الكتابة عن الحرب... خلال الحرب

الصحافيّ وائل الدحدوح يحتضن حفيده الشهيد في غارة إسرائيليّة على غزّة | Getty

 

تمهيد: هل يمكن أن نكتب بموضوعيّة إزاء الحرب؟

يعمل هذا المقال على فهم الطبقات المختلفة الخاصّة بالمقولة الآتية: إسرائيل تقتل المدنيّين، بينما تستهدف «كتائب القسّام» جنود الجيش الإسرائيليّ. بوصفها، أي المقولة، أوّلًا وقبل كلّ شيء، تُكْتَب في الآن؛ أي في ظرف راهن هو الحرب الدائرة بين فلسطينيّين والاستعمار الصهيونيّ. نركّز خلال هذا البند على المهامّ الملقاة على عاتق الكتابة في السياق الفلسطينيّ، الّتي تُبْنى على توتّرات بين فهم الكاتب، أو المشاهد كما نسمّيه في المقال، وصنّاع الأحداث؛ أي الفاعلين في الحاضر. ثانيًا، بوصفها تُظهر صورة كاملة لا تجتزئ من الأحداث الجارية، أي الإبادة المرتكبة في حقّ الشعب الفلسطينيّ وتكتفي بها، أو تركّز على العمليّات العسكريّة للمقاومة دون معاناة الناس وسفك دمائهم. ثالثًا، فإنّها تشكّل مدخل السؤال الأخلاقيّ في الحرب. رابعًا، تقف المقولة في رأينا على درجة معقولة من الموضوعيّة، الّتي يعمل المقال على إبراز الدلالات الخاصّة بها. ويُسْتَحْضَر السؤال: هل يمكننا أن نكتب بموضوعيّة إزاء الحرب الجارية في قطاع غزّة ومحيطه؟ الجواب: نعم. إنّ هذا أحد أصعب امتحانات الكتابة في السياق الفلسطينيّ خلال الحرب.

يمكن لكاتب أن يبدأ مقالًا بهذه الصيغة مثلًا: يقدّم الغزّيّون درسًا في الإنسانيّة والبطولة والتضحية، أمام محاولة الماكينة الصهيونيّة استرجاع هيبتها وقوّتها أمام نفسها والعالم، بعد أن ضربت المقاومة الفلسطينيّة هذه الهيبة والقوّة في مقتل مع ساعات الحرب الأولى. وسوف يخبرنا الكاتب أنّ تعظيم الأشياء والتركيز على الفعل غير المألوف مدخل اعتاده الناس منذ القِدم من أجل تخليد الفعل الإنسانيّ، وبالتالي حفظه من التلف والنسيان في الذاكرة؛ ليصبح التاريخ الّذي ستعرفه الأجيال القادمة. وأنّ إنتاج معاني البطولة والتضحية الماثلة في ممارسات الغزّيّين مسألة أساسيّة في صراع الشعب الفلسطينيّ ضدّ الاستعمار الصهيونيّ؛ لهذا علينا أن نعظّم هذه المعاني في مقابل ذمّ شراسة إمعان العصابة الصهيونيّة في سكب الدم الفلسطينيّ على الأرض، بمثابرة لن يردعها شيء سوى البطولة والتضحية الفلسطينيّتين ذاتهما.

هل يمكننا أن نكتب بموضوعيّة إزاء الحرب الجارية في قطاع غزّة ومحيطه؟ الجواب هو: نعم. إنّ هذا أحد أصعب امتحانات الكتابة في السياق الفلسطينيّ خلال الحرب....

لكن، يبدو سؤال الموضوعيّة أكثر جفافًا وأقلّ استخدامًا للمجاز، أو إضفاء للمعنى على الأحداث من ادّعاء الكاتب. ألا يكفي القول: "إسرائيل تقتل المدنيّين، بينما تستهدف «كتائب القسّام» جنود جيش إسرائيل"؟ وليس هذا ادّعاء علميًّا، لكنّه في رأينا يحكم منظور الكاتب إذا كانت الموضوعيّة تشكّل حدود مقاله، ذلك الشيء الّذي يعمل على إظهار حقيقة الموضوع، ولا شيء غير عمليّة الإظهار. لا شيء غير الحقيقة. يزداد السؤال صعوبة لو أضفنا عنصر الكتابة في الراهن؛ حيث الإنسان جزء من الأحداث، بدمه ولحمه وروحه، ويصعب عليه بالتالي، أن يتوخّى موضوعيّة المؤرّخ اليونانيّ ثوسديديس "الّذي دأب على التعبير عن وجهات نظر الفرقاء المتخاصمين وعن مصالحهم"[1]. وبلغة العلوم الطبيعيّة، فإنّ مسألة الكتابة في الراهن تكاد – بالضرورة - تبتعد عن الموضوعيّة بشكل يشبه بداهة وجود الباحث - الذات شرطًا لإجراء التجربة نفسها، لتتحوّل الموضوعيّة إلى غاية يجاهد الباحث في الوصول إليها، بينما يكتفي خلال استعراض نتائج التجربة بـ "توخّي الموضوعيّة"[2][3].

