ضدّ الخرائط: في مواجهة المقياس

خريطة العالم، نُشِرَتْ في باريس عام 1720، رسمها ويليام ديليسل | Getty Images

 

مدخل

في ثمانينات القرن السابع عشر، عُرِضت على لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، آنذاك، خريطة ضمّت حدود مملكته، وهو الّذي تميّز عهده بحراك عسكريّ كبير على الجبهة الأوروبّيّة، خاصّة في مواجهة إسبانيا وهولندا وبريطانيا. جاءت تلك الخريطة نتاج عقود متّصلة من عمل يستند إلى أكثر الأساليب العلميّة تقدّمًا في رسم الخرائط، في حينه، وذلك في بواكير ما عُرِف لاحقًا بالعصر الحديث. أُعِدَّت الخريطة، في حينه، بتمويل من موارد الدولة، واستندت إلى أساليب مسح زاوجت بين شبكة المثلثّات[1] والقياس الدقيق لدوائر العرض. قدّمت الخريطة معالم خطّ الساحل ’الصحيح‘ لفرنسا، مقارنة بحدود أقلّ دقّة لهذا الساحل على خرائط سابقة. وقد كشفت هذه الخريطة المحدَّثة أنّ ما سبقها من خرائط قد بالغ بشكل ملحوظ في المساحة الإجماليّة لفرنسا، بفارق قدره 45 ألف ميل مربّع. رُوِي حينذاك أنّ لويس أبدى فزعه لهذه ’الخسارة‘ في مساحة أراضي الدولة الفرنسيّة، بين خريطتين ادّعتا تمثيل الواقع، وهي مساحة تربو على مساحة أيٍّ من فتوحاته العسكريّة الناجحة آنذاك.

تلك الحادثة ليست الأولى في التاريخ الأوروبّيّ، لكنّنا نشير إليها هنا لغايات توضيحيّة تتراكب فيها العلاقة بين المكان والطوبوغرافيّة والحدّ والأنا والآخر، والإقليم، وغيرها من عناصر تكوين مفهوم الخريطة السياسيّ (ومنها الجسد والتعداد السكّانيّ الغائبان في هذه القصّة المختزلة، على الأقلّ في الإشارة المباشرة)، وفي حالة تاريخيّة مركزيّة ارتبطت بالحروب والمركزيّة الأوروبّيّة في نفس الوقت، وأخيرًا هي جزء من سيرورة وصيرورة الحداثة الّتي تُعَدّ الخرائط جزءًا أساسيًّا منها، بالتقاطع مع مفهوم الدولة بما هي استعارةً حداثيّة أساسيّة. نجد أنّ تلك الحادثة توضّح بجلاء مفهوم الإقليم في نظر السلطة الحاكمة/ الدولة لحظة تحديدها. لذا؛ فإنّ الخريطة لم تغيّر شيئًا بشأن الواقع والجغرافيا، إلّا أنّها مثّلت فهم السلطة للإقليم (Territory) وإدراكها له، باعتباره تمثيلًا لها، ينبني عليه مخيال السلطة الحاكمة، وبالتالي علاقتها باللاعبين السياسيّين والاجتماعيّين في ذلك الإقليم بشكل داخليّ، والعلاقة مع الإقليم بشكل خارجيّ؛ بالعالم والخطاب عن الدولة. ليس هذا فحسب إنّما كذلك مَنْ هم في هذا الإقليم من مواطنين وآليّات تعريف المواطن الحداثيّ، من سياسات جسديّة وضبطيّة ومكانيّة[2].

 

العالم بعد الخرائط

ليس من باب المصادفة أنّ الكيفيّة الّتي تدرك أنظمة الحكم من خلالها الأراضي والأقاليم الخاضعة لها قد تعدّلت مع زيادة اعتمادها على الخرائط الّتي صوّرت العالم على نحو جديد؛ فقد تطوّرت الخرائط منذ ذلك الحين، ولا تزال، وبالتالي تطوّر مخيال الدولة لإقليمها وما  ومَنْ  فيه. غير أنّ التحديد الدقيق للحدود في عام 1815، كان أمرًا ثوريًّا في حينه؛ لأنّه أسّس لهذا المبنى من الهيمنة وموضعه في جسد الحداثة، باعتباره استعارة أساسيّة فيها؛ فقبل ذلك بقرن واحد فقط، كانت معظم التسويات التفاوضيّة والتقسيمات الفعليّة، ما بين الكيانات السياسيّة الأوروبّيّة، أشبه ما تكون بقوائم العصور الوسطى المشتملة على أماكن وحقوق، وليس على ما تمثّله اليوم الحدود الخطّيّة الحديثة.

