أداة فهم للواقع العربيّ: عن ترجمة "معجم تمهيديّ لنظريّة التحليل النفسيّ اللاكانيّة"

سيجموند فرويد وجاك لاكان

 

يستند النقد الأساسيّ لأفكار ونظريّات جاك لاكان، أحد أهمّ المفكّرين الفرنسيّين في القرن العشرين، إلى كونها مبهمة وغير قابلة للفهم. ويدّعي مؤيّدو لاكان، في المقابل، أنّ نظريّة التحليل النفسيّ اللاكانيّة ليست معدّة للجماهير العامّة، فهي اختصاصيّة لعلم النفس العلاجيّ، وتحديدًا لمؤيّدي التحليل النفسيّ الفرويدانيّ (سيجموند فرويد).

في ضوء هذا الجدل، يُعَدّ إصدار الأكاديميّ والمعالج النفسيّ البريطانيّ، ديلان إيفانس، "معجم تمهيديّ لنظريّة التحليل النفسيّ اللاكانيّة" (1996)، إسهامًا مهمًّا في مجال العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والفنون بعامّة؛ إذ يضمّ مصطلحات جوهريّة في كتابات لاكان، بهدف تسهيل تناولها، وقد بذل إيفانس مجهودًا كبيرًا في تحديد هذه المصطلحات، وتفسيرها وتوضيحها.

وتكمن هذه الأهمّيّة، أيضًا، في الترجمة العربيّة التي أنجزها الطبيب الفلسطينيّ، هشام روحانا، للمعجم، إذ تمكّن القارئ العربيّ، كان مختصًّا في علم النفس أم لا، من فهم التحليل النفسيّ اللاكانيّ، ليناقشه، أو ليستخدمه، أو ليطوّره مستقبلًا.

 

"مرحلة المرآة"

أذكر أنّ اسم لاكان كان معروفًا لديّ طالبًا لعلم النفس في جامعة تل أبيب، لكنّني لم ألمس أنّه كان اسمًا مهمًّا في الموادّ التعليميّة أو في المساقات المتعلّقة بنظريّات التحليل النفسيّ ودراسة الشخصيّة البشريّة. قد يكون سبب ذلك أنّ نظريّة التحليل النفسيّ اللاكانيّ ترتكز على فهم مصطلحات عرّفها لاكان من جديد، وبشكل يلائم طريقته الخاصّة في فهم النفس والوعي.

 

 

وعلى الرغم من قلّة الاهتمام به من المؤسّسات الأكاديميّة، من المهمّ التنبيه إلى أنّ لبعض مصطلحات لاكان دور ووقع واسع خارج إطار علم النفس العلاجيّ. من المصطلحات المهمّة التي وضعها، مثلًا، "مرحلة المرآة"، ويصف به المرحلة التي يعي الطفل، في عمر يقارب الستّة أشهر، أنّ ثمّة تضارب بين الشعور الداخليّ والجسد، وهو تضارب يؤدّي إلى تشكيل الـ "أنا" (ego). يربط لاكان هذه المرحلة بدخول الطفل إلى عالم اللغة والرموز، ليتشكّل معنًى للـ "آخر" (other)، وهو، أيضًا، مصطلح مهمّ في النظريّة اللاكانيّة.

 

واقعيّ وخياليّ

من الثيمات المميّزة والمثيرة في أفكار لاكان، اللغة واللسانيّات في التحليل النفسيّ، وهو يتطرّق إلى فرضيّتين في هذا السياق؛ الأولى أنّ إصدار اللغة خارج عن القصديّة الواعية، أي أنّه لا يعبّر عمّا يدور في الوعي بالضرورة. والثانية أنّ الكلام ليس موجّهًا إلى الآخر بالضرورة، بل إلى الذات أيضًا. ولذلك، فإنّ وظيفة المحلّل النفسيّ، وفق لاكان، أن يحلّل الكلام الصادر عن المعالَج، لا من وجهة نظر المحلّل فقط، وإنّما من وجهة النظر المعالَج أيضًا.

بالإضافة إلى ذلك، يجدّد لاكان فهم الثالوث الفرويديّ الذي يشمل "الهويّة، والأنا، والأنا العليا"، عن طريق ادّعائه أنّ الذات ليست كيانًا ثابتة، بل متغيّرة وفق السياق، وتحديدًا وفق الخطابات الداخليّة أو المواجهات مع "الآخر". يستمرّ لاكان في تحديد ثالوث خاصّ به، يقوم على "الواقعيّ"، و"الخياليّ"، و"الرمزيّ". وللّغة هنا، أيضًا، دور مهمّ، إذ يعرّف الواقعيّ والخياليّ وفق ما يمكن للخياليّ التعبير عنه لغويًّا، ولا يمكن للواقعيّ التعبير عنه.

 

العودة إلى فرويد

بالإضافة إلى دور اللسانيّات واللغة، فإنّ من المساهمات المهمّة لأفكار لاكان، إحياء نقاش أفكار سيجموند فرويد في التحليل النفسيّ، أو كما يقول هو: "العودة إلى فرويد". يتيح معجم إيفانس التعرّف على تعريف دور الأمّ والأبّ في نظريّة التحليل اللاكانيّة، التي تختلف عن التعريف الأصليّ لها في التحليل النفسيّ الفرويديّ، على الرغم من ارتكازها عليه. يدّعي لاكان أنّ على الطفل أن ينفصل عن العلاقة الخياليّة مع الأمّ، كي يستطيع الدخول إلى العالم الاجتماعيّ بمساعدة الدور الأبويّ. ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ للاكان نظرة خاصّة لدور الأب، الذي أُقصي في التحليل النفسيّ الفرويديّ؛ فلاكان يدّعي أنّ للأب دورًا مهمًّا في البنية النفسيّة، يناقشها عن طريق تعريف أب "واقعيّ"، و"خياليّ"، و"رمزيّ"، ومصطلحات محوريّة أخرى مثل "اسم الأب"، الذي يصف الأب الرمزيّ المسؤول عن القانون والتحريم.

ختامًا، وكما قال روحانا في مقابلة معه نشرت في "العربي الجديد"، بتاريخ 29 آب (أغسطس) 2017، فإنّ أفكار لاكان ومصطلحاته قد تكون أداة مهمّة في نقد وتناول واقعنا السياسيّ والاجتماعيّ العربيّ، إذ توفّر إمكانيّة نظر واسعة غير أحاديّة، في رأيي، ولا سيّما في غضون إعادة تشكيل المباني السياسيّة والاجتماعيّة في السياق العربيّ، وهو أمر يجعل ترجمة أعمال مثل "المعجم التمهيديّ لنظريّة التحليل النفسيّ اللاكانيّة" حاجة ملحّة.

 

...................

بطاقة تعريف:

عنوان الكتاب: معجم تمهيديّ لنظريّة التحليل النفسيّ اللاكانيّة.

المؤلّف: ديلان إيفانس.

المترجم: هشام روحانا.

الموضوع: دراسة.

عدد الصفحات: 424.

القيـاس: 17 * 24 سم.

الطبعة الأولى: 1000/ 2016م - 1437هـ.

دار النشر: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع.

 

جاد قعدان

 

 

من مواليد باقة الغربيّة. طالب في مرحلة الدكتوراه للّسانيّات النفسيّة بجامعة تل أبيب. مهتمّ بالقضايا الاجتماعيّة، والفلسفيّة، والسياسيّة في المجتمع العربيّ.