من اليهوديّ المحارب حتّى إخلاء المستعمرات

مستوطنتان صهيونيّتان تحتجّان على إخلائهما من قطاع غزّة، 2005 | روبرتو شميت.

 

اتّخذت حكومة إسرائيل خلال الحرب الحاليّة على قطاع غزّة، مجموعة من القرارات حول ما اصطُلح على تسميته في الخطابين الرسميّ والإعلاميّ بـ ’إخلاء المستعمرات‘ (ييشوفيم)، تبعتها تحرّكات جماعيّة لمواطنين اليهود إلى خارجها.

يسعى هذا المقال إلى تحليل مصطلح ’إخلاء المستعمرات‘؛ يث يحاول القسم الأوّل منه فهم المصطلح ذاته، من خلال عرضه للسياقات التاريخيّة المختلفة لعمليّات إخلاء ’الييشوف‘ العبريّ، وتمييز الحالة الآنيّة عن عمليّات الإخلاء السابقة عليها من خلال تحديد طبيعة العمليّات وسياقاتها، والإجراءات الخاصّة بها؛ يشير هذا القسم إلى ما يجري في المستوطنات المُخلاة في الظرف الراهن، بوصفه جديدًا على الصراع العربيّ الصهيونيّ. بالإضافة، وفي مستوًى مختلف، يتناول القسم الثاني الفاعليّة التاريخيّة لهذه القرارات وتنفيذها، مشيرًا إلى الأبعاد الاجتماعيّة والسياسيّة والذهنيّة المترتّبة عليها.

 

سياق تاريخيّ 

ليست هذه المرّة الأولى الّتي تُخْلى مستعمرة[1] صهيونيّة على أرض فلسطين، إلّا أنّ طبيعة عمليّات الإخلاء السابقة اختلفت بحسب الظروف والسياقات السياسيّة والعسكريّة. نميّز هنا في تاريخ عمليّات إخلاء المستعمرات، بين تدمير مستعمرة، وتفكيك مستعمرة، وإخلاء مستعمرة. يشير المصطلح الأوّل إلى عمليّة القضاء على المستعمَرة بفعل فلسطينيّ أو عربيّ، بينما يشير الثاني إلى قيام إسرائيل ذاتها بعمليّة الإخلاء؛ ليلحقها تدمير البيوت بواسطة الجرّافات الإسرائيليّة أو بالتفجير، وقد جرت هذه العمليّات في سياق حصول إسرائيل على مقابل، مثل تفكيك المستوطنات في سيناء جزءًا من معاهدة السلام «كامب ديفيد» (1979) بين مصر وإسرائيل، أو في حالات مختلفة لم تحصل فيها إسرائيل على مقابل مباشر.

يشتمل سياق المصطلح هنا على تعدّد وجهات النظر، وتعدّد الخيارات داخل المؤسّسات الإسرائيليّة قبل تفكيك المستعمرات، ونتاجه عن نقاشات افترض أحد أطرافها لاضرورة تفكيك المستعمرة، أو أفضليّة الإبقاء عليها؛ قياسًا بالثمن الاجتماعيّ والأمنيّ المترتّب على تداعيات الإخلاء بوصفه باهظًا أكثر، مثل تفكيك المستوطنات في قطاع غزّة عام 2005؛ وهو ما يُعْرَف بخطّة «فكّ الارتباط»، الّتي سبقتها نقاشات محتدمة داخل المؤسّسات الإسرائيليّة[2]؛ كان على إثرها تنفيذ خيار رئيس الحكومة آنذاك، أريئيل شارون، بالانسحاب الإسرائيليّ من القطاع، ومحاصرته من الخارج. ويشير السياق الأخير، موضوع المقال، إلى إخلاء المستعمرات دون تدمير أو تفكيك، بل إنّ عمليّة الإخلاء محصورة في فعل الإخلاء ذاته.

وعلى اختلاف السياقات التاريخيّة لعمليّات إخلاء المستوطنات، فإنّ أيًّا منها لم يَجْرِ بناء على تعقّل صهيونيّ مفاده ضرورة وقف الاحتلال، أو التراجع عن الاستيطان، أو التزامًا بقرارات دوليّة، أو بدوافع أخلاقيّة، بل إنّ الدافع باتّجاه إخلاء المستعمرات ضمان أمن دولة إسرائيل، تمامًا كما أطّر اليمين الصهيونيّ اتّفاقيّات «كامب ديفيد»، وقد يضيق مفهوم الأمن ليشمل الأمن الشخصيّ لمجموعة من المستعمِرين في بقعة جغرافيّة محدّدة. إنّ القوّة المحرّكة باتّجاه إخلاء المستعمرات هي الأمن الإسرائيليّ، سواء الخاصّ بالدولة أو بالمستعمِرين بوصفهم مواطنين أفراد يطلبون الأمن الشخصيّ.

يمكننا الإشارة إلى عمليّات الإخلاء للمستوطنات، على تعدّد أنماطها، بوصفها حدثًا مؤسّسًا يشكّل تتمّة لمرحلة سابقة، وتأسيس لمرحلة لاحقة...

نميّز في تاريخ عمليّات الإخلاء للمستعمَرات بين الفاعلين، حيث العرب في تدمير المستوطنات أصحاب الفعل الّذي أدّى إلى عمليّات الإخلاء، سواء في ما يُعْرَف بـ «ليلة ساكب»[3]، أو بأوّل عمليّة تدمير فلسطينيّة ممنهجة للمستعمرات خلال «ثورة البراق» (1929)، حيث دُمِّر التجمّع اليهوديّ جنوب الضفّة الغربيّة. لا يوجد في هذا السياق تعدّد خيارات لدى المستعمِرين الصهاينة، والفاعل عربيّ الهويّة.