 

في وحدة المشاهِد والفاعل

في سياق الكتابة في الراهن، تشير حنّة أرندت إلى جدليّة العلاقة بين المشاهِد القادر على إصدار الحكم والفاعل الّذي يمارس موضوع حكم المشاهِد، في كتاب «محاضرات حول فلسفة كانط السياسيّة»[4]؛ "يستطيع المشاهِد أن يرى بعين الروح؛ أي أن يرى العموم (the whole) الّذي يضفي المعنى على الأجزاء، على عكس الفاعل الّذي لا يرى إلّا دوره"[5]. تصل أرندت بالتأمّل الفلسفيّ وقراءة فلسفة الذوق عند كانط، إلى اتّحاد المشاهِد والفاعل في وحدة واحدة، من خلال تشارك المشاهدين لذات الحسّ، أو الذوق العامّ، في فهمهم للمعايير الّتي يؤدّي الفاعل من خلالها دوره؛ مشتقّة إيّاه عبر فلسفة كانط من حاسّتَي الشمّ والتذوّق اللذين يعبّران عن مشاعر داخليّة ذاتيّة من الصعب إعادة تمثيلها ذهنيًّا، حتّى بواسطة الخيال والذاكرة[6].

بهذا المعنى، وبالرغم من تعبير هذه الحواسّ عن مشاعر ذاتيّة؛ فإنّ قدراتها على اجتياز امتحان السياسة، وهو قول الأشياء في الفضاء العموميّ، الّذي يفترض صياغة متماسكة منطقيًّا يفهمها الآخرون ويتقبّلونها، وأكثر من ذلك يتشاركون الذوق الخاصّ بها؛ أي المحرّك الّذي يُوَلِّدُها، كامن في تصدير المشاهِد لهذه المشاعر بإبراز الخصائص الموضوعيّة فيها، والمتّفق عليها بينه وبين الّذين يخاطبهم. يتمحور تصدير المشاهِد لهذه المشاعر حول ’مبدأ الانعكاس المزدوج‘، حيث ينعكس خلاله التمثيل الذهنيّ لخصائص الشيء الموضوعيّة، وينعكس في ذهنه أيضًا ما قد يبديه المستمع من مقولات حول تشاركه لذات المشاعر؛ أي أن يفكّر الإنسان في غيره خلال صياغة عباراته، بوصف نمط التفكير هذا شرطًا ضروريًّا للتواصل البشريّ؛ كلّما اتّسع نطاق الّذين يتواصلون مع الخطاب، أصبح الخطاب ذا قيمة أكبر[7]. وبالتالي التعديل المستمرّ لما يصدّره المشاهِد من مقولات حول الأمور الّتي يودّ أن يبوح بها، حتّى يصل إلى صيغة متّفق عليها حول حقيقة ممارسات الفاعل مع عموم المستمعين والمشاهدين بشكل خاصّ[8].

تحديد المعنى لدى أرندت كامن في ما يجتمع عليه الناس معنًى للأشياء، وبالتالي ظهوره في ممارساتهم....

تشتقّ حنّة أرندت المقاربة بين المشاهِد والفاعل من خلال سؤال العقل العمليّ عند كانط: ما الّذي ينبغي عليّ فعله؟ وهي تؤكّد أنّه "رغم البعد العموديّ للسؤال الّذي يموضع الفرد محورًا له، أن لا معنى حقيقيًّا للسؤال دون الاجتماع البشريّ[9]"؛ أولئك الّذين سوف يشاهدون ما أقوم به، ويضفون عليه المعنى من خلال تصرّفهم بموجبه. إنّ فهم المشاهدين - والمشاهِد بالضرورة يأتي دائمًا في صيغة الجمع كما تشرح أرنت على امتداد المحاضرات - لمحصّل الأفعال الّتي يؤدّيها الفاعل تشكّل مرجعيّة الفاعلين الأخلاقيّة[10]. بالنسبة إلى أرندت، فإنّ فلسفة كانط الأخلاقيّة الّتي تتجسّد في الذات المقوننة لأفعالها، لا تنفصل عن الاجتماع البشريّ؛ فيشير القانون الأخلاقيّ عند كانط القائل: "اعمل بحيث يصلح فعلك أن يكون قانونًا للإنسانيّة جمعاء"، إلى تفكير الإنسان الفرد في الاجتماع البشريّ، أو للدقّة الكائنات العاقلة، وتحديده قانونًا مشتركًا عالميًّا[11]؛ أي قانونًا لي وللأفراد العقلاء جميعًا.

