أن تكتب متوقّعًا الموت | ترجمة

كفن شهيدة من غزّة خلال الحرب الإسرائيليّة على القطاع، 21/10/2023 | عبد زقّوت، Getty.

 

العنوان الأصليّ: Writing while expecting to die.

الكاتبتان: كاثرين بيكر وأليس روثتشايلد.

المصدر: Mondowess.

ترجمة: علاء سلامة.

 

"نحن نموت ببطء والعالم يشاهد".

"نحن نموت ... كم أتمنّى لو كان بإمكاني تخيّل أشياء إيجابيّة! حتّى هذا الأمر سُلِب منّي".

"هل يمكنكم، إذا سمحتم، نشر القصص المرفقة إذا متّ؟".

هذه هي أنواع البيانات الّتي يتلقّاها المرشدون في مشروع «لسنا أرقامًا» (We are not Numbers) الآن، من الشبّان والشابّات في غزّة، عبر البريد الإلكترونيّ والرسائل الصوتيّة والنصّيّة عبر قنوات مختلفة، مثل «واتساب» و«فيسبوك» و«إنستغرام». المرشدون، الّذين هم كتّاب محترفون في الولايات المتّحدة وأوروبّا، بنوا علاقات بسكّان غزّة؛ من خلال عمليّة تحسين المقالات؛ للنشر على الموقع ووسائل الإعلام الأخرى.

«لسنا أرقامًا» مشروع مقرّه غزّة، تابع لـ «مرصد حقوق الإنسان الأورومتوسّطيّ»، وهدفه التصدّي لعدم وجود منظور أو سياق فلسطينيّ في الأخبار. منذ التأسيس في عام 2015، قدّم «لسنا أرقامًا» تدريبًا صحافيًّا لنحو 350 كاتبًا وكاتبة من فئة الشباب، وربطهم بكتّاب ناطقين بالإنجليزيّة ذوي خبرة؛ لتطوير المقالات الشخصيّة وتقارير الأخبار.

نُشِرَ أكثر من 1000 قصّة على موقع «لسنا أرقامًا»، ويدعمه وجود نشط على وسائل التواصل الاجتماعيّ. واصل العديد من خرّيجي «لسنا أرقامًا» العمل كتّابًا أحرارًا، أو في مجال الصحافة.

الكتّاب في «لسنا أرقامًا» (WANNers) كما يُطْلَق عليهم، في الغالب من غزّة، لكنّ البعض الآخر في الدفعة الحاليّة موجودون في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ولبنان، وماليزيا، والولايات المتّحدة، وتركيا. عادةً ما ينضمّ الكتّاب إلى «لسنا أرقامًا» عندما يكونون في أوائل العشرينات: العديد منهم لا يزالون في الجامعة، بينما يبدأ البعض الآخر في البحث عن وظائف في التعليم، والترجمة، وبرمجة الكمبيوتر، والعلوم، والرعاية الصحّيّة، ومهن أخرى. العديد منهم آباء وأمّهات.

كتب كتّاب «لسنا أرقامًا» مقالات حول مجموعة متنوّعة من الموضوعات، مثل امتحانات القبول في الجامعات، والشاطئ، وأشجار الزيتون، والمعلّمين الملهمين. يعلّق كتّابنا على كأس العالم، ويبرزون الفنّانين والمهندسين المحلّيّين، ويصفون عجائب المباني القديمة في غزّة، ويحلّلون أهمّيّة شكسبير في حياتهم. كتّاب «لسنا أرقامًا» خارج غزّة يكتبون مقالات حول تجاربهم في الشتات.

لكن في الغالب، يكتبون عن الحياة في فلسطين تحت الاحتلال، وغزّة تحت الحصار والقصف المتكرّر.

وفي هذه اللحظة، الحرب هي الموضوع الوحيد لهم.