في السياق الثاني، أي تفكيك المستعمرات، فإنّ تعدّد الخيارات كانَ حاضرًا في حالات «فكّ الارتباط» (2005)، وغائبًا في أخرى مثل معاهدة السلام «كامب ديفيد» (1979)، بينما الفاعل هو الدولة العبريّة ذاتها في جميع الحالات.

يمكننا الإشارة إلى عمليّات الإخلاء للمستوطنات، على تعدّد أنماطها، بوصفها حدثًا مؤسّسًا يشكّل تتمّة لمرحلة سابقة، وتأسيس لمرحلة لاحقة؛ شكّلت عمليّات التدمير للمستعمرات في «ثورة البراق» نقطة زمنيّة أُخْرِج فيها يهود من النسيج الفلسطينيّ، حيث هاجم فلسطينيّون تجمّعات يهوديّة دون تمييز بين اليهود الّذين سكنوا فلسطين قبل شروع الجماعة الصهيونيّة في الاستيطان على أرضها، وأولئك الّذين استوطنوا في إطار المشروع الإحلاليّ؛ ما يدلّ على إدراك فلسطينيّ لانخراط يهود محلّيّين في المشروع الصهيونيّ من جهة، وإدراك الطبيعة الإحلاليّة العرقيّة الخاصّة به - أي بالمشروع الصهيونيّ - من جهة أخرى. وكذلك الأمر في حالة تفكيك المستعمرات في سيناء بوصفها نقطة زمنيّة يكون خلالها إتمام الإخراج الرسميّ لأكبر دولة عربيّة من المواجهة مع إسرائيل.

 

إخلاء المستعمرات في الظرف الراهن

يشير الاصطلاح المتأخّر من إخلاء المستعمرات الراهن إلى إرغام إسرائيل نفسها على إخلاء المستوطنات وبالقوّة المباشرة؛ أي دون أن تملك خيارًا آخر، ودون أن تحصل على مقابل. هذا التمييز الأبسط في رأينا بين السياقات المختلفة. إضافة إلى ذلك، فإنّ الإخلاء الآنيّ قد حصل - وقد يستمرّ في غير منطقة على أرض فلسطين مثل ما يُعْرَف بمنطقة «غلاف غزّة»، وكذلك شمال فلسطين المتاخم للحدود اللبنانيّة. ومن الناحية العدديّة، فهو يفوق محصّل تاريخ عمليّات الإخلاء من جهة عدد المستعمِرين الّذين جرى إخلاؤهم، حيث بلغ عدد المواطنين الإسرائيليّين الّذين جرى إخلاؤهم منذ بدء الحرب على قطاع غزّة، وعلى خلفيّة هذه الحرب، وفقًا لمعطيات «الجبهة الداخليّة» الإسرائيليّة، 231 ألفًا، وهو ما يعادل 2.4% من مجمل السكّان[4]. ذلك يعني أنّ الإخلاء الآنيّ هو الأكبر بالحجم وبعدد الجبهات؛ إنّه يجمع بين عناصر في عمليّات إخلاء سابقة، ويتجاوزها كمّيًّا.

يتميّز الإخلاء الآنيّ بعناصر غير متوفّرة في السياقين الأوّل والثاني أعلاه، حيث يتّسم شعور المُخلَين من بيوتهم باللايقين تجاه مصيرهم عند التفكير في سكنهم الدائم. "انعدام اليقين ينتج صعوبة بالقرار، إلّا أنّني أميل إلى اللاعودة"[5]، يجيب أحد المُخلَين من بيته عن سؤال العودة إلى كيبوتسات «غلاف غزّة». يمثّل هذا الصوت نسبة كبيرة من المُخْلَين الّذين لن نقتبس تصريحاتهم الشبيهة لكثرتها. بالإضافة إلى عنصر انعدام اليقين، فإنّ مسألة الإخلاء غير محصورة في إجراء محدّد أو عمليّة واحدة، على عكس سابقاتها، بل إنّها قابلة للاستمرار والتوسّع، ومنها الإخلاء ضمن خطط حكوميّة أو بمبادرات شخصيّة، حيث جرت خلال حرب مستمرّة قد يمتدّ المحور الزمنيّ لعمليّاتها العسكريّة إلى أشهر، أو ربّما سنة، أو أكثر من ذلك. للتوضيح، انظر في الجدول أدناه:

 

العناصر تدمير مستعمَرة تفكيك مستعمَرة إخلاء مستعمَرة       
الفاعل العربيّ  + - -
تعدّد الخيارات - -/+ -
حصول إسرائيل على مقابل  - -/+ -
تعدّد الجبهات - - +

استمراريّة الإخلاء

- - +

شعور اللّايقين عند المستعمِرين

- - +

 

(+) حضور.

(-) غياب.

(+/-)  حضور أو غياب بحسب الحالة.

 

في مقابل إخلاء المستعمرات، يمكننا معاينة الاتّجاه المعاكس للظاهرة، حيث ظهرت في إسرائيل خلال «انتفاضة القدس والأقصى» [المعروفة أيضًا بالانتفاضة الثانية] (2000-2005)، كما يشير عبد الوهاب المسيري، "حضارة البقاء في المنزل"[6]، الّتي تشير إلى ذات جوهر إخلاء المستعمرات، كما نسمّيه في السياق المتأخّر أعلاه، وهو انعدام الأمن الشخصيّ والفرديّ للمستوطنين، وشعورهم بالخوف الدائم على حياتهم حال بقائهم على مقربة من المقاتلين الفلسطينيّين، وهو الناتج عن وقاحة الاستيطان، إذا جاز لنا التعبير، في بنائه داخل المناطق السكنيّة للفلسطينيّين، أو عن وصول العمليّات القتاليّة الفلسطينيّة إلى المستعمرات في نطاق دولة إسرائيل. إلّا أنّ ردّ فعل المستعمِرين مختلف، أو للدقّة معاكس تمامًا.

