«القانون والأنبياء»: أساليب السيطرة الإسرائيليّة على الفلسطينيّين | ترجمة

«القانون والأنبياء» (2022)

 

العنوان الأصليّ: ‘The Law and the Prophets’ offers a master class on Israel’s control of Palestinians.

المصدر: Mondoweiss.

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة. 

 


 

’ممتع‘ ليست كلمة قد يختارها المرء لوصف فيلم يكشف المصفوفة المتداخلة والوحشيّة، من القوانين والسياسات والممارسات الّتي تستخدمها إسرائيل للسيطرة على الفلسطينيّين. ومع ذلك، فإنّ «القانون والأنبياء» (2022) - في 120 دقيقة - يقدّم نظرة شاملة، مصوّرة بإتقان، سريعة ومثيرة للاهتمام للتحدّيات والتهديدات اليوميّة الّتي تواجه الفلسطينيّين.

يُفْتتَح الفيلم بمشاهد لسهول رعويّة في لفتا؛ واحدة من مئات القرى الفلسطينيّة الّتي طُهِّرت عرقيًّا من قِبَل الميليشيات اليهوديّة، بعد إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948. صوت المرشد الإسرائيليّ يهاف زوهار يحكي كيف أنّه، حين كان طفلًا، لعب في بقايا القرية الموجودة على المنحدر قريبًا من القدس. يذكر زوهار أنّ لفتا قد أصبحت ’رسميًّا‘ متنزّهًا للأحياء اليهوديّة المحيطة بها؛ من أجل اللعب والنزهات. وعندما نشأ وتعلّم تاريخ القرية، يقول زوهار: "تغيّر معنى لفتا بالنسبة إليّ من ملعب إلى مكان يذكّرني بالنكبة".

 

الاستعمار والاستعمار الاستيطانيّ 

ثمّ، كما لو كان يقدّم للفيلم بأكمله، وليس مجرّد تعليق على قصّة لفتا، يقول الصحافيّ المستقلّ جوناثان كوك: "هذه القصّة غير مريحة للجمهور الغربيّ...". يشير كوك إلى الفرق بين الاستعمار والاستعمار الاستيطانيّ؛ إذ يقول: "المجتمعات الاستعماريّة، وبريطانيا مثال جيّد عليها، ذهبت إلى هناك لاستغلال السكّان الأصليّين، أمّا المجتمعات الاستعماريّة الاستيطانيّة، فهم يذهبون إلى هناك ليحلّوا محلّ السكّان الأصليّين... وهذا يأتي بثمن فادح على المجتمعات المحلّيّة؛ فقد يؤدّي إلى الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقيّ والفصل العنصريّ".

كانت فكرة الفيلم من تأليف جوشوا فيز، وهو قسّ يحمل شهادة الدكتوراة في التاريخ. يستضيف فيز جولات ’انغماسيّة‘ في فلسطين المحتلّة (إسرائيل)*. وعندما سأله موقع «موندويس» عن السبب الّذي دفعه والمنتج المشارك إيريك شروتنبور لصنع «القانون والأنبياء»، ردّ فيز: "منذ سنوات أعمل في المنطقة، وأحضر الناس إلى هنا للالتقاء بشخصيّات مذهلة. ما يشاركونه من قصص مهمّ للغاية؛ ولذلك سألنا: "كيف يمكننا تعزيز أصواتهم؟".

من خلال استخدام شهادات شخصيّة، تكشف كلمات فيز ما يصفه بأنّه ’حجاب شرعيّ‘ يغطّي اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطينيّ. يقول فيز: "كنت أعتقد أنّ الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ معقّد، لكنّه ليس معقّدًا... مجموعة من الناس ترى نفسها أفضل من مجموعة أخرى. وهذا الاعتزاز بالتفوّق يخلق الازدراء الّذي يخلق بدوره أنظمة القمع. في القرن الحادي والعشرين، يجب أن تُعْطَى أنظمة القمع هذه حجابًا من الشرعيّة، خاصّة عندما تدّعي المجموعة الّتي تدّعي أفضليّتها أنّها ديمقراطيّة وأخلاقيّة. وبالتالي؛ يكون إخفاء آليّات القمع وراء حجاب الأمن والقانون والنظام. ونظرًا إلى انصياع الجماهير الغربيّة للتعاطف مع الشعب اليهوديّ، فإنّ هذا الحجاب أكثر من كافٍ". يواصل فيز: "لكن بمجرّد أن ترى ما خلف الحجاب، لا يمكنك نسيان ما يكمن هناك. لا يمكنك ألّا ترى قبح القمع المفروض على الشعب الفلسطينيّ".

