في فضاء النكبة: رصد مواقف الفلسطينيين في أمريكا الشمالية (2): مع عصام اليماني

-

في فضاء النكبة: رصد مواقف الفلسطينيين في أمريكا الشمالية (2): مع عصام اليماني
ينتمي عصام اليماني الى عائلة فلسطينية مناضلة هُجرَت من قرية "سحماتا" في فلسطين المحتلة عام 1948، وهي عائلة فلسطينية ذاقت طعم العذاب والتشرد واللجوء بقدر ما شاركت في مسيرة النضال من اجل استرداد الحقوق الوطنية والقومية.

ولم تقدم عائلة اليماني الشهداء والأسرى والجرحى وحسب، وإنما أعطت، ولما تزل تعطي كل الجهود الوطنية الخيرة، وليس بوصفها عائلة او قبيلة، بل بالانتماء الى مجموعة انسانية مناضلة، ويكفيها فخراً وعزة انها انجبت القائد الوطني الكبير "أبو ماهر اليماني" هذا الهامة الوطنية لا يزال معتصما في خيمته، شاهدا على مسيرة كفاحية طويلة جللها الوفاء للشهداء والرفاق.

ولد عصام اليماني في مخيمات اللجوء بالمنفى عام 1956، عشية العدوان الثلاثي الشهير على مصر، وبدأ نضاله مبكرا في مخيمات لبنان. وبعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، عام 1982، غادر اليماني إلى الخارج وتنقل في أكثر من بلد حتى حطت به الرّحِال في مدينة تورنتو بكندا عام 1984.

يساهم عصام اليماني في بناء وتأسيس العديد من المؤسسات والهيئات الفلسطينية والعربية في أمريكا الشمالية، وشغل مواقع سياسية واجتماعية عدة، منها المدير العام التنفيذي للبيت الفلسطيني ( مركز الجالية الفلسطينية في مدينة تورنتو ) ويكتب الشعر والمقالة السياسية، ونشر العديد من المقالات والدراسات في الصحف الفلسطينية والعربية.

يقول اليماني إنه منذ ترشيح وفوز الرئيس الأمريكي باراك اوباما، تملك بعض الأمريكيين العرب وعدد لا بأس به من الجمعيات والمؤسسات العربية والإسلامية، تملكهم شعور بالتفاؤل، بعد طرح اوباما برنامجا سياسيا واجتماعيا يختلف في شكله عن خطاب المحافظين الجدد، وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية الامريكية"

ويرى اليماني أن مرد هذه الشعور بالتفاؤل سببه "تحديد موعد نهائي لانسحاب غالبية القوات الأمريكية من العراق، واستعداده لغة الحوار مع دول "محور الشر" ، والمتمثلة بالبلدان التي حددها سلفه جورج بوش، أي ايران وسوريا وكوريا الشمالية، وكذلك تصريحاته المتكررة بشأن ايجاد حل نهائي للصراع العربي "الاسرائيلي" من خلال مبادرة أعلن عن خطوطها العريضة في خطابه "الأزهري" تضمن مبادرته الشرق الأوسطية التي تقر بحق الشعب الفلسطين بإقامة دولة مستقلة، واعلانه ضرورة أن تتوقف "اسرائيل" عن بناء مستوطنات جديدة، إضافة إلى تعيينه للسناتور جورج ميتشل لرعاية المفاوضات بين الطرفين التي يجب أن تنتهي بعقد اتفاق سلام نهائي خلال عامين".

* هل أوباما حقا مختلف؟

** اليماني: لا بأس من إعتبار الرئيس أوباما مختلفا عن سلفة مجرم الحرب بوش، الحقيقة هي أن الرئيس اوباما شخصية فعلا مختلفة عن سلفه، لكنه اختلاف الأسلوب في الدفاع عن المصالح الأمريكية، وما يهمنا كجالية في أمريكا الشمالية ليس شكل السياسة، إنما مضمونها، فمنذ انتخابه لم نر تغير في السياسة الأمريكية العدوانية، سواء في التعاطي مع ملف ما يسمى "مكافحة الإرهاب وكيفيته" أو في الملف الفلسطيني، أو الإيراني.