لا ينفصل تفكير الإنسان العاقل في ذاته عن تفكيره في العقلاء المحيطين به. بهذا الأسلوب، فإنّ تحديد المعنى لدى أرندت كامن في ما يجتمع عليه الناس معنًى للأشياء، وبالتالي ظهوره في ممارساتهم. لا تشير الفيلسوفة في أيّ محاضرة إلى المعنى بوصفه قائمًا بذاته، مستقلًّا عن فهم الناس له. بواسطة هذا التحديد النظريّ، تفهم أرندت دور المشاهِد على أنّه أساسيّ وضروريّ - وأكثر من ذلك سابق على دور الفاعل في جانبين؛ أوّلًا: على الفاعل أن يتصرّف بطريقة مفهومة لغير الفاعلين[12]. ثانيًا: أنّ الأوّل هو الّذي يضفي المعنى على أفعال الأخير[13]؛ من أجل أن يحقّق الفاعل في الحاضر غايته الّتي دفعته من أجل القيام بما يقوم به. "الحروب، الكوارث، الحزن العميق، هي أشياء ضروريّة لنموّ الثقافة، حيث دونها سيبقى الإنسان عالقًا في مستوًى حيوانيّ يبحث فيه عن متع حياتيّة"[14]. وهذا تحديد إنسانيّ صرف لمعنى الأشياء. وبتعبير شديد الوضوح "إنّ الحقيقة هي ما يمكن أن أتواصل من خلاله مع الآخرين"[15].

بهذا المعنى، نستنتج أوّلًا: إنّ "الذو" حسّ جماهيريّ"[16]. ثانيًا: بالنسبة إلى أرندت، إنّ الحقيقة هي تلك الأشياء الّتي تُنْقَل في الخطاب المعلن من الذات إلى الاجتماع البشريّ، ويُتَّفَق عليها معنًى للأشياء، تطابق الموضوعيّة.

تميّز حنّة أرندت حكم المشاهِد، بوصفه حكمًا ذوقيًّا مثل: هذا جميل أو هذا بشع، أو حكم قيميّ مثل: هذا صحيح وهذا خطأ، من الحكم المعرفيّ أو البرهان العلميّ[17]. لكنّ عنصر مشاهدة العموم ضروريّ أيضًا في حالة الأخير، وأكثر من ذلك، فإنّ المشاهِد كما الباحث في مجالٍ علميّ، كلاهما، يمارسان ما يسمّيه عزمي بشارة ’مسلّمةً أبستمولوجيّة‘، هي الفصل بين الذات والموضوع في عمليّة بحث الظواهر، وهو يؤكّد هذه المسلّمة في عمليّة بحث الذوات أيضًا[18]. يشير بشارة إلى استحضار العموم، دون انتقائيّة، في البحث العلميّ بوصفه عنصرًا أساسيًّا في توخّي الموضوعيّة.

يتعلّق سؤال الموضوعيّة عند بشارة بقرار الباحث في كيفيّة التعامل مع المعطيات الماثلة في الظاهرة قيد البحث، ولا يتعلّق بموقعه، سواء كان جزءًا من الواقع الاجتماعيّ أو خارج السياق الحضاريّ، إلّا أنّه يتشارك عنصرَي مشاهدة العموم وممارسة ’المسلّمة الأبستمولوجيّة‘ مع مشاهِد أرندت، ويتميّز باحث بشارة عن مشاهِد أرندت بوصف مقولات الأوّل فوق حسّيّة، غير نابعة من حواسّه وذوقه، وضرورة الصياغة ضمن الذوق العامّ الخاصّ بعموم المواطنين، بل من العقل وحده. نضيف إلى هذا لاعلاقة البرهان العلميّ بعالم القيم أو الأخلاق، على عكس المشاهدين الّذين يتمحور دورهم حول فهم ما يشكّل صيغة للتقدّم الإنسانيّ؛ تلك الأحداث والتصريحات والممارسات، الّتي على المشاهدين فهمها بوصفها أمورًا تدفع الإنسانيّة جمعاء نحو التقدّم، وبالتالي إبرازها ضمن صيغة موضوعيّة؛ أي متّفق عليها، حيث الإنسانيّة هي موضوع التاريخ كما يحدّده كانط.

 

نماذج فلسطينيّة

ما الّذي نحاول قوله من خلال هذه التمييزات النظريّة لأنماط الكتابة؟ إنّ رؤية العموم شرط ضروريّ من أجل الكتابة في السياق الفلسطينيّ، سواء من خلال أدوات العلوم الاجتماعيّة وتوخّي الموضوعيّة في لاانتقائيّة المعطيات، أو من أجل تحقيق الوحدة بين الكاتب؛ أي المشاهِد، والفاعلين في الحاضر، وإضفاء المعنى على أفعالهم عبر مشاركة العنصر غير الذاتيّ في الحواسّ غير الموضوعيّة في الفضاء العموميّ[19]. وذلك ضمن خطاب متماسك، معلن، نسقيّ لا يناقض ذاته، ويشارك الآخرين من خلال التفكير فيهم ضمن العقل العامّ، الّذي يشمل انعكاس الآخرين في عمليّة التفكير ضمن "عقد اجتماعيّ غير معلن"[20]، يستند إلى تفكير أولئك الّذين يتشاركون الاجتماع البشريّ ببعضهم بعضًا ضمن حسّ الناس المشترك تجاه القضايا الّتي يعيشونها.

