محو وتنقيح... ’الكلام الفاحش‘ في الأدب العربيّ

 

يناقش هذا المقال استعمال مجموعة من الكلمات العربيّة في الأدب العربيّ القديم، صارت تُجمع تحت عنوان الكلمات النابية أو الكلام الفاحش المنافي للأخلاق، وغياب استعمالها في الأدب الحديث بناءً على التصنيف السابق. يفترض المقال أنّ أحد أهمّ الأسباب هو الأخلاق الڤيكتوريّة[1] الدخيلة على المجتمعات العربيّة إبّان الاستعمار الأوروبّيّ وبعده، ولا يغيب عن التحليل الاختلاف بين أدب الخواصّ وأدب العوامّ، وعليه؛ فسيكون ثَمّ تطرّق لكلٍّ منهما.

لم تكن تلك الكلمات في سابق عهد الأدب العربيّ موضوعة في قالب واحد، وحالها كحال أيّ شيء عُرِّف بعد أن كان غير معرّف، حيث يصعب على الناقد التعبير عنها - لإيصال المغزى - إلّا باستعمال التعريف الجديد - ألا وهو ’الكلام الفاحش‘ - ولمّا كان الأمر كذلك، فإنّني سأستعمل هذا التعريف، لكن بغير موافقة على مفهومه؛ إنّما لتوخّي الإيجاز.

 

الرقابة الأخلاقيّة الڤيكتوريّة 

إنّ الادّعاء الأساسيّ هو أنّ الأخلاق الڤيكتوريّة تشكّل أحد أهمّ الأسباب على تصنيف هذا الكلام فاحشًا، وبالتالي هي - أي الأخلاق - مسؤولة عن قلّة استعماله في الأدب العربيّ إبّان ’النهضة العربيّة‘ وما بعدها. الأخلاق الڤيكتوريّة - أو كما أسماها الفيلسوف الفرنسيّ ميشيل فوكو (1926-1984) ’الأخلاق الإمبراطوريّة‘ - هي ليست حقيقةً منظومة أخلاق، إنّما هي نظام قمع/ تنظيم للمجتمع البريطانيّ أثناء الثورة الصناعيّة، فقد ركّز هذا النظام على قمع كلّ الأشكال الجنسانيّة غير الإنجابيّة؛ أي الجنسانيّة الّتي ينتج عنها ناس يصيرون عمّالًا يحرّكون عجلة الاقتصاد البريطانيّ بعد حين. عليه، فقد قُمع وحُرِّمَ الوصال بين أبناء نفس الجنس، والبغاء والاستمناء، واستُكره الطلاق والعقم، وكلّ ما يخطر بالبال، وهو غير إنجابيّ[2]، وصُيِّر الجماع الإنجابيّ هو المركزيّ.

الأخلاق الڤيكتوريّة (...) هي نظام قمع/ تنظيم للمجتمع البريطانيّ أثناء الثورة الصناعيّة، فقد ركّز هذا النظام على قمع كلّ الأشكال الجنسانيّة غير الإنجابيّة؛ أي الجنسانيّة الّتي ينتج عنها ناس يصيرون عمّالًا يحرّكون عجلة الاقتصاد البريطانيّ بعد حين...

نتج عن هذه السياسة ’التنظيميّة‘ مجتمع يقمع كلّ أنواع الجنسانيّة غير الإنجابيّة على جميع الأصعدة، بما في ذلك الأدب والتعليم. ويسهل على المطالع معرفة مدى تأثير هذه السياسة في جميع أوروبّا، فيكفي معرفة أنّ بعض معسكرات الإبادة النازيّة خُصّصت لإبادة المجامعين أبناء جنسهم، ناهيك عن إقحام طبّ النفس والقوانين الّتي سُنَّت في أوروبّا إبّان العصر الڤيكتوريّ وبعده، وهي تمنع أيّ وصال غير إنجابيّ.

