كيف نقرأ هذه الحرب؟

طفلان في مخيّم نازحين بسبب القصف الإسرائيليّ، دير البلح، 13/12 | مجدي فتحي.

 

إنّ السؤال الأخير الّذي طرحه غسّان كنفاني في نهاية روايته «رجال في الشمس»: لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟ فمَنْ لا يجرؤ على قرع جدران الخزّان يموت؛ لأنّ القرع والصراخ يحملان الأمل في الحياة؛ فما معنى صرخة غسّان كنفاني؟ وهل الصمت، والجبن، والاستقرار، والخنوع، والخضوع للاستبداد، تعني الموت بين جدران الخزّان الملتهبة؟

التحدّي القيميّ نفسيّ- سياسيّ- جمعيّ، والتحدّي الاقتصاديّ نكرو- سياسيّ لاقتصاديّات الحياة والموت الّتي تواجه الإنسان الأصلانيّ اليوم، يقفان أمام الباحثات/ ين الفلسطينيّات/ ين والنقديّات/ ين في كلّ خطوة يخطونها؛ فكيف لنا ألّا نقرع باب الخزّان بقوّة أكبر؟ خاصّة عندما نشهد ونعيش متألّمين المجزرة المستمرّة في غزّة ضدّ أبناء شعبنا، ونواجه فقداننا اليوميّ لأحبّائنا، أطفالنا، رجالنا، نسائنا، طلّابنا، زميلاتنا، أطبّائنا، صحافيّينا، مجتمعنا... مستقبلنا.

كيف لنا أن نتنفّس يوميًّا عندما نعيش بشاعة الخذلان واستمراريّة الجرائم؟ كيف لنا أن نبني رفضنا وبوصلتنا حيث نغوص جميعًا مهمومين وطنيًّا، فكريًّا، معيشيًّا، نفسيًّا- اجتماعيًّا، متسائلين عن إجابات لأجيالنا الصامدة، ومستقبلنا، في ظلّ سياسات الإماتة اللامتناهية؟

كيف نقرأ هذه الحرب وكلّ فظائعها، خاصّة لأنّ نقطة انطلاقنا الزمنيّة تبدأ مع بدء المشروع الاستيطانيّ الاستعماريّ وجرائمه غير اللامتناهية؟ هل نقرأ الحرب من خلال الإصابات، كما أشار الطبيب غسّان أبو ستّة؛ لنعي أنّ الإصابات تؤكّد إجرام المنظومة الاستيطانيّة الاستعماريّة في مجازرها، ونسير معًا من «المستشفى المعمدانيّ» إلى «مستشفى الشفاء»، إلى مستشفيات الأطفال الّتي ضُرِبَت بعدها، و«مستشفى السرطان»، ومراكز القطاع الصحّيّ ورمزيّاته المستهدفة، وبعدها «مركز الخُدج»؟ حيث الاستمرار بالتمثيل بالأجساد الفلسطينيّة، حتّى قطع الأكسجين عن أطفال أقسام الولادة وتركها لتتحلّل؟

كيف لنا أن نتنفّس يوميًّا عندما نعيش بشاعة الخذلان واستمراريّة الجرائم؟ كيف لنا أن نبني رفضنا وبوصلتنا (...) متسائلين عن إجابات لأجيالنا الصامدة، ومستقبلنا، في ظلّ سياسات الإماتة اللامتناهية؟

ألا تؤكّد هذه القراءة أنّ أجساد أطفالنا وأبناء وبنات شعبنا وحيواتهم، تقطيعها واقتلاعها، آلامها وعلاجها، كلّها رأس المال السياسيّ الّذي يسيّر هذه المجزرة وهذا المشروع؟

أنقرأ من خلال العمل العسكريّ- السياسيّ بطريقته الاستعراضيّة الإجراميّة للدولة، والدعم الأمريكيّ اللامتناهي لهذا الإجرام، والدعم البريطانيّ المساند، وإعلان بريطانيا مشاركتها في الحرب على شعبنا من خلال مسيّرات استخباراتيّة، والدعم المجيَّش السياسيّ الأمريكيّ، واستخدام حقّ النقض- الفيتو، إلى آخره من أساليب دعم مرئيّة وغير مرئيّة، وإصرارها على التمثيل بالفلسطينيّات والفلسطينيّين؟

