"الوطن" شركة استيطانية فوق المحاسبة القانونية

رغم انكشاف العديد من عمليات التزوير إلا أنه لم تتخذ أية إجراءات قانونية ضدها بعد اتضاح ضلوعها في تزوير ملكية أراض فلسطينية لإقامة أو ترخيص البؤر الاستيطانية عليها..

ضمن النشاط الاستيطاني الذي لا يتوقف في الضفة الغربية، تنشط شركة استيطانية تطلق على نفسها اسما عربيا في الضفة على تحويل أراض فلسطينية إلى ملكيتها لتبرير البناء الاستيطاني. ورغم انكشاف عدد من الصفقات المزورة التي قامت بها الشركة، إلا أنه لم يتم اتخاذ أية إجراءات قانونية ضدها، وإنما العكس حيث يتضح أنها تلقى تعاونا مما يسمى بـ"الإدارة المدنية" والقضاء والشرطة، كما يتضح أن مدير الشركة يلقى احتضانا من مكتب رئيس الحكومة ووزارة الأمن ووزارة المالية ووزارة الإسكان/ الاستيطان، رغم أنه أمضى عقوبة السجن الفعلي بتهمة الانتماء إلى التنظيم اليهودي السري الإرهابي.

ونشرت صحيفة "هآرتس"، اليوم الثلاثاء، تقريرا موسعا عن نشاط الشركة التي تدعى "الوطن" (بالعربية) وهي شركة استيطانية مسجلة في الضفة الغربية، بموجب القانون الأردني الذي يسمح لسكان المنطقة أو شركة مسجلة بشراء أراض. وقد أقيمت الشركة في العام 2002 بهدف شراء أراض من الفلسطينيين لصالح الاستيطان اليهودي. وتعود ملكية الشركة إلى حركة "أماناه"، من خلال شركة "بنياني بار أماناه" التابعة لها، و"المجلس الاستيطاني ماطي بنيامين". ويدير الشركة زئيف حفير (زمبيش)، كما يدير شركات وهيئات أخرى ينسب لها إقامة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. وقد بدأ نشاطه في الشركة في العام 2011.

تجدر الإشارة إلى أن زئيف حفير كان في سنوات الثمانينيات ضمن "التنظيم السري اليهودي" الإرهابي، وحكم عليه في حينه بالسجن الفعلي مدة 11 شهرا. ويدير "أماناه" منذ 25 عاما، ويعتبر شخصية بارزة في مجال الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، وله علاقات واسعة مع الحكومة وجيش الاحتلال والإدارة المدنية، كما يعتبر مقربا من وزير الإسكان/ الاستيطان أوري أرئيل، ومدير ما يسمى بـ"دائرة أراضي إسرائيل" ورئيس المجلس الاستيطاني السابق بنتسي ليبرمان. كما يشير التقرير إلى أن أبواب وزير الأمن موشي يعالون ووزيرة القضاء تسيبي ليفني مفتوحة دوما أمام حفير، إضافة إلى مكتب رئيس الحكومة ووزارة المالية. وكان أيضا أحد المقربين سابقا من رئيس الحكومة الأسبق أرئيل شارون.

وأشار تقرير "هآرتس" إلى أنه نظرا لكون تسجيل الأراضي (الطابو) مغلق، ومن الصعب معرفة مساحة الأراضي التي باتت في ملكية شركة "الوطن"، ولكن مراجعة أرشيف مخططات البناء التي قدمت للإدارة المدنية في السنوات الأخيرة تشير إلى أن نشاط الوطن يتركز في "شراء" أراض في البؤر الاستيطانية التي تواجه الهدم. ورغم نشاط الشركة المشبوه إلا أنه لم يتخذ حتى الآن أي إجراء قضائي ضدها.

وتناول التقرير عدة ملفات ذات صلة ببؤر استيطانية أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، وتعتمد الشركة على الوثائق المزورة لتبرير النشاط الاستيطاني فيها، أو لتأجيل عمليات الإخلاء منها المرة تلو المرة، وكسب الوقت من خلال مختلف الادعاءات التي تقدم للمحاكم، والتي تلقى تجاوبا بوجه خاص من النيابة العامة والإدارة المدنية.

فبعد تأجيل لعدة مرات، وفي تموز/يوليو من العام 2012 أي بعد شهرين من التماس تقدمت به "سلام الآن"، التزمت "الدولة" أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بهدم البؤرة الاستيطانية "غفعات أساف"، التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية.

