"تعلّموا العربيّة"؛ إلياس عطا الله يواصل حفظ اللّغة

للفنّان باسم عادل

'تعلّموا العربيّة'، كتاب جديد للباحث اللغويّ، الدّكتور إلياس عطا الله، صدر حديثًا عن دارة المها للنّشر والتّرجمة وجمعيّة الثّقافة العربيّة، وهو يقع في 132 صفحة، وقد صمّم غلافه وائل واكيم.

راجع عطا الله في دراسته كتابي 'النّبراس في الفهم والقواعد والتّعبير للصّفّ العاشر'، و'البديع في الفهم واللّغة والتّعبير للصّفّ الحادي عشر'، حديثي الإصدار والتّصديق، واللّذين يدرّسان حاليًّا في كثير من المدارس فوق الابتدائيّة في أراضي 48، وقد رصد فيهما كمًّا هائلًا من الأخطاء.

تؤكّد الدّراسة أنّ المعايير اللّغويّة الّتي أقرّتها وزارة المعارف لم تطبّق بعد، كما تشير بالبنان لمواطن الإفساد وأشكاله، وبذلك توفّر مرجعيّة للمدرّسات والمدرّسين، ومُعدّي ومُعدّات الكتب والمسؤولين، من خلال التّحليل والشّروح في متن الدّراسة وحواشيها، علّها تساهم في تصحيح الأخطاء القائمة واجتنابها مستقبلًا.

يُعَدّ هذا الكتاب ثمرة من ثمار الأبحاث الّتي أنجزها المؤلّف في جمعيّة الثّقافة العربيّة، منذ عام 2009، لكشف الأخطاء والتّشويه اللّغويّ في كتب المناهج الّتي تفرضها إسرائيل على المدارس العربيّة، وقد أُطلق حينها على أولى مراحل المشروع اسم 'تعلّموا العربيّة وعلّموها الناس'، كاشفًا آلاف الأخطاء في الكتب التّدريسيّة، وعلى أثره ضغطت الجمعيّة على وزارة التّربية والتّعليم لفرض مرجعيّة علميّة تضع معايير واضحة لتصديق الكتب الّتي يدرس فيها مئات آلاف الطّلّاب العرب، وقد نجحت في ذلك إلى حدّ بعيد.

تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة مقطعًا نموذجيًّا من الكتاب، بإذن من دارة المها.

***

الدّكتور إلياس عطا الله

من كتاب البديع للصفّ الحادي عشر

الوَحدة الثّالثة (ص 38- 48) : نبوءاتٌ تخلّفَت عن عصرها- فهد عامر الأحمديّ

النصّ إقناعيّ! لم يُبقِ معدّ الكتاب نقيصة ومفسدة، وعلى كلّ الأصعدة، إلّا وجاء بها، في متن النصّ المنقول[1]، أو في ما تلاه من مهامّ وتقعيد وشرح. النصّ، بدعم من المعدّ، مدرسة في الإفساد على صعيد الترقيم، ولا ننسى أنّ المعدّ يلحّ على تذكير الطلبة بالانتباه إلى علامات الترقيم!

2-3-1

الإفساد النحويّ والتقعيديّ:

'تنبّأَوا بمستقبلِها...'(ص 38). الفتحة على الهمزة خطأ؛

* 'حتّى أكاديميّةُ العلومِ الإنكليزيّةِ أنكرت...' (ص 39). هي: الإنكليزيّةُ، نعتًا للأكاديميّة لا للعلوم. نرى عودةً إلى الجرّ على الجِوار؛