في «انتفاضة القدس والأقصى»، بالإضافة إلى نضوب الاستيطان في الضفّة الغربيّة بشكل لافت، فإنّ التعبير عن الخوف لدى المستعمِرين، داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 وخارجها، كان في التزامهم البيوت لا في مغادرتها، حيث الخطر على حياة المستعمِرين تجسّد في الحيّز العموميّ، أين وقعت العمليّات العسكريّة الفلسطينيّة، على عكس ما جرى خلال عمليّة «طوفان الأقصى»، حيث جرت العمليّات العسكريّة داخل الكيبوتسات، وهو ذات الأمر الّذي تتوقّع حدوثه المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة في إسرائيل، حال تفكيرها في عبور «قوّة الرضوان» التابعة لـ «حزب الله» جنوبيّ الحدود اللبنانيّة.

 

الذهنيّة الصهيونيّة من منظور تاريخيّ

- عودة الكيبوتس

عاد الكيبوتس إلى الخطاب الإعلاميّ الإسرائيليّ والعربيّ بكثافة إثر عمليّة «طوفان الأقصى»، وما تبعها من عمليّات عسكريّة بشكل أساسيّ لـ «حزب الله» في مناطق تقع جنوب الحدود اللبنانيّة، بعد فترة طويلة هيمن فيها استخدام وصف ’مستوطنة‘ على التجمّعات اليهوديّة على أرض فلسطين.

يعود التمييز بين الكيبوتس والمستوطنة إلى سياقات تاريخيّة وتمايزات داخليّة في السياسة الإسرائيليّة. الأوّل يحمل طابعًا أمنيًّا وعسكريًّا، والأخير يحمل طابعًا دينيًّا أيضًا. الأوّل بُنِي في المراحل المبكّرة من المشروع الصهيونيّ، وضمن رؤية الأحزاب المؤسِّسة للدولة العبريّة ذات الطابع الاشتراكيّ لطبيعة المجتمع والدولة، والأخير بُنِي في مراحل لاحقة من عمر إسرائيل بعد حرب 1967، وبشكل كثيف إثر صعود حزب «الليكود» إلى السلطة سنة 1977، ومن قبل أحزاب اليمين في إسرائيل. الأوّل ملقاة على عاتقه مهامّ اجتماعيّة، بينما يكرّس قسم كبير من أعضاء الأخير جلّ حياتهم في دراسة التوراة. الأوّل يقدّم ذاته بوصفه أكثر إنتاجًا، والأخير يُتَّهَم بوصفه استهلاكيًّا طفيليًّا. يقع الإطار الجغرافيّ وبالتالي القانونيّ للأوّل في أراضٍ احتُلَّت قبل عام 1967، هي أرض إسرائيل الدولة، على عكس الأخير الّذي يُعَدّ غير قانونيّ بحسب القانون الدوليّ، ويُبْنى بوصفه استيطانًا على أرض إسرائيل التوراتيّة. وهكذا.

يعود التمييز بين الكيبوتس والمستوطنة إلى سياقات تاريخيّة وتمايزات داخليّة في السياسة الإسرائيليّة. الأوّل يحمل طابعًا أمنيًّا وعسكريًّا، والأخير يحمل طابعًا دينيًّا أيضًا...

يسمّي عبد الوهاب المسيري الكيبوتس بـ "نموذج مصغّر للاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ"، وقد أدّى الكيبوتس دورًا وظيفيًّا مركزيًّا في المرحلة المبكّرة من المشروع الصهيونيّ، يتجسّد في؛ أوّلًا، بنائه على المناطق الحدوديّة لدولة إسرائيل، من ضمن مجموعة عوامل عملت الجماعة الصهيونيّة خلالها على تعويض ضيق عمق جغرافيا فلسطين. ثانيًا، تقويم اليهوديّ ضمن الشخصيّة اليهوديّة المحاربة، الّتي تشكّل عنصرًا رئيسيًّا في مبدأ الاستيطان المسلّح[7]. يشكّل التحام هذين العنصرين في الكيبوتس أحد العناصر الرئيسيّة الضامنة لديمومة أمن إسرائيل أمام محيطها المعادي، حيث يتدرّب اليهوديّ على حمل السلاح والقتال داخل الكيبوتس نفسه[8].

 

- تقويم الشخصيّة اليهوديّة

في موسوعة «اليهود، اليهوديّة، الصهيونيّة» (1999)، يوظّف المسيري الشخصيّة اليهوديّة الناتجة عن تقويم شخصيّة اليهوديّ في حياة المنفى، أي أوروبّا، في فهم العنف البنيويّ للمشروع الصهيونيّ، حيث "المنفى بالنسبة إلى بن غوريون (1886 - 1973) يعني الاتّكال؛ الاتّكال السياسيّ والمادّيّ والروحيّ والثقافيّ والفكريّ"[9]. بالتالي، فإنّ الشخصيّة الصهيونيّة، إثر التقويم، تُعَدّ تمثيلًا لنقيض الاتّكال الّذي ميّز شخصيّة اليهوديّ في أوروبّا، وعلى الجماعة الصهيونيّة المؤسِّسة ضمان بناء هذه الشخصيّة ضمن مؤسّسات فاعلة، مثل المستوطنات الرياضيّة، ومعسكرات التدريب على القتال في كلّ تجمّع صهيونيّ، والدفع بمشاريع التشجير والزراعة الّتي تنمّي التواصل الروحيّ والممارساتيّ مع المكان؛ ما يسمّيه المسيري ’عمليّة التقويم‘؛ "والتقويم في الخطاب الصهيونيّ يعني شفاء اليهود من أمراض المنفى"[10]