أوّلًا؛ ولو أردنا أن نبدأ بوضع تعيينات، يمكننا التفكير في الصحافيّ وائل الدحدوح، الّذي قتلت إسرائيل زوجته واثنين من أبنائه وحفيده البالغ من العمر 45 يومًا. بنظرة حزن حادّة، نظر وائل إلى جثّة ابنه باكيًا، يتلمّس وجهه للمرّة الأخيرة، ومن ثَمّ خاطب الدولة العبريّة: "بنتقموا منّا في اودلانا؟ مَعْلِش"[21]، وبقدرة عجيبة ومذهلة استمرّ بتغطية الحرب بأسلوبه البارع والهادئ في اليوم التالي مباشرة. هذا درس في الإنسانيّة. يدرك وائل الدحدوح تمامًا موقعه في صناعة الأحداث، وكيفيّة تعامل الاستعمار الصهيونيّ مع هؤلاء الفاعلين؛ إذ قَتَلَ حتّى يوم كتابة هذه الأسطر 66 صحافيًّا في غزّة[22].

باستطاعة الكاتب، فلسطينيًّا أو غير فلسطينيّ، أن يركّز على جانب ذبح الإنسانيّة في قصّة الدحدوح، لكنّه حتمًا سيظلمه لو اكتفى بهذا القسط، دون ذكر تصميمه على استمرار واجبه وعمله مباشرة بعد دفن موتاه. لقد قام الدحدوح بإعطاء الموت معنًى في ممارسته وخطابه. هو فاعل يضطرّ إلى الكتابة في السياق الفلسطينيّ؛ كي تكون كذلك، أن ترى عموم أفعاله، وتستنتج ما يشكّل محصّلة هذه الأفعال: إعطاء الموت معنًى. لم يستكن الدحدوح بعد الحزن العميق، ولم ينصرف إلى عزلة الألم، ولم يتكوّن لديه ما يُسَمّى في علم النفس ’العجز المكتسب‘ إثر تكرار الموت، كما أنّه لم يترك غزّة إلى مكان بعيد بعد خسارة أعزّ الناس على قلبه، بل على العكس، تمامًا كما يحدّد كانط الحروب، والكوارث، والحزن العميق شرطًا ضروريًّا لنموّ الثقافة لدى الإنسان، وهي تعني في سياقنا أسلوب فهم الناس للأشياء، وتعاطيهم معها، واشتغالهم وعملهم من خلالها، روحيًّا في الدرجة الأولى.

بنظرة حزن حادّة، نظر وائل إلى جثّة ابنه باكيًا، يتلمّس وجهه للمرّة الأخيرة، ومن ثَمّ خاطب الدولة العبريّة: "أتنتقمون منّا بقتل أبنائنا؟"...

ثانيًا؛ في المقابل، ثمّة مسلّمة قَبْليّة تحكم منظور المشاهِد في تحديد العلاقة الكولونياليّة بين المستعمِرين والمستعمَرين، هي التفوّق الأخلاقيّ للأخير على الأوّل، بحكم تعريف هذه العلاقة في ذاتها علاقة كولونياليّة. إنّ التعامل مع الأخلاق بصفتها نقطة بداية في فهم العلاقة الكولونياليّة بالغ الأهمّيّة في تحديد مفاهيم المظلومين، أو المضطهَدين، أو الساعين نحو التحرّر كما أفضّل تسميتهم، وخطابهم؛ حيث تشكّل الأخلاق بصفتها نقطة ارتكاز، أداةَ تأطير للخطاب التحرّريّ. بهذا المعنى، وضمن وجود الاجتماع البشريّ عنصرًا أساسيًّا في الأخلاق كما أسلفنا، فإنّ بناء خطاب العدالة والحقّ في تقرير المصير مثل باقي الأمم، والطموح في العيش بحرّيّة من جهة، هو التعبير الموضوعيّ، بلغة أرندت، للمصالح الذاتيّة الخاصّة بالشعب الفلسطينيّ، مثل تبييض السجون، وحماية المقدّسات، والإرادة في أن يحكم الفلسطينيّون أنفسهم من جهة أخرى. لا تعارض بين هذا وذلك. ونميّز هذا الاستخدام الأداتيّ والعمليّ لخطاب العدالة من أجل التواصل مع العالم، هذا التواصل الّذي يبني خطاب التحرّر خطابًا عادلًا، نميّزه عن القناعة الراسخة لدى الفلسطينيّين بخطاب العدالة ذاته. ونكرّر، لا تعارض بين هذا وذلك.

