّ: وَالمَرْأَةُ تَمْزَعُ القُطْنَ بِيَدَيْها: إِذا زَبَّدَتْهُ، كَأَنَّها تُقَطِّعُهُ ثُمَّ تُؤَلِّفُهُ، فَتُجَوِّدُهُ بِذلِكَ"[28]. والمَزْعُ في الدارجة الفلسطينيّة يكونُ كَالقَدِّ وَالتَّمْزيقِ للثَّوْبِ وَنَحْوِه، وقد تُستَعْمَلُ في الضَّرْبِ أحيانًا: "مَزَعُه كَفّ".

- "وَالْعَقْصُ: خُيوطٌ تُفْتَلُ مِنْ صوفٍ، وَتُصْبَغُ بِسَوادٍ، تَصِلُ بِهِ المَرْأَةُ شَعَرَها، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[29]. ولم تزل الدارجة الفلسطينيّة تستعمل ’العُقْصَةَ‘ للدلالة على خصلة الشعر المشابهة للغرَة، وكذلك ’القُذْلَة‘.

- "وَخَرْبَشٌ وَخِرْباشٌ، يُقالُ: وَقَعَ القَوْمُ فِي خِرْباشٍ، أَيْ: فِي اخْتِلاطٍ وَصَخَبٍ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[30]. وفي اللهجة الفلسطينيّة من هذا اللفظ اشتقاقات كثيرة: ’خَرْبَشُه‘، ’خَرْبَشِة‘، ’مْخَرْبَش‘، ’مْخَرْبِش‘، والجمع ’خَرْبَشات‘ و’خَرابِيش‘.

- "وَخُنْفُساءُ، وَقالوا: خُنْفُسٌ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[31]. وهي إلى يوم الناس هذا بمعناها نفسه، وتُقالُ أيضًا للدلالة على كثرة الشَّعر وطوله أيضًا.

- "الشُّنْتُرَةُ، بِالضَّمِّ على الصَّوابِ، وَفَتْحُها ضَعيفٌ وَإِنْ حَكاهُ أَقْوامٌ وَصَحَّحوهُ: الإِصْبَعُ، بِالحِمْيَرِيَّةِ ... (ج: شَناتِرُ). وَالشُّنْتُرَةُ، أَيْضًا: مَا بَيْن الإِصْبَعَيْنِ ... وَفِي التَّهْذيبِ: الشَّنْتَرَةُ وَالشِّنْتيرَةُ: الإِصْبَعُ، بِلُغَةِ اليَمَنِ ... وَقَوْلُهُمْ: لَأَضُمَّنَّكَ ضَمَّ الشَّناتِرِ، وَهِيَ الأَصابِعُ"[32]. و’الشَّناتير‘ في الدارجة الفلسطينيّة دالّة على الزوائد الّتي تنمو على حوافّ الأظافر من اللحم اليابس، واشْتُقَّ منها: ’شَنْتَر‘ و’مْشَنْتِر‘ للدلالة على كلّ منتصب.

- "وَقَسَّ ما عَلى العَظْمِ يَقُسُّهُ قَسًّا: أَكَلَ لَحْمَهُ وَامْتَخَخَهُ، عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ، كَقَسْقَسَهُ، وَهَذِهِ لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[33].  و‘قَسْقَسَ‘ هذه ما زالت في الدارجة الفلسطينيّة على حالها، خاصّة مع البُزورِ، وتحوّرت وفق البيئات اللهجيّة إلى مثل: ’قَزْقَز، أَزْأَز، قَصْقَص‘، أمّا ’فَصْفَصَ‘ فقريبة منها، لكنّها من مادّة أُخرى.

- "الشَّحْفُ، كَالمَنْعِ، أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ قَشْرُ الجِلْدِ عَنِ الشَّيْءِ، وَهِيَ لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[34]. ومنها في الدارجة الفلسطينيّة ’الشَّحْفُ‘، اسم الجنس الجمعيّ لواحدته ’الشَّحْفَة‘، وهي القطعة الرقيقة من الصخر تكون شبه الكفّ في انبساطها وأكبر منها.

- "امْرَأَةٌ شَلّاقَةٌ، أَيْ: زانِيَةٌ، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَامْرَأَةٌ شَلَقَةٌ: مُحَرِّكَةٌ لاعِبَةٌ بِالعُقولِ، لُغَةٌ يَمانِيَةٌ"[35]. وهما مستعملتان في الدارجة الفلسطينيّة إلى يوم الناس هذا.

 


إحالات:

[1] محمّد بن سلّام الجمحيّ، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمّد شاكر، ط1 (جدّة: دار المدنيّ، د.ت)، 1 ص11.