في ذات السياق، يشير المسيري إلى عمل الجماعة الصهيونيّة على إبراز السمات الجسديّة للشخصيّة اليهوديّة؛ أي ضرورة امتلاكها للعضلات كما جاء على لسان ماكس نوردو (1849 – 1923)؛ حتّى تقدر على زراعة الأرض بالمنجل واحتلالها بالبندقيّة. بالإضافة إلى هذا، واشتمالًا لعموم المستوطنين، فإنّ مفهوم ’العمل العبريّ‘؛ أي أن يعمل اليهوديّ بيده، ويحتلّ الأرض وينشئ البناء المعماريّ عليها والزراعة فيها، بعد ذلك حمايتها، يمثّل أحد العناصر الأساسيّة للروح الصهيونيّة. وبغضّ النظر عن استيعاب المرجعيّات الدينيّة المستخدمة في الخطاب الصهيونيّ المبكّر ضمن الأصول الدينيّة لهذا الخطاب، فقد كان النبيّ موسى "أوّل قائد عسكريّ في تاريخ أمّتنا"، كما يعتقد بن غوريون، ضمن صياغة مفهوم ’اليهوديّ المحارب‘. بالنسبة إلى المسيري، يصبح العنف هنا "الأداة الّتي يتوسّل بها الصهاينة لإعادة صياغة الشخصيّة اليهوديّة"، وهو يؤكّد من خلال قراءة الأدب الصهيونيّ أنّ عمليّة ’ذبح أحد الأغيار‘ (جوييم) ضروريّة ليتخلّص اليهوديّ الصهيونيّ من عقدة يهود المنفى في أوروبّا.

صحيح أنّ الجيش الإسرائيليّ اتّخذ مجموعة خطوات مع نشوئه إثر حرب عام 1948، أهمّها احتكاره للعنف بحلّ جميع التنظيمات المسلّحة اليهوديّة، واندماجها في الجيش، مثل «ليحي» و«الإيتسل» و«البلماح»، إلّا أنّ العمل على تعبئة المواطن اليهوديّ في الكيبوتسات استمرّ، ليصبح الكيبوتس، في جانب محدّد من بنيته، يشبه المرتزقة الجاهزة بشكل دائم للحرب. إنّ الدور الوظيفيّ لليهوديّ في إسرائيل بعد قيام الدولة، هو الجنديّ في صيغة الكمون[11]، يمارس حياة التقشّف والجهوزيّة العسكريّة والتعبئة الحربيّة والوطنيّة، والالتزام ببرنامج جيش الاحتياط بعد إنهائه الخدمة العسكريّة الإلزاميّة؛ من أجل ضمان استعداده لمواجهة أيّ تهديد قد يصل دولته العبريّة.

 

في تناقض المواطنة الكولونياليّة[12]

إنّ ما يهمّنا في ما ذُكِر سابقًا، فهمه ضمن إطار المواطنة الكولونياليّة، حيث هذا هو السياق التاريخيّ الّذي جرت فيه بناء المواطنة الكولونياليّة لليهود في فلسطين، في حين أنّ ما تتضمّنه هذه المواطنة من ظروف وأدوات نموّ يختلف، أو للدقّة، يتناقض وعناصر تاريخ نشوئها.

إنّ فرضيّة أن تكون مواطنًا يهوديًّا في إسرائيل تعني استمرار العيش ضمن مركّبين متناقضين لا يولّدان جدلًا خلّاقًا، هما، أوّلًا؛ الطابع الحربيّ الّذي ذكرناه، متلخّصًا في مبدأ ’الأمّة في الزيّ العسكريّ‘، الّذي يفترض ديمومة الجهوزيّة النفسيّة لليهوديّ من أجل خوض الحرب[13]. في مقابل، ثانيًا؛ الرغبة في ’عيش حياة طبيعيّة‘[14]. وللدقّة أكثر، فإنّ التناقض قائم في بنية الدولة العبريّة ذاتها، حيث أنّها دولة حديثة من جهة، وذات طابع كولونياليّ يتطلّب الحرب ويتغذّى عليها من جهة أخرى. والدولة الحديثة تعني، أوّلًا وقبل كلّ شيء، مأسسة العنف، في مقابل ضرورة انتشاره الأفقيّ، إذا صحّ التعبير، عند الدولة العبريّة لمواجهة تهديد الوجود الدائم من المحيط المعادي. إنّ التناقض ناتج عن تجاوز إسرائيل لضرورات وجودها الكولونياليّ على أرض فلسطين، في بناء الدولة الحديثة ذات المؤسّسات، وبالتالي المجتمع الحديث.

إنّ فرضيّة أن تكون مواطنًا يهوديًّا في إسرائيل تعني استمرار العيش ضمن مركّبين متناقضين لا يولّدان جدلًا خلّاقًا، هما، أوّلًا؛ الطابع الحربيّ (...) في مقابل، ثانيًا؛ الرغبة في ’عيش حياة طبيعيّة‘...