أم نقرأ من خلال النظر إلى إسرائيل اليوم وهي في حالة من الصدمة الّتي تنتابها، وجرائم فشّ الغلّ، والمراقبة والملاحقة الضبطيّة لبنات شعبنا وأبنائه، والتنكيل بسجيناتنا وسجنائنا السياسيّين، واستخدام أطفالنا ومراهقينا سلاحًا يحاربوننا به، فضلًا على إعادة سجن المحرّرين، ونزع قناع الديمقراطيّة والحضارة، والرغبة في الانتقام؟

أم نقرأ من خلال مظاهر التعرية المطلقة للمنظومة الاستيطانيّة الاستعماريّة في جميع أنحاء فلسطيننا، أو من خلال خذلان الدول، وبخاصّة الدول العربيّة، حيث لا توجد إرادة سياسيّة مطلقة، بل بالعكس، ثمّة تهميش للقضيّة الفلسطينيّة نتيجة التطبيع، مع استمرار الاقتلاع المُمَنْهَج والمجازر، بالرغم من تضامن الشعوب العربيّة؛ فمع غياب الإرادة من النُّظُم تأتي الأهمّيّة المطلقة لخروج الشعوب إلى الشارع، حتّى تخلخل وتزعزع ’الأمن‘ اللاأخلاقيّ عالميًّا وإقليميًّا؟

أم نقرأ من خلال المقاومة الفلسطينيّة الصارخة والرافضة للقبول بالتمثيل بالحيّ والميّت، والمواجهة للتطهير العرقيّ المُمَنْهَج، والمتعمّقة بمكامن الحماية الفطريّة، والمقاومة المستمرّة للكبير والصغير في المجتمع الفلسطينيّ، والصارخة بالرغبة في الحياة والعيش بكرامة؟

أم نقرأ من خلال تحليل التضامن العالميّ، ورفض شعوب العالم البارز بالمظاهرات والتحرّكات العالميّة المطالبة بوقف المجزرة، ووقف إطلاق النار؟

كلّها قرارات علينا الوقوف عليها، وتحدّياتنا كبيرة؛ إذ إنّه حتّى قواعد التحليل، ومصطلحاته، ومعاييره، والتعامل، والتفكير، والتصريحات، خذلتنا؛ فمثلًا، قواعد الكلام والتحليل لمفكّرات/ ين بارزات/ ين مثل جوديت بتلر، وجيجك، وهابرماس، وغيرهنّ/ م، دعمت المجرمين، وتقاعست في فهم الجرائم بسياقها الإحلاليّ- استعماريّ، وراحوا يتعاملون ويحلّلون ’بشروط مسبقة‘... شروط المنظومة البيضاء العنصريّة عند التحدّث عن الدولة المحتلّة، متماثلين مع ’بنود الطاعة‘ المفروضة، ويمكنني أن أقول الانتفاع، والتحسّس من شبح معاداتها، والخوف من العقوبات والخسارات المرتبطة بها حتّى لا يواجهوا الإقصاء أو التأديب.

فالقوانين والمعايير والأصول العالميّة في القانون الدوليّ، وعلم الإجرام، وعلوم الإبادة، والنسويّة، والعلوم الطبّيّة، وحتّى الحربيّة، تبخّرت عند الوصول إلى فلسطين، وخاصّة غزّة اليوم، والمسلكيّات، والمفاهيم الأيديولوجيّة اختزلت مفاهيم مثل ’الحقّ في الدفاع عن النفس‘، و’براءة المواطنين العُزَّل‘، و’سياسات حماية الأطفال‘، و’تفعيل القوانين والمعايير الدوليّة‘، فكلّها اقتصر على مجموعة واحدة. ضحّت هذه القوانين/ المعايير، نعم، ضحّت دائمًا بالفلسطينيّين أجسادًا وحيوات، وعدل قضيّتهم، وحقّهم في المقاومة، لصالح مصالح وأكاذيب ’قيميّة ومعياريّة‘ لا تمتّ إلى الإنسانيّة، أو إلى العدل الاجتماعيّ- سياسيّ بصلة؛ لتكشف النقاب عن أكاذيب ’حقوق الإنسان‘ المبتورة أخلاقيًّا؛ لأنّ الفلسطينيّ، في نواميس السياسات العالميّة والصهيونيّة المهيمنة، حُدِّد ليس فقط باللاإنسان، بل باللاحيوان، مستحقًّا التعاطف، وأطفاله باللاأطفال، مستحقّين الحماية أو ’الإنقاذ‘ والعلاج، واسْتُخْدِمت القوانين لتعمل فقط لصالح أصحاب القوّة؛ فهناك ذوات يُنْتَحَب عليها، وذوات لا تستحقّ حتّى الانتحاب.

