ليلة الميكروفون المفتوح في رام الله: مُتنفّس للشباب الفلسطينيّ

الفنّانة هيا زعاترة، ضمن أحد أنشطة "سرد" | سرد

 

المصدر: aljazeera.

ترجمة: فريق تحرير روزَنَة - فُسْحَة.

 

كانت يدا نادين خشم ترتجفان وهي تحمل هاتفها، فاتحةً تطبيق الملاحظات، وحينما بدأت الأضواء تغمر المنصّة ببطء، أخذت نادين نفسًا عميقًا، وبدأت قراءة قصيدة كتبتها بالإنجليزيّة، أمام جمهور اجتمع في مطعم "عَ رام الله".

وقالت نادين بعد نهاية قراءتها: "كنت أريد أن أرى ردّة فعل الناس على ما أكتبه، وأن أترك كلماتي تخرج هناك؛ علّها تتشابك مع مشاعر أحدهم".

ونادين عضوة مُكِدّة في "سرد"، المجموعة الصاعدة في رام الله في الضفّة الغربيّة المحتلّة، وُلدت "سرد" عام 2016، بنِيّة خلق مكان آمن للشباب الفلسطينيّ؛ للتعبير عن أفكارهم وما يحسّون به، في بيئة لا تطلق عليهم أحكامًا مسبقة.

 

 

يملك العالم العربيّ تراثًا سرديًّا شفويًّا غنيًّا، تحاول الأجيال الشابّة إحياءه بنفَس جديد؛ بإدخال المسرح والموسيقى، مثال هذه النزعة الصاعدة الأعداد، المتصاعدة لدوائر الحكي والقصّ النابتة حول الشرق الأوسط.

تهدف هذه المساحات الحضريّة إلى تشجيع الشباب العربيّ؛ ليعبّروا عن أنفسهم بحرّيّة، وهو أمر نادرًا ما يقومون به لأسباب أمنيّة، ولا سيّما في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.

تشرح مجد شحادة – إحدى مؤسّسي "سرد" الأربعة - هذا الأمر بالقول: "تشكّل "سرد" حالة فريدة؛ لأنّنا لا نملك مساحة في الضفّة الغربيّة؛ لنقول ما نريد، إنّ التعبير عن الذات هو الهدف الأساسيّ من "سرد"،" إنّها صوت إنسان"".

تلتئم المجموعة يوم السبت الأوّل من كلّ شهر، في ما تُغيّر أماكن اجتماعاتها في كلّ مرّة، لكنّها عادةً تجتمع في أحد المقاهي أو المطاعم الشهيرة في رام الله، أو في "مركز خليل السكاكيني الثقافيّ"، المساحة الّتي تهتمّ بترويج الفنون في المجتمع الفلسطينيّ وتغذيتها.

 

جانب من جمهور "سرد"  في أحد أنشطته | Kyle S Mackie - Al Jazeera

 

في الواقع، تسليط الضوء على التراث الثقافيّ الفلسطينيّ الغنيّ، هدف رئيسيّ آخر لهذه المنصّة الحديثة التأسيس، والّتي تأمل لإعادة إحياء أشكال التعبير الفنّيّة المحلّيّة، وتوعية الشباب الفلسطينيّ في ما يخصّ الهويّة الثقافيّة، الّتي يجري جرفها في خضمّ الصراع وتحت الاحتلال.

لهذا الغرض؛ تكون في بداية كلّ فعاليّة، دعوة مبدعين فلسطينيّين معاصرين ومشهورين - مثل عبّاد يحيى، وهيا زعاترة-  ليقدّموا خطابًا استهلاليًّا، ويشاركوا في جلسات أسئلة لإلهام المشاركين.

تقول نادين: "أظنّ أنّ الفلسطينيّين يحتاجون إلى منصّات كهذه؛ كي يصل صوتهم إلى أناس آخرين، وعوالم أخرى، ما دمت أُشهِر بأن لا صوت لنا؛ بسبب الوضع السياسيّ؛ أظنّ هذه ’المنصّة‘ صحّيّة جدًّا لنا".

بدأت "سرد" بتركيز على الكلمة المقروءة والشعر، ذلك الجنس الأدبيّ الّذي تعرضه نادين، لكن اليوم، أصبح بإمكان كلّ مؤدٍّ أن يقرّر إلقاء قصّته، عبر الوسيلة الّتي يراها مناسبة، بالعربيّة والإنجليزيّة. تقول مجد: "إنّه ’مكان للناس‘؛ ليقولوا ما يحلو لهم بطرق مختلفة؛ قد يكون ذلك عبر التشكيل، أو الرسم، أو الموسيقى، أو الراب، أو الشعر، أو حتّى الـ ’بيتبوكسين‘، كلّ شيء".

