’جسر دامية‘... بناه بيبرس وفجّرته إسرائيل

دبّابة ألمانيّة تعبر جسر دامية عام 1917 | الأرشيف الألمانيّ الفدراليّ

 

ثمّة على خطّ 90 الرابط بين مدينة بيسان والمستوطنات الاستعماريّة في منطقة أريحا وغور الأردنّ، أماكن قليلة للتوقّف والاستراحة فيها، من بينها استراحة متواضعة بجانب الشارع، بالقرب من مدخل قرية مرج نعجة، وسيكون صاحب الاستراحة الشابّ الودود جاهزًا دائمًا للردّ على الاستفسارات، لكنّه لم يتوقّع أن يُسْأَل عن «جسر دامية» القريب، الرابط بين ضفّتَي نهر الأردنّ.

تتغيّر تعابير وجه صاحب الاستراحة، ويشكو متحسّرًا إجراءات آخر احتلال للمنطقة، الّذي يسيطر على الجسر ويمنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، ولكنّه ينصح بالمجازفة، وهو ما فعلته مع أصدقاء، فتقدّمنا نحو الجسر المهجور.

سيطول الحديث عن ممارسات الاستعمار الّتي لا تتوقّف، بأذرعه المختلفة، في منطقة الأغوار، وفي تفاصيلها؛ في ما تختلط الممارسات الاستعماريّة بتراجيديا ناس المنطقة.

تبدو الطريق الفرعيّة المؤدّية إلى الجسر مهجورة، إلّا من بضعة مزارعين يعملون تحت شمس الغور الحارقة، ولمدّة ساعات محدودة بسبب إجراءات الاستعمار الأمنيّة. بعد نحو نصف كيلومتر، يصطدم السائر ببوّابة حديديّة، خلفها الجنود، وسيتلقّى نصيحة من المزارعين بعدم الاقتراب، وإلّا فعليه تحمّل ما ستسفر عنه مغامرته، بينما أيدي الجنود جاهزة دائمًا على الزناد.

إغلاق الجسر، وعزل مساحات من الأراضي الواسعة حوله، وزرعها بالألغام، مؤشّرات على الوضع الّذي آل إليه الوضع على ضفّتَي النهر المقدّس، الّذي جرت فيه أحداث، أكثر كثيرًا ممّا يحتمله جريان مائه السريع، المنحدر إلى البحر الميّت.

 

أسطورة يوشع بن نون

يبعد الجسر نحو 35 كيلومترًا شمال مدينة أريحا، و45 كيلومترًا جنوب مدينة بيسان، وارتبط بالنسبة إلى الإسرائيليّين، والمؤمنين بالعهد القديم، بأنّه يقع في البقعة الّتي أطلق عليها الكتاب المقدّس ’آدم‘، الّتي منها عبر يوشع بن نون إلى أرض الكنعانيّين لاحتلالها، بموجب عهود الربّ. وفي هذه المنطقة، وفقًا لـ «سفر يوشع»، حدثت معجزة شبيهة، ومختلفة، بتلك الّتي حدثت في البحر الأحمر. لقد أوقف الربّ مياه النهر ليمكّن شعبه المختار من العبور، وارتكاب مجازر في حقّ البشر والحجر، فصّلها محرّرو العهد القديم بأكثر الطرق فخرًا؛ فعندما لامست المياه ربلات أفخاذ الكهنة الّذين يحملون تابوت العهد، توقّفت عن الجريان، وانحسرت بسرعة، وعادت إلى التدفّق بعد العبور الكبير.

 

«جسر دامية»، بتكوينيه المملوكيّ والاستعماريّ الإسرائيليّ.

 

يصعب، بالنسبة إلى كثيرين من الباحثين في الكتاب المقدّس، أخذ ما ذُكِر على محمل الحقيقة، ولكن يُنْظَر إليه باعتباره حدثًا رمزيًّا ميثولوجيًّا. سيصبح يوشع بن نون مدمّر أريحا الفخور، حسب العهد القديم، رغم أنّ حفريّات كيثلين كينون (1906-1978) نفت تاريخيّة الواقعة؛ فقد صدمت كينون الّتي نقّبت في «تلّ السلطان» (أريحا القديمة)، في خمسينات القرن المنصرم، علماء ولاهوتيّين وصهيونيّين وتوراتيّين: إذ تخلو أريحا من أسوار متطاولة تليق بمجرم حرب من طراز يوشع بن نون ليهدمها، ويحرق الأطفال، والنساء، والرجال، باسم الربّ.