[2] أبو الفتح عثمان بن جنّي، الخصائص، تحقيق: محمّد علي النجّار، ط2 (القاهرة: دار الكتب المصريّة، د.ت)، 2 ص28.

[3] محمّد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، ط3 (بيروت: دار صادر، 1995م)، 4  ص215.

[4] يُنْظَر في هذا: شمس الدين محمّد الذهبي، معرفة القرّاء الكبار على الطبقات والأعصار، ط1 (بيروت: دار الكتب العلميّة، 1997م)، 1 ص58، علم الدين عليّ بن محمّد السخاويّ، جمال القرّاء وكمال الإقراء، تحقيق: مروان العطيّة ومحسن خرابة، ط1 (دمشق- بيروت: دار المأمون للتراث، 1997م)، ص541، أبو الحجّاج يوسف القضاعيّ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عوّاد معروف، ط1 (بيروت: مؤسّسة الرسالة، 1980م)، 34 ص128.

[5] يُنْظَر للتمثيل حسب: طه حسين، في الأدب الجاهليّ، ط4 (القاهرة: دار المعارف، تاريخ المقدّمة 1927م)، ص88-123، ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهليّ وقيمتها التاريخيّة، ط7 (القاهرة: دار المعارف، 1988م)، ص384-417، شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربيّ - العصر الجاهليّ، ط11 (القاهرة: دار المعارف، د.ت)، ص120-121، 167، جواد علي، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4 (بيروت: دار الساقي، 2001م)، 1 ص34-35، 16 ص196، 263، 273، محمّد بيومي مهران، دراسات في تاريخ العرب القديم، ط2 (الإسكندريّة: دار المعرفة الجامعيّة، د.ت)، ص123، 319، علي الجندي، في تاريخ الأدب الجاهليّ، ط1 (القاهرة: مكتبة دار التراث، 1991م)، ص95- 97، 203- 205.

[6] عبد الكريم بن محمّد السمعانيّ، الأنساب، تحقيق: عبد الرحمن المعلّميّ وآخرين، ط1 (حيدر آباد: مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، 1962م)، 10 ص239.

[7] السمعانيّ، 1 ص255، وانظر: ياقوت بن عبد الله الحمويّ، معجم البلدان، ط2 (بيروت: دار صادر، 1995م)، 1 ص320.

[8] السمعانيّ، 3 ص34، وانظر: عليّ بن الحسين المسعوديّ، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، ط1 (الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، 1973م)، 2 ص37.

[9] السمعانيّ، 7 ص161، 3 ص23، وانظر: الحمويّ، 2 ص16.

[10] السمعانيّ، 7 ص161، 3 ص23.

[11] المرجع نفسه، 1 ص391، 7 ص332.

[12] المرجع نفسه، 10 ص40.

[13] الحمويّ، 5 ص128، وهي قريبة من طولكرم وقلقيلية، والنسبة إليها ’مسكاويّ‘، وما زال بعض أبنائها يحملون هذه النسبة.

[14] السمعانيّ، 9 ص352، وقد فرّق ياقوت بين عكّا وعكّة، فجعل الأخيرة هي الّتي على ساحل بحر الشام، يُنْظَر: الحمويّ، 4 ص141.

[15] محمّد بن الحسن بن دريد الأزديّ، جمهرة اللغة، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، ط1 (بيروت: دار العلم للملايين، 1987م)، 1 ص361.

[16] المرجع نفسه، 1 ص130.

[17] المرجع نفسه، 1 ص357.

[18] المرجع نفسه، 1 ص409، محمّد بن محمّد مرتضى الزبيديّ، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحقّقين، ط1 (الكويت: دار الهداية، 1965م)، 27 ص370.

[19] ابن دريد الأزديّ، 1 ص445.

[20] المرجع نفسه، 1 ص517.

[21] المرجع نفسه، 1 ص599.

[22] المرجع نفسه، 1 ص634.

[23] المرجع نفسه، 1 ص673.

[24] المرجع نفسه، 1 ص782.

[25] المرجع نفسه، 2 ص808.

[26] المرجع نفسه، 2 ص809.

[27] المرجع نفسه، 2 ص817.

[28] مرتضى الزبيدي، 22 ص197.

[29] ابن دريد الأزديّ، 2 ص886.

[30] المرجع نفسه، 2 ص1116.

[31] المرجع نفسه، 2 ص1233.

[32] مرتضى الزبيديّ، 12 ص246.

[33] المرجع نفسه، 16 ص373.

[34] المرجع نفسه، 23 ص487.

[35] المرجع نفسه، 25 ص526.

 


 

خالد الجبر

 

 

 

أكاديميّ فلسطينيّ، أستاذ نقد وبلاغة، خبير لغويّ في "معجم الدوحة التاريخيّ للّغة العربيّة".