8 نيسان: ذكرى استشهاد بطل القسطل عبد القادر الحسيني...

-

8 نيسان: ذكرى استشهاد بطل القسطل عبد القادر الحسيني...
يبكي العالم اليوم لدماء الأطفال والشباب الفلسطيني التي تروي أرض فلسطين، لكن هذه الدماء ليست أول النهر ولا آخره، فإن هذا الشباب المقاتل له قدوة في سابقين قدَّموا حياتهم ودماءهم لهذه الأرض، فجاء اللاحق على خطا السابق، وهذا السابق ليس ببعيد زمانًا ولا مكانًا.

ويحيي الفلسطينيون اليوم الخميس الثامن من إبريل/ نيسان ذكرى استشهاد أبرز هؤلاء الأسلاف الميامين، الشهيد المجاهد الذي قاد معركة القسطل البطولية عبد القادر الحسيني رحمه الله.

سيرة ومسيرة

الحسيني أنهى دراسته الثانوية في القدس عام 1927، ثم التحق بكلية العلوم في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وفضح الدور المشبوه للجامعة آنذاك، وأدان سياستها، فأمرت حكومة إسماعيل صدقي باشا بطرده من مصر عام 1932.

عاد عبد القادر إلى بلاده فلسطين وعمل محرراً في جريدة "الجامعة الإسلامية"، ثم مأموراً في دائرة تسوية الأراضي في فلسطين، فأتاحت له أن يطّلع على جهود سلطة الانتداب البريطاني لتهويد الأرض الفلسطينية، فاستخدم وظيفته لإحباط ما يستطيع من محاولات الاستيلاء على الأرض الفلسطينية.

حضّر للثورة على الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، وقد لعب دوراً رئيسياً وبارزاً في التعبئة الجماهيرية، وأسهم بشكل كبير في بلورة الأهداف السياسية للثورة المسلحة 1936 ـ 1939م.

صعد الحسيني إلى الجبال ليمارس الحرب الشعبية في عام 1936، وكانت منطقة جنوب القدس مسرح العمليات العسكرية التي يتبع لها، وقاد بعضها بنفسه، وكان من أهمها "معركة الخضر" عام 1936، فأصيب فيها بجروح بليغة ووقع في أسر القوات البريطانية، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس وتوجه إلى دمشق.

عاد الحسيني أوائل 1938 إلى القدس وتولى قيادة الثورة في منطقتها، وفي تلك السنة قاد هجوماً عسكرياً ناجحاً على مستعمرة (فيغان) الصهيونية جنوبي القدس، وفي خريف العام نفسه أصيب عبد القادر مرة ثانية بجراح بليغة، ثم نقل إلى دمشق فلبنان ثم العراق.

تعيَّن الحسيني قائداً لمنظمة الجهاد المقدس في عام 1947، فشكل جيش الجهاد، الذي كانت مهمته مواصلة قتال قوات الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية.

وتمكنت قوات الجهاد المقدس بقيادة الحسيني من السيطرة على القدس وأحرزت تلك القوات انتصارات مهمة في خارج القدس، كنصب كمائن ناجحة ضد القوات الصهيونية، ومقر الوكالة اليهودية في القدس، ونسف شركة صحافة القدس، وعدة صحف صهيونية، والوكالة اليهودية للأنباء، ووكالة اليونايتد برس وما جاورها في مدينة القدس، كما هاجمت قواته العديد من المستعمرات اليهودية.

وقال الحسيني يومذاك: "إن الشعب الفلسطيني لن يكون وحيداً، لأن له أصدقاء كفاح يؤيدون قضيته وعدالته".

ومن تصريحاته في هذا الصدد: "نحن الفلسطينيين أقوياء على الرغم من قلة عددنا، لأننا نؤمن بقضيتنا، ولأننا نعلم أننا مؤيدين من جميع الشعوب التي ليس لها مطامع خفية كحكوماتها، سنقاتل حتى النهاية، وسيقاتل أبناؤنا وأصدقاؤنا من بعدنا، نحن مصممون على القتال".

وعندما طلب عبد القادر الحسيني من الجامعة العربية سلاحاً فرفضت، قال: "جئتكم أطلب سلاحاً لأدافع به عن فلسطين، وأما وقد خُذلت، فأبلغكم أننا لن نرمي السلاح حتى النصر أو الشهادة، أنا ذاهب إلى القسطل، ولن أسأل أحدكم أن يرافقني، لأنني أعرف حقيقة مواقفكم، ولكني أحذركم بأن التاريخ سيكتب أنكم خذلتم الأمة وبعتم فلسطين.. وإن التاريخ لا يرحم أحداً!".

موعد مع الدم

رجع الحسيني إلى فلسطين ولم يكن معه أكثر من ستين بندقية قديمة وعشرة مدافع رشاشة وبضع قنابل، وصل إلى القدس في 7/4/1948م فنظم هجوماً بطولياً ناجحاً على القسطل، واستطاعت قواته أن تسترد القسطل في اليوم التالي، في حين استشهد عبد القادر، بعد أن نكب اليهود في المعركة بخسائر عظيمة.

وكانت ذخيرة المجاهدين في القسطل قد نفدت، فأشاروا عليه بالاكتفاء، لكن عبد القادر أخذ يهاجم اليهود ومعاقلهم بنفسه ويقذفهم بالقنابل اليدوية، فانهزم اليهود، وإذا برصاص مدفع رشاش صهيوني ينهمر عليه، فيصاب ويستشهد دون دينه ووطنه المقدس فلسطين، وارتفعت روح القائد إلى ربها تشكو خيانة الزعماء وضعف الأوفياء.

كانت معركة القسطل رغم الظروف غير المتكافئة مثلا رائعا من أمثلة التضحية والحماسة والاندفاع ولكنها كانت أيضا انتصارا ضائعا نتيجة ضعف التسليح، والافتقار إلى التنظيم وقلة الذخائر وسوء الخدمات الطبية الميدانية ووسائل الاتصال.

وبينما انشغل المجاهدون في وداع قائدهم الكبير، استغل الصهاينة الفرصة ليقترفوا المجزرة البشعة في دير ياسين....

التعليقات