تبنّى التراث الإسلاميّ يوشع بن نون باعتباره نبيًّا، وستنتشر مقامات باسمه على ضفّتَي نهر الأردنّ، ومنها قرية إشوع المهجَّرة، غرب القدس، ومقام باسمه في مدينة السلط الأردنيّة.

لا تهدف هذه المقالة إلى تتبّع تأثير حكاية يوشع في العقل الجمعيّ، لكن يمكن الإشارة إلى حضوره المعنويّ في فتح صلاح الدين الأيّوبيّ للقدس مثلًا، عندما ذُكِر اسم يوشع في أوّل خطبة في «المسجد الأقصى» بعد تحريره من الصليبيّين، وذُكِرت مزايا فلسطين، ومن بينها أنّ الله أوقف الشمس من أجل أن يكمل النبيّ يوشع هزيمة الأعداء، في إحالة إلى رواية معروفة في العهد القديم. ألقى الخطبة القاضي أبو المعالي محمّد بن علي بن زكيّ الدين الدمشقيّ، بتكليف من صلاح الدين وحضوره، متسائلًا بفخر وزهو المنتصر: "أليس هو البيت الّذي أمسك الله تعالى لأجله الشمس على يوشع أن تغرب، وباعد بين خطواتها ليتيسّر فتحه ويقرب؟". 

المقصود طبعًا هو طلب يوشع بن نون من ربّه، وقف الشمس في كبد السماء، حتّى يهزم أعداءه في معركة جبعون.

تبنّى التراث الإسلاميّ يوشع بن نون باعتباره نبيًّا، وستنتشر مقامات باسمه على ضفّتَي نهر الأردنّ، ومنها قرية إشوع المهجَّرة، غرب القدس، ومقام باسمه في مدينة السلط الأردنيّة...

آثاريّو الكتاب المقدّس يحدّدون قرية الجيب، قرب القدس، باعتبارها ’جبعون‘ التوراتيّة، وأكّد ذلك عالم الآثار بريتشرد من «جامعة بنسلفانيا»، الّذي أجرى حفريّات في القرية، في الستّينات، وثّقها في كتابه «جبعون: أين وقفت الشمس؟».

الصورة باهرة وشاعريّة وأسطوريّة، الّتي يقدّمها العهد القديم، وتقلّل منها بالطبع الترجمة العربيّة الركيكة: "يا شمس، دومي على جبعون، ويا قمر، على وادي أيلون، فدامت الشمس ووقف القمر حتّى انتقم الشعب".

ولكنّ صورة بهذا الجمال يبدو أنّها لم تكن وليدة لحظات تاريخيّة أسطوريّة فارقة، بل نجدها مثلًا في «الألياذة»، حيث صلّى الملك أجامنون، قائد الجيش الإغريقيّ، في حرب طروادة: "لا تدع الشمس تغيب، ولا الليل يحلّ، إلى أن يسقط قصر فريام"؛ فالتثاقف قديم في الشرق، وعبر المتوسّط.

سيتغيّر الأمر بالنسبة إلى شاعر حماسيّ رأى نفسه صوتًا للجماعة الوطنيّة، مثل المرحوم سميح القاسم (1939 - 2014)؛ فيوشع بن نون، المدمّر والمجرم، هو رمز الشرور. يريد أن يشير إلى أنّ الصهاينة هم أحفاد بن نون، وهو ما يتوافق مع نظرة شعبويّة لكتّاب وطنيّين، وقوميّين، وإسلاميّين، وماركسيّين، وصل بهم الأمر إلى تبنّي الهويّة الكنعانيّة، ولا تفيد هنا حسن النيّة، في الحيلولة دون أن يكون هذا التبنّي القسريّ، شكلًا آخر من الارتهان للدعاية الصهيونيّة، باعتبار أنّ الفلسطينيّين العرب هم أحفاد الكنعانيّين، وأنّ يهود عصرنا هم أحفاد بني إسرائيل القدماء. لماذا لا تكون الهويّة الفلسطينيّة هي نتاج الحضارات والشعوب والأمم الّتي مرّت عليها؟ والواقع أنّها كذلك.