  • 'أعتقدُ أنّ ذاكرةً قدرَها 640...ستكون...' (السطر الأخير، ص 38). هي: قدرُها بالرفع لأنّها مبتدأ؛
  • 'لم يُكلِّفْ نفسَهُ عَناءَ التَأكُّدَ...' (ص 40). هي: التأكّدِ، مجرورة بالإضافة؛
  • 'حسب ما وردَ في النّصَّ' (ص 41). هي: النّصِّ، مجرورة بالحرف؛
  • 'لمَنْ تعود الـ'هاء' في جملة...' (السؤال الثالث، ص 42). وفي هذا خطآن؛ هي: إلامَ لا لِمن، فالحديث عن غير العاقل، وهي: الـ'ها' لا الهاء، وبينهما فرقٌ، والخلط بينهما شائع في كتب الداخل التي راجعناها من قبل؛
  • '... وثالثةً معطوفةً...' (ص 44). هي: وثالثةٌ بتنوين الضمّ، لأنّها معطوفةٌ على 'أخرى' و'أعداد' السابقتين المرفوعتين؛
  • 'هل يجمعُ بين شقّيهِ حرفَ عطفٍ؟' (ص 44). هو: حرفُ، مرفوعٌ على الفاعليّة؛
  • في إعراب العدد المفرد نقرأ: 'يُستثنى العدد اثنانِ، مائةٌ، ألفٌ، مليونٌ ومليارٌ، ويُعاملُ معاملة المثنّى' (ص 45). صياغة غير صحيحة؛ فما الذي يُعامل معاملةَ المثنّى غير 'اثنان'؟ ولماذا لم توضع الملاحظة بعده مباشرة؟! ولماذا حُذف العدد اثنتان؟ جاءتْ 'مائة' بالألف بعد الميم، وكتابتها كذا سليمة، فهي كتابة تاريخيّة؛ فما قيمة ما جئتم به في تفضيل مئة على مائة في هامش الصفحة (47)؟!
  • 'ألوفٌ وملايينٌ- جمعُ تكسير' (ص 45). هي: وملايينُ، لا تُنوَّنُ؛
  • في عمود العدد المعطوف نقرأ تعريفه: 'كلّ الأعدادِ التي يجمعُ بينَ جزأيها حرف عطفٍ' (ص 45). القاعدة غير صحيحة؛ فالعدد المعطوف، في باب العدد، مصطلحٌ يدلّ بين أهل العلمِ على الأعداد من 21- 99، ولا أهميّة لورود حرف عطف بين أسماء العدد في غيرها؛ فمئَةٌ واثنانِ (102)، اسما عددين بينها حرف عطف، ولكنّهما لا يندرجان في 'مصطلح' الأعداد المعطوفةِ، وكذلك ألفٌ وواحدٌ (1001)، وما إلى هذا، هي معطوفة نحوًا، ولكنّها ليست من المصطلح؛
  • ومن أعجب ما قرأت، شرحُ لفظة العقود، قال: 'والعقودُ (عنوان) أخذوا الاسم من العقدِ الذي كانت تتحلّى به المرأةُ، وهو مكوّنٌ من عشرِ حبّاتٍ، فسمّوا كلّ مجموعةٍ من العشراتِ من عشرينَ إلى تِسعينَ عَقْدًا' (ص 45).
  • : كان على معِدّ الكتاب شكلُ العين في عقد المرأة، فالعينُ بالكسرِ؛
  • : هذه معلومات من باب الهذر والبدعة، ولا تعتمد تقريريّةُ أنّ في عقد المرأة عشر حبّات على شيء، فعلى الغالب عدد الحبّات/ الخرزات/ الحجارة الكريمة ليس زوجيّا، ومن هنا كانت واسطة العِقدِ التي تحفّ بها من كلّ جانب حبّتان/ جوهرتان متشابهتان في النّوع والشكل واللون؛  وثالثًا: لا علاقة بين عِقدِ المرأة والعَقد في العدد، وإن التقت الكلمتان في الجذر، وإن اشتركَ العِقد والعَقدُ في صيغة الجمع، فالعُقود مصطلحٌ في الحساب معروفٌ من العدّ بالأصابع وعَقدِها قبل معرفة الكتابة وبعدَها، وشاع استعماله في الأسواق بين التجّار والمشترين، واستعملوا العقود للعشرة فما فوق من مضاعفاتها، فعَقد طرَف السبّابة على طيّ رأس الإبهام يعني عشرة، وعَقدُ التسعينَ أن تجعلَ طرفَ السبّابة اليمنى في أصلِها، وتضمّها ضمّا محكما، بحيثُ تنطوي عُقدتاها حتّى تصير مثل الحيّة الملتفّةِ، وفي شكل عقود الحساب ووضعيّة السبّابة والإبهام خلاف بين مفسّري عقد الحساب[2]؛
  • في ضبط شين 10، يكتب في الهامش الأيمن (ص 46) عن شين عشرة: '... أمّا في المركّب فتكون ساكنةً أو مفتوحة أو مكسورة'. كيف تكون الشين مكسورةً؟ ومتى؟!
  • في حُكم المئة...، وفي الهامش الأيسر (ص 47)، نقرأ: 'كانتِ المئةُ تُكتبُ قديمًا بالألف (مائة) لتمييزها من (منة)، أمّا الآن فقد أمن الالتباس بفعلِ الضوابط الكتابيّة، لذلك من الأفضل مراعاةُ النطقِ والاختصار وكتابتها من غير الألف...'. هذه تخرّصات لا ضرورة لإفساد عقل الطلبة بها، فالمئة تُكتب بالألف وبلا ألف، والكتابتان سليمتان، وما جاءت الألف لتمييز مائة من 'منة'، تحدّثوا عن تمييزها من (منه) في القرآن الكريم، وهذا رأيٌ ليس بالقويّ، فكلمة (فئة) جاءت بالعدد نفسه كـ(منه) في القرآن الكريم، ولا يوجد ما يميّزها عن مئة إلّا السياق، إضافة إلى الخطأ في القول إنّ الالتباس قد أُمِن بفعل الضوابط الكتابيّة، فأمن اللبس جاء جرّاء إعجام عدد من الحروف- وكانت الحروف عواطل من قبل-، وجرّاء استعمال النقط والحركات والسكون، أمّا الضوابط في الكتابة، فهو مصطلح يشمل المدّة والشدّة والوصلة (الصاد الصغيرة فوق همزة/ ألف الوصل= ٱ) والتنوين، ولا علاقة له بالحركة والسكون.