خطاب العدالة، والخطاب الأخلاقيّ، وخطاب ’الإنصاف‘ و’العدل‘ السابق للمجزرة المتلفزة، أصابه الوهن وغلبة النفوذ والإملاءات المكارثيّة الصهيونيّة... وكُشِف على حقيقته، ورأينا مثلًا ما يفعلونه بالجامعات هنا في البلاد؛ من تجييش الأكاديميا وأبحاثها، وتفعيل الاعتقالات العنيفة (الّتي وُجِدَت مسبقًا لكن بتبريرات مقنّنة، واليوم لا حاجة إلى التبرير)، وكذلك القمع الأكاديميّ الفعليّ الصريح، ضاربين عرض الحائط المعايير الأخلاقيّة المهنيّة والأكاديميّة لحرّيّة التعبير، متّبعين سياسة عينك عينك. أو عمل الأكاديميا الغربيّة كأمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ودول غربيّة أخرى، والتدخّل بشؤون جامعاتها، وحقّ التعبير لصالح أصحاب القوّة فقط. كلّ هذا يفرض تساؤلات حول كونيّة النزاهة الأكاديميّة/ البحثيّة و’موضوعيّتها‘، وخطاب العدالة والمساواة؛ فالصهيونيّة مستفيدة من العداء للصهيونيّة، نعم، قالبة إيّاها للعداء للساميّة؛ لزيادة إخراس ’المعتدل‘، وطرحها مانعًا أيديولوجيًّا للتفكير في القضيّة الفلسطينيّة؛ من أجل منع التفكير في مخرج للأزمة من خارج المنطق الإقصائيّ- إحلاليّ تجاه الآخر.

حتّى قواعد التحليل، ومصطلحاته، ومعاييره، والتعامل، والتفكير، والتصريحات، خذلتنا؛ فمثلًا، قواعد الكلام والتحليل لمفكّرات/ ين بارزات/ ين (...) دعمت المجرمين، وتقاعست في فهم الجرائم بسياقها الإحلاليّ- استعماريّ...

المشهد الهزليّ في «الكونغرس» الأمريكيّ، الّذي وبّخ رئيسات الجامعات، وأدّى إلى استقالة إحداهنّ، أوجد نظامًا عقابيًّا لمصلحة المستعمِر، و’السياسات‘ الّتي قلبت رموزًا مثل الكوفيّة، واستخدام اللغة العربيّة، لعامل مستفزّ، بإمكانها أن تسمح بإطلاق النار على شبابنا، كما حدث بفِرْمونت ضدّ طلّاب فلسطينيّين، والتسبّب لأحدهم بالشلل.

كلّ هذا الإرهاب الفعليّ للدولة، والإرهاب الفكريّ، والتهديدات الحقيقيّة الجارية، تواجهنا اليوم مفكّراتٍ ومفكّرين، وباحثات وباحثين، وتأتي لتثبت إصرارنا على عدم قبول العنف العنصريّ الأبيض، والحفاظ على معاييرنا الإنسانيّة، ورفض منظومات الإماتة. الأسئلة والمقاربات لا تنتهي هنا؛ فهناك أيضًا صراعات على الحقائق، والأرقام، ومصداقيّة المعطيات، والدقّة العلميّة، وأصوات تدّعي المعرفة؛ لتنحاز إلى تواريخ معيّنة حدّدتها القوّة المهيمنة.

