تأشيرة الاقتلاع: مقدّمة كتاب "مئويّة تصريح بلفور"

اللود أرثر بلفور (1848 - 1930(

'مئويّة تصريح بلفور (1917 - 2017): تأسيس لدولة، وتأشيرة لاقتلاع شعب'، كتاب جديد للمؤرّخ جوني منصور، صادر عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت، وذلك لمناسبة المئويّة الأولى (1917-2017) لإصدار بريطانيا تصريح بلفور. يقع الكتاب في 375 صفحة، موزّعة على ستّة أبواب، بالإضافة إلى ملحق بعدد من الصور الفوتوغرافيّة لشخصيّات وأحداث ذات صلة بموضوع الكتاب.

أمّا أبواب الكتاب: 1- خلفيّات تاريخيّة ومقدّمات لا بدّ منها؛ 2- أعلام وهيئات وأحداث على طريق صناعة التصريح؛ 3- '1917' – عام الحسم؛ 4- التصريح وتداعياته المباشرة؛ 5- نحو تدويل التصريح ومقاومته؛ 6- استعمار استيطانيّ تحت غطاء الشرعيّة الدوليّة.

تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة مقدّمة الكتاب بإذن من مؤلّفه:

يأتي هذا الكتاب ليعالج خلفيّات وتداعيات هذا التصريح الذي شكّل الأسس المركزيّة لإقامة الوطن القوميّ اليهوديّ في فلسطين، والتمهيد لاقتلاع الشعب الفلسطينيّ من أرضه.

وما كان ليصدر التصريح لولا مجموعة من العوامل والدوافع التي ساهمت في تمهيد الطريق لتحقيق ذلك. وبطبيعة الحال، لعب عدد من الشخصيّات السياسيّة الصهيونيّة، والبريطانيّة، والأوروبيّة، والأميركيّة، أدوارًا خاصّة وموجّهة في سبيل تذليل العقبات أمام الإعلان عن التصريح في 2 نوفمبر – تشرين الثاني 1917.

لا يمكن أن تمرّ المئويّة الأولى لهذا التصريح دون أن نقف عندها فاحصين ومدقّقين جيّدًا في مخلّفاته، وآثاره، وتداعياته على الشعب الفلسطينيّ والشعوب العربيّة بعامّة، وعلى منطقة الشرق الأوسط بطبيعة الحال.

لم يكن التصريح وليد ساعته، بل عبارة عن خلاصة فكريّة وسياسيّة لمشاريع استيلائيّة استعماريّة اقتلاعيّة للمنطقة، وضعتها أكبر دولة استعماريّة في ذلك الزمن، بريطانيا.

وفي الوقت ذاته، لا يمكننا أن نتجاهل دور بريطانيا المتحالف مع الحركة الصهيونيّة في تحقيق الهدف المركزيّ من وراء التصريح، وهو الاستيلاء على فلسطين، وطرد سكّانها، أو شريحة واسعة منها، والشروع بإقامة أسس دولة يهوديّة على أرض فلسطين.

والتصريح، وإن كان رسالة شخصيّة أرسلها بلفور إلى روتشيلد، إلّا أنّه وثيقة رسمّية مصادق عليها من قبل حكومة بريطانيا، وهو يُمثّل سياسات هذه الحكومة تجاه المنطقة وشعوبها، وفي هذه الحالة فلسطين والشعب الفلسطينيّ.

إنّ تصريح بلفور ليس وعدًا لليهود فقط، بل خطّة لاقتلاع الشعب العربيّ الفلسطينيّ من أرضه، ووطنه، وتاريخه، وحضارته... وبالتالي إحلال شعب آخر، أو مجموعة من شعوب وجماعات بشريّة متنوّعة جُمّعت من بلدان مختلفة لتحقيق هذه الغاية.

خطّة تصريح بلفور المرسومة أصلًا عبارة عن تقطيع وتمزيق أيّ محاولة لإقامة وحدة عربيّة من المحيط إلى الخليج؛ فالوطن القوميّ اليهوديّ المشار إليه في التصريح عبارة عن منظومة دولة عازلة – فاصلة وسط العالم العربيّ، وكان واضحًا لواضعي التصريح أنّ مثل هذا الوطن القوميّ الذي سيتحوّل إلى دولة، سيكون في صراع مستمرّ مع محيطه، وهذا بالفعل ما هو حاصل إلى يومنا هذا.