2-3-2

العشوائيّة في الأسئلة:

  • من العبثيّة والارتجاليّة أن يُسأل الطالب عن تحويل الأعداد في نصّ إلى كلمات، ومراعاة التغييرات التي تطرأ على المعدود (ص 48)، وفي النصّ روعيَ المعدود وضُبط بالشكل، وجُمِعَ وأفرِد، ونصِبَ وجُرَّ! فعلامَ السؤال عن المعدود؟! أما كان كافيًا أن يُطلَبَ إلى الطلبة تحويل الأعداد إلى أسماء أعداد وضبطها بالشكل؟

2-3-3

الإفساد الصّواتيّ:

                يشيع في الكتاب شكل همزة الوصل في درج الكلام، وكانت كتب الوزارة من قبلُ تقطع همزة الوصل في الدرج، وإلى هذا نبّهتُ في بحثين سابقين[3]، وها هم الآن يرتكبون الخطأ بطريقة أخرى تفضي إلى الإفساد نفسه، ما يدفعنا إلى اليقين بفعلة العمد في تشويه اللغة عبر ضرب ملكة أصحابها في كلّ المراحل العلميّة، بدءا بالطفولة المبكرة، وانتهاء بالمرحلة الثانويّة، ومن هذا:

  • 'أنّ وزنَها اِنخفض' (ص 38). 'وبعدَ اِنتهائي' (ص 39). 'فحينَ اِخترعَ' وردت أربعَ مرّات (ص 39). 'الّذي اِكتشفَه' (ص 39). 'يُمكن اِستغلاله' (ص 39). 'حين اِدّعى' (ص 40). 'على اِختراعِ' (ص 40)؛
  • 'تجاهلَتِ الصُحُفُ...' (ص 39). 'فوصفَتِ التَجربَةَ...' (ص 39). 'مانعةَ الصَواعِقِ' (ص 39). 'عناءَ التَأكّدَ' (ص 40). 'ظلامَ اللَيلِ' (ص 40). شكلُ الحرف المشدّد دون وضع الضابطِ/ الشدّةِ خطأٌ.

2-3-4

الإفساد الترقيميّ:

  • في الكتابة غير المنضبطة، لا تُراعى قوانين العربيّة، ولا شأن لي بهذا، ولكن، حين يصبح النصّ مادّة تدريس للطفل، تجب مراعاة الكتابة وضوابطها وقواعدها وترقيمها؛ فعلامات الترقيم حقل واسع للفوضى في كثير ممّا يُكتب في مواقع ووسائل التواصل الاجتماعيّ، وحين تُنقل إلى كتاب مدرسيّ، علينا أن نحسن التصرّف، ونقوّم ما يجب تقويمه؛
  • تشيع في النصّ، بعد كلّ فقرة أو جملة ثلاث علامات للتعجّب/ التأثّر/ الانفعال (!!!)، أو علامتان (!!) (ص 38- 40)، والعربيّة لا تعرف إلّا علامة واحدة (!) تنتهي بها هذه الجمل، وهذا ما لم نرَهُ إلّا مرّة واحدةً في النصّ (ص 39)؛
  • لعلامات الترقيم واستعمالها ضوابط في العربيّة، ومن أبسطها أنّ علاماتٍ معيّنة لا تأتي في أوّل السطرُ، كالنقطة والفاصلة وعلامة الاستفهام وعلامة الحذف، وغيرها كثير. في النصّ، جاءت علامة الحذف (...) مرّتين أوّلَ السطر (ص 39، 40)، وفي مجيئها خطآن؛ لا تأتي في أوّل السطر إلّا بعد علامة اقتباس وما إليها، وهذا ليس في النصّ، وأن يكون لاستعمالها داعٍ دلاليّ بيّن، وفي الحالتين الواردتين، كان من اليسير حذف العلامة، ويظلّ المعنى مستقيمًا؛
  • '...كلُّ هذه المواقف' (ص 40). يجب إبعاد كلمة كلّ عن علامة الترقيم السابقة؛
  • 'لمْ تنبت لحاهم بعدُ... (السطر الأخير، ص 40). في الجملة أكثر من خطأ: مَن فتح علامة تنصيص أغلقها! وهذا ما لا نراه؛ علامة الحذف لا قيمة لها هنا؛ مَن أنهى فقرة وضع نقطة! وهذا ما لا نراه. الصواب: 'لم تنبت لحاهم بعد'.
  • لا يُبدَأ بعلامةِ تنصيصٍ مُغلِقَةٍ، ولا بأقواسٍ مُغلِقةٍ، وهذه الظاهرة في تغيّر اتّجاه انفتاح الأقواس وانغلاقها معروفة في الطباعة حين النقل من برنامج إلى آخر، أو من حاسوب إلى آخر، وكان على 'المدقّق' الانتباه إلى هذا، ولكنّ الكتاب بلا تدقيق ولا مراجعة! (السؤال الرابع، ص41، 46).

2-3-5

الإفساد الإملائيّ:

كانت ظاهرة الخطأ الإملائيّ مستشريةً في الكثير من كتب التدريس الوزاريّة (كما أظهرنا في دراسات سابقة)، وهي في هذا الكتاب قليلة (واستثنينا الأخطاء المطبعيّة)، منها:

  • 'وفي عامِ 1902 اَعلنَ...' (ص 39). هي: أعلنَ، بهمزةِ القطع؛
  • 'ممّا تمّ انجازه لاحقًا' (ص 44). هي: إنجازُه، بهمزة القطع. أشير إلى شيوع استعمال 'تمّ' متلوّة بمصدر، وفي الأسلوب ركاكةٌ، والأفصح هنا أن نقولَ: أُنجِزَ، بالبناء لما لم يُسَمَّ فاعلُه (للمجهولِ).

2-3-6

الإفساد المعرفيّ:

  • 'وفي عام 1668 اِخترع 'ليونوهُوَك' (الميكروسكوب)...'(ص 40). المعلومة غير صحيحة، هو أنتوني فان ليفينهوك، وقد تُلفظ ليون، وقد تُسقط النون/ ليو- Antonie van Leeuwehoek)، وهو ليس مخترع الميكروسكوب (المجهر)، فاختراعه مرّ بمراحل طويلة، شهدت تطويرات وتحسينات، وكان جاليليو قدِ اخترعه، ثمّ تطوّر هذا المجهر عام 1590

في ألمانيا بجهد ليبرشي وجانسين الألمانيّين، أمّا ليفينهوك، فله الفضل في اكتشاف كريّات الدم الحمراء، والمنَوِيّات، والكائنات الدقيقة.


[1] النصّ منقول عن موقع 'مجالس قبيلة الدوام'، أو 'الرياض' (أو أيّ موقع مماثل)، وهو مكتوب بتاريخ 3- 11- 2009، بالصورة الواردة في الكتاب.

[2] ينظر: أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ، فتح الباري، شرح صحيح البخاري، دار الريّان للتراث، 1986، باب الفتن، يأجوج ومأجوج. وللتيسير على الباحث، ينظر في محرّك جوجل: أطول سند في صحيح البخاريّ.

[3] تعلّموا العربيّة وعلّموها الناس، 2009، المناهج والهويّة، 2011.