هنا، في فلسطيننا، تتجسّد معضلات/ تقاعسات العصر، وفقدانه البوصلة الأخلاقيّة- إنسانيّة، بدءًا بالمشروع الاستيطانيّ الاستعماريّ الإحلاليّ، والإبادة الجماعيّة، والعقوبات الجماعيّة، والتطهير العرقيّ، والعنصريّة؛ استمرارًا لما يُسَمّى ’التطرّف الدينيّ‘ داخل الدولة وخارجها، بما في ذلك عنف المسيحيّة الصهيونيّة؛ حيث أصبح منطق ’العماليك‘ يفرض إبادتنا بمسوّغات وادّعاءات دينيّة، والمجازر المستمرّة، وحتّى سياسات ما يُسَمّى ’التعايش‘، والسلام، والتصالح، والتقارب بين الشعبين، والتعدّد واحترام الثقافات، إلى آخره من أساليب وحروبات نفسيّة- عنصريّة، تتلاعب بالعقل والنفس؛ لتسرق الأرض والحياة، وتُسْتَخْدَم للإخراس الّذي يشرعن ويحتّم الموت... بما فيه الموت داخل الخزّان، إلّا أنّنا اليوم لا نرضى إلّا أن نقرعه، وبقوّة، ونبني بثقل لا لبس فيه حركات التحرّر وخطاباته، وإنهاء الاستعمار الجذريّ.

ففي غزّة 2023، وقفت الحقيقة عارية، وبرزت الحرب الإباديّة، منها الفعليّة القاطعة للماء والدواء، المفجّرة للبشر، والشجر، والحجر، ومنها النفسيّة بديناميكيّاتها المحلّيّة والعالميّة العاملة بتسارع، مضاعفةً العسكرة والتجييش بمعاييرها الإجراميّة العنصريّة باختراقاتها للجسد، للحياة، للموت، للخوالج الفلسطينيّة والعالميّة أيضًا، لتأتي قضيّتنا، القضيّة الفلسطينيّة، وتطرح سؤالًا وتحدّيًا أخلاقيًّا وجوهريًّا لعصرنا.

أساليب الإماتة، إماتة الفلسطينيّ، تعدّدت من التهجير القسريّ، والإبادة، واستقصاد الرجال وتعريتهم؛ لا لأنّ بإمكانها التقليل من كرامة الرجل الفلسطينيّ، بل لفشلها في شلّ الرفض المجتمعيّ التاريخيّ، والحاليّ للمحو، لتؤكّد إرهابها الممنهَج والأيديولوجيّ؛ لضرب الرباط والترابط المجتمعيّ، لاأنسنة الطاقات الصارخة حبًّا وحياة، ولاطَفلنة أطفالنا، وضرب الوالديّة، وهدم حيّز البيت اللامّ لشملنا و’تسطيحه‘، والمدرسة والجامعة، والمستشفى، والملعب، والمدينة، والمسجد، والكنيسة، مُسَطْحِنةً الأخلاق العالميّة (هذا إذا وُجِدَت أصلًا؛ لأنّ ما يحدث بغزّة افتضح الحقيقة)؛ ليصير إرهاب الدولة اليوم مكشوفًا، ومرئيًّا، ومسموعًا. ونتساءل اليوم: متى سيشبع العالم من إماتة الفلسطينيّ الّذي يرفض قبول قانون الغاب الإجراميّ صارخًا مقاومًا، ومتحدّيًا للإبادة؟ وللمقاومة ثمن، وتاريخنا وحاضرنا يبرزان الألم القاسي، والمثقِل جدًّا.

لكنّ الحاجة الملحّة اليوم هي تأكيد الآتي:

أوّلًا: استحالة إخراس الفلسطينيّين وشلّ طاقاتهم للتصدّي والرفض، ومقاومة الفلسطينيّين للذلّ هي الهويّة، والمسار، والمستقبليّة، منتصبة للقامة، فكما نقول في هتافاتنا "ارفع صوتك وعلّي، الموت ولا المذلّة. علّي الصوت وعلّي الصوت، يلّلي بيهتف ما بموت".

ثانيًا: حبّ الفلسطينيّ للحياة مسارًا، وعاملًا أيضًا على لمّ شملنا نفسيًّا، ومعنويًّا، فكريًّا وسياسيًّا، لأنّنا كما قالت رفيف زيادة "نتحدّث الحياة". وكما يقول درويش، "ونحن نحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلًا"، وتوظيف طاقاتنا لتحليل إجرام الدولة والإجرام العالميّ، وسقوط الأقنعة المزيّفة، والتساؤل.

 ثالثًا: تأكيد أهمّيّة تثبيت الوعي الفلسطينيّ لمسارات صهر الوعي وأساليبه، كما علّمنا وليد دقّة؛ فالحرب على الفكر جزء لا يمكن نسيانه.

