الشريحة الإلكترونيّة: أداة التواصل بين الناس تحت القصف في غزّة

وتسبّب العدوان بأزمة إنسانيّة حادّة شملت نزوح 1,9 مليون شخص يشكّلون 85 بالمئة من إجماليّ سكّان القطاع، وفق الأمم المتّحدة. كما شدّدت إسرائيل حصارها، وقيّدت إدخال المساعدات...

الشريحة الإلكترونيّة: أداة التواصل بين الناس تحت القصف في غزّة

آثار القصف الإسرائيليّ في قطاع غزّة (Getty)

أصبحت الشريحة الإلكترونيّة (eSIM) الوسيلة الوحيدة للكثير من سكّان قطاع غزّة للتواصل مع أقاربهم أو نقل مجريات العدوان الّذي يشنّه الاحتلال الإسرائيليّ، والّذي وصفته منظّمات حقوقيّة عديدة حول العالم بأنّه إبادة جماعيّة، في ظلّ الانقطاعات المتكرّرة لشبكتي الهاتف والإنترنت.

وعادت خدمات الاتّصالات والإنترنت "بشكل تدريجيّ في مناطق وسط وجنوب قطاع غزّة" الأربعاء، وفق شركة الاتّصالات الفلسطينيّة "بالتلّ"، غداة انقطاعها بالكامل للمرّة الرابعة منذ اندلاع العدوان في القطاع المحاصر في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر.

وأصبحت هذه الشرائح وسيلة اتّصال بالعالم للكثير من سكّان القطاع بعد أن يبتاعها لهم أقارب أو معارف في الخارج. وتعمل الشرائح وفق مبدأ بسيط: لتشغيلها، يتعيّن على المستخدم مسح "رمز الاستجابة السريعة" (QR code) المرسل من الخارج باستخدام كاميرا الهاتف النقّال، ما يتيح وصله بشبكة اتّصالات هاتفيّة خارجيّة.

محاولات لشحن الهواتف المحمولة في غزّة وسط انقطاع التيّار الكهربائيّ (Getty)

وقال الصحافيّ هاني الشاعر (35 عامًا) لوكالة فرانس برس "لا خيار أمامنا في ظلّ انقطاع الاتّصالات والإنترنت في القطاع سوى استخدام هذه الشرائح".

وإذ أكّد أهمّيّتها في المساعدة على "نقل الصوت والصورة"، اعتبر أنّه "لولا هذه الخدمة لانقطعنا عن العالم على الصعيد المهنيّ والشخصيّ أيضًا".

وبدأت إسرائيل قصفًا عشوائيًّا عمليّات برّيّة أواخر تشرين الأوّل/أكتوبر، راح ضحيّتها أكثر من 20 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال.

وتسبّب العدوان بأزمة إنسانيّة حادّة شملت نزوح 1,9 مليون شخص يشكّلون 85 بالمئة من إجماليّ سكّان القطاع، وفق الأمم المتّحدة. كما شدّدت إسرائيل حصارها، وقيّدت إدخال المساعدات.

وفي ظلّ الدمار الّذي طال مناطق واسعة، أكّدت سمر لبد الّتي كانت تقطن مدينة غزّة بشمال القطاع، أنّها "فقدت الاتّصال مع الجميع لأكثر من أسبوع".

وأوضحت أنّ شقيقها المقيم في بلجيكا قام "بإرسال شريحة إلكترونية لي لتوفير الإنترنت لنتمكّن من الاتّصال ببعضنا البعض".

(Getty)

وتابعت "الاتّصال ليس ثابتًا، لكنّه يفي بالغرض، على الأقلّ نتواصل مع بعض للاطمئنان، ولو بشكل غير مستمرّ".

على الرغم من ذلك، لا تتمكّن لبد من الاتّصال بأقارب آخرين موجودين حاليًّا في خان يونس، كبرى مدن جنوب القطاع وحيث تتركّز العمليّات العسكريّة منذ أيّام.

وأضافت "لكنّي أطمئنّ عليهم عبر هذه الخدمة المتوفّرة مع أحد الأشخاص الّذي يقيم معهم؛ لأنّ هاتفه يدعمها".

ولا يضمن الحصول على الشريحة الإلكترونية توافر خدمة الاتّصال، إذ أنّها غير ممكنة إلا في المناطق القريبة من الحدود، أو تتطلّب الانتقال إلى أماكن مرتفعة للتمكّن من التقاط إشارة جيّدة.

في متجر للهواتف النقّالة في مدينة رفح (جنوب)، يستقبل إبراهيم مخيمر الكثير من الصحافيّين والمراسلين.

وأكّد أنّ هؤلاء هم "أكثر فئة تستخدم الشريحة الإلكترونية بسبب نقل الصورة الصحافيّة إلى العالم الخارجيّ في ظلّ سعي الاحتلال (لأن يتمّ) تجاهل قطاع غزّة وألّا يقوم العالم الخارجيّ بدعم القطاع الّذي لا يتمتّع بأيّ مقوّمات للحياة".

وإضافة إلى الصحافيّين، أكّد مخيمر أنّ هذه الشرائح تلقى إقبالًا من عناصر "الإسعاف والدفاع المدنيّ الّذين يريدون معرفة أماكن القصف لنجدة من يمكن أن يقدّموا له المساعدات"، إضافة إلى عاملين مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين (أونروا) "من أجل توجيه البضائع... والمساعدات إلى الأماكن الصحيحة من أجل إنقاذ الناس".

وفي حين أنّ الشرائح تهدف لتعويض انقطاع الاتّصالات، تبقى المفارقة في أنّ تشغيلها رهن توافر الإنترنت، وهو ما يتطلّب "ساعتين أو ثلاث ساعات"، وفق المصوّر الصحافيّ ياسر قديح.

وتابع "لجأنا إلى العمل باستخدام الشرائح الإلكترونية؛ بسبب انقطاع خدمات الاتّصال والإنترنت... لكنّنا نعاني لالتقاط إشارة جيّدة للتمكّن من إرسال موادّنا الصحافيّة، إذ تتطلّب هذه الشرائح التواجد في أماكن مرتفعة ومفتوحة لتكون الإشارة جيّدة".

وأوضح قديح أنّ سعر الشريحة "يراوح بين 15 إلى 70 دولارًا حسب سرعتها ومدّتها" بين أسبوع وشهرين.

من جهته، أكّد الشاعر أنّ "الشرائح الإلكترونية بالنسبة لنا كصحافيّين تعتبر قشّة لا يوجد أمامنا (خيار) سوى التعلّق بها للتمكّن من العمل".

وكانت منظّمة هيومن رايتس ووتش حذّرت أواخر تشرين الأوّل/أكتوبر من أنّ قطع الاتّصالات في غزّة قد يكون بمثابة "غطاء لفظائع جماعيّة، ويسهم في الإفلات من العقاب على انتهاكات لحقوق الإنسان".

عدا عن دورهم في نقل صورة الحرب، بات الصحافيّون الفلسطينيّون في غزّة الّذين تتوافر معهم شريحة إلكترونية، صلة وصل بين سكّان القطاع وأقاربهم في الخارج.

وأوضح هاني الشاعر "الكثير من المغتربين يتواصلون معنا لمعرفة أخبار قطاع غزّة وأخبار ذويهم، ونحن نطمئنّهم عن أماكن القصف وأخبار ذويهم في ظلّ انقطاع هذه الشبكة الفلسطينيّة وبقاء الشرائح الإلكترونية فقط هي المتّصلة على الشبكات الخلويّة الدوليّة".

التعليقات