إنّهم يحاولون بجنون الحفاظ على الاتّصال بالأصدقاء والأقارب. حسب معلوماتنا، لقد كان 20 كاتبًا وكاتبة على الأقلّ، من الدفعات الحاليّة والسابقة من «لسنا أرقامًا»، في تواصل مع معلّميهم منذ بداية القصف في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023.

المعلّمة ميشيل ليرنر عملت مع سبعة كتّاب، وحتّى قبل الوضع الحاليّ، كانت تتواصل مع بعضهم يوميًّا تقريبًا.

"كنت أساعدهم في مقالاتهم، وكذلك في طلبات المنح الدراسيّة، والتقديم للمجلّات الأدبيّة، وغيرها من الأمور العمليّة"، كتبت في مقال نُشِر في 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) في صحيفة «ذا هِل». "كنت أقرأ قصائدهم وقصصهم القصيرة، أنظر إلى صور أصدقائهم وعائلاتهم، وأتحدّث معهم بشكل مطوّل عن حياتهم وحياتي. كانوا يسألونني عن الأمور الشخصيّة، وعندما كانت صحّتي مهدّدة، كانوا يتواصلون باستمرار معي للتعبير عن قلقهم".

سارة جاكوبس هي معلّمة تتواصل حاليًّا مع ثمانية من أعضاء «لسنا أرقامًا». شاركتنا بعض الرسائل الّتي تلقّتها من واحد منهم:

7 تشرين الأوّل (أكتوبر): [8:47 م]، أنا ممتنّ لرسالتك حقًّا. وللحقّ، فإنّ الوضع هنا مقلق، ولا أحد محصّن من أن يصير ضحيّة القصف في أيّ لحظة، حيث إنّ الأيّام القادمة ستكون أصعب. الأصوات الّتي نسمعها تشبه تلك الّتي تظهر في أفلام ’نهاية العالم‘! والمَشاهد الّتي نراها على وسائل التواصل الاجتماعيّ مؤلمة للقلب. نحن حقًّا لا نتمنّى ذلك لأحد! ولكن بعد كلّ هذا، نحن على قيد الحياة وبأمان حتّى الآن، الحمد لله! [9:09 م]، ما دمتُ على قيد الحياة، فسأكون هنا لأخبركِ بما نمرّ به.

10 تشرين الأوّل (أكتوبر) [8:11 م]، لن أكذب عليك، ولكنّ الأمور ليست بخير حقًّا. أعمل من المنزل ثماني ساعات متواصلة في ترجمة الأخبار منذ بداية الهجوم. هذا يجعلني أراقب كلّ جانب من جوانب الأحداث، وهذا يجعلني أشعر كأنّني ميّت من الداخل. لا أحد هنا محصّن من القصف، ولا مكان للهروب. أشدّ النزاعات وحشيّة هو هذا النزاع! [8:19 م]، قبل ساعة فقط، كنت مشغولًا بشكل جنونيّ في عملي، وأُبْلِغْنا أنّه عُثِر على أختي وابنها على قيد الحياة، تحت أنقاض منزلها بعد قصف مبنًى مجاور له. وقد أرسلوا الآن ’أمر إخلاء‘ إلى البرج الّذي تسكن فيه أختي الأخرى! ما تمرّ به غزّة إبادة جماعيّة واسعة لا يمكن وصفها بالكلمات. على أيّ حال، الحمد لله على كلّ شيء، جيّدًا كان أو سيّئًا.

11 تشرين الأوّل (أكتوبر): صلّوا من أجلنا…

شاركت المعلّمة كيت كاسا رسالة تلقّتها هذا الصباح:

17 تشرين الأوّل (أكتوبر): شكرًا كيت على دعمك. الحمد لله، أنا وعائلتي بخير حتّى الآن. للأسف، ما يحدث في غزّة جنون تامّ، لقد مرّ 11 يومًا دون كهرباء، أو ماء، أو غذاء كافٍ، أو إنترنت. أبقونا في صلواتكم.