في هذا السياق، إنّ القانون الأخلاقيّ عند كانط محوريّ لدينا في مستويين: أوّلًا، بوصف الفعل الأخلاقيّ عنده إثبات استحقاق الإنسان السعادة خارج هذا العالم؛ ممّا يحدّد الله المرجعيّة العامّة للأخلاق، أو العالم الآخر الخاصّ بالأجيال القادمة، ما يحاكي مسألة تقدّم الإنسانيّة الّتي تشكّل عنصرًا أساسيًّا في السلام العالميّ عند كانط[23]. في هذا المستوى، فإنّ مرجعيّة العمل كامنة خارج العالَم. ثانيًا، التفكير في الفعل الإنسانيّ ضمن الواجب الأخلاقيّ الّذي يحاكي مستقبل الفاعلين الأخلاقيّين؛ ما يؤدّي إلى تقدّم الإنسانيّة أيضًا، حيث يُمَوضِع القانون الأخلاقيّ الفعل الإنسانيّ قانونًا للعقلاء من الآخرين، الّذين سوف يتصرّفون بموجبه في المستقبل. في هذا المستوى، تعود المرجعيّة إلى انحلالها في الوجود البشريّ. لكن، ليس هذا وجودًا بشريًّا عامًّا. إنّ فلسفة الأخلاق عند كانط هي فلسفة الإنسان بوصفه ينتمي إلى الإنسانيّة عبر العقل الكلّيّ (Vernunft). بهذا المعنى؛ فإنّ المرجعيّة الأخلاقيّة للفعل تقع خارج العالَم وداخله في الوقت الواحد، وهي منفصلة تمامًا عن سعادة الذات الفاعلة أخلاقيًّا[24].

 

رواية «حماس» الرسميّة

تساعدنا فلسفة كانط الأخلاقيّة في فهم الكثير من الممارسات الاجتماعيّة ضمن هذين المنظورين، مثل إنسانيّة تعامل الفاعلين في قطاع غزّة مع الأسرى الإسرائيليّين في المقولة الآتية: لا سعادة عند أحد في غزّة نتيجة ضمان سلامة الأسرى الإسرائيليّين لدى «حماس». لكنّ أحدًا لم يعترض على العناية الّتي تلقّوها بالأسر؛ ممّا يدلّ على أنّ دافع الفعل الأخلاقيّ ليس السعادة، بل الواجب الأخلاقيّ ذاته، وتصميمهم وفق روايتهم على الالتزام بمبادئ الدين والأخلاق الإنسانيّة، وقوانين الحرب في ممارساتهم واستهدافهم الجنود في مقابل إبادة المدنيّين الّتي باتت تشكّل مظهرًا مرغوبًا ومُتَصالحًا معه في أرجاء الدولة العبريّة. وتأكيد الفاعلين في غزّة على شعار "الجهاد في سبيل الله"، بيانًا لطريقهم نحو تحقيق حرّيّة الشعب الفلسطينيّ، حيث مرجعيّة الممارسة الأخلاقيّة في هذا السياق كامنة في الله من جهة، وفي بناء ذواتهم نموذجًا أخلاقيًّا لكيفيّة التصرّف خلال الحرب، بإمكان الآخرين العقلاء التصرّف بموجبه، وبالتالي تحقّق التقدّم الإنسانيّ في الحروب الأخرى في عالمنا، أو للأجيال القادمة من ذات حركة التحرّر الفلسطينيّة، من جهة أخرى.

لعلّ التعبير الأوضح عن هذا النموذج جاء على لسان نائب رئيس المكتب السياسيّ لحركة «حماس» صالح العاروري، في تقديمه ما سمّاه "رواية «حماس» الرسميّة" حول العمليّة العسكريّة في صباح 07 تشرين الأوّل (أكتوبر)[25]: "هذه معركة متقدّمة على طريق تحقيق حرّيّة الشعب الفلسطينيّ، واعتراف العالم كلّه بحقّنا في ذلك، وعدالة مطالبنا في أن نعيش أحرارًا في دولة مستقلّة كاملة السيادة على ترابنا الوطنيّ، بعيدًا عن القهر والحصار والعدوان وتدنيس المقدّسات. أمّا بالنسبة إلى التهمة في قتل المدنيّين: فإنّ الرواية الرسميّة لما حدث في الهجوم الّذي قامت به «كتائب القسّام» على فرقة غزّة: في أيديولوجيّتنا وسياستنا لا نستهدف المدنيّين. في صباح السبت خلال العمليّة الّتي كان هدفها واضحًا: الهجوم على «فرقة غزّة» العسكريّة المسؤولة عن كلّ الجرائم المرتكبة في حقّ الشعب الفلسطينيّ في غزّة؛ استباقًا لحرب كان الاحتلال الإسرائيليّ يخطّط لها. الّذي حصل، بعد الهجوم على الفرقة، والمطار العسكريّ، والسيطرة على الكيبوتسات والمستوطنات؛ لمنع التدخّل ضدّ القوّات".

تساعدنا فلسفة كانط الأخلاقيّة في فهم الكثير من الممارسات الاجتماعيّة ضمن هذين المنظورين، مثل إنسانيّة تعامل الفاعلين في غزّة مع الأسرى الإسرائيليّين...