أمّا عن المجتمعات العربيّة، فقد تأثّر روّاد النهضة العربيّة من الأدبيّات الڤيكتوريّة، بحيث شوّهوا التاريخ العربيّ المليء بالكلمات ’الفاحشة‘ والأدبيّات الجنسانيّة غير الإنجابيّة؛ فيقول جوزيف مسعد منتقدًا إيّاهم في كتابه «اشتهاء العرب»: "وسوف يردّ المفكّرون العرب بتوظيف عدد من الإستراتيجيّات، بما في ذلك تفسير بعض الظواهر ’الثقافيّة‘ الّتي اعتبرت مشينة، إمّا بتأكيد أنّها لا تمثّل ’حضارة‘ العرب تمثيلًا صادقًا، أو باعتبارها سلعًا مستوردة أفسدت ’الثقافة‘ العربيّة النقيّة؛ أو ظواهر عالميّة، وجدت بين العرب كما وجدت، أو لا تزال موجودة، بين الأوروبّيّين وغيرهم"، ثمّ إنّه يورد اسمًا بعد اسم من روّاد النهضة العربيّة، ومن بعدهم، وينقد تعاملهم مع هذه الأدبيّات، خاصّة شعر الحسن بن هانئ أبي نوّاس.

 

’الكلام الفاحش‘ في أدب الخواصّ 

سنبدأ بذكر ألوان أدب الخواصّ الّذي يستبطن ’كلامًا فاحشًا‘، وهي الهجاء ذو الإسفاف والغزل بالمذكّر وغير المذكّر، ومنه العذريّ ومنه الماجن، وأدب الهزل والخمريّات وأدب الحبّ وأدب الجماع. أمّا عن أدب العامّة، فإنّه لم يحفظ أو لم يصلنا إلّا قليله، ذلك لأنّ العامّة قلّما اعتُبر تدوينهم أدبًا أو أنّهم لم يدوّنوا، وإنّما انتقل إلينا شفاهيًّا كقصص الحكواتيّة وما إلى ذلك. خير مثال على ذلك هو «ألف ليلة وليلة»، إذ لولا أنّ الأوروبّيّين اهتمّوا به لما وصلنا مكتوبًا. لذلك؛ يصعب جمع تدوينات العامّة ونقاشها في مقال صغير كهذا. وثمّة في كلّ من أدب الخواصّ والعامّة الإيحائيّ ومنه الصريح، وثمّة ذكر لـ ’الكلام الفاحش‘ في الأخبار النبويّة، لكنّ وضعها في قالب أدب الخواصّ أو العوامّ ليس ممكنًا؛ فهي في مكان غير هذا وذاك.

في التالي أمثلة على أدب خواصّ يستبطن ’كلامًا فاحشًا‘ غالبه في الشعر، وكما ذكرت آنفًا أنّ ’الكلام الفاحش‘ على اثنين؛ المصرّح به والموحى. ثمّ إنّه لا علاقة بين بيئة الشاعر وشعره، ولا الجغرافيا الّتي يعيش فيها كما قد يُظَنّ؛ فالأمثلة هي من أعلام الأدب العربيّ، ومن مختلف أقاليم العرب، وأوّلهم أحمد بن الحسين أبو الطيّب المتنبّي (915-965)، الّذي يقول صراحةً في هجائه لقاطع طريق اسمه ’ضبّة‘:

فَلا بِمَن ماتَ فَخر               وَلا بِمَن نيكَ رَغبَه

وَما عَلَيكَ مِنَ العا               رِ أَنَّ أُمَّكَ قَــــــحبَه

ومطلع هذه القصيدة «ما أنصف القوم ضبّة»، وأمّا عن إيحائه ففي هجاء آخر لصاحب طرابلس الشرق الّذي منعه من الخروج من طرابلس حتّى يمدحه؛ إذ قال فيه:

يَحمي اِبنُ كَيغَلَغَ الطريقَ وَعِرسُهُ[3]      ما بَينَ رِجلَيها الطريقُ الأَعظَمُ

والأمثلة تكثر، لكن لضيق المساحة لا يمكن إيرادها جميعًا. أمّا أبو نواس، وهو أشهر شاعر استعمل الغزل بالمذكّر حتّى ساعتنا هذه، يقول موحيًا التالي:

