والله معنا وإلى جوارنا؟ | ترجمة

من قطاع غزّة

 

المصدر: Counter Currents.

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة. 

 


 

الأحد، السابع من آب (أغسطس)، اليوم الّذي يحتفل فيه اليهود حول العالم بعيد «تشعاه بآف»، يوم الحداد التقليديّ على الكوارث الّتي ألمّت باليهود عبر تاريخهم، تذبح دولة إسرائيل 44 إنسانًا على الأقلّ، 15 منهم من الأطفال في قطاع غزّة المحاصر. أبعد من المفارقة المريعة لهذه المذبحة، من الصعب عليّ ألّا أراها جزءًا من حرب مقدّسة عالميّة أوسع.

حرب مقدّسة، ليست مثل الحروب الصليبيّة، ولا مثل المخاوف الأمريكيّة والأوروبّيّة من ’الجهاد الإسلاميّ‘. لا نملك بعد اسمًا لهذه الحرب المقدّسة، لكنّ تمثّلاتها تمتدّ من غزّة حتّى قلب الولايات المتّحدة الأمريكيّة. نرفض أن نعترف بهذه الحرب المقدّسة؛ لأنّ الاعتراف بها سوف يجبرنا على النظر بعمق في المرآة. إنّها حرب مقدّسة مبنيّة على تهيُّؤات حول القوّة و’الاصطفاء‘. أكثر ما يؤرّق في الأمر هو أنّ هذه المخاوف والتهيّؤات متأصّلة في تشويهات سامّة للنصوص المقدّسة والتقاليد الدينيّة.

 

«الزمالة من أجل المصالحة»

بوصفي ناشطة سلام مخضرمة، وإنسانة يهوديّة الإيمان، ورئيسة سابقة لمجموعة «كود بنك: نساء من أجل السلام»، فقد قضيت معظم سنوات عمري في العمل على إنهاء حالة العسكرة والحروب الأمريكيّة، ومن أجل الحرّيّة والعدالة للفلسطينيّين. عندما بدأت فترتي مديرة لمنظّمة «الزمالة من أجل المصالحة»، المنظّمة العابرة للأديان من أجل السلام والعدالة، الأكبر من نوعها في تاريخ الولايات المتّحدة، ظهرت أمامي أبعاد هذه الحرب المقدّسة أكبر من أن أتجاهلها.

في وطني، ظهرت الدعامات الأيديولوجيّة لهذه الحرب المقدّسة معروضة على العلن الأسبوع الماضي فقط، في «مؤتمر الحراك السياسيّ المحافظ» في دالاس، تكساس، حيث كان المتحدّث الافتتاحيّ في المؤتمر هو رئيس الوزراء الهنغاريّ المستبدّ، الّذي يهاجم اختلاط الأعراق، والعلاقات المثليّة، ويدعو إلى إنشاء ’ديمقراطيّة مسيحيّة‘.

بعد انتخابات عام 2020، نظّم نشطاء يمينيّون داعمون لدونالد ترامب مجموعة مسيرات سمّوها ’مسيرات أريحا‘، مستحضرين القصّة الدمويّة لحصار أريحا من الكتاب المقدّس من أجل إبقاء ترامب رئيسًا. مع اقتراب السادس من كانون الثاني (يناير)، كان بالإمكان رؤية أعضاء من جماعة «أولاد فخورون» يصلّون بالقرب من نصب ’واشنطن‘، مقارنين ’التضحية‘ الّتي كانوا يتحضّرون لتقديمها بصلب يسوع المسيح. في اليوم التالي، كانوا يعربدون في المدينة ويهاجمون الكنائس الأمريكيّة الأفريقيّة والمنازل الّتي حملت لافتات ’حياة السود مهمّة‘. أشاد القسّ جريج لوك من ولاية تينيسي بحركة «أولاد فخورون»، وأشاد بأمريكا باعتبارها "المعقل الأخير للحرّيّة المسيحيّة".

يوم السادس من كانون الثاني (يناير)، مشت ’مسيرات أريحا‘ نحو واشنطن العاصمة، وأعضاؤها يحملون الأعلام الأمريكيّة وشوفار (أداة طقوس يهوديّة، مصنوعة من قرن كبش، ترمز إلى الحرّيّة والقداسة والنداء من أجل العمل في خدمة الربّ).

 

’الواجب المسيحيّ‘

لهذا المزج بين العنف والتفسير المجدّف للمسيحيّة في الولايات المتّحدة جذور ضاربة في مفهوم ’الواجب المسيحيّ‘، الّذي حرّك الإعدامات الجماعيّة خارج نطاق القانون في فترة سابقة من التاريخ الأمريكيّ[1]. اليوم، يظهر الواجب المسيحيّ في صورة حملات إعلانيّة بسيطة. مصنّعو الأسلحة «سبايكس تاكتيكال» من فلوريدا يروّجون بندقيّة أ.ر. 15 الّتي يصنعونها، من خلال نقش المزمور 144:1 عليها "مُبَارَكٌ الرَّبُّ صَخْرَتِي، الَّذِي يُدَرِّبُ يَدَيَّ عَلَى الْقِتَالِ وَأَصَابِعِي عَلَى الْحَرْبِ".

السلاح الّذي قتل 19 طفلًا ومعلّمتين في بلدة يوفالد في تكساس، تصنّعه شركة «دانيال دفنس» من ولاية جورجيا. يوم المذبحة، تضمّن منشورهم الترويجيّ على منصّات التواصل الاجتماعيّ صورة رضيع يحمل بارودة في حضنه، والآية 22:6 من سفر الأمثال "دَرِّبِ الْوَلَدَ بِمُقْتَضَى مَوَاهِبِهِ وَطَبِيعَتِهِ، فَمَتَى شَاخَ لَا يَمِيلُ عَنْهَا".