تجدر الإشارة إلى أنّ البحث في أصول النظام السياسيّ لعالمنا القائم على الدول ذات السيادة الإقليميّة/ المكانيّة، يلقي أمامنا بالتقاطع بين الرسومات الكارتوغرافيّة، والأفكار والمؤسّسات السياسيّة، وممارسات الحكّام والمحكومين على حدّ سواء. إلّا أنّه يُغْفِلُ في كثير من الأحيان دور المقاربات الفنّيّة والتقاطعيّة، في فهم تلك المنظومات المتشابكة وتفكيكها، ولهذا مسبّباته المتعدّدة والمتراكبة من حيث أبويّة العلوم السياسيّة المركزيّة، وغياب المقاربات النقديّة المبنيّة على تداخل الحقول، وغير ذلك من ثنائيّات الحداثة، وآثارها.

قادت إعادة اكتشاف النصوص الكلاسيكيّة الرئيسيّة، والابتكارات التقنيّة المعاصرة في المراحل الأولى من تاريخ أوروبّا الحديثة، إلى ثورة في صنع الخرائط وتوزيعها واستخدامها...

قادت إعادة اكتشاف النصوص الكلاسيكيّة الرئيسيّة، والابتكارات التقنيّة المعاصرة في المراحل الأولى من تاريخ أوروبّا الحديثة، إلى ثورة في صنع الخرائط وتوزيعها واستخدامها؛ إذ إنّه قُبَيل القرن الخامس عشر، أُعيد تقديم كتاب بطليموس المعنون «الجغرافيا»، إلى أوروبّا الغربيّة، وتُرْجِم إلى اللاتينيّة في بدايات القرن الخامس عشر، وهو ما قدّم لدارسي العلوم الإنسانيّة في حينه، أساليب إعداد خرائط لم تكن معروفة خلال العصور الوسطى. وبالتحديد، حين وصف بطليموس كيفيّة استخدام نظام إحداثيّات السماويّة لشبكة دوائر العرض وخطوط الطول من أجل تحديد المواقع الأرضيّة هندسيًّا، ثمّ إعداد الخرائط لهذه المواقع باستخدام مناهج الإسقاط الرياضيّ، وهو المنهج الّذي لا يزال مستخدَمًا في الكارتوغرافيا الحديثة، بعد تحييد الأساليب القروسطيّة.

من هنا تظهر أهمّيّة الخريطة، باعتبارها الأداة الأساسيّة، الّتي شكّلت إدراك الناس للعالم وموقعهم منه في فترات تاريخيّة ما، وبما هي أيضًا الشرط الضروريّ - وإن لم يكن كافيًا - لظهور الدولة ذات السيادة، إذ يُعْرَف الحكم السياسيّ بأنّه سيادة حصريّة وتامّة على حيِّز محدّد بخطوط كارتوغرافيّة. وإذا أردنا توظيف الجسد منهجيّةً تحليليّةً، يمكننا إضافة أنّ الدولة ذات السيادة تمتدّ سياستها بالاعتماد على الخريطة على الجسد، بما هو مجال مادّيّ وحيويّ ورمزيّ، وكذلك مجال كلّ جسد وحركته.

 

قمع الخريطة: مصر والسودان*

للوهلة الأولى، تبدو الحدود البرّيّة بين مصر والسودان بسيطة ومباشرة إلى حدّ كبير؛ فهي تمتدّ من الغرب إلى الشرق على طول خطّ العرض 22 درجة شمالًا، لكن من خلال النظر عن كثب، نجد أن الخطّ الحدوديّ بين الدولتين، وبنسبة 32٪ من طوله، هو في الواقع موضع نزاع، حيث يطالب السودان بحدود تستند إلى مجموعة مختلفة من وثائق الفترة الاستعماريّة، حيث كانت أغلب الاختلافات في ترسيم الحدود بتأثير الحكومة الاستعماريّة البريطانيّة الّتي سيطرت على البلدين، بعد انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة في أواخر القرن التاسع عشر. جدير بالذكر أنّ مسؤولين مصريّين وبريطانيّين شاركوا في الإدارة الاستعماريّة للسودان - ولو بشكل متقطّع - حتّى عام 1956؛ أي بعد 3 سنوات من استقلال مصر عن إنجلترا الاستعماريّة بعد ما سُمِّيَ بـ «ثورة الضبّاط الأحرار» على الملكيّة.

ثمّة ثلاث مناطق متنازع عليها بين مصر والسودان: وادي حلفا، وبير طويل (بئر طويل)، ومثلّث حلايب. تطالب مصر بجميع الأراضي الواقعة شمال خطّ العرض 22 درجة، وهي تسيطر عليها بحكم الأمر الواقع، وذلك وفق تحديدها في البداية حدودًا دوليّة في اتّفاقيّة 19 كانون الثاني (يناير) 1899؛ إذ سعت مصر والمملكة المتّحدة إلى إعادة تأكيد سلطتهما وإدارتهما المشتركة على السودان، في حينه.

