من برايتون مع الحبّ: 25 عامًا من التضامن الشعبيّ مع القضيّة الفلسطينيّة | ترجمة

من احتجاجات «حملة برايتون وهوف للتضامن مع الفلسطينيّين» الأسبوعيّة

 

العنوان الأصليّ: From Brighton with love: 25 years of grassroots solidarity toward the Palestinian cause.

المصدر: The New Arab. 

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة. 

 

إذا ما مررت بميدان تشيرتشل بعد ظهر أحد أيّام السبت، فإنّك على الأغلب سترى أناسًا يحملون الأعلام الفلسطينيّة بالقرب من «برج الساعة»، ويوزّعون المناشير على المارّين. إذا ما دفعك فضولك إلى التوقّف لحظة وأخذ منشور من المناشير، فإنّك ستقرأ فيه: "أصبح الأمر رسميًّا: معاملة إسرائيل للشعب الفلسطينيّ نظام أبارتهايد".

"أصبح الأمر رسميًّا" إضافة جديدة على المنشورات، أُضيفت بعد أن أعلنت ثلاث منظّمات حقوق إنسان عالميّة - «هيومان رايتس ووتش»، و«بتسيلم»، و«منظّمة العفو الدوليّة» - ممارسة إسرائيل للأبارتهايد.

تحصل الوقفات على ميدان تشيرتشل كلّ سبت منذ عام 1997، ولم تنقطع بشكل طويل إلّا خلال جائحة كوفيد-19. كانت تلك أيضًا سنة إنشاء «حملة برايتون وهوف للتضامن مع الفلسطينيّين»، الفرع الأوّل من 70 فرعًا توجد اليوم في المملكة المتّحدة.

تناضل هذه الحملات من أجل حقوق الشعب الفلسطينيّ، بما في ذلك حقّ تقرير المصير وعودة اللاجئين. وتدعم "الكفاح من أجل تحصيل هذه الحقوق ضدّ سياسات التهجير والأبارتهايد الّتي تنتهجها الدولة الإسرائيليّة، وضدّ احتلالها العسكريّ للأراضي الفلسطينيّة" كما تعرّف نفسها على موقعها الإلكترونيّ.

الذهاب إلى هذه الوقفات مرّات كثيرة خلال الأشهر الماضية، وتبادل الكلام مع الحاضرين، يجعلك تدرك كيف أصبحت هذه التجمّعات جزءًا من حياة المشاركين.

معظم المشاركين في الوقفات أوروبّيّون متوسّطو العمر والدخل، ومعظمهم التزموا بهذا الحراك الأسبوعيّ من أجل فلسطين على مدى سنوات. هذا الالتزام يدفع إلى التساؤل عن الأسباب الّتي تقف وراءه، والّتي تجعل النشطاء البريطانيّين يرون في القضيّة الفلسطينيّة قضيّتهم.

 

الالتزام نحو فلسطين

بن ستيل، سكرتير «حملة برايتون وهوف للتضامن مع الفلسطينيّين»، يعمل مع الحملة منذ عام 1999. نشأ في أسرة يهوديّة، لوالدين مؤيّدين للصهيونيّة وداعمين لإسرائيل. أخبر «العربيّ الجديد»: "لديّ مسؤوليّة شخصيّة للمشاركة في تحرير الشعب الفلسطينيّ؛ لأنّي أشعر بنوع من المسؤوليّة عمّا حصل".

يضيف بن: "لقد تنقّلت طويلًا في رحلتي الّتي بدأت منذ كنت طالبًا، وعرفت عن الحقيقة وعن إسرائيل بعد حرب الأيّام الستّة في عام 1967. لم أمرّ وحدي بتلك التجربة، عدد كبير من اليهود يشعرون بقوّة بأنّ معاملة إسرائيل للفلسطينيّين يجب ألّا تتمّ باسمهم".

كارولاين أورايلي، ناشطة في «حملة برايتون وهوف»، بدأت تتعلّم عن فلسطين من والدها، بعد أن زارت إسرائيل وصُدمت بما رأته هناك. قرّرت بعد ذلك أن تتطوّع لتدريس اللغة الإنجليزيّة في «جامعة النجاح» في نابلس. في مقابلة مع «العربيّ الجديد»، أخبرتنا بأنّ ذلك "سمح لي أن أرى الواقع على الأرض، وحياة الفلسطينيّين اليوميّة تحت الاحتلال الإسرائيليّ، وأن أرى جدار الأبارتهايد، والحواجز".