المقوّمات الخاصّة بالكيبوتس بوصفه مصنع الشخصيّة اليهوديّة المحاربة قد تلاشت الآن، وهو ما يتمثّل في المبدأ الثاني، أي ’الرغبة في عيش حياة طبيعيّة‘. وقد رصد العديد من الباحثين هذا التلاشي من خلال فهم التحوّلات الجارية في المجتمع الإسرائيليّ، حيث تضاءل مفهوم ’العمل العبريّ‘ نتيجة إحلال اليد العاملة الفلسطينيّة مكان العمّال اليهود، أو توسّع الطبقة الوسطى الإسرائيليّة المستمرّ نتيجة عمليّات التحديث الجارية في المجتمع، وارتفاع مستوى التعليم، وانحسار العمل الزراعيّ العسكريّ الطابع في مقابل توسّع قطاع الخدمات. بالإضافة إلى نشوء المجتمع ما بعد الصناعيّ في إسرائيل في العقدين الأخيرين، متمثّلًا في قطاع التكنولوجيا المتطوّرة، الّذي سبقه نموّ لنمط الحياة الحديث في المجتمع الإسرائيليّ الّذي يعزّز فرديّة الإنسان، وغيرها الكثير من العوامل. هذا كلّه صحيح، إلّا أنّ امتحان هذا التحوّل يتمثّل في الحرب، حيث جرت هذه التحوّلات دون امتحان يقيس جدّيّتها وعمقها. وللدقّة، فإنّ امتحان هذا التحوّل كامن في عودة المواطن اليهوديّ في إسرائيل إلى الذهنيّة المذكورة أعلاه، بالرغم من التحوّل، أو سقوطه في امتحان الحرب عبر تكثيف غياب الشخصيّة اليهوديّة؛ ما يشير بشكل واضح إلى تتمّة هذا التحوّل، على الأرجح، دون رجعة.

لا نقصد في امتحان التحوّل فحص مدى انخراط المجتمع الإسرائيليّ في الحرب، لناحية التعبئة والتجنّد للدعاية الرسميّة، أو التبرّع للجيش، أو التحريض على كلّ ما هو فلسطينيّ، أو حتّى تقدير حجم جيش الاحتياط المُسْتَدْعى للحرب، بل الانخراط المباشر في الحرب، بمعنى القتال لحظة بدء المعركة، الأمر الّذي غاب بشكل شبه تامّ عن الساعات الأولى لمعركة «طوفان الأقصى». إنّ ذمّ السواد الأعظم من تقارير الصحف العبريّة لتأخّر الجيش في الوصول إلى الكيبوتسات، وحماية المستعمِرين المختبئين في ملاجئهم، لا يشير إلى فشل الجيش في أداء دوره الطبيعيّ، أو فشل المخابرات العسكريّة في رصد تحرّك قوّات «كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام»، فحسب، بل يشير أيضًا، وعلى نحو أكثر عمقًا، إلى وجود المستوطن في الملجأ لحظة اشتعال المعارك؛ أي انتفاء شخصيّة اليهوديّ المحارب[15].

بهذا المعنى؛ لا شكّ في أنّ المواطن اليهوديّ قد أخفق في امتحان الحرب، حيث إخلاء الكيبوتسات والمستوطنات والبلدات الحدوديّة يُعَدّ نفيًا للدور التاريخيّ الخاصّ بهذه التجمّعات اليهوديّة على حدود دولة إسرائيل[16]. ولا نشير هنا إلى ’جوهرانيّة يهوديّة‘ تتّسم بالخوف وعدم الإقبال على القتال. إنّ جوهر الشخصيّة من وجهة نظرنا غير قابل للمعرفة، كما أنّنا لا نسلّم بوجود هكذا أمر، أي شخصيّة يهوديّة، مبنيّ على تصوّرات عرقيّة للبشر، بل تغلّب مركّب الرغبة في عيش حياة طبيعيّة داخل المواطنة الكولونياليّة على مركّب التعبئة والجهوزيّة القتاليّة، وإخضاع العنصر التعبويّ الحربيّ المباشر لعنصر الحياة ضمن دولة حديثة، حيث يؤدّي هذا الخضوع إلى فقدان المجتمع الإسرائيليّ، بوصفه استيطانيًّا، القدرة على حماية نفسه، وبالتالي إخلاء الكيبوتسات الّتي بُنِيَتْ تاريخيًّا لأغراض الحرب.

إضافة إلى المفارقة الكامنة في استيعاب أعداد من المهجّرين من كيبوتسات «غلاف غزّة» وشمال فلسطين، في مستعمرات رياضيّة، مثل «كفار مكابياه» على سبيل المثال، والّتي بُنِيَت أصلًا من أجل الاستثمار في بناء جسد اليهوديّ المحارب. ثمّ على مستوًى آخر مختلف، إصرار المُخلَين من بيوتهم على اللاعودة إلى كيبوتسات «غلاف غزّة»، أو تلك المحاذية للحدود مع لبنان، دون القضاء على المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة وراءَ الحدود؛ ما يحوّل الكيبوتسات من عامل مساعد في الحروب إلى عبء.

نضيف إلى ذلك التكلفة الاقتصاديّة الملقاة على عاتق الاقتصاد الإسرائيليّ في تعويض المُخلَين من بيوتهم في المسكن، ومناحي الحياة المختلفة الّتي بلغت في الشهر الأوّل من الحرب أكثر من 700 مليون شيكل تزداد يوميًّا، حيث تمنح الحكومة الإسرائيليّة 100 شيكل إلى المواطنين دون سنّ 18 عامًا، في مقابل 200 شيكل إلى المواطنين البالغين، الّذين أُخْلوا ضمن الخطّة ولم يحصلوا على مسكن في الفنادق، تعويضًا عن كلّ يوم يقضيه المستعمِر خارج بيته[18]، علمًا أنّ الفنادق في إسرائيل تملك 58 ألف غرفة فندقيّة، يقع نحو 40 ألفًا منها على مسافة بعيدة من المناطق المصنّفة بأنّها خطرة[17]. في حين خصّصت ميزانيّة الدولة المعدّلة لعام 2023 مبلغ 3.5 مليار شيكل من أجل المُخلَين من بيوتهم بحسب الخطّة الرسميّة[19]، وأهمّها توفير العمل، حيث يعمل 39% من المستعمِرين في الكيبوتسات داخل الكيبوتس نفسه[20]. بالإضافة إلى تعويض غياب الإنتاج الاقتصاديّ للكيبوتسات، الّذي يتراوح بين 5-10 مليارات شيكل بالمعدّل السنويّ، في العقد الأخير. علاوة على فوضى إدارة الإخلاء والإسكان المؤقّت الّتي يعاني منها المستعمِرون.