نطرح النموذج السودانيّ المصريّ بعد الفرنسيّ أعلاه؛ لنوضّح من خلاله سلطة الخريطة على إنتاج المخيال العامّ، بشأن الإقليم والجماعة والذات والفرد المواطن. ليس هذا فحسب، لكن كذلك ما تتضمّنه الخريطة من سياسات جسديّة ترسم حدود الأنا والآخر، بل تتحكّم في السياسات الحيويّة للإقليم أيضًا؛ فمثلًا، يُظْهِر تتبّع الخطاب المتعلّق بانفصال السودان عن مصر تنامي منظومات دلاليّة خطابيّة وأدائيّة تتعلّق بالنظر إلى الجسد الأسمر. ولعلّ أبرز نماذج نشير إليها بشكل عابر، صورة خادم المنزل، أو شخصيّة ’عثمان‘، في أفلام الخمسينات وأوائل الستّينات المصريّة، والّذي يحضر في تقسيمات الفضاءات الاجتماعيّة المدينيّة ضمن تصوّر طبقيّ وعنصريّ، تراكم في المخيال البصريّ الاجتماعيّ لتلك الفترة، ولا يزال تأثيره حاضرًا.

 

الحدود المختلف عليها بين مصر والسودان.

 

ما نحاول الإشارة إليه في نموذج مصر – السودان يمكننا تقسيمه إلى النقاط الآتية: أوّلًا، كلا التصوّرين بشأن الحدود بين مصر والسودان تنتزع لنفسها إقليمًا جغرافيًّا متنازعًا عليه: مثلّث حلايب، وتتنازل عن إقليم جغرافيّ في المقابل هو بير طويل. نطرح هنا التساؤل على مستوى الأداء: حين تطالب كلٌّ من الدولتين بإقليم مثلّث حلايب، وتتنازل في نفس الوقت عن بير طويل، ما الّذي يجعل هذا الإقليم مصريًّا أو سودانيًّا، ولا يجعل من الآخر مثله؟ بصياغة أخرى: مصريّة أو سودانيّة حلايب تقتضي في مخيال الدولة لا مصريّة ولا سودانيّة بير طويل؛ أي أنّ النزاع على امتلاك إقليمٍ ما يتضمّن النزاع على التنازل عنه ومنحه للآخر.

ثانيًا، قد يرد إلى الأذهان هنا حالة ’البدون‘ بين العراق والكويت، لكنّ الأمر أكثر تراكبيّة لأنّ أشكال الأداء الرسميّ للدولتين تعرّف نفسها إقليميًّا (الإقليم القطريّ المصريّ أو السودانيّ)، من خلال متوالية تعترف بمصريّة حلايب في مقابل لا مصريّة–سودانيّة لبير طويل، والأمر المقابل يحدث في السودان.

 

الحدود الّتي تطالب مصر بترسيمها.

 

ثالثًا، لا يتطرّق هذا الخلاف على مستوى التاريخ الاجتماعيّ السياسيّ لمكوّن بحريّ مهمّ، له تاريخه، يتعلّق بالعلاقة البحريّة بين الإقليم المتنازع عليه والبحر الأحمر، وبالتالي فهو يعيد مركزة مقولات حداثيّة واستعماريّة بشأن العلاقة العربيّة بالبحر أوّلًا، والعلاقة مع الصحراء ثانيًا، والعلاقة مع الإفريقيّ الأسمر ثالثًا، وهذه الثلاثيّة الحداثيّة أسهمت في كثير من الأحيان في مراكمة عنف رمزيّ اجتماعيّ، يجري إسقاطه بشكل لا واعٍ على الثقافة العربيّة، إذ ثمّة مجتمعات عربيّة بدويّة امتهنت الصيد والاستقرار.

رابعًا، لا تشير أشكال الأداء (Performance) الرسميّ للدولتين إلى البنية الاجتماعيّة والمحلّيّة لأنماط إنتاج العلاقة المحلّيّة مع الطوبوغرافيا والإقليم؛ فتأويل الإقليم في الحالتين لا يتضمّن علاقة الأهالي والقاطنين بالإقليم وجغرافيّته، فالخرائط لا تلقي لهم بالًا بشكل مصريّتهم أو سودانيّتهم المكانيّة، أو حتّى لامصريّتهم ولاسودانيّتهم، وبالتالي تتعامى الخرائط في هذا السياق عن سياسات الهويّة، حتّى لو كانت هي نفسها – الخريطة - جزءًا أساسيًّا من سياسات الهويّة.

 

الحدود الّتي يطالب السودان بترسيمها.

 

نشير هنا إلى اتّجاهات الخريطة الأفقيّة والرأسيّة ومحمولاتها؛ فالخريطة الرسميّة، ولأنّها تأتي من جذور إمبرياليّة وكولونياليّة، تتعامل مع الجماعات البشريّة وترميزاتها الثقافيّة بمنطق أفقيّ؛ فلا ارتباط رأسيّ لهم مع الأرض، أو الطوبوغرافيا، أو الجغرافيا، وقد أخذ هذا الأمر وقتًا طويلًا في تاريخ الخرائط ليتحقّق، ويشكّل التجربة الدراميّة المكانيّة لبعض المجتمعات والدول. إذ أنّ الخريطة واجهت مثلًا مفهوم الزراعة بما هي علاقة رأسيّة مع الأرض، وهو ما يمكن ملاحظته في تاريخ الخرائط في المناطق والمجتمعات الزراعيّة. بينما أسّست الخريطة مفهوم الحدّ باعتباره ممارساة مكانيّة/ إقليميّة رأسيّة، عَمِلَتْ على بناء فراغ رأسيّ في المكان، يستحوذ على أغلب الممارسات الخاصّة بالعبور ويفرض أشكالًا محدّدة من التفاوض معها، وهنا نستعير إشارات إيتان باليبار عن الحدود[3] بوصفها مواقع "تشكيل العالم".