لكنّ الأمر لا يخلو من ازدواجيّة في المعايير؛ فعندما يقتحم مستوطنون يهود قرية كفل حارس، بقوّة المحتلّ؛ لزيارة «مقام يوشع بن نون»، تسخر الصحف المحلّيّة منهم، وتطلق على المقام وصف "المقام المزعوم"، لكن عندما يزور سامريّو فلسطين، وهم جزء من الجماعة الوطنيّة الفلسطينيّة، المقام، فإنّ الصحف نفسها تكتب بثقة واطمئنان أنّ المقام هو ليوشع بن نون، ويمكن أن تضيف: عليه السلام!

يفضح يوشع بن نون الازدواجيّة في تفكيرنا، وإعلامنا، ومدى ما فعلته السياسة في ثقافتنا. على الأرجح، قد لا تصلح المسبقات القوميّة، والدينيّة، والعاطفيّة، أساسًا لكتابة تاريخ لفلسطين، الّذي لمّا يُكْتَب بعد؛ فكلّ قوّة جديدة تكتبه من وجهة نظرها كقوّة منتصرة.

 

معجزة السلطان المملوكيّ

إذا كانت معجزة الربّ في المكان غير مؤكَّدة، فإنّ المؤكَّد هو ما تركه السلطان المملوكيّ، الظاهر بيبرس، على الجسر الحجريّ الّذي بناه في المكان في القرن الثالث عشر الميلاديّ، والّذي ما زالت بقاياه موجودة، تدلّ على ’معجزة‘ بشريّة، في غور دامية، الّذي ينخفض عن سطح البحر 291 مترًا، وهو أكثر انخفاضًا عن غور الأردنّ الشديد الانخفاض أصلًا.

وثّق المؤرّخ مصطفى الدبّاغ النقوش على الجسر المملوكيّ، الّذي بُنِي عام 1266م: "بسم الله الرحمن الرحيم، وصلواته على سيّدنا محمّد وصحبه أجمعين. أمر بعمارة هذا الجسر المبارك مولانا السلطان الأعظم، الملك الظاهر ركن الدين بيبرس بن عبد الله، في أيّام ولده مولانا السلطان الملك السعيد ناصر الدين بركة خان، أعزّ الله أنصارهما، وغفر لهما. وذلك بولاية العبد الفقير إلى رحمة الله علاء الدين عليّ السواق، غفر الله له ولوالديه، في شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وستمئة".

حسب الدبّاغ، فإنّ الكتابة واضحة على الجسر، يحرسها أسدان، شعار السلطان الظاهر بيبرس، الّذي يظهر على غير موقع في فلسطين مثل «جسر جنداس» قرب اللدّ، وعلى «باب الأسباط» في القدس القديمة. لم أتمكّن من معاينة نقش «جسر دامية» لسيطرة الاستعمار عليه، ولكنّني وقفت على شعار بيبرس على «جسر جنداس» الّذي تجري حوله، الآن، توسعة لبنًى تحتيّة، وكذلك على «باب الأسباط»، المرتبط بحكاية أسطوريّة تتعلّق ببناء السلطان العثمانيّ سليمان القانونيّ لسور القدس.

يخبرنا المؤرّخ ابن تغري بردي (1410 - 1470) في موسوعته «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة»، أنّ المتولّي عمارة الجسر هما: "جمال الدين محمّد بن نهار وبدر الدين محمّد بن رحال، وهما من أعيان الأمراء". نجد لدى ابن تغري رجع صدًى لأسطورة عبور بني إسرائيل للنهر: "ولمّا تكامل عمرانه اضطرب بعض أركانه، فقلق الملك الظاهر لذلك، وأعاد الناس لإصلاحه، فتعذّر ذلك لزيادة الماء، فاتّفق وقوف الماء عن جريانه حتّى أمكن إصلاحه، فلمّا تمّ إصلاحه عاد الماء إلى حاله، قيل إنّه وقع في النهر قطعة كبيرة ممّا يجاوره من الأماكن العالية فسدّته، وهذا من عجيب الاتّفاق. وقد وقف الظاهر عليه وقفًا برسم ما عساه يتهدّم من عمارته".