يا أحمد المرتجى في كلّ نائبة           قم سيّدي نعص جبّار السماوات

أمّا عن شعره الصريح فيكفي النظر في ملحق كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهانيّ «أخبار أبي نواس»، لمؤلّفه ابن منظور صاحب «لسان العرب»، أو النظر في كتاب «النصوص المحرّمة لأبي نواس» لجامعه علي جمعة[4]. هنا يصحّ السؤال الاستنكاريّ، ما سبب عدم ذكر الشعر الّذي ورد في كتاب علي جمعة في باقي دواوين أبي نواس؟

لا يظنّنّ أحد أنّ هذا الكلام اقتصر على رجال الخواصّ، فهذه ولاّدة بنت المستكفي في الأندلس لم تر مانعًا لاستعمال ’كلام فاحش‘، حين هجت ابن زيدون، فقالت فيه:

إنّ ابــن زيـدون له فـقـحة    تـعـشـقُ قـضـبـان السراويـلِ

 لَو أبصرت أيرًا على نخلة       صارَت منَ الطيرِ الأبابيلِ

أخيرًا في الشعر، لا بدّ من ذكر ديوان الراشد بن إسحق الكاتب أبي حكيمة (مات سنة 1030)، المسمّى «ديوان الأيريّات/ ديوان أبي حكيمة»[5]، والّذي اشتهر به حيث يرثي أيره بعد أن أصابته العنّة[6] في شيخوخته، ومن شعره غير المصرِّح التالي:

تُكَفِّنُ الناسُ مَوتاهُم إِذا هَلَكوا     وَبَينَ رِجلَيَّ مَيتٌ ما لَهُ كَفَنُ

وهي قصيدة تطول عن هذا البيت، وقد اكتفيت بذكر هذا البيت حرصًا على الاختصار في المقال. وأيضًا في هذه الحالة ينبغي أن يُبحث في ما إذا حصل تنقيح ما أو لم يحصل، أو متابعة سيرورة نشر هذا الديوان والوقوف على محطّات نشره.

 

النثر والتنقيح

أمّا عن النثر، فسأبدأ بنثر الخواصّ ثمّ أتطرّق إلى «ألف ليلة وليلة». من أشهر ألوان نثر الخواصّ هو المقامات، وقد وقع تحت يدي كتاب يشرح مقامات بديع الزمان الهمذانيّ، الّذي حقّقه وشرحه وعمل عليه الشيخ محمّد عبده (1849-1905)، فقال في المقدّمة: "وههنا ما ينبغي التنبيه عليه، وهو أنّ في هذا المؤلّف من مقامات البديع رحمه الله افتنانًا في أنواع من الكلام كثيرة، ربّما كان منها ما يستحي الأديب من قراءته. ويخجل مثلي من شرح عباراته (...) لكن لكلّ زمان مقال، ولكلّ خيال مجال. وهذا عذرنا في ترك «المقامة الشاميّة»[7]، وإغفال بعض الجمل من «المقامة الرصافيّة»، وكلمات من مقامة أخرى مع التنبيه على ذلك في مواضعه".

مثال آخر هو كتاب «الفرج بعد الشدّة» للمحسّن بن عليّ التنّوخيّ (939-994)، وهو كتاب يُعنى بنقل أخبار ناس وقعوا في ضيق ففرّج الله عليهم بما قالوا من دعاء أو كلام. من نسخ هذا الكتاب، نسخة حقّقها المحقّق عبّود الشالجي، وفيها قصّة "إبراهيم بن سيّابة يشكو فلا يُجاب"، ومختصرها أنّ إبراهيم هجره حبيبه وطلب المساعدة من مضيفه سليمان بن يحيى بن معاذ؛ فيخبرنا المحقّق الشالجي بأنّ هذه القصّة لم ترد في تصوير الميكروفيلم[8] الصادر عن «مكتبة جون رايلند» في مانشستر، و«مكتبة الأسكوريال» في مدريد، وهنا يمكن تفسيران؛ إمّا أنّ القصّة غير موجودة أصلًا في المخطوط، وإمّا أنّها سقطت في أثناء تصوير المخطوط عمدًا أو بغير عمد.