خامسًا؛ في هذا النموذج يمكننا النظر إلى علاقة الخريطة بالإقليم والدولة (مصر والسودان)، لكن حتّى مقاربتنا المختزلة هنا لضرورات المتن، لم توظّف مجمل أدوات الممارسة المضادّة للخرائطيّة؛ لفهم الإقليم والسكّان والمجال. لكن تكفينا هنا الإشارة إلى نموذج شارح وقريب، وهو إجراءات دخول السودانيّين إلى مصر هربًا من الحرب الدائرة هناك. فقد فرضت السلطات المصريّة شروطًا خاصّة على اللاجئين السودانيّين، استعارتها من أدبيّات إعلان الانفصال عن السودان بعد ’ثورة‘ عام 1952.

 

الحدود البحريّة بناء على الحدود المختلف عليها بين مصر والسودان.

 

إنّ نموذج الدولة – الأمّة الحداثيّ، الّذي أسّست له الفترة الحداثيّة بالأساس، والاستعماريّة بخاصّة، يتحدّد من خلال ’ضبط الخريطة الدولانيّة‘ على حساب التكوين الجغرافيّ للتاريخ الاجتماعيّ، الّذي نجد آثاره جليّة في نموذج مصر والسودان، بما يقفز فوق العلاقة بين الجغرافيا والمجتمع والتاريخ، وهو ما نراه متكرّرًا في المنطقة العربيّة.

 

مخيّم برج الشمالي في جنوب لبنان

لعلّ البحث عن خرائط لمخيّم برج الشمالي، الواقع على بعد 3 كيلومترات إلى الشرق من مدينة صور جنوب لبنان، قادر على أن يختصر نصف شرح هذا النموذج؛ فالخرائط الرسميّة لا تمنح أكثر من الحدود له؛ بغية ترسيمه، دون إعطاء تفاصيل تُذْكَر بشأن المخيّم وما ومَنْ به من مجتمع، وكون الخرائط غير واضحة للمخيّم، مع تعريف ببعض أسماء الشوارع فيه. كذلك البيانات والمعلومات المتوفّرة لدى «الأونروا» بشأن المخيّم، الّتي لا تزيد الأمر إلّا صعوبة، بالرغم من أنّ لبنان يستضيف قرابة النصف أو يزيد قليلًا من اللاجئين المسجّلين لدى «الأونروا»، وعددهم نحو 450 ألفًا، بحسب تعداد «الأونوروا» عام 2016.

تأتي أغلبيّة سكّان مخيّم برج الشمالي في لبنان من قرى طبريّة وصفد وبلداتهما، وتلك بلدات عَمِلَتْ بالأساس في الزراعة، الّتي شكّلت مكوّنًا أساسيًّا من اقتصادها المجتمعيّ، الّذي فُقِد بالنكبة. من هنا أتت مبادرة «جمعيّة الحولة»، وهي منظّمة غير حكوميّة تعمل في المخيّم، بإشراف من لجان المخيّم الداخليّة. وقد طرحت الجمعيّة مشروعًا لنموذج أوّليّ زراعيّ داخل المخيّم، يقدّم مساحة خضراء مستدامة داخل المخيّم من ناحية، ويحقّق للسكّان فائدة من ناحية أخرى، حيث قُدِّر المستفيدون بشكل مباشر من المشروع بـ 120 شخصًا.

أغلبيّة سكّان مخيّم برج الشمالي في لبنان من قرى طبريّة وصفد وبلداتهما، وتلك بلدات عَمِلَتْ بالأساس في الزراعة، الّتي شكّلت مكوّنًا أساسيًّا من اقتصادها المجتمعيّ، الّذي فُقِد بالنكبة...

واجه المشروع صعوبات كبيرة بادئ الأمر، وذلك لغياب خرائط رسميّة يمكن الاعتماد عليها في رسم خطّة عمل للمشروع، تعتمد على النسيج الحضريّ له؛ ليتحقّق الهدف المطلوب. وهنا طُرِحَت فكرة التصوير الجوّيّ الخرائطيّ باستخدام البالونات في عام 2015، بغية إنتاج خرائط حديثة للمخيّم. لم يكن الأمر سهلًا، وبالذات في مواجهة المنظومة الحكوميّة والأمنيّة والعسكريّة اللبنانيّة، حيث لزم الأمر تحصّلًا على موافقات بشأن إتمام المشروع وغاياته، وهو ليس بالأمر الهيِّن.