في ذات السياق؛ أي سياق نشوء فجوة بين منطق القتال الصهيونيّ والمواطنة الإسرائيليّة، حيث يطلب المواطن اليهوديّ في إسرائيل الأمن من الجيش الإسرائيليّ، ولا يعمل على توفيره لذاته، تشير استطلاعات «المعهد الإسرائيليّ للديمقراطيّة» الشهريّة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، إلى أنّ 45.7% من اليهود الإسرائيليّين غير مطمئنّين لسلامتهم وسلامة أقربائهم الجسديّة، انخفاضًا من نسبة 63% في استطلاع تشرين الأوّل (أكتوبر) من ذات العام. ليس فقط أنّ هؤلاء لا يحاربون، بل هم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم ومحيطهم، تمامًا على عكس منطق الشخصيّة اليهوديّة المحاربة.

إضافة إلى هذا، فإنّ 49% من المستطلعين متفائلون بمستقبل الدولة، وهذا يمثّل هبوطًا مقارنة مع 65.5% أشاروا إلى ذلك في استطلاع تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023، ومع 52% في استطلاع حزيران (يونيو) من ذات العام[21]. يدلّ هذا على أنّه في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) - بأقلّ تقدير - 28.5% من المجتمع الإسرائيليّ يخاف على نفسه ومَنْ حوله، لكنّه مطمئنّ لمستقبل دولته. هذا معطًى لافت بالنسبة إلينا، يمكن تفسيره في رأينا بأمرين؛ الأوّل نموّ معدّلات التضحية والفداء لدى المجتمع الإسرائيليّ بسبب استشعار الخطر، والثاني نشوء مسافة كبيرة في تفكير المواطن اليهوديّ في إسرائيل بينه وبين دولته، حيث يخاف على ذاته ومحيطه الاجتماعيّ، لكن يطمئنّ لمستقبل الدولة الأمنيّ؛ ما يتنافى وأداء الدولة لإحدى أهمّ وظائفها، وهو ضمان الأمن الشخصيّ للمواطنين. ونحن نرجّح التفسير الثاني؛ بناء على ما ذكرنا أعلاه. ثمّة احتمال ثالث لتفسير هذه المعطيات، يكمن في توقّع الفئة المذكورة من المستطلعين أنّ شعور الخوف لن يكون دائمًا، وبالتالي التعامل معه بوصفه شعورًا مؤقّتًا، ونحن لا نستشرف هكذا أمر في المستقبل بناء على التحليل أعلاه، حيث التغييرات العميقة الّتي عمل المقال على فهمها بنيويّة الطابع.

 

اليهوديّ غير المحارِب 

عرضت «القناة 11» العبريّة حواريّة تمركزت حول إعادة إنتاج صورة المحارب اليهوديّ، متمثّلة في شخص الضابط في الجيش الإسرائيليّ يوسي بيخر[22]، من مواليد «كيبوتس بئيري»، وفي ضرورة القتال داخل الكيبوتس حالَ اشتعال المعارك حماية للبيت وليس الهروب والاختباء في الملاجئ، وهذا على العكس تمامًا ممّا قامت به غالبيّة سكّان الكيبوتسات خلال عمليّة «طوفان الأقصى»[23]. وللمفارقة، فإنّ مَنْ يعمل على استحضار مبدأ الأمّة في لباس عسكريّ هو وزير الأمن القوميّ من الصهيونيّة الدينيّة[24] الّذي لم يؤدِّ خدمة عسكريّة، إيتمار بن غفير، وليس الفئة المتحدّرة من الآباء المؤسّسين لدولة إسرائيل الّذين بنوا الكيبوتس، ومعه الشخصيّة اليهوديّة المحاربة. تكمن المفارقة في أنّه مقابل البناء ضمن مؤسّسات، فإنّ رئيس شعبة ترخيص الأسلحة الناريّة بـ «وزارة الأمن القوميّ» الإسرائيليّة، قد قدّم استقالته من منصبه إثر توزيع بن غفير للسلاح دون معايير وبشكل أعمى وغير عقلانيّ.

للمفارقة، فإنّ مَنْ يعمل على استحضار مبدأ الأمّة في لباس عسكريّ هو وزير الأمن القوميّ من الصهيونيّة الدينيّة الّذي لم يؤدِّ خدمة عسكريّة...

نستنتج من معطيات الاستطلاعات المختلفة، وردّات الفعل الإسرائيليّة على ما يجري في إسرائيل من نمط لعمليّات إخلاء مستعمرات يحدث للمرّة الأولى في تاريخ المشروع الصهيونيّ، وتكثيف لتغيّرات عميقة في المجتمع، أنّ النظام الإسرائيليّ لا يتوجّه نحو خيار السلام مع الشعب الفلسطينيّ، بل على العكس تمامًا، إنّ خياره واضح الاستثمار في آليّات القتل؛ إذ خصّصت الحكومة الإسرائيليّة 17 مليار شيكل من الميزانيّة المعدّلة لعام 2023 لتغطية نفقات الحرب العسكريّة، تُضاف إلى ميزانيّة الجيش السنويّة المقدّرة بـ 68 مليار شيكل[25]، علاوة على الدعم الأمريكيّ العسكريّ غير المشروط لإسرائيل، ومحاولة استحضار الشخصيّة المحاربة بشكل منفلت وهستيريّ، والاستثمار في الكذب في الخطاب الإعلاميّ والرسميّ، وهذا موضوع خارج عن حدود المقال. يعيش المجتمع الإسرائيليّ حالة ارتباك، وتشتّت، وخوف، وتعبئة، وقلق، وانحلال أخلاقيّ، وتفتّت عقائديّ في الأمن أوّلًا والشخصيّة القتاليّة ثانيًا، وتكثيف لتحوّلات تاريخيّة عميقة في بنية المجتمع.