وقبل ثمانية أيام من موعد إخلاء المستوطنة، وبعد أكثر من 10 سنوات على إقامتها، ادعت "شركة الوطن"، التي تملكها حركة "أماناه"الاستيطانية أنها قامت بشراء قسيمة في البؤرة الاستيطانية وجزأين من قسيمتين أخريين. وبالنتيجة وقفت "الدولة" إلى جانب المستوطنين في "غفعات أساف"، وطلبت تأجيل الإخلاء بذريعة فحص ما إذا كانت عملية التغيير في ملكية الأراضي تتيح إجراء تسوية. وبدوره استند رئيس المحكمة العليا آشر غرونيس على "عملية البيع" وقام بتأجيل عملية الهدم.

جاء هذا التأجيل رغم التساؤلات الكثيرة بشأن "الصفقة" المزعومة، علاوة على أن احتمال قيام فلسطيني ببيع قطعة أرض يجري التداول بشأنها في المحكمة العليا للمستوطنين ضئيل جدا، وفي المقابل فإن احتمال تزيييف صفقات من قبل المستوطنين ليس أمرا نادرا في الضفة الغربية. ورغم ذلك قررت ما تسمى بـ"الإدارة المدنية" عدم التوجه إلى الشرطة، وصادقت على الصفقة.

وعندما علم أصحاب الأراضي الفلسطينية، سارعوا لتقديم التماس إلى المحكمة المركزية، مؤكدين أنهم لم يبيعوا الأرض، وأن الوثائق مزيفة. وخلال الأسبوع الأخير أبلغت النيابة العامة المحكمة العليا بأن هناك شبهات تشير إلى تزييف وثائق بشأن قسيمة واحدة على الأقل من القسائم الثلاث. وقررت إعادة النظر في خطواتها، في حين كسبت شركة "الوطن" تأجيل عملية الإخلاء لمدة سنتين، الأمر الذي قد يستغل لـ"صفقات" أخرى، وتبقى المستوطنة قائمة من التماس إلى التماس.

كما يشير التقرير إلى أنه في العام 2006، قدمت "سلام الآن"، بواسطة المحاميين شلومي زخاريا وميخال سفراد، التماسا إلى المحكمة العليا بمنع هدم البؤرة الاستيطانية "مغرون"، التي كانت أكبر بؤرة في الضفة الغربية في حينه، واستوطن فيها نحو 50 عائلة. وتجندت "الوطن" لتقديم المساعدة. وادعت الشركة في ردها إلى المحكمة العليا أنها قامت بشراء قسيمتين في البؤرة الاستيطانية، وبينت تحقيقات الشرطة لاحقا أن الحديث عن تزييف. وتبين أنه جرى التوقيع على توكيل في العام 2004 في كاليفورنيا من قبل شخص توفي قبل 40 عاما في رام الله. وقال كاتب العدل الأمريكي، الموقع على الوثيقة، للمحققين الإسرائيليين أن الختم الخاص به قد سرق منه قبل عدة شهور.

ورغم النتائج القاطعة التي أشارت إليها تحقيقات الشرطة، فإن ذلك لم يمنع "الوطن" من التمسك بالوثائق المزيفة لمنع إخلاء البؤرة الاستيطانية. وفي العام 2011، عشية البت في مصير "مغرون" قدمت "الوطن" إلى المحكمة المركزية طلبا بتسجيل الأراضي على اسمها، استنادا إلى الوثائق المزيفة. وادعت أمام العليا أنه يجب انتظار قرار المركزية. بيد أن القضاة رفضوا ذلك، وفي كانون الثاني/ يناير الأخير سحبت "الوطن" طلبها من المركزية.

وفي أعقاب ذلك عمدت "الوطن" إلى وسيلة أخرى، حيث قدمت طلبا عاجلا وسريا إلى المحكمة العليا، وادعت فيه أنها عقدت صفقتين جديدتين في "مغرون"، وتبين أن إحداها تتصل بقسيمة كانت الشركة قد ادعت ملكيتها في صفقة سابقة تعود إلى العام 2004. وتبين أن الصفقة الجديدة تدعي أن شخصا يبلغ المائة من العمر قد وقع عليها، كما تبين أنه توفي قبل إبلاغ الإدارة المدنية بالصفقة بـ6 شهور. واتضح أيضا أن المسن قضى سنواته الأخيرة راقدا في منزل ابنه، ولم يكن له أي اتصال مع العالم الخارجي. ورغم ذلك صادقت الإدارة المدنية على الصفقة.