رسالة اللورد بلفور إلى البارون روتشيلد (8 تشرين الأوّل 1917)

وعلى المقلب الآخر، فإنّ مرور قرن (مائة عام) من الزمن، دون أن يجد العرب حلًّا للصراع، فيه إشارات خطرة جدًّا أيضًا، تثير مجموعة من التساؤلات.

لقد اعتمدنا في وضع هذا الكتاب على مصادر عدّة متوفّرة في المكتبة العربيّة والأجنبيّة، بما فيها رسائل جامعيّة حديثة العهد، ما يؤكّد أنّ موضوع التصريح لا يزال حيًّا وذو تأثير في ميادين متنوّعة، وفي مقدّمتها السياسيّ، والاجتماعيّ، والاقتصاديّ، ومنظومة العلاقات الإقليميّة والدوليّة، بالإضافة إلى كونه الركن الأساس في الصراع بين الحركة الصهيونيّة والحركة القوميّة العربيّة بعامّة، وبين الشعب الفلسطينيّ والمشروع الصهيونيّ الاستيلائيّ.

أمّا مبنى الكتاب، فهو مؤلّف من ستّة أبواب تعالج الخلفيّات التي ساهمت في تحضير وتمهيد الطريق لإصدار التصريح، والهيئات أو المؤسّسات التي عملت لدعم مشروع إصداره، وردود الفعل العربيّة والعالميّة المختلفة. وخصّصنا بابًا لمعالجة الجوانب القانونيّة بإيجاز، إذ إنّ هذا الأمر بحاجة إلى دراسات أخرى متخصّصة وموجّهة لهذا الغرض.

أردنا من هذا الكتاب أن تكون لنا مقولة مركزيّة، وهي تحميل بريطانيا كامل المسؤوليّة عن التصريح، وتحميل إسرائيل كامل المسؤوليّة عمّا وقع للشعب الفلسطينيّ من جرائم، ونكبات، وتهجير، وترحيل، وضرر بالغ جدًّا، لا يمكن قياسه إلّا بكونه كارثة رهيبة جدًّا لا تزال جارية على الأرض.

البارون روتشيلد (1868 - 1937) | المتحف الوطنيّ البريطانيّ، لندن

وفي مقولتنا تنديد بالمواقف الدوليّة والعربيّة أيضًا، التي أظهرت عجزها إلى الآن في معالجة القضيّة الفلسطينيّة. ولا يفوتنا في مقولتنا أن نقول إنّه لا يمكن التوصّل إلى سلام أو تسوية عادلة دون تصحيح الخطأ والضيم الذي وقع على الشعب الفلسطينيّ. وتصحيحه يعني اعتراف إسرائيل بارتكابها جريمة النكبة وما ترتّب عنها، وكذلك اعتراف بريطانيا بخطئها، وضرورة الاعتذار عنه، وبالتالي العمل على بناء قواعد لسلام وتسوية تاريخيّة.

آملين أن يكون هذا الكتاب خطوة تأسيسيّة وإضافية على طريق تطوير وتنمية الدراسات والبحوث المتعلّقة بتاريخ الصراع الإسرائيليّ – العربيّ/ الفلسطينيّ، إذ إنّ الحاجة ضروريّة لمثل هذه البحوث لفهم أكبر وأعمق لكيفيّة سير الحياة السياسيّة، والاقتصاديّة، والعسكريّة في إسرائيل، وليدة تصريح بلفور.

 

جوني منصور

 

محاضر في قسم التاريخ بالكلّيّة الأكاديميّة 'بيت بيرل'، يعمل في حقل التربية والتعليم منذ 37 عامًا، ناشط اجتماعيّ وسياسيّ في أطر مختلفة. له إصدارات وأبحاث عديدة في مجال التاريخ، منها: 'شوارع حيفا العربيّة'، 'الاستيطان الإسرائيليّ'، 'مسافة بين دولتين'، 'إسرائيل الأخرى'، 'الخطّ الحديديّ الحجازيّ'، 'الأعياد والمواسم في الحضارة العربيّة'، 'المدينة الفلسطينيّة في فترة الانتداب البريطانيّ'، 'المؤسّسة العسكريّة في إسرائيل'، 'حيفا، الكلمة التي صارت مدينة'، 'خارطة حيفا العربيّة'.