ويضيف: "كانت المفاجأة أنّ «فرقة غزّة» انهارت أسرع كثيرًا ممّا توقّعت قيادة «القسّام» (…) بعد الانهيار السريع غير المتوقّع، استفاق الناس في غزّة على حدود مفتوحة لا جيش يقف وراءها، حصل دخول من غزّة لأعداد من المدنيّين ومن الشباب ومن المسلّحين، وأصبح هناك بعض الفوضى في الاشتباكات بخلاف ما هو مخطّط لها، وبالتالي حدث وصول لناس في الكيبوتسات والمستوطنات، ثمّ في هذه الكيبوتسات والمستوطنات بعض حرّاس الأمن والجنود والمستوطنين اشتبكوا مع شباب «القسّام»؛ ممّا أدّى إلى وقوع مدنيّين ضحايا".

ويكمل: "نقطة أخرى، الجيش الإسرائيليّ، لديه منظومة اسمها «حنيبعل» تعني أنّه إذا وقع أسرى لدى العدوّ يحقّ للجيش الإسرائيليّ بشكل نظاميّ أن يقتل الرهائن والمعتقلين مع الآسرين لهم، وقد مارس هذه المنظومة. من الممكن أنّه حصل احتجاز مدنيّين، حتّى لا يحدث تدخّلات وارتباكات، وقد تدخّل الجيش الإسرائيليّ ضدّهم وضدّ مَنْ يحتجزونهم. قُصِف شباب مع الأسرى الّذين لديهم. الخطّة العسكريّة لـ «القسّام» كما أعلنها القائد العامّ لـ «كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام» محمّد الضيف في بيان رسميّ في الساعة الأولى، قد قال ’نحن ذاهبون لقتال الجيش الإسرائيليّ، لا تقتلوا امرأةً ولا صغيرًا ولا شيخًا‘، هذه التعليمات لمقاتلي «القسّام». وقد ظهر في فيديوهات شباب «القسّام» وهم يوصلون المرأة وأولادها إلى الطريق، ثمّ يذهبون في طريقهم. وغيرها من الروايات الكثيرة".

ويختم: "هذه الحقيقة، مجاهدونا لا يستهدفون المدنيّين، ويستحيل أن يرتكبوا الجرائم الّتي يتحدّث عنها الاحتلال بالاغتصاب، وقتل الأطفال، وقتل المدنيّين. نحن لا نقول إنّه لن يُقْتَل مدنيّون خلال المعارك، لكن 100% لم يكن في خطّة «القسّام» المسّ بالمدنيّين، أو قتلهم. حتّى الأسرى، «القسّام» أسر جنود الجيش، المدنيّون الّذين أُسِروا، ثمّة ناس عاديّون دخلوا عبر الحدود وأسروا مدنيّين وأحضروهم إلى غزّة. وليس في نيّة «حماس» أن تمسّ بالأسرى أو بالمدنيّين. نحن جهة مسؤولة، ونتصرّف أوّلًا حسب ديننا، الّذي يحظر علينا المسّ بالمدنيّين وبالحياة المدنيّة. ونتصرّف بحسب قوانين الحرب الدوليّة، ونمارس مقاومة الاحتلال في ظلّ شرعيّة دوليّة تعطينا الحقّ في قتال هذا العدوّ إلى أن يعترف العالم بحقّنا في الحياة والحرّيّة مثل باقي الشعوب".

اللاانتقائيّة الّتي تظهر في تصريحات العاروري أعلاه، وحديثه عن فوضى وأخطاء ارتُكِبت خارج الخطّة، ومرجعيّة الفعل العسكريّ الدينيّة والأخلاقيّة الإنسانيّة والقانونيّة، من منظوره، وتوجّهه بالحديث إلى العالم، ومَنْ يناصرون شعبه، وعمله على تقديم رواية رسميّة تعبّر عن رؤية حركة تحرّر فلسطينيّ لذاتها، ولكيفيّة قتالها خلال الحرب، هو ما يُمْكِن اعتباره النموذج الّذي يمكن من خلاله الاتّفاق على معانٍ ومفاهيم إنسانيّة. إنّ مهمّة الكتابة في السياق الفلسطينيّ مزدوجة؛ أوّلًا في تحديد الذهاب إلى الحرب بوصفه ممارسة تتضمّن في ذاتها ممارسة أخلاقيّة، وثانيًا، في بنائها لخطاب موضوعيّ حول هذه الحرب يستند إلى قيم العدالة، ويمكن مشاركته علنيًّا، تمامًا كما الرواية الرسميّة أعلاه.

إنّ صوغ الخطاب الّذي يعبّر عن هذه الممارسات إلى العالَم، لا يمكنه أن يكون إنصافًا للفعل ذاته وضمانًا للتواصل العقلانيّ مع الإنسانيّة الّتي من المفترض أن ننتمي إليها، والّتي لا يمكن أن يُبْنى تواصل بين أفرادها دون تفكير المخاطِب بالمخاطَب خلال عمليّة صوغ الخطاب ذاتها، لا يمكنه إلّا أن يكون خطابًا مشتقًّا من معاني العدالة والحرّيّة والإرادة الإنسانيّة في العيش بكرامة.