ويبدو أن هذه الصفقة المزيفة قد حققت بعض النتائج، حيث أخلي المستوطنون في صيف العام 2012، بيد أن المباني ظلت قائمة إلى حين انتهاء الشرطة من التحقيق في هذه القضية. وفي الأسبوع الماضي، وبعد تحقيقات الشرطة، أبلغ المحامي عنار هيلمان من النيابة العامة موكلي شركة "الوطن" أن الوثائق التي عرضت من قبلهم مزيفة، وأنه من المتوقع أن يتم إخلاء هذه المباني خلال أسبوع.

وردا على سؤال "هآرتس" بشأن فتح تحقيق جنائي من قبل الشرطة بشأن المعلومات الجديدة، ردت وزارة القضاء بالقول إنه "تم فتح تحقيق جنائي بشأن المعلومات الجديدة وتبين أن الوثيقة مزيفة، وفيما عدا ذلك فإن الوزارة لا تستطيع التفصيل أكثر لأسباب مفهومة". بحسب الوزارة.

كما أشار التقرير إلى أسلوب عمل مماثل قامت به شركة "الوطن" في قضية البؤرة الاستيطانية "غفعات هأولبناه" في مستوطنة "بيت إيل" المقامة على أراض فلسطينية خاصة، حيث حظيت الشركة بتعاون النيابة العامة معها. ففي صيف العام 2012، وبعد أن تعهدت "الدولة" بإخلاء البؤرة الاستيطانية، ادعت "الوطن" أن الأراضي بملكيتها، وعرضت وثيقة بهذا الشأن. وبينت تحقيقت الشرطة أن اسم البائع ليس اسم صاحب الأرض، وأن البائع أيضا يبلغ من العمر 7 سنوات لدى تسجيل الأرض على اسمه، وهو أمر غير ممكن بموجب القانون الأردني. كما تبين أن عضو الكنيست دافيد روتم، الذي كان ممثل الشركة في حينه، قد أضاف بندا على "وثيقة الشراء" يفيد أن "الصفقة تستكمل فقط بعد أن يعرض البائع الحقيقي أدلة تؤكد ملكيته للأرض"، الأمر الذي لم يحصل. وقبل بضعة أيام من تداول القضية في المحكمة العليا، قدمت "الوطن" دعوى إلى المحكمة المركزية لتسجيل الأرض على اسمها. وبعد عدة أيام ادعت الدولة أمام العليا بأنه يجب الانتظار إلى حين البت في الدعوى، ولكن القضاة رفضوا الطلب، وبعد إخلاء "غفعات هأولبناه" سحبت "الوطن" الدعوى من المركزية.

وتدعي "الوطن" أنها قامت بشراء أراض في "عمونا"، قبل إقامة البؤرة الاستيطانية هناك بـ17 عاما. وفي أعقاب ذلك وافق القضاة على التزام الدولة بالتراجع عن نيتها هدم البؤرة الاستيطانية. في المقابل، فإن المحكمة المركزية في القدس تناقش الآن دعاوى تقدم بها أصحاب الأرض الأصليون، يؤكدون فيها أنه حصل تزييف. وفي حالة ثالثة قرر قضاءة المركزية أن الوثائق التي قدمتها الشركة في العام 2003 بشأن ملكية بيت فلسيطني في قرية دير دبوان، القريب من مستوطنة "عوفرا" ليست حقيقية. ورغم ذلك فقد دخل المستوطنون إلى البيت بالقوة، ولا يزالون فيه حتى اليوم رغم قرار المحكمة.

وتشير الوقائع إلى أن ما تسمى بـ"الإدارة المدنية" والنيابة العامة والقضاة يميلون إلى التعاون مع شركة "الوطن". وفي هذا السياق يقول سكرتير "سلام الآن" ياريف أوفنهايمر إن النيابة العامة تظهر تسامحا مفرضا ولا تفعل الأدوات الموجودة بين يديها من أجل تقديم المسؤولين للمحاكمة ووقف هذه الظاهرة، حيث لم يعتقل أحد ولم يستدعى شهود، ولم تجر تحقيقات بشأن تقديم وثائق كاذبة ومزورة للإدارة المدنية والمحكمة. وبحسبه فإن "أرض إسرائيل تشترى بالتزييف على طريقة عناصر العالم السفلي".

التعليقات