إضافة إلى المراسلات المتبادلة مع المعلّمين، هناك بعض أعضاء «لسنا أرقامًا» يتمكّنون من كتابة مقالات كاملة أثناء القصف. إيمان أشرف الحاجّ علي، طالبة الأدب الإنجليزيّ والترجمة في «الجامعة الإسلاميّة» في غزّة ’الّتي دُمِّرت الآن‘، عملت مع معلّمتها لنشر مقال في غضون 48 ساعة من الضربات الإسرائيليّة الأولى.

"إذا كان هناك شيء واحد أريد من الناس أن يعرفوه عن العيش تحت الاحتلال الإسرائيليّ"، كتبت في مقالها المؤرّخ في 9 تشرين الأوّل (أكتوبر) بعنوان «واقع غزّة الّذي لا يتزعزع: العصافير؛ الصفّارات، والبقاء على قيد الحياة»، "فهو كيف يمكن استبدال صوت صفير الصواريخ بأغاني الطيور بسرعة. في معظم الصباحات في غزّة، تستيقظ عائلتي على نغمات عصافير الدوري الإسبانيّة المميّزة، الّتي تزور نافذة مطبخنا. توقظ والدتي بلطف إخوتي الصغار، ونبدأ أيّامنا بصلاة الفجر، سابحين ببركات الله…

لكنّ صباح السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023، ذكّرنا أنّ روتيننا، مهما كان مقدّسًا، ليس آمنًا أبدًا".

كتب عبد الله الجزّار "نداء من أجل التضامن مع غزّة" على هاتفه، بينما كان في منزل مزدحم يأوي ما لا يقلّ عن 40 شخصًا: "أن تكون حيًّا الآن في حدّ ذاته معجزة، والفرصة للتحدّث مباشرة إليكم هي امتياز، وأمر غير مضمون في نفس الوقت… قد أكون غادرت بحلول وصول هذه الكلمات إليكم، لكنّني أؤكّد لكم، لم يفت الأوان. قد تحدث أصوات من غزّة من القبر؛ على أمل أن يصل صوتهم إلى أحد ما، في مكان ما، أخيرًا. هل سيكون ذلك هذه المرّة؟ المرّة القادمة؟ في أيّ مرّة؟".

"أنا في الخامسة من حربي"، كان شبّان «لسنا أرقامًا» في غزّة يمازحون بعضهم بعضًا بهذا، "لديّ درجة بكالوريوس في الحرب [حرب لكلّ عام من الدراسة]، والآن، أعمل على الماجستير".

كانوا أطفالًا عندما فازت حركة «حماس» في الانتخابات في عام 2005، والآن، أصبحوا في حربهم السادسة.

وفقًا لجميع التقارير؛ فإنّ القصف الإسرائيليّ الحاليّ على غزّة هو الأسوأ بأضعاف من المرّات السابقة، وله خصائص الإبادة الجماعيّة المحتملة. كتّابنا وكاتباتنا محاصرون داخل غزّة، مع انخفاض مخزون الطعام والماء والوقود، وتدمير البنية التحتيّة للطاقة والصرف الصحّيّ والرعاية الصحّيّة. إنّهم يتعرّضون للقصف المستمرّ. كما تشهد أقوالهم في هذا المقال، قال العديد منهم لمعلّميهم إنّهم يتوقّعون الموت في أيّ لحظة.

في الواقع، قُتِل واحد منهم بالفعل؛ يوسف ماهر دوّاس، صحافيّ ومصوّر وعازف جيتار واعد، قُتِل في 14 الأوّل (أكتوبر) مع أفراد عائلته.

ومع ذلك، يستمرّون في الكتابة، "نحن لسنا أرقامًا"، يعلنون من غزّة.

 


 

روزَنَة: إطلالة على حضور الثقافة الفلسطينيّة وشؤونها في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة- ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للقرّاء للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وطبيعة تناولها عالميًّا.