يمكن للقارئ أن يفهم تناقضات الدولة العبريّة على كثير من الأصعدة، إلّا أنّ التناقض الّذي سعى هذا المقال إلى فهمه، يكمن في طلب البنية العنيفة للدولة العبريّة من مواطنيها اليهود الاستعداد الدائم للحرب بناء على طبيعتها غير المنسجمة مع محيط معادٍ؛ أي بوصفها دولة كولونياليّة. إنّ هذه الحقيقة، أي كولونياليّة إسرائيل الدولة، تمثّل أساسًا نظريًّا ضروريًّا لفهم جميع التناقضات البنيويّة القائمة في المشروع الصهيونيّ وتحقّقه في دولة، من جهة، والتحوّلات العميقة في المجتمع الإسرائيليّ الّتي تحول دون تنفيذ متطلّبات البنية العنيفة للمجتمع الإسرائيليّ، من جهة أخرى، متمثّلة - أي التحوّلات - في نمط إخلاء للمستعمَرات يحصل لأوّل مرّة في تاريخ صراع الشعب الفلسطينيّ ضدّ الوجود الصهيونيّ على أرضه.

 


إحالات

[1] ثمّة أهمّيّة نظريّة لتمييز التسميات المستخدمة في وصف الوجود الصهيونيّ على أرض فلسطين. بينما نجد أنّ ’مستعمَرة‘ تُعَدّ التسمية الأعمّ، وهي الأدقّ في رأينا في ترجمة ’ييشوف‘ العبريّة، حيث استخدم الفلسطينيّون وصف مستعمَرة موازاة لاستخدام الصهاينة لكلمة ييشوف في المراحل المبكّرة من عمر المشروع الصهيونيّ. ولا نقصد هنا بالضرورة الترجمة الأدقّ من جهة اللفظ والتدقيق اللغويّ. للمزيد: هنيدة غانم، من الكُبّانيّة إلى البؤرة: تطوّر المفهوم الفلسطينيّ للاستعمار اليهوديّ في سياق متحوّل، سليم سلامة (ترجمة)، مجلّة الدراسات الفلسطينيّة، العدد 107 (صيف 2016)، ص117-143.

[2] يئير شلج، التداعيات السياسيّة والاجتماعيّة لإخلاء مستعمرات بالضفّة وغزّة: فكّ الارتباط 2005 كحالة فحص، بحث سياسات، المعهد الإسرائيليّ للديمقراطيّة (ربيع 2007). بالعبريّة.

[3] باسل الأعرج، بين ألف الانتفاضة وباء الهبّة: قراءة في أبجديّات المقاومة، في:  https://soundcloud.com/decolonizenow/1kg6n1t2b7jh

[4] هشام نفّاع، الأجواء العامّة في أوساط السكّان الّذين أُخْلوا من بيوتهم بمحاذاة قطاع غزّة ولبنان: انتقاد كبير للسلطات الحكوميّة، مركز مدار، 30/11/2023، شوهد في 15/12/2023، في: https://bit.ly/46W95iU

[5] شني ليطمان، "أخذنا الكلب، وهربنا: كيف تبدو الحياة المؤقّتة الّتي فُرِضَت على عشرات آلاف الإسرائيليّين؟"، هآرتس، 02/11/2023، شوهد في 16/12/2023، في: https://www.haaretz.co.il/magazine/2023-11-02/ty-article-magazine/.highlight/0000018b-8bef-d46b-a18f-8bfffd830000

[6] قُرئ الكتاب في نسخته الإلكترونيّة، ولا غلاف للكتاب في هذه النسخة، يشير إلى دار النشر أو سنة الإصدار؛ عبد الوهّاب المسيري، من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينيّة، صفحة 32-33. يشير المسيري إلى ظواهر أخرى مرتبطة بموضوعنا، مثل ’مستوطنات الأشباح‘، أي المستوطنات الّتي بُنِيَت ولا يسكنها أحد، أو مغادرة المستوطنات جماعيًّا. انظر الفصول من الكتاب: معدّلات الخوف وسقوط الإجماع بخصوص الاستيطان؛ تواليًا، في صفحات 36-54 من الكتاب.

[7] عبد الوهاب المسيري، الانتفاضة الفلسطينيّة والأزمة الصهيونيّة: دراسة في الإدراك والكرامة (القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1990) ص 75.

[8] عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود، اليهوديّة، الصهيونيّة: نموذج تفسيريّ جديد (القاهرة: دار الشروق 1999) جزء 7، ص 189.

[9] مرجع سابق، ص 129.

[10] مرجع سابق، المسيري 1990، ص 40.

[11] عزمي بشارة، من يهوديّة الدولة حتّى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطيّة الإسرائيليّة (القاهرة: دار الشروق 2005) ص 99.

