ركوب الدرّاجات... أفضل طريقة لاستكشاف فلسطين

Cycling Palestine

 

المصدر: gulfnews.com.

ترجمة: فريق تحرير روزَنَة - فُسْحَة.

 

جعلت ملاك حسن لركوب الدرّاجات الهوائيّة في فلسطين، دورًا تمكينيًّا لشعب يعيش تحت احتلال قاسٍ، وسيلة لمقاومة القيود على الحركة، ومحاولة محو الذاكرة الفلسطينيّة، وأضافت إليها بُعدًا سياحيًّا أيضًا.

قابلتُ ملاك حسن؛ لأتعرّف رحلتها المذهلة عن قرب. وملاك من مؤسّسي "فلسطين ع البسكليت Cycling Palestine"، مجموعة ركوب الدرّاجات الهوائيّة في فلسطين، وأسّست "شبكة النساء في الرياضة"، وقطعت 500 كم على الدرّاجة في آذار (مارس) 2017، من مخيّم قلنديا للاجئين قرب رام الله في فلسطين، إلى العقبة في الأردنّ؛ لتروّج ركوب الدرّاجات الهوائيّة؛ حتّى يكون رياضة بين النساء والبنات.

 

 

مرتدية الحجاب، وبحماسة بالغة، تبدأ ملاك رواية قصّتها: "وُلدت في الشارقة، وعشت هناك حتّى أتممت الصفّ السادس، ثمّ عدت وعائلتي إلى فلسطين؛ لنعيد الاتّصال بأرضنا. في أثناء عيشي في الشارقة، سجّلت في ’المركز الثقافيّ العربيّ‘، وهناك استمتعت برقص الدبكة، وتعلّم الكراتيه والسباحة. فلنقل إنّني عشت طفولة رياضيّة نشطة، وبعد ذلك جاء الرحيل من الإمارات إلى قريتي، الّتي ليس فيها نادٍ، ولا مرافق رياضيّة، وكان ذلك خلال فترة الانتفاضة الصعبة، الّتي كانت تغلق فيها كلّ المرافق، وتشهد حظرًا للتجوال؛ ففي الوقت الّذي أصبح فيه أيّ نشاط جسديّ متوقّفًا، لم يكن لنا حظّ متابعة الرياضة مرّة أخرى، وبدلًا من ذلك، كنت أقرأ وأشاهد الأفلام لتوسّع آفاقي؛ وهو ما قادني لاحقًا إلى دراسة الإنجليزيّة في الجامعة، بعد ذلك عملت في الترجمة والإعلام، حتّى استطعت جمع مبلغ من المال لدراسة ماجستير ’التواصل، والعمل الإعلاميّ، والعلاقات العامّة’ في ’جامعة سوانسي’".

وتضيف: "في سوانسي، كان أوّل ما فعلت، أن اشتريت درّاجة هوائيّة، ووقعت في غرام ركوبها وقيادتها أميالًا في الجبال، وعلى الساحل، وشعرت بأنّني حرّة، لكن حينما عدت إلى فلسطين عدت بعقليّة ركوب الدرّاجات، وكنت مستعدّة لمواجهة أيّ أحد يقول لي، إنّ المرأة يجب عليها ألّا تكون فوق درّاجة، لكنّ الصدمة الثقافيّة هزّتني بعدها، أن تقود امرأة درّاجة لم يكن أمرًا مقبولًا، ولم أستطع القيام بذلك. بقدر الإحباط هذا، جمعت ما تبقّى لديّ من شجاعة، وسجّلت في نادي رياضة لتعلّم الملاكمة، وكانت هذه معركتي الخاصّة مع الأشباح، سألني مدرّب النادي: لماذا تريدين تعلّم الملاكمة؟ أجبته: هل تسأل الذكور هنا نفس السؤال؟ أم أنّ الأمر متعلّق بي لأنّي امرأة؟ بعدما قُبلت، كنت المرأة الوحيدة المحجّبة الّتي تتعلّم الملاكمة، وسيرورتي قادتني بعد ذلك لأكون السكرتيرة العامّة لـ ’اتّحاد الملاكمة الفلسطينيّ‘".

 

ملاك حسن

 

بعد هذه المرحلة، بدأت رحلة ملاك حسن مع ركوب الدرّاجات، الّتي لاقت فيها أوّل الأمر تجاهلًا من المجموعات المقتصرة على الذكور. لاحقًا وجدت مجموعة أخرى قبلت انضمامها، وهناك شاركت صهيب سمارة في تأسيس ’فلسطين ع البسكليت‘، المجموعة الّتي بدأت برحلة طولها 40 كم بين أريحا وطوباس. إنّ هذا النادي مفتوح الآن أمام النساء، ولملاك اليوم الفضل في ريادة ركوب النساء للدرّاجات في فلسطين.

تقول: "منذ 2016، زرنا حوالي 300 قرية وبلدة ومدينة، وانضمّ إلى رحلاتنا حوالي 3000 شخص، واليوم لدينا أكثر من 100 عضو أساسيّ، ضمنهم 30 امرأة. مجموعتنا الّتي تضمّ درّاجين ذوي تجربة ودرّاجين جددًا، تستخدم الدرّاجة لاستكشاف أرضنا وأسرارها، ومعرفة تاريخها، والتواصل مع حاضرها، واستيعاب التنوّع الفلسطينيّ."