هذه الزيارات جعلتها تلتزم بنشاطها في المملكة المتّحدة. بعد أن انتقلت للعيش في برايتون من لندن في عام 2000، انضمّت إلى «حملة برايتون وهوف للتضامن مع الفلسطينيّين». تكون كارولاين بالقرب من «برج الساعة» كلّ أسبوع، حاملة مكبّر صوت، تشجّع الناس على توقيع عريضة لدعم العشب الفلسطينيّ، "أعتقد أنّي أحبّ استعمال مكبّر الصوت لأنّي معلّمة" تقول كارولاين وتضحك.

 

العمل مع المجتمع المحلّيّ

ليست هذه الوقفات النشاط الوحيد الّذي تنظّمه حملة التضامن، ثمّة نشاطات أخرى تهدف إلى دعم انخراط سكّان برايتون وهوف. من بين هذه النشاطات لقاءات عامّة، وعروض أفلام، وموسيقى، ولقاءات إلكترونيّة، ومظاهرات. بعض هذه النشاطات كان مع مدارس وجامعات وكنائس وجوامع وكنس محلّيّة. كما يخبرنا بن: "لقد منعنا مجموعات فنّيّة إسرائيليّة من الحضور إلى برايتون؛ لأنّهم يعلمون أنّ فعاليّاتهم سوف تُعطَّل".

"أقنعنا كذلك مجموعات في جامعتَي «برايتون» و«سَسِكس» بإيقاف التعاون مع الجامعات الإسرائيليّة، وأقنعنا متاجر محلّيّة بالتوقّف عن بيع منتجات إسرايئليّة، خاصّة تلك المصنوعة في المستوطنات".

تبنّي إستراتيجيّات حملة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» واحدة من الأدوات الّتي تركّز عليها «حملة برايتون وهوف». لا تتوقّف دعوات المقاطعة عند المؤسّسات الإسرائيليّة، بل تمتدّ إلى أيّة شركة لها مصالح في المستوطنات الإسرائيليّة غير القانونيّة.

واحدة من هذه الحملات هي حملة مقاطعة «بوما»، الّتي تهدف إلى إنهاء رعاية «بوما» لـ «اتّحاد كرة القدم الإسرائيليّ»؛ ذلك أنّ الاتّحاد "يعمل ضمن المستوطنات الإسرائيليّة غير القانونيّة القائمة على أراضٍ فلسطينيّة مسروقة".

في شباط (فبراير) الماضي، احتجّ عشرات من النشطاء أمام متجرين لبيع الأدوات الرياضيّة في برايتون، ضدّ بيع منتجات «بوما»، حاثّين المارّة والزبائن على مقاطعة «بوما»، وموصلين رسائل إلى مديري هذه المتاجر عن أسباب المقاطعة.

 

«إيكوستريم» خارج برايتون

من أهمّ نجاحات «حملة برايتون وهوف للتضامن مع الفلسطينيّين»، كان إجبار «إيكوستريم» على الخروج من برايتون.

في صيف عام 2012، فتحت «إيكوستريم» متجرًا في برايتون، وهو ما حوّل المنطقة إلى منطقة صراع بين حملة التضامن و«أصدقاء إسرائيل في سَسِكس». بدأت حملة التضامن احتجاج ’الاستهلاك الأخلاقيّ‘ كلّ أسبوع أمام المتجر الجديد؛ لأنّه "شريك لـ «سوداستريم» الّتي يقع مصنعها الرئيسيّ في مستوطنة إسرائيليّة غير قانونيّة في الضفّة الغربيّة، حيث دُمِّرت قرًى فلسطينيّة وهُجِّر سكّانها من أجل إفساح المجال أمام المستعمرين الإسرائيليّين وأشغالهم.

في الوقت ذاته، بدأت مجموعة «أصدقاء إسرائيل في سَسِكس» بالاحتجاج لدعم المتجر ضدّ حملة المقاطعة. لسنتين تقريبًا، ظلّت الأعلام الفلسطينيّة والإسرائيليّة تُرفع كلّ يوم سبت أمام المتجر، حيث يتجمّع العشرات للاحتجاج.

أدّى هذا إلى تعاظم كبير في التوتّر، وإلى عدد من الاعتقالات. كارولاين كانت واحدة من المعتقلات. "كنت أحمل مكبّر الصوت، وكان يوم وفاة نيلسون مانديلّا". قلت: "لقد كان مانديلّا بطلًا، وكان مناصرًا للفلسطينيّين"، أتت شرطيّة قالت: "إنّهم سيعتقلونني إذا ما استمررت في استخدام مكبّر الصوت".