 

النكبة المستمرّة 

في «القانون والأنبياء» وصف سياق الأحداث الحاليّة بإيجاز، يتضمّن قرار تقسيم فلسطين، وتطهير الفلسطينيّين في عامَي 1948 و1949، لكنّ تركيز الفيلم الحقيقيّ هو على النكبة المستمرّة منذ ذلك.

يصف مؤسّسا مجموعة «مرصد مراقبة المحاكم العسكريّة» جيرارد هورتون، وهو محامٍ إسرائيليّ يهوديّ، وسلوى دعيبس، وهي فلسطينيّة تحمل الجنسيّة الإسرائيليّة، كيف يُعْتقَل الأطفال بين 12 و17 عامًا من منازلهم في منتصف الليل، وكيف يُهَدَّدون بملاحقتهم في المحاكم العسكريّة، بما يخالف القوانين الدوليّة واتّفاقيّات حقوق الإنسان. يرى المُشاهد مَشاهد لأطفال يعانون من التحقيق العنيف في مراكز الأمن الإسرائيليّة، الّتي تستخدم التهديد والترهيب بحقّهم، "ستذهب إلى السجن لفترة طويلة"، "سنعتقل أمّك؛ شقيقتك"؛ للحصول على اعترافات، والضغط عليهم للتعاون مع الإسرائيليّين.

من المنزل في رام الله، يتحدّث الفلسطينيّ الأمريكيّ سام بحور عن التحدّيات الّتي واجهته في بناء نظام اتّصالات فلسطينيّ. يشرح بحور كيف كُتِبت اتّفاقيّات أوسلو من أجل تعزيز سيطرة إسرائيل على الاقتصاد الفلسطينيّ. "من المسؤول عن وتيرة تطوّرنا؟ في النهاية، إسرائيل تحدّد الشروط". ويشرح فيس أنّ اتّفاقيّات أوسلو "لم تُنهِ الاحتلال، بل نظّمته".

 

«القانون والأنبياء» (2022)

 

في المزرعة الّتي عملت فيها عائلته، حتّى قبل أن يحصل جدّه على وثائق الملكيّة من الإمبراطوريّة العثمانيّة، يروي داوود نصّار كيف ساعد الجيش الإسرائيليّ ونظام المحاكم الإسرائيليّ المستوطنين، في جهودهم للاستيلاء على أرض عائلته.

الصحافيّ كوك يصف "سياسة التهويد في جميع أنحاء إسرائيل وفلسطين". ومثال على ذلك، يشير إلى التطوير اليهوديّ حول مدينة الناصرة الفلسطينيّة. ورغم أنّ المواطنين الفلسطينيّين يدفعون الضرائب إلى الحكومة الإسرائيليّة، فإنّ مدينتهم تُحْرَم من الموارد والأرض؛ فيحدّ هذا من نموّها وتطوّرها. وتُظهر مقاطع فيديو كيف تحتلّ إسرائيل حتّى السياحة، وكيف يزور مئات السيّاح أحد المواقع المسيحيّة المقدّسة في الناصرة كنيسة البشارة، ثمّ يغادرونها في الحافلات مباشرة؛ وهو ما يُحرم أصحاب المتاجر والمطاعم والفنادق العربيّة من الحفاظ على أعمالهم.

إيتامار شابيرا، جنديّ إسرائيليّ سابق، وشريك مؤسّس لمنظّمة «جنود من أجل السلام»، يشرح استخدام إسرائيل للهولوكوست، وتاريخ الضحيّة؛ لتقديم سرديّة تقول إنّ اليهود الإسرائيليّين يشعرون بالخوف والعزلة، وهو ما يبرّر عدم معرفتهم بالفلسطينيّين، ويبرّر الاحتلال.