رابعًا: تحليل/ تحدّي التساؤل فكريًّا وسياسيًّا؛ كيف/ لماذا خذل العالم بمعاييره ونواميسه وقوانينه أصواتنا، في خضمّ مجزرة شعبنا اللامرئيّة في دير ياسين/ الطنطورة/ اللدّ، وغيرها... إلى غزّة اليوم، والمجزرة المتلفزة والمرئيّة، ومقاومة السياسات/ السرديّات الممكنة والداعمة لهذه السرديّات المعنّفة.

أساليب الإماتة، إماتة الفلسطينيّ، تعدّدت من التهجير القسريّ، والإبادة، واستقصاد الرجال وتعريتهم؛ لا لأنّ بإمكانها التقليل من كرامة الرجل الفلسطينيّ، بل لفشلها في شلّ الرفض المجتمعيّ التاريخيّ، والحاليّ للمحو...

خامسًا: التشديد على أهمّيّة التفاكر المشترك لبناء سياسات عمليّة– تحليليّة- تحريريّة اليوم، وأشدّد على الحاجة إلى سياسات إلغائيّة/ إبطاليّة (Abolitionist)، وهذا موضوع يستحقّ التعمّق الجدّيّ، طارحين تحليلًا تحريريًّا فكريًّا سياسيًّا؛ فقد أصبح لقرع الخزّان في خضمّ هذه المجزرة ضرورة حياتيّة، فمن الأسئلة الّتي تهمّني اليوم: ما الطريقة الّتي سيسلكها كلٌّ منّا؟ ومن أين نبدأ، أو نستمرّ في محاولاتنا التحريريّة الإبطاليّة لمنظومة الإماتة الصهيونيّة؟ وهل ثمّة ثوابت أخلاقيّة- سياسيّة علينا أن نتبنّاها معًا؟ كيف نؤكّد اليوم ومعًا وبثبات أن كفى بيعنا معايير معسكرة، وتصدير ملاحقات ضبطيّة إجراميّة مجمّلة، وأن أوقفوا المجزرة، أوقفوا الإماتة؟ وكيف نناضل معًا؟ فللنِّضال، ومعًا، حكمة، كما أشار كنفاني. وما دور كلّ واحدة وواحد فينا؟

ماذا علينا أن نفعل؟ أيّ نوع من التحرّك علينا الخوض فيه سياسيًّا، فكريًّا، بحثيًّا، منهجيًّا؟ كيف نشرح سرديّتنا لإرهاب الدولة وداعميها، والّذين يحاولون بكلّ طاقاتهم تعطيل الجهد النقديّ لمفكّراتنا ومفكّرينا؛ باحثاتنا وباحثينا، والجهد الرافض لمقاومينا؛ لتغدو الإدانة المسبقة حجابًا للفهم وللسياسة؟

إنّ قضيّتنا اليوم، نعم، قضيّتنا الفلسطينيّة، هي المعترك الّذي سيحدّد المسار والأخلاقيّات والعمل والحياة لهذا العصر، وعلينا من هنا فضح التاريخ والواقع السياسيّ التدميريّ وتفكيكهما، وتشريح عنف الدولة في مشرحة الطبّ الشرعيّ الفلسطينيّ، وأخلاقيّات كتلك الّتي أبرزها زميلي العزيز الطبيب الغزّاويّ غسّان أبو ستّة، ونشطاؤنا، وأطفالنا، ورجالنا، ونساؤنا، ومراسلونا، وكشف السلطة والقوى التدميريّة للدولة وحلفائها كما أشار الكثير من ناشطاتنا/ ينا، وباحثاتنا/ ينا، ومحلّلاتنا/ ينا، وسياسيّاتنا/ ينا، وقرع الخزّان... نعم، قرع الخزّان ليس فقط لطرح تحليل نقديّ بديل؛ بل لتحرير أهلنا وفلسطيننا، والحدّ من منظومات الإماتة المتراكمة والمستمرّة، وإهالاتها.

 


 

نادرة شلهوب- كيفوركيان

 

 

 

باحثة فلسطينيّة، مختصّة في علم الإجرام. تتمحور أبحاثها في مجال علم النفس- الاجتماعيّ، والقانون والمجتمع، والمعاناة الإنسانيّة، والألم في واقع الاستلاب، والسلطة والقوّة.