أنتج المشروع بالرغم من الصعوبات الّتي واجهته والعراقيل، عددًا من الخرائط الّتي اعتمدت على العديد من المقاربات المنهجيّة، الّتي يتباين موقعها من مواقع إنتاج المعرفة المكانيّة الرسميّة للسلطة، وبالتالي أنتج المشروع مقاربات مضادّة للخرائطيّة الرسميّة أدّت إلى إنتاج معرفة مكانيّة مضادّة للنموذج الرسميّ، الّذي تعامل مع الوجود الفلسطينيّ باعتباره مؤقّتًا وغير موجود، لا في الزمان الحداثيّ للدولة بمعناها الخدميّ والتسجيليّ، ولا المكان الحداثيّ للدولة بالمعنى الحضريّ والمعماريّ والخدميّ التحتيّ[4].

 

الخرائط لفهم التاريخ

إنّ دلائل الاستكشافات الّتي كان يستعين بها الرحّالة والمستكشفون، كرّست بعنف فكرة أنّ أوروبّا كانت في ’مرحلة متقدّمة‘، بينما كان ’الآخرون‘ في مرحلة ’متأخّرة‘ زمنيًّا؛ لأنّهم كانوا أكثر بُعدًا، في المكان/ الجغرافيا والزمان/ التاريخ. وتحديدًا أنّ تنظيم قياس الزمن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر جرى بالاعتماد على الجغرافيا الفلكيّة، الّتي قامت بالأساس على تمييز خطّ غرينتش بصفته مركز العالم الفعليّ آنذاك، وعليه؛ فإنّ رؤية المجتمعات كانت تجري داخل ثنائيّة مركز – أطراف. وهو ما تنبّه إليه المفكّر الفرنسيّ ميشيل فوكو بشأن كون التاريخ هو ’الهوس المركزيّ‘ للقرن التاسع عشر، وهو ما أخضع الجغرافيا للتاريخ.

جدير بالذكر أنّ الاستشراق أدّى هنا دورًا أساسيًّا في تمثيل هذا الاستلاب، من حيث كونه مرحلة انتقال أدائيّ من الطرف إلى المركز لتلك المجتمعات الّتي لا يمكن اعتبار أفرادها متوحّشين حقيقيّين، أو متحضّرين صميمين، فكان هذا الانتقال ضرورة رمزيّة وأدائيّة للعالم غير الأوروبّيّ؛ لضمان إدراجه الخاضع ضمن مخيال غربيّ أوروبّيّ مركزيّ النزعة. هنا تأتي أهمّيّة القراءة الجغرافيّة للتاريخ، الّتي تنبّه إليها في حينه إدوارد سعيد في كتابه «الثقافة والإمبرياليّة» (1993)، وهي القراءة الّتي يمكن من خلالها تفكيك المركزيّة والهيمنة الغربيّة – الأوروبّيّة على المناهج والمباحث لكلا التخصّصين (الجغرافيا والتاريخ)، الّتي نادرًا ما نرى أيّ ربط بينهما في التعليم الأساسيّ والجامعيّ في الدول الّتي وقعت تحت الهيمنة الاستعماريّة الكولونياليّة، حيث قامت المنظومة الكولونياليّة بالأساس على الطمس أو الطرد والإحلال في الزمان التاريخ والمكان/ الجغرافيا. عليه؛ فإنّ الأمر يحتاج إلى مقاربات منفكّة عن الكولونياليّة (De-Colonial)، ومضادّة لها (Anti-Colonial) في بناء أيّ مقاربة تاريخيّة للجغرافيا.

التنظيم الجغرافيّ للمجتمعات في خانات تسعى إلى أن تكون سياديّة، وذات حدود محكمة الإغلاق والثبوت، يحصر بنية ’العالم‘ في العلاقات بين الدول – الأمم، ، وفي العلاقات الدوليّة.

إنّ التنظيم الجغرافيّ للمجتمعات في خانات تسعى إلى أن تكون سياديّة، وذات حدود محكمة الإغلاق والثبوت، وذلك بغضّ النظر عن الاستثناءات الّتي تثبت القاعدة، أمر يحصر بنية ’العالم‘ في العلاقات بين الدول – الأمم، وفي العلاقات الدوليّة. وبالتالي فإنّ هذا الأمر يلقي بظلاله على جينالوجيا علومٍ ما بعينها، مثل العلاقات الدوليّة والعلوم السياسيّة؛ باعتبارها علومًا ترتبط بالأساس بالمنظور الحداثيّ للعالم، وبنيته الدولانيّة، إذ تخلو أغلب، إن لم تكن كلّ الدراسات المضادّة للكولونياليّة والمشاريع المضادّة للخرائط، من مقاربات نابعة من العلوم السياسيّة، لكنّها تلجأ إليها في أشكال إجرائيّة فقط.