تضيف: "نقوم بجولات الدرّاجات كلّ يوم جمعة، ونعلنها على الفيسبوك، يدفع المشاركون مصاريف النقل فقط؛ إذ نستخدم شاحنات لنقل الدرّاجات، وحافلات لنقل المشاركين. أنا أقوم بالجهد الإبداعيّ، وكتابة القصص، وصناعة الفيديوهات، وخلق الوعي بالرياضة، في حين يهتمّ شريكي في التأسيس، سمارة، بالجهد العمليّ، ويعمل مرشدًا للجولات".

 

 

تستطرد: "نسافر من قرية إلى أخرى، نعيد اتّصال الناس بأرضهم، بعدما قيل لنا إنّها لم تعد في ملكنا، ونعيد اكتشاف العديد من الكنوز. إنّها تجربة تعليميّة وتمكينيّة، يقدّمها ركوب الدرّاجة، بحرّيّة الحركة الّتي يقدّمها. ركوب الدرّاجة في فلسطين تجربة فريدة من نوعها؛ لأنّه لا وجود للعديد من الممرّات المخصّصة للدرّاجات؛ لذلك فكلّ طريق، سواء أمعبّدًا كان أم لا، يمكن أن يُعَدّ ممرًّا للدرّاجات، يقود إلى اكتشاف كنوز مخفيّة. وأصبح ينضمّ إلينا عدد من السيّاح الدوليّين في طريق بديل، يجعلهم يرون فلسطين الحقيقيّة، وشعبها الّذي يكون دائمًا مرحِّبًا ومضيافًا؛ يسوقون درّاجاتهم عبر الأراضي الخضراء، والمناظر الطبيعيّة الّتي تشكّلها أشجار اللوز والكرز والمشمش، ويجرّبون سحر فلسطين على طول المسار. إنّ الطريقة المثلى للتواصل مع السكّان المحلّيّين، تكون عبر قيادتك للدرّاجة؛ إذ سيُفتنون بدرّاجتك، وسيتطلّعون عادةً إلى مشاركتك أكثر قصصهم الشخصيّة إذهالًا".

وجوابًا عن سؤال: "هل تواجهكم أيّ صعوبات مع الإسرائيليّين؟"، تقول ملاك حسن: "نعم، أوقفونا مرّة من طرف سيّارتَي ’جيب’ تابعتين للجيش الإسرائيليّ، وأبعدونا عن المنطقة؛ بحجّة أنّنا ممنوعون من ركوب الدرّاجات في ذلك المكان".

تشير ملاك إلى أنّ الصعوبة الرئيسيّة، تكمن في البنية التحتيّة الفقيرة في الضفّة الغربيّة، وخاصّة في مناطق "ج"، الّتي تخضع للسيطرة الإسرائيليّة، والّتي تشكّل الطرق فيها خطرًا على الدرّاجين، تُضيف ضاحكة: "غالبًا ما أصوّر بكاميرا مثبّتة على خوذة الحماية، لكن أحيانًا أصوّر بهاتفي، ويحدث أن أسقط من فوق درّاجتي بسبب الطريق".

 

 

تنتقل ملاك بسرعة لتشير إلى أنّ "مشكلتنا الأساسيّة تكمن في تغيير التصوّرات القديمة، وهذا تحدّينا. تُسَرّ النساء برؤيتي أقود الدرّاجة في المدن، لكن حينما أذهب إلى القرى، يُصدم الرجال، وغالبًا ما يقومون بتهديدي بأنّهم سيخبرون أبي بالأمر".

تقود ملاك درّاجتها إلى العمل، وهي متحمّسة بشأن المستقبل، تقول: "الفلسطينيّون معجبون بالدرّاجات؛ ففي الوقت الّذي أصبحت فيه المدن مكتظّة بالسكّان، لم يبقَ سوى مساحات قليلة، على حين خلق ركوب الدرّاجات طرقًا غير مرئيّة، توفّر منفذًا جديدًا".

تختم ملاك حسن، باقتباس الروائيّ الأمريكيّ هيرمان ميلفل Herman Melville، الّذي قال: "لن تجدها في أيّ خريطة، الأماكن الحقيقيّة لا تكون على الخريطة أبدًا". تقول: "فهمت جيّدًا ما كان يعنيه حينما بدأت ركوب الدرّاجة حول فلسطين؛ بهدف رياضيّ ومغامراتيّ، اكتشفت أنّ التجارب الحقيقيّة لا توجد في الطرق المكتظّة، بل في الممرّات الّتي لا يمشي فيها السيّاح والمحلّيّون عادة. إنّ الطريقة المثلى لاكتشاف فلسطين تكمن في وضع عدسات محلّيّة، والركوب على سرج الدرّاجة".

بعد نهاية مقابلتي مع ملاك، تسلّلت إليّ حماستها، وتملّكتني رغبة في اقتناء درّاجة، والانضمام إليها وإلى فريقها، والسير في طرق فلسطين، وبدء تجربة اكتشاف وجهها الآخر.

 

 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من الإنجليزيّة والفرنسيّة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، بإشراف المترجمين، أسامة غاوجي ومعاد بادري.

موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا. 

* الموادّ البصريّة الواردة في هذه المقالة من اختيارات هيئة التحرير، لا المصدر الأصل.