بريد الغيب

جان ميشيل باسكيات

 

أكثريّة

لليائسينَ من الحياةِ مهمّةٌ

غيرُ البقاءِ بحوزةِ المتفائلينَ

مهمّةٌ أخرى

هي الانتحارُ الحرُّ 

في وجه الأملْ..

 

لليائسينَ حياتُهم

يتفاهمون مع الطبيعةِ بالأشارةِ

يُوجعون رؤوسَهم بالبحث عمّا يجعل الأحلامَ ممكنةً

في حينِ أنّ النومَ أمرٌ مستحيلٌ..

والمحاولة التي قد تنتهي بالنومِ أمرٌ لا يُمَلّْ..

 

اليائسونَ أحبّتي في اللهِ

يُضطرّون مثلي للنجاةِ 

من الأكاذيبِ الكثيرةِ في حياةِ الآملينَ

ويدفنونَ الكونَ إكرامًا لزاويةٍ تُحذّرُهم 

من الأملِ الفسيحِ

اليائسونَ أحقُّ بالدنيا

وهم أَولى بها ممّن سواهم؛

ليس في قاموسِهم أمرٌ جَلَلْ..

 

اليائسونَ أحبّتي

وأنا حبيبُ اليائسينَ

لأنّهم لا يخرجون من القصيدةِ بانطباعٍ ثالثٍ

غيرِ التعجّبِ

والمَلَلْ..

***

 

أموال غير منقولة

عندي خمسُ رسائلَ
لم أقرأْها؛
ذلكَ أنّي أسلمْتُ إلى جهلي،
وتفاهمتُ معَ امرأتينِ على شيءٍ لمْ يُذكرْ
من بين خياراتي المليون..


عندي فستانٌ
أهداهُ صديقٌ لأبي قبلَ خروجي بدقائقَ للكونِ
وكان يُرجّحُ أنّي أُنثى
لكنّي أفسدْتُ الطبخةَ،
وتزوّجْتُ الآنَ من ابنتِهِ
لأُطلّقَها..


عندي منفضةٌ،
لكنْ من دونِ سجائرَ!
عندي تبغٌ،
لكنْ من دونِ حشيشٍ!
عندي أسبابٌ كي أفرحَ،
لكنّ الأسبابَ مُصادرَةٌ..


عندي حقٌّ،
لكنَّ الأندلسَ محاصَرةٌ،
ودمي في المختبراتِ لإجراءِ دراساتٍ عن كيفيّةِ تفكيري،
والحقُّ يُقالُ،
ولكنْ لا أحدٌ ينطقُهُ..


عندي قصّةُ حُبٍّ،
من دون زمانٍ ومكانٍ،
تنفعُ للتأويلِ،
وليستْ تُرضي عاشقةً تشعرُ بالبردِ على طرفِ النارِ،
وبالخوفِ على بابِ المسرحِ..
عندي مالٌ
يكفي الدولةَ حتى تقفَ على قَدَميها
لكنّي للحرصِ أُخبّئُهُ
كي لا تكسرَ هذي الدولةُ ساقي..


عندي وطنٌ
غير الدولةِ آنفةِ الذكْرِ..
وأنا شرعيٌّ جدًّا في صفْرِ الساعةِ
مثل الزيتِ أُمِدُّ مصابيحَ الأنفاقِ بما يُشعلُها،
أو يُطفئُني..


عندي رئتانِ،
وتكفي واحدةٌ،
فالصحراءُ أقلّ نفوذًا من نَفَسي،
وأنا أزرعُها بالآمالِ،
وأعرفُ..
أعرفُ...
لو صارتْ خضراءَ ستكفرُ بي..

***

 

مِنَ النّسخ القديمة

قُولي: مِن النّسَخِ القديمةِ

أي نعمْ

قُولي: قديمًا، كنتُ جدّي

مثلما هوَ كان نسختَهُ القديمةَ..

قيّدي لي موعدًا مَعَ واحدٍ منْ سادةِ العصرِ الحديثِ

مِنَ الذين يُقرّرونَ اليومَ عنّا..