 

رسم الأب أنطونيوس فكري لأسطورة توقّف مياه نهر الأردنّ حتّى يعبر بنو إسرائيل

 

موقف غير نادر من عمليّة التثاقف في المنطقة؛ فالأساطير والأديان تتشابه وتتناقل. ولكنّ العجيب أنّ المؤمنين المعاصرين بمعجزة توقّف الماء في النهر حتّى يعبر بنو إسرائيل، ويريدون تفسيرها علميًّا، مثل الأب أنطونيوس فكري، يقولون إنّ ما حدث هو سقوط قطعة من الأرض حسرت مياه النهر، وبأنّ التاريخ سجّل، مرّات عدّة، انحسارًا لمياه النهر، وأنّ سقوط قطع كبيرة من الأرض في النهر، ووقف جريانه إلى حين، حدث غير مرّة، ومن بينها، يشيرون، إلى زلزال حدث في عام 1267م، وتوقّفت المياه لمدّة تسع ساعات، وهذا الكلام ليس إلّا رجع صدًى لكلام ابن تغري، وقد نشر فكري رسمًا توضيحيًّا لتصوّره كيف حدثت المعجزة الربّانيّة.

 

نيران تشعل الجسر

استخدم العثمانيّون الجسر المملوكيّ، وأضاف إليه البريطانيّون، لكنّ الجسر التاريخيِّ الّذي عبره فاتحون وغزاة ورحّالة، وصلته النيران المشتعلة في الأراضي المقدّسة، ونسفته العصابات الصهيونيّة في ما يُعْرَف في الأدبيّات الصهيونيّة بـ ’ليلة الجسور‘، وكان ذلك ليلة 16-17 حزيران (يونيو) 1946؛ بزرع ألغام دمّرته في اليوم التالي، وقُتِل في العمليّة ضابط بريطانيّ.

بنى البريطانيّون جسرًا جديدًا في الموقع الحيويّ، وفي خمسينات القرن العشرين، بنت السلطات الأردنيّة الحاكمة جسرًا آخر ليربط بين ضفّتيها. وكان للجسر موعد جديد، من مواعيده الكثر على مدار تاريخه في هذه المنطقة الملتهبة، في حزيران (يونيو) 1967، عندما احتلّ الجيش الإسرائيليّ الضفّة الغربيّة ومعها أراضٍ عربيّة.

على جانبَي الجسر، انتشر ما عُرِف باسم «قوّات التحرير»، التابعة للجيش العراقيّ، بالإضافة إلى لواء للجيش الأردنيّ، ولواء في أريحا، وهما من الألوية المدرّعة، وشكّلا قوّات الضرب الرئيسيّة للجيش الأردنيّ، وهما جزء من ألوية أردنيّة انتشرت في الضفّة الغربيّة، مثل لواء مقابل مدينة بيسان، ومنها لواء في جنين، ولواء بالقرب من طولكرم، وفي القطاع الأوسط نشر الجيش أربعة ألوية: لواء المشاة بالقرب من قلقيلية، وآخر بالقرب من اللطرون، واثنين حول القدس. في الجنوب نُشِر لواء المشاة حول الخليل.

صديقي يوسف سند، الّذي كان مجنّدًا آنذاك في الجيش الأردنيّ، ووثّقت شهادته على الحرب في روايتي «جسر على نهر الأردنّ: تباريح جنديّ لم يحارب» (2018)، يذكر الهجوم الالتفافيّ للجيش الإسرائيليّ، ووصوله إلى «جسر دامية»، إذ يقول: "خدمت في السريّة الثانية، كتيبة عمر بن الخطّاب، لواء القادسيّة، وكان مقرّ القيادة في جبل فصّ الجمل، جنوب قرية العين البيضاء، قرب وادي المالح، مقابل بيسان، نفّذ الجيش الإسرائيليّ هجومًا التفافيًّا يوم 6 حزيران، وانسحبت وحدات الجيش الأردنيّ، ومن بينها كتيبتنا، عبر جسر دامية، وفي ليلة الأربعاء – الخميس، 8 حزيران 1967، نسف جيش الاحتلال الجسر، كنت شاهدًا على تلك الأيّام والليالي العصيبة، لقد ذقنا طعم الهزيمة، وبكينا كالنساء".