اليمين الأمريكيّ المتطرّف يجذب الكبار في السنّ عادة، لكنّ النازيّين الجدد في أمريكا يقومون بجهود عظيمة من أجل جذب صغار السنّ. أمّا الحركة القوميّة المتطرّفة الإسرائيليّة فهي تضمّ أصلًا أعدادًا كبيرة من المراهقين.

صباح العشرين من تمّوز (يوليو)، شهدت الجبهة الإسرائيليّة من هذه الحرب المقدّسة تدفّق آلاف من المتطرّفين اليهود من صغار السنّ، الّذين ينتمون إلى حركة «نخلاه» الاستيطانيّة، نحو سبعة مواقع غير مأهولة في الضفّة الغربيّة المحتلّة. مع شراشيب دينيّة معلّقة على خواصرهم، وأعلام بيضاء وزرقاء في أياديهم، وبنادق إم 16 على ظهورهم، أقاموا خيامًا ومطابخ مؤقّتة ومدارس دينيّة. حتّى أنّ واحدة من النقاط الجديدة ضمّت قلعة لعب منفوخة، وماكينة لصنع حلوى شعر البنات.

وصفت إيليت شاكيد، وزيرة القضاء الإسرائيليّة، هؤلاء المراهقين بأنّهم "ملهمون، ومخلصون، ورائعون"، وانتقدتهم جماعة «شباب التلال» الدينيّة المتطرّفة لأنّهم لم يكونوا أكثر عسكرة وقوّة. تدخَّل الجنود الإسرائيليّون والشرطة الإسرائيليّة في نهاية المطاف، وأخلوا النقاط السبع من المستوطنين، لكنّ «نخلاه» وعدوا أنّهم سوف يعودون وسوف يبنون من جديد. ليس وعد «نخلاه» مفاجئًا - يدّعي هؤلاء أنّ اليهود "وُعِدوا بأرض إسرائيل في الكتاب المقدّس" – وهذا ليس تهديدًا فارغًا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التاريخ المريع لاعتداءات المستوطنين.

بغضّ النظر عن اتّجاهاتك الدينيّة أو السياسيّة، وعن حجم الهوّة الّتي تقوم بيننا حاليًّا، لا أستطيع إلّا أن أصدّق أنّ كلّ من يملك ضميرًا يشعر بالقرف من تشويه النصوص المقدّسة؛ من أجل تبرير التفوّق الأبيض والمسيحيّ، أو - في حالة إسرائيل - التفوّق اليهوديّ.

 

من أجل إيقاف دفق التفوّق

بروح الأعضاء والقادة الّذين سبقوني في منظّمة «الزمالة من أجل المصالحة» - مارتن لوثر كنج، أ.ج. موست، جان أدامز، وآخرين - لقد حان الوقت لاستخدام كلّ القوّة الأخلاقيّة الجمعيّة لتقاليدنا الإيمانيّة؛ من أجل إدانة هذه الأشكال، من التفوّق والعنف اللذين يستحوذان على النصوص المقدّسة ويشوّهانها. لقد حان الوقت حتّى نقول بوضوح، وبلا أيّ تحفّظ، إنّ التلاعب بالمقدّسات من أجل أهداف سياسيّة قاتلة، ومن أجل انتهاك حقوق الإنسان، سواء كان من قِبَل مسيحيّين أو يهود أو مسلمين أو هندوس، لا يمكن قبوله ولا السكوت عنه.

بوصفها منظّمة سلام وعدالة عابرة للأديان، تؤمن «الزمالة من أجل المصالحة» بأنّه يجب أن تبثّ هذه الرسالة عبر دور العبادة في أنحاء البلاد. في ذكرى كلمات د. كنج وبصوته حين أخبرنا: "ليس هو عنف القلّة ما يخيفني، بل صمت الأكثريّة"، ننادي كلّ رؤساء الطوائف والكنائس من كلّ التجمّعات والديانات والخلفيّات السياسيّة، أن يكسروا صمتهم عن تشويه المقدّس، وأن يفعلوا ما يعرفون كيف يفعلونه جيّدًا: أن يعظوا؛ أن يصلّوا، وأن ينتبهوا.

نسألهم أن يعظوا من على منابر الربّ عن السلام والحبّ والعدالة والرحمة.

نسألهم أن يصلّوا من أجل الشفاء والمصالحة في ظلّ هذا الانقسام الرهيب، وأن يستغلّوا منصّاتهم الدينيّة من أجل أن ينادوا للحرّيّة والأمن؛ من أجل أن ترفع إسرائيل حصارها الخانق عن غزّة، وأن توقف أمريكا تدريب رجال شرطتها برعاية صنّاع الأسلحة.

نحتاج منهم إلى أن ينتبهوا إلى الاتّجاه الّذي تسير إليه أرواحنا، وإلى التشويه الواضح للمقدّس حيثما حدث، وأن يتعاملوا مع عالم العنف بالطريقة المنطقيّة الوحيدة، بالحبّ واللاعنف.

 


إحالات

[1] ظاهرة شاعت في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في القرنين الـ19 والـ20، قامت فيها مجموعات كبيرة من العنصريّين الأوروبّيّين بشكل جماعيّ بمهاجمة أفارقة وقتلهم، غالبًا عن طريق شنقهم من الأشجار؛ من أجل بثّ الرعب في المجتمعات الأفريقيّة في أمريكا (المترجم).

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.