غير هذين المثالين، الكثير من النثر ممّا يستبطن ’كلامًا فاحشًا‘ ككتاب «نواضر الأيك في معرفة النيك» للإمام جلال الدين السيوطيّ (1445-1505)، أو كتاب «طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف» لابن حزم الأندلسيّ (994-1064) وغيرهما.

مثير للاستطلاع أن يُبحث في سيرورة نشر هذه الكتب منذ استلام المخطوط، أو تصوير له، إلى نشره، وحتّى تعامل السلطات مع نسخه المنشورة. قد ذكرت هذه المراحل المفصّلة لنشر كتاب مُحقَّق لكي أعرّج على حالتين حصلتا فعلًا مع «ألف ليلة وليلة».

فـ «ألف ليلة وليلة» هو من أدب العوامّ، وأوّل من اهتمّ به الأوروبّيّون، وقد استثقلوا التعابير الجنسيّة الّتي فيه، فاضطرّ إدوارد لاين لتنقيحه وتجريده من هذه التعابير: "إحدى نسخ «ألف ليلة وليلة» المهذّبة أصدرها إدوارد لاين، إذ ترجمها في عام 1838، فلم يشمل بها أشعارًا وجملًا وقصصًا كاملة اعتبرها غير لائقة أو تنافي الحساسيّة الڤيكتوريّة.

«ألف ليلة وليلة» هو من أدب العوامّ، وأوّل من اهتمّ به الأوروبّيّون، وقد استثقلوا التعابير الجنسيّة الّتي فيه، فاضطرّ إدوارد لاين لتنقيحه وتجريده من هذه التعابير...

أمّا عن تعامل السلطات والمكتبات العربيّة - بعد تأثّرهم من الأخلاق الڤيكتوريّة - مع هذا المحتوى فيقول أورليش ميرتسولف - المقتبس آنفًا - "النصوص الرئيسيّة العربيّة من «ألف ليلة وليلة» الّتي نجت، لا توحي بأيّة إشارة واضحة لتنقيح تمّ فيها، غير أنّ بعض الجمل في نصوص مختلفة قد تكون نُقِّحت جزئيًّا بسبب استحياء المحقّق. إحدى أشهر نسخ «ألف ليلة وليلة» المحقّقة في العصر الحديث، نشرتها «دار النشر اليسوعيّة» [نسبة إلى الآباء اليسوعيّين] في بيروت بين السنوات 1888 و1890. وفي أواخر القرن العشرين، لم تُبَع «ألف ليلة وليلة» بحرّيّة في العديد من الدول العربيّة. سنة 1985 صادرت السلطات الداخليّة المصريّة 3000 نسخة غير منقّحة، مطبوعة في بيروت، مدّعين أنّ النسخ تستبطن جملًا فاحشة تهدّد ذوق الدولة العامّ[9]".

 

في الأخبار النبويّة

في ما يتعلّق بالأخبار النبويّة، الّتي كما ذكرت سابقًا، لا تصلح لوضعها في قالب أدب خواصّ أو عوامّ، فالمثال التالي يشمل ’كلمة فاحشة‘ إلّا أنّها لم تسقط من كتاب الأخبار، ربّما بسبب خوف المحقّق من التصرّف بمثل هذه النصوص أو من حيث "لا حياء في الدين"[10].

"عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ سَاقَ هَدْيًا فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عمْرَةً"، فَقُلْنَا: حِلٌّ مِنْ ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، فَقَالَ أُنَاسٌ: مَا هَذَا الْأَمْرُ، نَأْتِي عَرَفَةَ، وَأُيُورُنَا تَقْطُرُ مَنِيًّا؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ فِينَا كَالْمُغْضَبِ، فَقَالَ: "وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ هَذَا مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، فَاسْمَحُوا بِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ"، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عُمْرَتُنَا هَذِهِ الّتي أَمَرْتَنَا بِهَا أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ لِلْأَبَدِ" (صحيح ابن حبّان).