 

تلخيص

من خلال بناء سؤال الكتابة في الراهن، فإنّ طموح هذا المقال طرح النقاط الّتي عَمِل على ذكرها ومعالجتها: أوّلًا، التفوّق الأخلاقيّ للمستعمَرين على المستعمِرين، ليس فقط في إدانة قتل المدنيّين، بل في فهم الممارسة الأخلاقيّة للفاعلين الفلسطينيّين. ثانيًا، التمييز بين الموضوعيّة الّتي تحاكي الاجتماع البشريّ أو الذوق العامّ، وتلك المشتقّة من العقل في البحث العلميّ؛ أي الخاصّة بالظاهرة ذاتها، وضرورة اشتمال نمط الموضوعيّة لرؤية العموم شرطًا ضروريًّا للكتابة. ثالثًا، اتّحاد المشاهِد والفاعل في خطاب العدالة، وفهم الممارسات الّتي تفضي إلى تقدّم البشريّة.

إنّ طموح هذا المقال تقديم هذه النقاط ضمن فضاء فلسطينيّ حواريّ، يستند إلى مبادئ إنسانيّة؛ أي يحكمه العقل الكلّيّ، ويمكن من خلاله صوغ الخطاب الفلسطينيّ السياسيّ والأخلاقيّ والتحرّريّ. إنّ جلّ ما كُتِب أعلاه، حول مهامّ الكتابة في الراهن، العلميّة وغير العلميّة، وضرورة ارتكاز الخطاب الفلسطينيّ إلى قيم العدالة والأخلاق الإنسانيّة، قابل للنقد والتطوير ضمن هذا الفضاء الحواريّ الفلسطينيّ والإنسانيّ.

إنّ الفضاء الحواريّ حول هذه القضايا، واشتقاق خطاب فلسطينيّ، معلن، موضوعيّ وعاقل، متماسك ونسقيّ، منطقيّ وعقلانيّ، تحرّريّ ومسؤول، يرى عموم الأشياء ليفهم الأجزاء ضمن هذه العموم، ويحقّق وحدة المشاهِد والفعل، ويعطيها معناها ضمن سياق تطلّعنا إلى الحرّيّة والعيش ضمن مسؤوليّة ذاتيّة، هو أحد المنجزات الّتي يمكن أن تتحقّق بناء على هذه الحرب. هذه قضيّة أساسيّة على كثير من الأصعدة؛ من أجل الإنسانيّة جمعاء، ومن أجل ذواتنا أيضًا.

إنّ الأخلاق والخطاب اللذين يرافقان فعلنا السياسيّ خلال السعي نحو التحرّر من الاستعمار، هما الأخلاق والخطاب أنفسهما اللذان سوف يرافقاننا في تلك المرحلة الّتي يحلم بها أحرار العالم: القضاء على المسألة الاستعماريّة في الوجود البشريّ.

 


إحالات

[1] إنّ سياق ثوسديدس مختلف، فهو يعبّر عن فرقاء متخاصمين يتشاركون ذات المواطنة، إلّا أنّ اختلاف السياق لا يلغي مفهوم الموضوعيّة ذاته، وهو: ألّا يرتكز البحث على انتماء الباحث إلى أحد الفرقاء.

[2] حنّة أرنت، "مفهوم التاريخ ... قديمًا وحديثًا" في: بين الماضي والمستقبل: ستّة بحوث في الفكر السياسيّ، عبد الرحمن بشناق (ترجمة) (بيروت: جداول، 2014) صفحة 47-77.

[3] تفترض الموضوعيّة وجود الإجابة بغضّ النظر عن السؤال، وتعمل على تحييد الاهتمام بالفريق الّذي ينتمي إليه الكاتب دون غيره. بهذا المعنى، تُبْنى عمليّة ظهور الحقيقة في البحث العلميّ، غايته القصوى، هدفه الرئيس، أحد أهمّ الشروط المحدّدة لأدوات البحث ومنهجه، على المطابقة بين فهم العقل البشريّ للظاهرة والظاهرة ذاتها، ولا تهتمّ كثيرًا بتحيّزات الإنسان، ومصالحه وانتمائه، ومواقفه الأيديولوجيّة. أو بتعبير هيجل، فإنّ الحقيقة هي المطابقة بين الجدل المادّيّ والجدل المنطقيّ للعقل. بهذا الأسلوب، تنمو عمليّة انكشاف الحقيقة في سدّ الهوّة بين عمليّة الفهم الّتي يقوم عليها البحث العلميّ، والظاهرة ذاتها كما تظهر، في شكلها المحدّد وصيغتها الموضوعيّة؛ أي الخاصّة بموضوع البحث، والّتي لا علاقة لها بحواسّ الإنسان وعقله، بينما ما نسمّيه الموضوعيّة في البحث العلميّ، هو تقليص الهوّة هذه ذاتها.

[4] Hannah Arendt, Lectures on Kant’s Political Philosophy, Ronald Beiner (trans) (Chicago: University of Chicago Press 1992).