مثلًا، لا يمكن لهذين التخصّصين فهم العلاقة بين التاريخ الأسطوريّ لتايلاند وعمليّة إنتاج الدولة الحديثة وعلاقاتها الرسميّة بجيرانها، من دون بروتوكولات مضادّة للكولونياليّة أو منفكّة عنها، فتايلاند الّتي لم تُسْتَعْمَر، اضطرّت في حروبها مع جيرانها إلى استخدام خرائط استعماريّة، وهي الّتي لطالما كانت تستخدم خرائط مرتبطة بالأساطير الشعبيّة للثقافة المحلّيّة؛ وهو ما شكّل مدخلًا حداثيًّا قمعيًّا لفهم العلاقة بالطوبوغرافيا المحلّيّة والجماعات المحلّيّة، دون أن يكون هناك مُسْتَعْمِر موجود فعليًّا. بكلمات أخرى، إنّ خطاب العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة الّذي يطرح فهمًا لتاريخ تايلاند الاجتماعيّ وعلاقاتها الدوليّة، إنّما سيعمل على تقعيد المقاربة الاستعماريّة العنيفة لفهم مخيال وثقافة شعبيّة استمرّت قرونًا في العلاقة بين الذات والآخر، حتّى لو كان هذا الخطاب قد توسّم بأدبيّات التحرّر.

 

من أين تبدأ أدبيّات التحرّر؟

يقول كريستيان غراتالو إنّ "أولى خرائط فرنسا وُضِعَتْ لخدمة أغراض بيداغوجيّة، وذلك في القرن السابع عشر لتيسير متابعة تنقّلات الجيوش الرومانيّة"[5]، ما يعيدنا إلى مقاربات ميشيل فوكو عن العلاقة بين المعرفة والسلطة، وعن موقع مؤسّسة المدرسة من الدولة الحديثة، وكلاهما (المدرسة والدولة) استعارتان أساسيّتان للحداثة، حيث أنّ نشوء الدول صاحبه بناء المدارس.

إنّ الحاجة لفهم مضادّ للخرائط ينبع من دور تلك الخرائط في إسكات المساحات الاجتماعيّة الأخرى، حيث لطالما تشكّل نموذج الأمّة – الدولة من خلال عمليّات تاريخيّة – جغرافيّة متنازع عليها. تشكّل المدراس هنا آلة خطابيّة تقوم الدولة – الأمّة من خلالها بإنتاج خطابها وسرديّاتها، وتقعيد مخيالها الخاصّ بشأن مَنْ نحن. هنا نشير إلى أنّ النظريّات الأساسيّة والمؤثّرة في القوميّة، كثيرًا ما فضّلت ديناميكيّات الزمان على المكان، لكن، ومع تنامي دراسات الحركة والمكان والجغرافيا النقديّة وتيّاراتها المتعدّدة، يظهر طور تغيير نحو وعي جديد بالعالم.

يخبرنا فوكو بأنّ التاريخ كان الهوس المركزيّ للقرن التاسع عشر، وعليه؛ فإنّ الخرائط في تلك الفترة خضعت للسرديّة التاريخيّة، بكلّ مباني السلطة والهيمنة فيها. ويكمل فوكو بالإشارة إلى بداية عهد الفضاء (Space) كدراسة، وما يستتبعه هذا من تفكيك القرب والبعد، والمجاورة، والحدود، باعتبارها جميعًا تداخلات بين الزمانيّ/التاريخيّ والمكانيّ/الجغرافيّ.

لعلّ هذا ما يمكّننا من تقدير أهمّيّة أرشيف خرائط لهذه المنطقة من العالم وفهمه، الّتي لا تزال تخضع لسرديّات القوى المهيمنة منذ القرن التاسع عشر، على الأقلّ على مستوى المعرفة والمخيال. 

 

نحو قراءة تفكّك بنية المقياس

قُدِّمت الخرائط لنا، ذواتًا حداثيّة، باعتبارها تمثيلًا دقيقًا للواقع، لكنّ الأمر ليس كذلك. يخبرنا كريستيان غراتالو أنّ خرائط العالم ليست ثابتة، وأنّ "تمثيل الحضارات في الخرائط (...) هو على الدوام عمل عنيف، وإسقاط على الماضي لتقسيم قائم في الحاضر، ومجموعة من المفارقات"[6].

تُفْهَم الخرائط المضادّة على أنّها خرائط تقطع مع التقاليد العلميّة ذات المركزية الأوربّيّة الغربيّة بالدرجة الأولى، من حيث أنّها لطالما ارتبطت عضويًّا بالتاريخ والتجربة الاستعماريّة والإمبرياليّة الغربيّة، إلّا أنّ الخرائط المضادّة تستفيد من المستوى التقنيّ، أو الوضعيّة الأساسيّة للعالم في تلك الخرائط الأوّليّة. يكشف هذا النوع من التجاوزات مع الخرائط الجيوسياسيّة الرسميّة عن علاقات الهيمنة على الأراضي واستغلالها، إضافة إلى الكشف عن شبكات القوّة المخفيّة، الّتي تمثّلها تيّارات الإبستيمولوجيا غير الرسميّة، مثل التاريخ الشفويّ والخيال والأساطير والحركة وغيرها. لذا؛ فإنّ أحد أهداف الخرائط المضادّة هو جعل القوى الغامضة والراسخة أكثر وضوحًا من أجل مواجهتها.