"سألتها: لماذا يُسمح للمجموعة المناصرة لإسرائيل بتشغيل الموسيقى؟ واستمررت في استعمال مكبّر الصوت. أتوا إليّ واعتقلوني". في عام 2014، قرّرت «إيكوستريم» إغلاق متجرها في المدينة. كان ذلك انتصارًا كبيرًا لـ «حملة برايتون وهوف».

 

مستقبل صعب

مع أنّ لـ «حملة برايتون وهوف» حضورًا قويًّا في المدينة، ثمّة تحدّيات حقيقيّة قد تواجه الحركة في المستقبل. أحد هذه التحدّيات محاولة الحكومة البريطانيّة تجريم حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات ضدّ إسرائيل، ومنعها من استخدام التكتيكات الّتي ساهمت في تحرير جنوب أفريقيا. نجحت هذه المحاولات في بعض المناطق؛ من خلال تبنّي عدد كبير من الجامعات البريطانيّة لتعريف معاداة الساميّة الخاصّ بـ «التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست».

تعريف «التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست» يشتمل على فقرة تقول إنّ "إنكار حقّ الشعب اليهوديّ في تقرير مصيره، مثل ادّعاء أنّ وجود دولة إسرائيل هو مسعًى عنصريّ" يُعَدّ معاداة للساميّة".

عبّر عدد كبير من الأكاديميّين والصحافيّين والمفكّرين العرب عن مخاوفهم من «التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست»، قائلين إنّه "يُستخدَم في أغلب الأحيان ضدّ الجماعات اليساريّة والجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان، الّتي تدعم حقوق الفلسطينيّين وحركة المقاطعة". حتّى مجموعات يهوديّة تعارض «التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست»، وتعتبره "يتضمّن حماية دولة إسرائيل من المحاسبة".

يوافق بن على أنّ هذا الأمر مشكلة كبيرة، ويعتبره "بيئة معادية للعمل، حيث تُطرح تشريعات تجعل من حملتنا لدعم فلسطين غير قانونيّة تقريبًا؛ بسبب الأساطير المحيطة بمعاداة الساميّة". "بصفتي يهوديًّا، من الصعب عليّ أن أصدّق أنّي معادٍ للساميّة، أنا - دون شكّ - معادٍ للصهيونيّة، وهي ليست الشيء نفسه. لكن بالطبع، ما تحاول إسرائيل ومناصروها في المملكة المتّحدة إنجازه هو تحقيق تماثل تامّ بين معاداة الصهيونيّة ومعاداة الساميّة. نجحوا بفعل ذلك في ألمانيا في السابق، والآن يحاولون فعل الأمر ذاته في المملكة المتّحدة".

تحدٍّ آخر تواجهه الحركة هو عمر المشاركين؛ فمعظمهم أكبر من خمسين عامًا في السنّ. يطرح هذا تساؤلات حول استمراريّة المجموعة، خاصّة أنّ عددًا من أعضائها الأساسيّين ماتوا بالفعل. الشباب غائبون تمامًا في المجموعة البؤريّة، وإن كنت تراهم في الاحتجاجات الكبيرة من أجل فلسطين.

رَسِل كرادوك، عضو في «حملة برايتون وهوف» منذ عقود، أخبر «العربيّ الجديد» أنّ الأمر قد نوقش في الاجتماعات الداخليّة، لكنّه يعتقد أنّ "النشطاء الشباب يقومون بأفعال أكثر راديكاليّة، لهذا ترى عددًا كبيرًا منهم في الاحتجاجات الكبيرة، أو في حركات أكثر راديكاليّة مثل حركة «Palestine Action»".

"كذلك، ليست القضيّة الفلسطينيّة القضيّة المهمّة الوحيدة، ثمّة قضايا أخرى مثل التغيّر المناخيّ، والسياسات الجندريّة، وحراك «حياة السود مهمّة»، أو «أوقفوا مشروع القانون»، حيث ينشط الناس. إذا ما نظرت إلى هذه الحركات، فسترى مشكلة العمر ذاتها. الناس في الثلاثينات أو الأربعينات من أعمارهم مشغولون أكثر في مساراتهم المهنيّة وعائلاتهم، بالتالي، لديهم وقت أقلّ من أجل هذا النوع من النشاط" يُكمل رَسِل.

كثيرون من أعضاء الحملة يأملون في رؤية الأمور تتغيّر في فلسطين، لكنّهم يعرفون أنّ الأمر لن يكون سهلًا، وأنّه لن يحدث قريبًا. تقول لنا كارولاين: "ثمّة تغيير تدريجيّ يحدث نحو إنهاء نظام الأبارتهايد في فلسطين. قد لا أراه في حياتي، وهو أمر فظيع، لكنّي أظنّ أنّي سأراه خلال حياة أطفالي".

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.