[5]  Ibid, p. 68-69

[6]  Ibid, p.64

[7] في رأينا، الغاية الّتي تعمل أرندت على الوصول إليها، دون إعلانها، هي النظام الديمقراطيّ. إنّ الفضاء العموميّ؛ أي المشترك بين الناس، ما يُسَمّى في أماكن أخرى الفضاء الحواريّ أو فضاء الممارسة التواصليّة، حيث التواصل العقلانيّ ينظّم آليّات الحوار، هو امتحان السياسيّة كما تشير، وهي تؤكّد خاصّيّة التعديل المستمرّ للعلاقة بين البشر ضمن تقدّم الإنسانيّة في التاريخ، وصولًا إلى نموذج يتجسّد فيه العقد الاجتماعيّ المشترك وغير المعلن: انظُر المحاضرة الأخيرة من الكتاب. إنّ تكرار خصائص الحياة ضمن نظام سياسيّ يضمن تشارك الاجتماع البشريّ في صياغته بصفتهم هذه - أي يشكّلون الاجتماع البشريّ الّذي يتشاركونه - وهو النظام الديمقراطيّ، من خلال الطابع الإعلانيّ للخطاب العموميّ، لا يمكن تجاهله في المحاضرات الثلاث عشرة، رغم عدم ذكر كلمة ديمقراطيّة ولو مرّة واحدة في المحاضرات. وفي مستوًى آخر مختلف، يمكن لقارئ هذه المحاضرات أن يرى في خطاب العدالة، الّذي لا يمكن في أبسط مستويات التنظير عنه عدم اشتماله منظومة قوانين يستند إليها، ويتشارك الخضوع إليها مجموعة من الأفراد، أو خطاب الحقوق المشتركة، أو تلك الأشياء الّتي تجبر مَنْ يسمعها على الانحياز إليها بمجرّد ظهورها، حججًا عقلانيّة للتعبير عن المصالح الذاتيّة، بوصفها مصالح هذا العموم الّذي تجري مخاطبته.

[8] المحاضرة 6 من الكتاب.

[9] Ibid, p. 48-50.

[10] Ibid, p. 74

[11] Ibid, p. 63

[12] Ibid, p. 65

[13] Ibid, p. 26

[14] Ibid, p. 40

[15] المحاضرتان 12 و13 من الكتاب.

[16] Ibid, p. 72

[17] عزمي بشارة، "في أولويّة الفهم على المنهج"، تبيّن للدراسات الفلسفيّة والنظريّات النقديّة، المجلّد 8، العدد 30 (2019)، ص 16.

[18] Ibid, Arendt, p. 67-68

[19] Ibid, p.75

[20] استشهاد أفراد من عائلة الزميل وائل الدحدوح بقصف إسرائيليّ، الجزيرة نت، 25/10/2023، شوهد في 26/11/2023 في: https://rb.gy/tp05jx.

[21] "بينهم 6 صحافيّات... استشهاد 66 صحافيًّا في غزّة منذ 7 أكتوبر"، الجزيرة نت، 25/11/23، شوهد في 26/11/2023 في: https://rb.gy/c0ldos.

[22] يرتكز المشاهد عند أرندت إلى المواطنة العالميّة كما يحدّدها كانط، وهي قائمة بناءً على انتماء الإنسان إلى البشريّة جمعاء، ومشتقّة معرفيًّا من نزوع العقل البشريّ نحو التفكير في العالم لاإراديًّا، حيث العالم يشكّل بالنسبة إلى العقل، كما يحدّده كانْت في نقد العقل المحض، مرجعيّة معرفيّة هي ’محصّل الظواهر‘ (sum total of all appearances)، تتيح فهم الظواهر الّتي تكوّن العالم ضمن إطار هذا العالم ذاته.

[23] يقف كانط هنا على عتبة التنوير، حيث الله هو غاية الفعل الأخلاقيّ، في مقابل مرجعيّة الإنسان إلى ذاته خلال ربط الفعل الأخلاقيّ بتأثيره في الإنسانيّة جمعاء.

[24] "العاروري للجزيرة: لهذه الأسباب أطلقنا «طوفان الأقصى»، وخطّتنا الدفاعيّة أقوى من الهجوميّة"، الجزيرة نت، 12/10/2023، شوهد في 12/10/2023 في: https://rb.gy/mciafg. تمّ تفريغ الجزء الخاصّ بالرواية الرسميّة للعمليّة العسكريّة في صباح السابع من أكتوبر من المقابلة، مع تعديل بسيط من الكاتب.

[25] إيمانويل كانط، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق (بالعبريّة).

[26] عزمي بشارة، "كانْتْ وهيغل ونقض عمليّة تفنيد الدين"، في: الدين والعلمانيّة في سياق تاريخيّ، الجزء الأوّل (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2013) صفحة 245-80.

 


 

جمال مصطفى

 

 

 

من كفر كنّا في فلسطين، حاصل على بكالوريوس في الفيزياء والفلسفة من جامعة تل أبيب، ويدرس ماجستير  الفلسفة في ذات الجامعة.