يمكن استخدام الخرائط المضادّة بطريقة تكتيكيّة، وبطريقة إستراتيجيّة لتحليل الشبكات والمجالات الجيوتاريخيّة؛ من أجل إحداث تغيير اجتماعيّ من الأسفل. مهمّة أخرى هي تفكيك المنطق السياسيّ والاقتصاديّ للآليّات والتسلسلات الهرميّة الاجتماعيّة للكشف عن تناقضاتها البنيويّة. هذا النوع من التجارب يجعل فنّ رسم الخرائط المضادّة، من خلال مستواه التقنيّ أمرًا سياسيًّا، على مستوى المقولة والجماليّة، وليس فقط المضمون، ليس بسبب مقاربة ’قضيّة سياسيّة‘، لكن لأنّ تعبيرها الحسّاس والحدسيّ قادر على كشف طبقات العنف والإسكات والصمت والإظهار، الّتي تمرّ من خلال الخرائط بما هي أدوات تقوم بإنتاج وإعادة انتاج المكان.

أثناء رسم الخرائط التاريخيّة الرسميّة، تُسْكَت المجتمعات المحلّيّة والسكّان الأصلانيّون، بينما من خلال مقاربات الخرائط المضادّة، تصعد تقنيّات الخرائط من أسفل إلى أعلى...

أثناء رسم الخرائط التاريخيّة الرسميّة، تُسْكَت المجتمعات المحلّيّة والسكّان الأصلانيّون، بينما من خلال مقاربات الخرائط المضادّة، تصعد تقنيّات الخرائط من أسفل إلى أعلى. وهي عمليّة مستمرّة ومركّبة وديناميكيّة، فيها إنشاء فعل الاستماع والاستقراء والحدس والتأويل وإعادة تنظيم أو ترتيب البيانات الجغرافيّة، وكذلك القرارات المتعلّقة بوسائل صنع الخرائط والتفاوض عليها، وأشكال الأداء المتضمّنة فيها. من خلال رسم الخرائط الجماعيّة، يُعاد اختراع لغة وأدوات وتقنيّات لرسم الخرائط الّتي كانت تقتصر في السابق على ’المتخصّصين‘، ويجري تقاسمها بحرّيّة، وبالتالي نقلها إلى استخدامات غير تقليديّة؛ أي جعلها طوبوغرافيّة.

ساعد الاقتحام الفنّيّ ذو النزوع النضاليّ المُسَيَّس، وبالذات بعد فشل مقولات ’الفنّ للفنّ‘ أواخر القرن العشرين، ممارسات رسم الخرائط الرسميّة- التقليديّة في العقود الأخيرة، على تحويل رسم الخرائط إلى أداة للنقد وللقوّة المضادّة، فأعلت من أصوات المجتمعات الّتي أُسْكِتَت، وساهمت في دمقرطة التجربة المكانيّة. والنموذج الحاضر بقوّة أخيرًا هو ’الجغرافيا السوداء‘، الحركة الّتي باتت قادرة على طرح مقارباتها الإبستيميّة في منابر الأكاديميّة الغربيّة البيضاء، في أمريكا وكندا تحديدًا. مع ذلك، فإنّنا نعيش في عصر محدّد تمامًا تُسَجَّل فيه توقّعاتنا وإيماءاتنا ومساراتنا طوال الوقت، سواء أثناء التنقّل في الشوارع، أو تبادل الرسائل والوثائق عبر الإنترنت، أو عبور الحدود المادّيّة أو الرمزيّة. لماذا، إذن، إنتاج المزيد من الخرائط في عالم مرسوم، تتمركز فيه العين؟

نرى في الإجابة عن هذا التساؤل أنّنا في حاجة إلى صنع الخرائط وإعادة تشكيلها، ليس فقط من أجل مواجهة أشكال الهيمنة والتحكّم، لكن أيضًا حتّى نتمكّن من كشف الآليّات الأساسيّة الّتي تمرّ من خلالنا أفرادًا ومؤسّسات ومعارف. الأهمّ من ذلك كلّه أنّنا في حاجة إلى إنتاج خرائط مضادّة، من أجل إنشاء إجراءات وعمليّات وممارسات قد تؤثّر في تصوّراتنا للفضاء الاجتماعيّ وناقلاته المختلفة، وأشكال التفاوض والعلاقات فيه؛ لتغيير أنماط نظرتنا إلى العالم، وخلق حوارات واكتشافات جديدة. رسم الخرائط المضادّة الوسيلة الأقوى لمواجهة سياسات الرؤية والعمى، في الحداثة ومنظوماتها واستعاراتها، السياسات الّتي تطمس حيوات يوميّة للعديد من المجتمعات والأفراد.