 

مدخل مغلق لـ «جسر دامية» | تصوير: أسامة العيسة. 

 

بحث يوسف سند عن حرب ليحرّر فيها الوطن، ولكنّه اكتشف أنّه زجّ به في تمثيليّة، فانتمى إلى الثورة الفلسطينيّة، وأمضى سنوات طويلة في سجون الاستعمار. قبل أشهر قليلة غادرنا يوسف، إلى حيث لا يعود أحد، وفي نفسه ما زال طعم الهزيمة، رغم فخره بأنّه حاول محو عارها بالعمل الفدائيّ، ومشاركته في تنفيذ عمليّة في القدس الغربيّة، ردًّا على سياسات السادات التفريطيّة بعد حرب تشرين.

أدّت هزيمة حزيران إلى تطهير عرقيّ لسكّان «جسر دامية» والكرنتينا، الواقعة على بُعْد نحو كيلو متر غرب الجسر، الّتي بلغ عدد سكّانها في تاريخ 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1961 كما يذكر الدبّاغ: 797 نسمة؛ 399 من الذكور و398 من الإناث. طال التطهير العرقيّ في غور الأردنّ، الّذي لا يُذْكَر عادة، نحو 30 تجمّعًا سكّانيًّا، زرت بعض أطلالها في رفقة زميلي جميل ضبابات، الّذي وثّق بعضها.

دمّر الإسرائيليّون الجسرين الأردنيّ والبريطانيّ، في ما أعادت دولة الاستعمار ترميم الجسر لتستخدمه، مع «جسر ألنبي» و«جسر الملك عبدالله» (سويمة) لمرور قوّاتها؛ لتنفّذ خطّة التفاف جديدة لمهاجمة قواعد الفدائيّين في الأغوار، على الضفّة الشرقيّة، في المعركة الّتي ستُعْرَف باسم «معركة الكرامة».

دخل من هذه الجسور، على امتداد 50 كيلومترًا، نحو 15 ألف جنديّ، موزّعين - كما يذكر المناضل الراحل بهجت أبو غربيّة - على لواءين مدرّعين، ولواء مظلّيّين، ولواء مشاة، تدعمها مدفعيّة ميدان، ووحدات هندسيّة عسكريّة، وتغطية جوّيّة بأربعة أسراب نفّاثة، وعدد من الحوّامات كافية لنقل كتيبتَي مشاة مع معدّاتهما، وكان ذلك في تمام الساعة 5:30 من صباح يوم الخميس 21 آذار (مارس) 1968، ومُنِي جيش الاستعمار بهزيمة في المعركة.

هذه المرّة، نسف الجيش الأردنيّ «جسر دامية»، بعد أن كان وضع عليه جسرًا حديديًّا مسبق الصنع؛ لتسهيل نقل البضائع بين الضفّتين، بعد انتهاج حكومة الاستعمار الإسرائيليّ ما عُرِف بسياسة ’الجسور المفتوحة‘، والسبب الخشية من عدوان إسرائيليّ جديد.

رمّم الأردنيّون الجسر في عام 1969، وأغلقوه خلال أحداث أيلول الأسود 1970، ولاحقًا، افْتُتِح الجسر لنقل البضائع، ومرور المسافرين الفلسطينيّين، من سكّان شمال الضفّة الغربيّة. وفي منتصف التسعينات، أغلقه الإسرائيليّون لأسباب أمنيّة. إنّ منْع المواطنين من استخدامه هو نوع من التضييق على إجراءات السفر بالنسبة إليهم، وأصبحت فترة السفر أطول كثيرًا، في رحلة الذهاب والعودة، مع استخدامهم «جسر ألنبي». ومنذ عام 2014، أعلنت سلطات الاستعمار الجسر منطقة عسكريّة مغلقة، ولم يكن ذلك سوى صفحة أخرى مريرة من تاريخ الجسر.

 


 

أسامة العيسة

 

 

 

كاتب وصحافيّ فلسطينيّ. عَمِلَ في عديد الصحف الفلسطينيّة والعربيّة، وصدر له أكثر من 10 كتب، منها رواية «مجانين بيت لحم» (2013)، و«الإنجيل المنحول لزانية المعبد» (2022).