أما في إطار مكافحة "الإرهاب"، ونعني هنا الوجود العدواني الأمريكي في أفغانستان تحديدا، اتخذ أوباما قرارا بزيادة عديد الجيش الأمريكي وتصعيد للهجمات الامريكية على القرى والأحياء الأفغانية، تحت مبرر مفاده أن هذه المناطق ما هي إلا قواعد عسكرية لحركة طالبان!

هذا الموقف "الأوبامي" يعبد إنتاج مضمون خطاب سلفه، بوش الابن، الذي يعتبر أن "الإرهاب" يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية وللسلام في منطقة الشرق الاوسط، خاصة في المحيط الإسلامي، ومتناسيا و غاضا الطرف عن الأسباب الكامنة في انتشار "حالة التطرف الاسلامي" المتمثلة بشكل أساس، من وجهة نظرنا، بدور السياسة الأمريكية التي تضع مصالحها فوق مصالح شعوب المنطقة"


* هل أمريكا وحدها؟

** اليماني: حماية مصالحها حتم عليها دعم الأنظمة القمعية في المنطقة، وتلك الأنظمة القمعية تنتهك حقوق مواطنيها، وتنهب خيرات شعوبها وتستثمرها لحساب الأسر الحاكمة في الشركات والمؤسسات الأمريكية والتي تشكل في مجموعها منظومة المصالح الامريكية في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق".

وإضافة إلى الدعم الاقتصادي و العسكري غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بما يمثله هذا الكيان المحتل لفلسطين وتشريد شعبها، والذي يشكل قاعدة أمامية استراتيجية لحماية المصالح الأمريكية ضد حركات التحرر الوطني في المنطقة. من هنا، وان اتفق بعض قيادات المؤسسات العربية على النوايا الحسنة للرئيس الأمريكي، إلا أنه يجب أن لا يغيب عن بالنا أن السياسة الاستراتيجية غير معنية بهذه النوايا".


يواصل اليماني :

ُتبنى المواقف بناءً على السلوك السياسي، وفي هذا المجال، فإن المسلكية السياسية للرئيس الامريكي لم تظهر أي تغيير في جوهر السياسة الخارجية، من حيث المحتوى الاستراتيجي. ففي الملف الاإراني مثلا، وإن كان قد دعا في خطابه الأولي إلى أهمية الحوار و معالجة "الملف النووي الإيراني" من خلال المفاوضات ومنح إيران محفزات ايجابية، إلا أن هذا الموقف سرعان ما تغير لصالح ما يعتقده " الكيان الصهيوني" من خطر استراتيج يهدد أمنه هو!

* والمشهد الفلسطيني؟

** اليماني: تراجع أوباما عن كل خطابه "الأزهري" فيما يتعلق بالمستوطنات، التي أحرجت إدارته بشكل لا يوصف. وبرغم كل التصريحات المنددة بالقرار الإسرائيلي عن بناء 1600 وحدة سكنية في القدس المحتلة، إلا أن مسألة البناء لم تزعج أوباما بقدر انزعاجة من الإعلان عنه لحظة وجود نائبه وممثله الشخصي جو بايدن! بالرغم من ذلك عندما أعلن الطرف الفلسطيني "تمنعه " عن الاستمرار في المفاوضات إلا حين تجمد "إسرائيل" بناء المستوطنات، أرسل أوباما وزيرة خارجيته ومبعوثه الشخصي إلى المنطقة للضغط على الطرف الفلسطيني بالعودة الفورية الى المفاوضات، ولو بشكل غير مباشر، ودون تقديم أية ضمانات متعلقة بمرجعيات التفاوض أو النتائج المتوقعة منها.

