كلمة أمين عام التجمع عوض عبد الفتاح في مهرجان انتصارسامر العيساوي في العيسوية

خاض سامر نضاله الأسطوري، وهو يحمل الرواية الأصلية التي كانت عائلته المناضلة ينبوعها الأول. وأراد أن يثبت لنا أنه حتى عندما يغيب النضال الثوري العارم في مواجهة المشروع الكولونيالي الصهيوني، هناك متسع من الفرص لمنع الاحتلال من الاسترخاء. تجارب الشعوب التحررية تقول إن حالة الجزر التي تحصل في مراحل معينة،

كلمة أمين عام التجمع عوض عبد الفتاح في مهرجان انتصارسامر العيساوي في العيسوية


عشنا لحظات، متقطعة مع المعركة المدهشة التي خاضها سامر، أقول متقطعة لأننا نحن الذين خارج السجن الصغير، خارج الزنزانة، تجرفنا الحياة وتغرقنا في همومها القاسية، وأيضًا في إغراءاتها الخادعة. حتى نحن الذين نقود النشاط السياسي المنظم، شعرنا بالحرج، وأحيانًا بالخجل، وأحيانًا بالعجز، إزاء شخص لا يملك أيًا من الحرية، مقيدًا، محاصرًا، محرومًا من نور الشمس وبعض الهواء النقي، يخوض معركة موت بطيء، بإرادته وبخياره الشخصي ونحن غير قادرين على الدفع بحشد أوسع لمساندته ومساندة رفاقه. وحين قرر امتشاق سلاح المعدة الخاوية لم يسأل، وإن كان يأمل، إذا كان أحد سيتضامن معه. خاض المعركة وهو يحمل الرواية كلها، رواية شعب ووطن وضعتهما الصهيونية منذ اليوم الأول وفي سياق حركة الاستعمار العالمية، هدفًا للشطب، للشطب من الخريطة. نعم نجحت في شطب اسم فلسطين من خريطة دول العالم ولكن شعبنا نهض من ركام النكبة وفرض نفسه على خريطة حركات التحرر الوطني، فتصبح حركته الوطنية ومناضلوه رموزًا للنضال من أجل حرية الإنسان وكرامته.

لم يُجرِ سامر حسابات لميزان القوى، لا في داخل السجن ولا خارج السجن. لم يردع قراره واقع القيادة الفلسطينية الحالية، وهجرها للنضال منذ سنوات حتى بحدوده الدنيا. لم يردعه انحدار لغة التحرر إلى لغة الاستسلام والتسول، وتحول الصراع من صراع ضد مشروع استعماري، إلى نزاع سياسي أو نزاع على حدود مع دولة جارة.

لم يردعه أن مدينته، مدينة القدس، تحولت إلى رديف للمدن الفلسطينية الساحلية، التي هُجّر أهلها، وأُحل محلهم مهاجرون يهود من جميع أصقاع الأرض في غياب موقف عربي وفلسطيني جدّي.

خاض سامر نضاله الأسطوري، وهو يحمل الرواية الأصلية التي كانت عائلته المناضلة ينبوعها الأول. وأراد أن يثبت لنا أنه حتى عندما يغيب النضال الثوري العارم في مواجهة المشروع الكولونيالي الصهيوني، هناك متسع من الفرص لمنع الاحتلال من الاسترخاء. تجارب الشعوب التحررية تقول إن حالة الجزر التي تحصل في مراحل معينة، نتيجة بطش العدو، لا تبرر التخلي عن لغة التحرر، لغة الكرامة، ولا تبرر استبدالها بلغة وممارسة الانبطاح. ربما لا يعي البعض هول الضرر الناجم عن تآكل اللغة والمفردات والقيم. فماذا نقول للأجيال الصاعدة والقادمة التي حتمًا ستواصل الطريق؟ ومن أين تستمد وعيها الثوري؟ لن تلومنا الأجيال عن العجز عن التحرير، بل ستلومنا إذا ما فرطنا بتاريخها وبشرعية نضالها. إذا كنا عاجزين عن الفعل، فليس هناك من يمنعك من الحفاظ على المفردات وعلى التمسك بشرعية النضال. لا يجوز لنا أن نوقع على ما لا يريده الشعب وما سيغضب الأجيال القادمة، إن من شأن ذلك أن يشكل رادعًا أمام مهمة هذه الأجيال استنهاض مشروعنا التحرري من نظام كولونيالي بغيض.

من خوّل الجامعة العربية بتقديم هذه التنازلات، ونبش مبادرة ميتة ومتحللة، والتي كان الأجدر دفنها والتخلص من رائحتها؟ ما هذه المفارقة المتجسدة في قيام النظام العربي الرسمي أو ما تبقى منه، المتحمس للثورات العربية، وما تحمله من آمال باستنهاض قوة العرب، من جهة، ومن جهة أخرى ينبطح على أعتاب العم سام ويساوم على حق بلد عربي؟ يقولون نقبل التبادل؛ ألا يدركون أن التبادل هو مقايضة أرض فلسطينية بأرض فلسطينية أخرى احتلها المستعمرون بالقوة انتهاكًا للقانون الدولي؟ إلى متى يستمر هذا العبث بمصير قضيتنا وما هو دورنا نحن الفلسطينيين؟

لم تكن لتجرؤ الجامعة العربية الى الانحدار الى هذا المستوى إلا بناء على ما أصبح مذوتًا داخل أروقة المؤسسات القيادية الفلسطينية.

ما هو مطلوب اليوم هو أول خطوة؛ وقف سلسلة التنازلات، والتوقف عن لعب دور التغطية على عملية ترسيخ المشروع الكولونيالي الصهيوني في وطننا. وإذا كنا غير قادرين على خوض صراع ميداني مفتوح ضد هذا المشروع وهذا ليس عيبًا فلا بد من التهيئة له. والتهيئة له تبدأ بالتمسك بالثوابت، وبالمفردات ولغة التحرر لاستعادة ثقافة المقاومة.. لا يمكن بناء جيل مقاوم في ظل هذا المثال الرديء. لقد قدم سامر وزملاؤه دروسًا في هذا المجال فلنقتدِ بها.

هناك من أراد لنا نحن الفلسطينيين داخل إسرائيل أن يُكرسنا شأنًا إسرائيليًا داخليًا بفعل وبعد اتفاقية أوسلو. فتمردنا على ذلك رغم ميزان القوى المختل لصالح الصهيونية، فجددنا الحركة الوطنية، وأعلنا عن إصرارنا مواصلة التصدي أيديولوجيًا وسياسيًا وشعبيًا للصهيونية وعبر صيغة فكرية سياسية خلاقة ذات مضامين إنسانية ووطنية، تحت شعار إلغاء يهودية الدولة، وتفكيك مجمل منظومة الاضطهاد التي تحكم كل الشعب الفلسطيني.

ليس صدفة أن تنتشر اعتصامات الشباب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب تضامنًا مع خضر عدنان وسامر العيساوي وزملائهما. كل ذلك يُبشر ببدايات تبلور مشروع وطني ديمقراطي شامل تلتقي تحت سقفه كل تجمعات الشعب الفلسطيني. على نقيض الاستعمار ونظام الفصل العنصري. إنه مشروعنا القادم.

ألف تحية لسامر، ولأسرانا البواسل.
 

التعليقات