إنّ الخرائط المضادّة ليست منتجًا مرئيًّا يجمع المعلومات والبيانات المكانيّة، بقدر ما هي فرصة لتجاوز التمثيل ’المناسب‘ للخرائط التقليديّة، واحتكارها التاريخيّ والجغرافيّ معًا، لأجسادنا ومدننا وأحيازنا. رسم الخرائط بطريقة مختلفة يعني إعادة تعريف الخرائط بشكل نقديّ، في تعبير عن المعارضة ضدّ السلطة، الّتي تنفّذها المجموعات والكيانات والأفراد أصحاب الامتيازات، الساعية إلى السيطرة على الآخرين. في الوقت نفسه، إنّها فرصة لإضفاء الطابع الديمقراطيّ على تقنيّات إنشاء الخرائط وممارساته.

 

* نشير في هذا المتن إلى هذين النموذجين باختصار مخلّ؛ بغية استيضاح دور الخريطة في إنتاج مقولات مركّبة بشأن الوجود والرمز والإقليم والمخيال، والذات والآخر. لكنّنا نعيد تأكيد أنّ اختيار هذين النموذجين له علاقة بحجم المتن هنا، لكن تظلّ مقاربات الجغرافيا المضادّة، والجغرافيا السوداء، والخرائطيّة المضادّة وغيرها، مجالًا مركّبًا وواسعًا، لا تتّسع له المادّة بين أيدينا وحدها، وهي المرتبطة بالأساس بمشروع نقديّ فنّيّ تشاركيّ متعدّد التخصّصات، نفّذه الكاتب، بالتعاون مع باحثة زميلة (حنّا الطاهر – «جامعة دريزدن»، ألمانيا) - ويجري العمل على تحويل هذه المادّة إلى بحثيّة مطوّلة تُنْشَر قريبًا باللغة الإنجليزيّة، بعد أن قُدِّمَتْ إقامةً فنّيّة بحثيّة في برنامج «مؤسّسة خالد شومان – دارة الفنون» للمشاريع البحثيّة والفنّيّة: «المختبر»، أنتجت سبع مشاريع فنّيّة بحثيّة لخرائط مضادّة، في معرض فنّيّ أقيم خلال شهر أيّار (مايو) 2023، شَمِلَتْ الخرائط، خرائط لمدينة عمّان، وخرائط إقليميّة لمنطقة المشرق العربيّ، وأخرى لفلسطين، وغيرها عن الهويّة الذاتيّة كخريطة.

 


إحالات

[1]  شبكة المثلّثات غير المنتظمة هي بنية بيانات طوبوغرافيّة تُسْتخْدَم ضمن نظام المعلومات الجغرافيّة (GIS) في تمثيل سطح ما؛ فشبكة المثلّثات غير المنتظمة عبارة عن تمثيل قائم على متّجه لسطح الأرض المادّيّ أو قاع البحر، ويتألّف هذا التمثيل من عقد وخطوط ذات إحداثيّات ثلاثيّة الأبعاد، تنتظم في شبكة من المثلّثات الّتي لا تتطابق على بعضها بعضًا بتأثير من تغيّرات طوبوغرافيا السطح المراد تمثيله. وتشتقّ شبكة المثلّثات غير المنتظمة عادةً من بيانات الارتفاع الأرضيّ/ السطحيّ. وتكمن فائدة استخدام شبكة المثلّثات غير المنتظمة في رسم الخرائط، والتحليل في أنّ نقاط تلك الشبكة تتوزّع توزيعًا متنوّعًا ومتغيّرًا اعتمادًا على الخوارزميّة الّتي تحدّد أيّ النقاط أكثر أهمّيّة لوضع تمثيل دقيق للسطح الترابيّ أو المائيّ.

[2] نشير هنا إلى أبحاث المؤرخ المصريّ خالد فهمي بشأن السياسات الجسديّة للدولة المصريّة في عهد محمّد علي باشا، وكيف وظّفت الطاعون مدخلًا لتنفيذ سياسات جسديّة على مواطنيها، قامت بتعريف المجال الدولانيّ من خلاله. يُنْظَر إلى كتابه: كلّ رجال الباشا (القاهرة: دار الشروق للنشر والتوزيع، 2001). السعي للعدالة (القاهرة: دار الشروق للنشر والتوزيع، 2022).

[3]  Etienne Balibar, Europe As Borderland, The Alexander von Humboldt Lecture in Human Geography, (University of Nijmegen, 2004).

[4]  للمزيد من المعلومات يمكن زيارة موقع المشروع: https://bourjalshamali.org/

[5] كريستيان غراتالو، هل يجب التفكير في تاريخ العالم بطريقة أخرى، ترجمة الهادي التيمومي، (البحرين، هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2018)، ص 68.

[6] مرجع سابق، ص 25.

 


 

عبد الله البيّاري

 

 

 

طبيب وأكاديميّ وباحث مستقلّ، مهتمّ بالدراسات المكانيّة والحيّزيّة ودراسات الجغرافيا الثقافيّة. محرّر أكاديميّ زائر في عدّة دوريّات أكاديميّة محكّمة، ويعمل مستشارًا ثقافيًّا لـ «مؤسّسة خالد شومان – دارة الفنون».