[12] طوّر باحثون فلسطينيّون مصلطح ’مواطنة كولونياليّة‘ خلال فهم ظرف المواطنة الخاصّ بالفلسطينيّين داخل الأراضي المحتلّة عام 1948، حيث يعيش هؤلاء حياة بينيّة تقع بين هويّتهم الوطنيّة الفلسطينيّة مقابل إسرائيليّة وجودهم، من خلال العمل بالمؤسّسات الإسرائيليّة، والمعاملات الرسميّة الضروريّة، وغيرها من ظرف سياسيّ تحكمه المواطنة في إسرائيل. يستعير هذا المقال هذا المصطلح، ويوظّفه في فهم طبيعة وجود اليهود على أرض فلسطين.

[13] مرجع سابق.

[14] مرجع سابق.

[15] لا يشمل هنا جميع المستعمرين في الكيبوتسات، حيث أظهرت فيديوهات، إضافة إلى تقارير صحافيّة، اشتباك بعض اليهود من المدنيّين مع قوّات «القسّام» في الساعات الأولى للمعارك.

[16] يمكننا النظر إلى تسمية «كريات شمونة» الّتي يمكن ترجمتها إلى «قرية الثمانية». سُمِّيَت المستعمرة بهذا الاسم تخليدًا لثمانية مقاتلين يهود، قرّروا القتال حتّى النفس الأخير في ما يُعْرَف صهيونيًّا بـ ’أحداث تلّ حَيّ‘، وهي معركة انتهت بمقتل المقاتلين الثمانية في الأوّل من آذار (مارس) سنة 1920. بعد نحو قرن، أُخْلِيَ 22 ألفًا من أصل 24 ألف مستعمر في المدينة، وهي لمّا تشهد معارك بعد.

[17] مصدر سابق.

[18] يفعات راوبان، "تهجير نحو 130 ألف مواطن من بيوتهم، دون جهة ناظمة للحدث"، ذي ماركير، 24/10/2023، شوهد في 24/10/2023، في: https://www.themarker.com/news/2023-10-24/ty-article/0000018b-5da0-d8e2-a1eb-ffb662190000

[19] "الموافقة الحكوميّة على الميزانيّة المعدّلة لعام 2023؛ تخصيص مليار شيكل لترميم مستعمرات الغلاف"، إسرائيل اليوم (الموقع الإلكترونيّ)، شوهد في 15/12/23، في: https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/14876611

[20] ميخال بلغي، ألياط أورحان، استطلاع رأي الجمهوريّ الكيبوتنكيّ في 2020، المعهد لبحث الكيبوتس والفكر التشاركيّ، (حيفا: جامعة حيفا، 2020).

[21] يشير الاستطلاع المُجرى في أوّل أشهر الحرب إلى المرجعيّة الأخلاقيّة لدى المجتمع الإسرائيليّ، حيث يؤيّد في استطلاع شهر تشرين الأوّل (أكتوبر)، 13% من اليهود المجيبين عن الاستطلاع أخذ الجيش الإسرائيليّ حياة الفلسطينيّين بعين الاعتبار خلال العمليّات العسكريّة، بينما يؤيّد 48% ضبط الأداء العسكريّ للجيش الإسرائيليّ بموجب قوانين الحرب العالميّة (في انخفاض من 63% بناء على استطلاع أجري في منتصف عام 2022)؛ ما يدلّ على أسبقيّة اتّباع القوانين على الموقف الأخلاقيّ في إدانة قتل المدنيّين. للمزيد انظر: استطلاع «سيوف حديديّة» من شهرَي تشرين الأوّل (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2023، المعهد الإسرائيليّ للديمقراطيّة (الموقع الإلكترونيّ)، شوهد في 04/12/2023، في: https://www.idi.org.il/articles/51742

[22] للمزيد يمكنك مشاهدة: https://www.youtube.com/watch?v=Kp1bmmn_b6s&t=1439s

[23] إنّ أكثر ما يثير الدهشة مدى طمأنينة سكّان الكيبوتسات بشكل عامّ، تجاه الوضع الأمنيّ، حيث قاس «المعهد لدراسة الكيبوتس والفكر التشاركيّ» 18% فقط من أصل 1716 عضو كيبوتس، كان استجوابهم في استطلاع للرأي في عام 2020، أنّ الوضع الأمنيّ يشكّل قلقًا لديهم.

[24] قد يثير طلب بضعة آلاف من المتديّنين الدخول إلى الخدمة العسكريّة في زمن الحرب - وإن كان الدخول يقتصر على مهامّ غير قتاليّة - انطباعًا حول تأثير الحرب على انخراط الجماعة Community المتديّنة في إسرائيل في الجيش. إلّا أنّ الحقيقة غير ذلك؛ يشير استطلاع «مركز دراسة السياسات للشعب اليهوديّ» إلى أنّ 77% من اليهود المتديّنين في إسرائيل لن يغيّروا رأيهم بما يتعلّق بتعليق واجبهم إزاء الخدمة العسكريّة، للمزيد انظر: "استطلاع جديد: رغم الحرب، أغلبيّة ساحقة من الجمهور المتديّن يؤيّدون استدامة الإعفاء من الخدمة العسكريّة"، مركز الشعب اليهوديّ للدراسات، شوهد في 5/12/2023، في: https://bit.ly/3v8smjK

[25] نضال محمّد وتد، "رفع ميزانيّة جيش الاحتلال الإسرائيليّ السنويّة إلى 68 مليار شيكل"، العربيّ الجديد (الموقع الإلكترونيّ)، 24/02/2023، شوهد في 16/12/23: في https://bit.ly/46ZJdCQ

 


 

جمال مصطفى

 

 

 

من كفر كنّا في فلسطين، حاصل على بكالوريوس في الفيزياء والفلسفة من جامعة تل أبيب، ويدرس ماجستير  الفلسفة في ذات الجامعة.