 

 

تشمل الموضوعات المتطرَّق إليها: الصحّة الذهنيّة، والتعاطف، والقلق الاجتماعيّ، واهتمامات أخرى اعتادها مَنْ يعيش تحت الاحتلال؛ فحسب "الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ"؛ وصلت نسبة البطالة بين الفلسطينيّين، الّذين تتراوح أعمارهم بين 15 – 29 عامًا، سقف الـ 40% في 2017، في الوقت الّذي سُجّل فيه ارتفاع معدّلات الانتحار بـ 400% منذ 2012.

"الكلمة المقروءة مهمّة جدًّا لإيصال رسالة ما إلى الناس"، حسب قول وسيم طاحون، أحد المشاركين في "سرد" منذ بدايتها، والّذي بدأ بتأدية الموسيقى؛ لتحفيز العدد المتزايد لأصدقائه الّذين بدؤوا بالحديث عن محاولة الانتحار، ويضيف: "هنا في الضفّة الغربيّة، ومع الوضع الصعب الّذي نواجهه، يعاني بعض الناس حالات اكتئاب؛ لذلك يكونون في حاجة إلى مَنْ يسمعهم ويتجاوب معهم، وإن لم يحصلوا على هذا التجاوب فسيمضون يومهم عالقين في الظلام"، ويستطرد: "من المهمّ إيصال رسالة ذات معنًى، عبر الموسيقى والشعر، أو أيّ نوع أدبيّ يحمل معنًى قويًّا".

وعلى الرغم من أنّ هذه المجموعة، هي بمنزلة مساحة تعافٍ وتسامح واحترام للفلسطينيّين، إلّا أنّها تظلّ محدودة في الوقت نفسه. تقول مجد: "لا يمكنك لمس بعض التابوهات، أو إعلان بعض المواقف السياسيّة". وفي الواقع، يعتقد بعض المشاركين أنّ بعض المواضيع، لا يزال يحتاج إلى شجاعة أكبر للتطرّق إليه، حتّى في مجموعة مُتقبّلة ومفتوحة كهذه.

 

علي كبها | Kyle S Mackie - Al Jazeera

 

في ذات السياق، فإنّ عليّ كبها ذا الـ 22 عامًا، مغنّي الراب، يتطرّق إلى مواضيع سياسيّة أو جنسانيّة. يقدّم علي عروضًا كلّ شهر تقريبًا، ولم يسبق له أن مُنع من ذلك، لكنّه يقول إنّ أفرادًا من الجمهور، كانوا يأتون إليه بعد نهاية أدائه؛ ليخبروه بأنّه استخدم كلمات، أو تطرّق إلى مواضيع غير مناسبة، ويضيف عليّ: "ثمّة حدود لا يمكنك عبورها هنا، أستخدم كلمات إنجليزيّة في بعض الأحيان؛ فلا يتمكّنون من تتبّع ’المعنى‘".

تختم مجد بالقول: "رام الله مجتمع مركّب، بأناس قادمين من مناطق مختلفة، ولديهم طرق تفكير ولغات مختلفة، ويلبسون ملابس مختلفة". ويضيف خالد سامن، أحد مؤسّسي "سرد"، أنّهم "يعملون بكدّ لبناء مجتمع مصغّر، يرحّب بمن لا صوت لهم، والمختلفين، والهامشيّين". يأمل مؤسّسو "سرد"، أن تساعد البيئة الّتي خلقوها، في تمثيل التنوّع الموجود في مدينتهم، وأن تظلّ مجموعة مفتوحة، تُظهر وجهًا لا يتحدّث عنه أحد، من أوجه رام الله.

من المرتقب أن تقوى ثقافة الميكروفون المفتوح، في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، في الأشهر القادمة؛ بفضل المبادرات الجديدة، والأعضاء الجدد القادمين من كلّ مناطق نهر الأردنّ، وصولًا إلى مدينة بيت لحم؛ لعرض ما يعملون عليه. إنّ هذا الاتّجاه نما بفضل الحضور على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وبالتواصل الشفويّ بخاصّة.

 

 

في هذا الصدد، يقول محمّد نشأت، أحد الحاضرين القادمين من "جامعة بير زيت"، حيث يدرس، ويحضر هنا للمرّة الثالثة، يقول: "أخبرني أصدقائي بالأمر؛ فقرّرت أن آتي"، ويضيف: "أعجبني كيف تحافظ هذه المجموعة على ارتباطنا بالثقافة، دون أن تكون مزيّفة، وتعطينا الأمل في ما يتعلّق بالفرص الممكنة بعد الاحتلال".

ومع إشارة الأضواء لبداية العرض القادم، يأمل أن تستمرّ ليالي الميكروفون الفلسطينيّ المفتوح، وأن يكون لها صدًى أكبر في المستقبل.

 

 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من الإنجليزيّة والفرنسيّة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، بإشراف المترجمين، أسامة غاوجي ومعاد بادري.

موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا. 

* بعض الموادّ البصريّة الواردة في هذه المقالة من اختيارات هيئة التحرير، لا المصدر الأصل.