أنتِ آنسةٌ كثيرًا

بينما هم سادةٌ جدًّا

ويعتقدونَنا نسلَ العبيدِ

فقيِّدي لي موعدًا معَهم

وقُولي أنّنا لسْنا عبيدًا دائمًا

لكنّنا كنّا لمحْنا بعضَ أسئلةِ العبيدِ تقاطعَتْ معَ ما سألْنا

ثمّ بايعَني الحضورُ

لكي أقولَ حقيقتينِ 

فقيّدي لي موعدًا معَ واحدٍ ممّنْ يُديرونَ البلادَ على حقيقتِها

حقيقةِ أنّها منحوسةٌ

أو نحنُ محسودون أنّا في بلادٍ حرّةٍ

هي حرةٌ في أنْ تُقدّمَ للعدوّ هديّةً

هي حرّةٌ

في أنْ تُعيدَ لهُ الهديّة حينَ يرفضُها

وعندي وصفةٌ للذوقِ

قُولي للذين يؤجّلون لقاءَنا أنّي سأقنعُهُ

بأنّ هديّةَ الوالي تليقُ ولا تُرَدُّ

وأنّه مهما تأخّرَ ذوقُنا لا بدّ تعجبه الهديّةُ

قيّدي لي موعدًا معَهُ لأُقنعَهُ

بأنْ لي موعدٌ معَ واحدٍ ممّنْ يديرونَ البلادَ،

ومنذُ أعوامٍ يُؤجّلُهُ لأنّي قلْتُ شيئًا لا يليقً بسادةِ العصرِ الحديثِ

عن القُدامى،

نسختي معطوبةٌ

ولأنّ جدّي لا يُضيفُ إلى الحداثةِ أيَّ شيءٍ أخَّروني كلَّ هذا العمرِ 

في باب الذين يُخرّبونَ بيوتَنا، أعني، يُديرونَ البلادَ إدارةً تبني مكاتبَهم

على أنقاضِنا..

إنّي أنا جدّي الذي كَسَرَ العدوَّ

ودارَ دورتَهُ الوحيدةَ حول جيفتِهِ،

سخرْتُ من العدوِّ

توجّعتْ شَفَتي من الضحكِ الطويلِ عليهِ

أنوي أنْ أُباركَ للبلادِ صمودَها في وجهِهِ

لكنّها تنسى

أدورُ لكي أُذكّرَها

وفي نفْسِ المكانِ أدورُ

طابَ لِيَ المكانُ ومَنْ يُديرونَ المكانَ

وسادةُ العصر الحديثِ كذاكَ قد طابوا،

ولكنّي مرضْتُ

وقد أُصِبْتُ بدورةِ الموتى

وضاعتْ نسخةٌ محفوظةٌ في بيتِ جدّي عندما هدموهُ كي تعلو مكاتبُهم

لذلك، موعدٌ معَ واحدٍ منهم

ليقتلَني

ويكفي موعدٌ معَهُ

يُبايعُني ولو تحتَ الترابِ

لكي تطيبَ له البلادُ..

وأنتِ آنسةٌ كثيرًا

آنِسي قبري الجميلَ إذا سمحْتِ

أريدُ آخرَ فرصةٍ

تحت الترابِ أريدُها

حتّى أموتَ فداءَهُ...

***

بريد الغيب

من حُسْنِ حظِّ الحبِّ أنّي لا أُحِبُّ، ولا أريدُ، ولن أُحِبَّ، ولن أُريدا
كلُّ الذي يبدو عليَّ من الغرامِ لأنّني أُضطرُّ أنْ أبدو سعيدا
من أينَ يأتي الحبُّ! قلبُكِ راحلٌ في الحزنِ، لا يُغريه شيءٌ كي يعودا
وأنا امتنعْتُ عن التعلّقِ بالوعودِ، وبالكلامِ .. فلنْ أُعيدَ ولن أَزيدا
 

مِنْ سوءِ حظّينا: سَعَيْنا خلفَ هذا الغيبِ، مضطرَّينِ نحسَبه وجودا
ودُعيتُ فيما كنتُ مكسورًا وحيدًا أنْ أعودَ، وليس يمكنُ أنْ أعودا
من سوء حظّي أنّني ضيّعْتُ عينيكِ اللتينِ تُصيّرانِ العمرَ عيدا  
أنّي رحلتُ، وكلُّ أسمائي لديكِ، مُلقّبًا بالحزنِ، منسيًّا، فقيدا 
أنّي كتبْتُ قصيدتينِ، وحاولتْ إحداهما أنْ تجعلَ الأخرى بريدا
                

من سوءِ حظّي أنّني والحبَّ متّهمانِ أنّا قد تجاوزْنا الحدودا
أنّي أحبُّكِ طالما ماضيَّ يقتلُني.. وليتكِ قلتِ لي شيئًا جديدا
من حُسْنِ حظِّ الحبِّ أنّي لا أُحِبُّ، وأنّني قرّرْتُ أنْ أبقى بَعيدا
وأَبُلَّ ريقي من مشاعرِكِ التي سَوَّيْتُها شَعْبًا.. وسَوَّتْني وحيدا


 


عُضيب عضيبات

 

 

 

شاعر وكاتب مسرحيّ أردنيّ (1984)، صدرت له مجموعة شعرية واحدة (شاهدة المهد، 2011). يحمل درجة البكالوريس في اللغة العربية وآدابها، ويعمل في مجال التعليم. شارك في العديد من الفعاليات الثقافية، وله حضوره في الوسط الأدبي والمسرحيّ الأردنيّ.