 

مصفوفة السيطرة الإسرائيليّة 

في أحد المشاهد الأكثر إفصاحًا في الفيلم، يشرح الدليل السياحيّ يهاف كيف يجري إغراء الفلسطينيّين للتعاون مع المحتلّين؛ من خلال ضابط استخبارات إسرائيليّ يُعَيَّن لكلّ قرية في الضفّة الغربيّة. "ليس من أجل المال"، يقول يهاف "وليس من أجل مشاعر حبّ يكنّونها للحكومة الإسرائيليّة"، لكن بسبب معاناتهم مع الاقتصاد الّذي تخنقه إسرائيل، وحاجتهم إلى إطعام عائلاتهم؛ من خلال الحصول على تصريح للعمل في إسرائيل، حيث تكون أجورهم أعلى كثيرًا ممّا هي عليه في الضفّة الغربيّة. يمكن إلغاء التصاريح في أيّ وقت، يقول يهاف.

يُظهر الفيلم بصورة متقنة تقريبًا كلّ جانب من جوانب مصفوفة السيطرة الإسرائيليّة على الشعب الفلسطينيّ، بما في ذلك تأثير جدار الفصل العنصريّ والمستوطنات غير القانونيّة، ونظام المحاكم الثنائيّة في الضفّة الغربيّة [محاكم لليهود وأخرى للفلسطينيّين]، وسياسة هدم المنازل، وقمع المقاومة الفلسطينيّة، ونظام التصاريح المعقّد الّذي يتحكّم كلّ مناحي حياة الفلسطينيّين تقريبًا (الوصول إلى العمل والتعليم والخدمات الطبّيّة، ومن يحقّ للفلسطينيّين الزواج منه، وأيّ أماكن يحقّ للفلسطينيّين السفر إليها).

ينجح فيلم «القانون والأنبياء»  -وهي عبارة تُسْتخدَم عادةً لوصف مجمل الكتب المقدّسة العبريّة - في تعليم أولئك الّذين لا يعرفون شيئًا عن الوضع، وفي الوقت نفسه، يزيد من معرفة أولئك الّذين يتابعون التطوّرات الّتي تزداد سوءًا عبر السنين.

يعترف فيس ويهاف بأنّ عملهما وشهادتهما محدودان. ربّما يتحدّث يهاف باسم الاثنين، عندما يقول إنّه ما زال يرشد المجموعات "على أمل أن يؤدّي ذلك إلى فهم أوسع، ويؤدّي إلى التغيير، على الرغم من أنّني لا أستطيع القول بأنّني أرى بوضوح كيف يمكن ذلك...".

 

حرّاس الحقيقة

يُنهي فيس الفيلم بتكريم مؤثّر لأولئك الّذين شاركوا قصصهم، والّذين يصفهم بأنّهم نبيّون وحرّاس الحقيقة في زماننا. ويقول إنّهم ينضمّون إلى أسماء لا تُعَدّ ولا تُحْصى فُقِدَت في التاريخ: المناضلون، والناشطون، والصحافيّون، والمحامون، والمزارعون، والعبيد، والموسيقيّون، والأخوات، والإخوة، والأمّهات، والآباء، والبنات، والأبناء، والأصدقاء. كلّ واحد منهم على استعداد للمخاطرة بأشياء، وفقدان أشياء مثل الاحترام أو المال أو العلاقات الاجتماعيّة. حياة يملؤها اختيار الخسارات المستمرّة.

حيوات معظم الأنبياء شكّلتها الخسارة؛ هذا هو سرّ الأنبياء، إنّهم يجدون المعنى، بل السعادة أيضًا، في النضال القيّم؛ نضال متجذّر في الصدق والأخلاق والنزاهة والشجاعة والخدمة. الانتصارات مرضية، لكنّها تكون مؤقّتة، أمّا النضال الجدير فهو مستمرّ وخالد.

لم يُخْتَر الفيلم المستقلّ من قِبَل أيّة وسيلة إعلاميّة رئيسيّة حتّى الآن. في وقت سابق من هذا الشهر؛ نيسان (إبريل) 2023، اختارته «أصوات من الأرض المقدّسة» من أجل استضافته في العرض الشهريّ. شاهد 950 شخصًا الفيلم مجّانًا في وقت اختاروه بأنفسهم، وشاهد نحو 400 شخص الحوار الّذي قادته ميرسي أيكن من «شبكة إنجيليّين من أجل الشرق الأوسط»، بحضور فيز ومهنّد القيسي من «المبادرة المشتركة للدفاع»، وتشيس كارتر، مدير الاتّصالات في «مركز من أجل اللاعنف اليهوديّ».

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.