الركض إلى الوراء

تارسيلا دو أمارال 

 

لحن الهوامش

أنا
بيتٌ من الذكريات
فراشة تلتهم النور
يدان تقتاتان على العِناق

 

القلب
عبدٌ قادرٌ على طرح روحنا أرضًا
ريشة تمتلئ بدموع وضحكات الراحلين
ثم تندثر في علبة ألوان داكنة وتُنسى

 

الدهشة
طفلٌ لا يكبر مهما سرق من الزمان عمرًا
ثائرٌ لا ينحني لقيود صارت صدى

 

السؤال
مشهد من الفوضى على مسرح العرائس
نجاة الدمى من العاديّة والأقنعة
فرار نحو نهر الحريّة الأبعد
حيث لا تنكيل بعيون البشر
والحقيقة التي أبت أن تُخفى

 

الماضي
قافلة تجبرنا على شرب الندم على مهل
لأجل كلّ المّرات التي لم نقل فيها "لا"

 

الحياة
نضال طويل كي لا يعيش أحدٌ عنّا
عاشق غيور من طرق لن يرسمها لنا
سباق نركض فيه بالسرعة التي تناسبنا
محاولة من التمرّد على عالم يسعى أن يشكّلنا

 

الأمل
أن تُثمِر البداية من النهاية
أن نترك الغضب ينقشع عن عيوننا
كي نرى نصيبنا القادم من الضوء

 

الحُبّ
طعنة في وجه القدر الذي اختارنا
جنون يجرف استسلامنا للموتِ بعيدًا
خوفٌ من رفض الحياة التي قد تلفظنا


وإنّنا سنحب ما يستمر بجَلدِنا
وإنّ رغبتنا بالعيش وحدها لا تكفي



الركضُ إلى الوراء

الحنين ندوب تنمو في روحي
تُجبرني على الركضِ إلى الوراء
نحو أكثر الأشياء حقيقة
نحو ظلٍّ صنع لي الشمس
نحوَ ذاكرة شكّلت عالمي في أبهى صورة له...

أرتدي وجه الطفلة
ألمس كلّ الألعاب التي سُلبت منّي
أَروي القصص التي كنتُ كلّ أبطالِها
ألتقط بلهفة أوّل قصيدة
وبعض النجاحات من بيت ما عاد لي
أَربّتُ تارة على التلفاز وتارة على نفسي
لأنّنا ما عُدنا قادرين على احتمال جدران جديدة حولنا...

أُقاتل أشباح وجوهٍ أُحبُّها
أَنبشُ كلمات وأصوات الموتى
الذين عاشوا داخلي أكثر ممّا عاشوا حياتهم
أَطوي يدي كي لا يمسَّ غبار النسيان بصماتِ أبي...

أُبدّد فضولي نحو البدايات
أُحافظُ على انطباعي الأوّل عن العالم
أُودّعُ أحلامي التي هضمها القدر بعدما حرّمها عليّ
أُلقى التحيّةَ على مقاعد وزّعتُ أسراري فيما بينها
أُسرعُ الخطى كي لا تكرر الحياة نفسَها معي...

أُصارعُ رغبتي في البكاء
أَنزعُ دمعتي التي تستشيطُ نارًا
فأنا أعي أنّ الإنسان الممزّق مُروَّض على الكتابة لا على البكاء...

أسقطُ من حافّة الكون
لأكتشف ما وراء بابنا الموصود
فأدرك أنّنا خُلقنا كبارًا لنعود صغارًا حين نكبر
تذوب أجسادُنا كقلوبنا
ولا نقوى على السير في دروب لم تكنْ دروبُنا...


 

نشيدُ البيادق

كنشيد مشبع بالخطايا
أنبش غيب درب سقط أمامي

كبيدق مُدمَّر بين يديك
أحيا على التهام القلوب

كشعلة تليق بالرحيل
أندلع كي لا يَضِلَّ المحاربون
درب الربيع

أنا هنا
لأتّخذ من محياك
وشاحًا لبهجتي

أنا هناك
لأتخّذ من عينيك
قِبلة لصلاتي

وحرب هنا
حين تنقلب الفكرة
إلى مشنقة

حرب هناك
حين ينقلب النُّبل
إلى جسد مبتور

بين الحرب والبدايات
زحفٌ شاعريّ
ينسكب من شفتيَّ

بين الولادة والخطيئة
قصيدةٌ تردّدُ نفسها داخلي
ترفضُ وجودها وترفضني

فهل أنا ربُّ القصائد؟
في حضرةِ تمرّد القصائد

فهل أنا العاصي الأوّل؟
في حضرة الشرِّ الأوّل

فلتُعطني سيلًا من العذاب
ليغدو مصير الأخرين
أثيريًّا عن طريقي

فلتعطني عمرًا من اللهاث
لتعرف كم يواصل البشريّ
السيرَ على روحه
مكلومًا عن طريقي

سأمضي...
أُرتَّلُ النوبات
المنثورة في أنايَ
والمنثورة في أمثالي

سأمضي...
باحثة عن لحنٍ
عن رسالة كونيّة

سأمضي...
والطفل حيّ في روحي
لآخر نَفَس لآخر مصير

 


 

حنان الحاجّ أحمد

 

 

كاتبة نسويّة من غزة، حاصلة على شهادة البكالوريوس من كليّة الهندسة وتكنولوجيا المعلومات. لها عدد من المشاركات في الأعمال المجتمعيّة. مهتمّة بالأدب الفلسفيّ وأدب الأطفال.