أخيرًا، ولأجل الأمانة العلميّة، لا بدّ من أن أنقد افتراضي بأنّ الأخلاق الڤيكتوريّة هي أحد الأسباب الرئيسيّة لغياب هذه الألفاظ من الأدب الحديث. فسأستشهد بقول لعمرو بن بحر الجاحظ، يبيّن أمرًا مهمًّا للنقاش. يقول الجاحظ "وبعضُ منْ يُظهرُ النسكَ والتقشّفَ إذا ذَكرَ الحِرَ والأيرَ والنيكَ تقزّزَ وانقبضَ. وأكثرُ منْ تجدُهُ كذلكَ فإنّما هوَ رجلٌ ليسَ معهُ منَ المعرفةِ والكرمِ، والنبلِ والوقارِ، إلّا بقدرِ هذا التصنّعِ. وإنّما وُضعتْ هذهِ الألفاظُ ليستعملَها أهلُ اللغةِ، ولوْ كانَ الرأيُ ألّا يلفظَ بهَا ما كانَ لأوَّلِ كونها معنًى"[11].

معنى القول أنّه كان مَن قد تنسّك وتقشّف سابقًا من هذه الكلمات، لكن لم يصل الحال قطعًا إلى ما وصل إليه الحال في السياسة الڤيكتوريّة، بدليل أنّ الجاحظ لم يُكنِّ هذه الكلمات بكناية واحدة، كأن يقول مثلًا: "إذا ذكر الكلام الفاحش تقزّز وتقشّف"، وأيضًا لا بدّ من الإشارة إلى الفرق؛ إذ إنّ السياسة الڤيكتوريّة إنّما هدفها اقتصاديّ لا أخلاقيّ، بعكس ما أشار إليه الجاحظ. وأخيرًا، إنّه لمن الجدير بالبحث أن يُعرف من أوّل من "تقزّز" من هذا الكلام؟

 


إحالات

[1] يعود هذا الاصطلاح إلى فترة حكم الملكة ألكسندرا ڤيكتوريا ملكة بريطانيا بين السنوات 1837-1901.

[2] انظر: تاريخ الجنسانيّة، إرادة العرفان، ميشيل فوكو.

[3] عرسه: زوجته.

[4] الطريف أنّ هذه النصوص لم تكن محرّمة يومًا ما، ولا ندري من أين أتى علي جمعة بهذا التعبير.

[5] حقّقه محمّد حسين الأعرجي ونشرته «دار الجمل»، وهي نفسها الّتي نشرت ديوان «ديوان النصوص المحرّمة لأبي نوّاس». وهو موجود في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

[6] العنّة: عدم قيام الأير.

[7] «المقامة الشاميّة» تحكي قصّة امرأة طلبت من القاضي الطلاق من زوجها لأنّه عنّين (=ذو عنّة).

[8] الميكروفيلم هو تصوير للمخطوط يطلبه المحقّق من المكتبة الحافظة للمخطوط حتّى يعمل عليه دون أن يحصل على المخطوط نفسه.

[9] يذكر جوزيف مسعد في كتابه «اشتهاء العرب»، حالة مصادرة لكتاب «أخبار أبي نوّاس»، أي ملحق «كتاب الأغاني»، في سنة 1924 على يد السلطات المصريّة، إبّان الانتداب البريطانيّ لمصر.

[10] تنبغي الإشارة إلى كلمة ’حياء‘، حيث إنّها حمّالة أوجه خاصّة في ما يتعلّق بسياق كهذا.

[11] ديوان الغلمان: أنطولوجيا الغزل المذكّر في العصر العبّاسيّ.

 


 

جون صفدي

 

 

 

طالب ماجستير الآداب في «جامعة تل أبيب»، يبحث تطوّر استعمال اللغة العربيّة اليهوديّة في الشعر الشرقيّ العبريّ.