أمعاء الأسرى تصنع المرحلة.. وحلاحلة يعتذر لطفلته..

حلالحلة في رسالة لطفلته: عندما تكبرين ستفهمين أن معركة الحرية هي معركة العودة إليك، ومن أجل أن لا أبعد عنك بعد ذلك أو أحرم من ابتسامتك ورؤيتك، وحتى لا يعود المحتلون مرة أخرى ليخطفوني منك

أمعاء الأسرى تصنع المرحلة.. وحلاحلة يعتذر لطفلته..

دخل أبطال –جنرالات- فلسطين في الأسر يومهم الـ74 لإضراب الكرامة والحقوق.. والـ24 للنصر أو الشهادة، وذلك عندما اتخذوا قرارهم المصيري والتاريخي نيابة عن الأمة، وكذلك عندما استل أسرانا البواسل سيف أمعائهم لينتصروا لشعبهم بأمعائهم ودمهم ولحمهم.. وبذلك وجهوا صفعة لمن لم يتبق في عروقه بقايا قطرات من الدم والخجل.. ونحن على يقين بأن إرادة البواسل وما يفوح من دخان لحمهم المحترق داخل الأكياس الحجرية التي تصطلي بها أجسادهم المتهالكة ستنتصر حتما وتحرق الأذلاء الجبناء.

جاء تجنيد لحمهم وعظامهم وأرواحهم المعذبة بعد أن ألقى أصحاب القرار سلاح إرادته وتمترس خلف الأوهام وفي دهاليز مظلمة وأنفاق لا مخرج لها سوى لحم البواسل الغاضب. ويتساءل بعضنا هل بقي الكثير ممن يفهم تآكل لحم ثائر حلاحلة وبلال ذياب على مدار 73 يوما وهي تحترق كل ساعة وكل دقيقة، والآن الآن يودعون أمهاتهم وأطفالهم وهم يختارون مصائرهم بمحض إراداتهم وليس رغما عنهم.. هؤلاء الأيقونات الذين أشعلوا عظامهم نبراسا كي ينيروا وطنا ضاقت وطالت به طريق الظلمات ليستنهضوا بنا المروءة والإرادة ليصنعوا المرحلة بعد أن طال الاغتراب.. لكن الأسى أن البطل حلاحلة يعتذر عبر رسالته الشجاعة لطفلته.. فمن الذي عليه أن يعتذر؟ الأبطال أم من تخلى عنهم؟..
فيما يلي نص الرسالة:

"حبيبتي لمار، سامحيني لأن الاحتلال حرمني منك، وحرمني من بهجتي بولادة طفلتي الأولى التي كم تمنيت من الله أن أراها وأقبلها وأفرح بها، لا ذنب لك، لكن هذا قدرنا نحن الشعب الفلسطيني أن تسلب حياتنا وحياة أطفالنا، أن يبعثر شملنا وينغص عيشنا، فكل شيء لا يكتمل في حياتنا بسبب هذا المحتل الظالم الذي يتربص بنا ويحول حياتنا إلى غربة وملاحقة وعذاب رغم حرماني من احتضانك وسماع صوتك، ورؤيتك تكبرين وتتحركين في أرجاء البيت وفي السرير، ورغم حرماني من أن أمارس دور الإنسان الأب مع طفلتي فإن وجودك أعطاني كل القوة والأمل، وعندما رأيتك مع أمك في خيمة الاعتصام، هادئة تنظرين بدهشة إلى الناس، كأنك تفتشين عن أبيك، تنظرين إلى صوري المعلقة في الخيمة تسألين بصمت لماذا لا يعود أبي، شعرت أنك معي، وفي وجداني وعقلي، وأنك جزء من دقات قلبي وصمودي ودمي الذي يسير في جسمي، تفتحين أمامي كل الأبواب، وتفرشين حولي سماءا صافية، وتطلقين صوتك الطفولي حرا في هذا الصمت الطويل".

حبيبتي لمار.. أعلم أنه لا ذنب لك، ولا تفهمين لماذا يخوض والدك معركته في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 75 يوما، ولأنك عندما تكبرين ستفهمين أن معركة الحرية هي معركة العودة إليك، ومن أجل أن لا أبعد عنك بعد ذلك أو أحرم من ابتسامتك ورؤيتك، وحتى لا يعود المحتلون مرة أخرى ليخطفوني منك.

عندما تكبرين ستفهمين كيف وقع الظلم على أبيك وعلى الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين زجهم المحتل في المعسكرات والزنازين وحطم حياتهم ومستقبلهم، وهم لا ذنب لهم سوى أنهم يريدون الحرية والكرامة والاستقلال. وستعرفين أن والدك لا يقبل الظلم والخضوع، ولا يقبل الإهانة والمساومة، وأنه يخوض إضرابا عن الطعام احتجاجا على الدولة العبرية التي تريد أن تحولنا إلى عبيد وأذلاء بلا حقوق، ولا كرامة وطنية.

حبيبتي لمار، ارفعي رأسك دائما، وافتخري بوالدك، واشكري كل من وقف معي، وساند الأسرى في خطوتهم النضالية، ولا تخافي ولا تجزعي فالله دائما معنا، والله لا يخذل المؤمنين والصابرين، فنحن أصحاب حق، والحق سوف ينتصر على الظالمين والمجرمين.

حبيبتي لمار.. سيأتي ذلك اليوم، وأعوضك عن كل شيء، وسأسرد لك الحكاية كلها، وستكون أيامك القادمة أحلى وأجمل، فانطلقي في أيامك والبسي أجمل الثياب، واركضي ثم اركضي في حدائق عمرك المديد، إلى الأمام والى الأمام فليس وراءك إلا الوراء، وهذا صوتك اسمعه دائما نشيدا للحياة".

التعليقات