برج البراجنة.. العيون على الشاشات والقلوب في غزة

"خوفها على ابنتها يبدو واضحًا في صوتها المرتجف.وتروي بأسى كيف أن ابنتها، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، وزّعت أطفالها على أقاربها، في محاولة لحمايتهم.

برج البراجنة.. العيون على الشاشات والقلوب في غزة

(غزة / Gettyimages)

في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لا تنفكّ حياة شحادة عن مشاهدة التلفاز، بينما تحمل هاتفها الخلوي متلهفة لتلقي رسالة من ابنتها العالقة مع أولادها الثلاثة في قطاع غزة بعدما انقطعت أخبارهم لأسبوع.

تابعوا قناة موقع "عرب 48" عبر منصة "تلغرام" للأخبار أولا بأول

في شقّتها المتواضعة في المخيم المكتظ في الضاحية الجنوبية لبيروت، تقول شحادة (69 عامًا) لوكالة فرانس برس: "منذ أن بدأت الحرب في غزة وأنا في حالة قلق. أستيقظ عند الساعة الثالثة أو الخامسة فجرًا، وأشغّل التلفاز".

وتضيف "أبكي لا على ابنتي فحسب، بل على أهالي غزة كلّهم".

بصعوبة، تتمكّن شحادة من التواصل مع ابنتها، وجلّ ما تتمناه يوميًا أن تصلها مجرد رسالة "نحن بخير".

وتشرح السيدة بينما يلهو أحد أحفادها على الأرض قربها، "أتكلم معها أحيانًا، تقول لي فقط إنها بخير"، إذ أنها لا تستطيع استخدام الهاتف مطولاً في ظل صعوبة شحن البطارية جراء انقطاع التيار الكهربائي في القطاع وعدم توفر الوقود للمولدات.

يشار إلى أنه ومنذ 7 أكتوبر شددت دولة الاحتلال حصارها على قطاع غزة المحاصر أصلاً منذ 2006، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والوقود، وبات سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة يعيشون في وضع كارثي وأزمة إنسانية مضاعفة في ظل الحرب التدميرية والقصف العنيف والغارات التي لا تتوقف لليوم الـ43 على التوالي.

ويتابع تقرير الوكالة الفرنسية: "في ظل صعوبة التواصل، تحاول شحادة أن تتمالك نفسها، لكن خوفها على ابنتها يبدو واضحًا في صوتها المرتجف.وتروي بأسى كيف أن ابنتها، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، وزّعت أطفالها على أقاربها، في محاولة لحمايتهم.

وتوضح "قبل أكثر من أسبوع، كانت تبكي وقالت لي وزّعت أولادي حتى إن مات أحدهم يبقى الآخر على قيد الحياة".

ويقيم 250 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، معظمهم موزعون على 12 مخيمًا أقيمت تباعاً إثر النكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل في العام 1948.

أمضت ابنة حياة شحادة خمس سنوات في لبنان، وعادت إلى غزة قبل أشهر بعدما جاء زوجها لاصطحابها، وباتت اليوم تتنقل "من منطقة إلى أخرى" في القطاع هربًا من القصف، وفق الوالدة التي تضيف "لا أعرف أين تتواجد اليوم".

الموت جوعًا..

وفي ظل الحصار المطبق وقلة المواد الغذائية، حذر برنامج الأغذية العالمي، الخميس، من أن سكان غزة يواجهون "احتمالاً مباشرًا للموت جوعًا". وانقطعت خلال اليومين الماضيين الاتصالات بشكل شبه كامل جراء نفاد الوقود.

وعائلة شحادة من بين 750 ألف فلسطيني اضطروا إلى مغادرة قراهم وبلدتهم خلال النكبة خصوصًا بعد مجزرة قرية دير ياسين التي ارتكبتها ميليشيات صهيونية في نيسان/أبريل 1948 وأودت بأكثر من مئة من أهالي القرية القريبة من القدس المحتلة.

وتتمنى شحادة أن تتحدث مع ابنتها ولو للحظات معدودة لتقول لها "لا تبكي، دموعك غالية عليّ يمّا".

في إحدى حارات مخيم برج البراجنة، ترتفع صور الزعيم الراحل ياسر عرفات مع شعارات داعمة لعملية "طوفان الأقصى"، التسمية التي أطلقتها حماس على هجومها الأخير.

لاجئة من من الكابري في قضاء عكا..

من شقّتها المتواضعة، تتابع فاطمة الشواح (61 عامًا) الأخبار لحظة بلحظة، على أمل معرفة أخبار عن قرابة سبعين فردًا من عائلتها يعيشون في القطاع، أكبرهم في السبعين وأصغرهم رضيع لم يبلغ عامه الأول.

كان هؤلاء يسكنون في بيت حانون بشمال القطاع، لكنّهم فروا على وقع القصف الإسرائيلي من منطقة الى أخرى، ولجأ بعضهم إلى مدارس في رفح بجنوب غزة.

وتقول الشواح المتحدرة أساسًا من الكابري في قضاء عكا "بيوتهم كلّها دُمّرت، وبيوت أولادهم دُمّرت لأنها على خطوط التماس. لم يبق شيء".

تحاول السيدة أن تتواصل مع أقاربها قدر الإمكان، ويحصل أن تسمع أحيانًا صوت القصف حولهم أو صراخ الأطفال.

وتروي "اليوم الذي لا يطمئنوننا عن حالهم، تغلي قلوبنا خوفًا عليهم"، وتنقل عنهم "إنهم مرعوبون وجياع، بينما الأطفال خائفون". وتضيف "يتقطّع قلبي عليهم".

أحياناً، تشعر الشواح أنها غير قادرة على تحمّل هذا الكم من المعاناة، وحتى سماع القصف والصراخ عبر الشاشة. وتقول "يخفق قلبي بشدّة وأتوتر كثيرًا".

حين تتذكر زيارتها الأخيرة إلى قطاع غزة في تموز/يوليو الماضي، تغرورق عيناها بالدموع وتبتسم حين تستعيد صور أفراد عائلتها يستقبلونها بلهفة على وقع الطبل والزمر عند معبر رفح الحدودي مع مصر.

وتقول: "ليتني لم أذهب يومًا إلى غزة ولم أر الناس الطيبين" فيها.

وتضيف "ليت غزة تعود كما كانت (...) لكن وإن كان الجميع يطالب بوقف إطلاق النار، فإن إسرائيل لا تسمع أحدًا".

التعليقات