يسخر اليماني من الموقف الأمريكي والعربي في آن واحد، فيقول:

باختصار ، موقف الرئيس الأمريكي "أبو حسين" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لا يختلف عن مواقف الإدارات السابقة، وممكن لنا أن نتوفع أن يكون موقفه أكثر ضعفا خاصة وأن خطواته السياسية تتجه منذ الآن إلى الانتخابات النصفية والرئاسية القادمة. لقد منح الموقف الشكلي للرئيس أوباما المبرر للنظام العربي الرسمي بعدم رسم خطة مواجهة، ولو شكلية، أو الضغط على إدارته من أجل تحريك جدي لـ"ملف حقوق الشعب الفلسطيني". النظام العربي الرسمي يرى في باراك اوباما طرفا محايدا، ( وربما ) أقرب إلى الموقف العربي الرسمي. وهذه قمة الجهل والغباء.

* المفاوضات بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال؟

** اليماني: بعد عام و نصف على توقف المفاوضات العبثية المباشرة، بين الجانب الصهيوني والقيادة الفلسطينية المعتمدة لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وافقت تلك القيادة، وبغطاء عربي رسمي نتج عن ضغط أمريكي، وافقت على استئناف المفاوضات وبشكل مولود جديد، تمت تسميته، بعد ولادته، على يد القابلة الأمريكية بـ"المفاوضات غير المباشرة"!. بدون ضمانات مكتوبة، وبدون اشتراطات تلزم الأطراف المفاوضة بقبولها، اللهم وعداً شفوياً من الإدارة الامريكة بإعلان اسم الطرف المعرقل لهذه المفاوضات! هذا وعد وتعهد خال من أي مضمون، فبإمكان الطرف الصهيوني طرح قضايا عدة لا يقبل بها الطرف الفلسطينى وتدفعه للانسحاب من حلقة التفاوض وتقوم بعدها الإدارة الامريكية بإدانته (إدانة الطرف الفلسطيني ) نتيجة انسحابه من العملية.

* وكيف سيرد الجانب الفلسطيني؟

** يذكر اليماني بالقول: ابو مازن هو صاحب مقولة "البديل عن المفاوضات هو التفاوض، وإذا فشلت المفاوضات، نبحث عن أفضل السبل لإعادة التفاوض".

في تفاصيل التفاوض، يواصل عصام اليماني:

في أجواء المفاوضات غير المباشرة، يرفض الجانب الصهيوني البدء بالتفاوض من حيث انتهت المفاوضات مع رئس الحكومة السابق إيهود أولمرت ومع ليفني (تسيبني ليفي وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة). كما يرفض البحث في مسائل الحل النهائي، الحدود واللاجئين والمياه و القدس. و يتطلع إلى أن تؤدي المفاوضات غير المباشرة إلى إجراءات "بناء الثقة المتبادلة". بمعنى أن يزيل بعض الحواجز العسكرية من مناطق محددة، منح بطاقات إضافية لـ"للشخصيات المهمة في السلطة VIP"، إطلاق سراح عدد من المعتقلين الذين قاربت محكوميتهم على الانتهاء، وهذا أقصى ما يمكن أن ينتج عن المفاوضات غير المباشرة في حال نجاحها في مرحلتها التجريبية الأولى والتي من المفترض أن تنتهي بعد أربعة اشهر، حيث يصار الى استبدالها بمحادثات مباشرة تستهدف بحث القضايا النهائية.

هذه المفاوضات غير محكومة بفترة محددة، وإن كان الرئيس أوباما قد أعلن أن قيام الدولة الفلسطينة يجب تحقيقه خلال عامين. تجربتنا مع مثل تلك الإعلانات هي خير دليل على عدم مصداقيتها، فقد سبق للرئيس كلينتون ومنذ توقيع اتفاقية إعلان المبادئ "أوسلو"، حدد فترة خمس سنوات لإنجاز الحل النهائي، و كذلك فعل بوش خلال ولايته الثانية، كذلك هذا ما وعدنا به أبو مازن ومستشاره الجهبذ ياسر عبد ربة. و كان الرد الإسرائيلي الدائم أن تلك المواعيد غير مقدسة. ألم يعلن شامير من مؤتمر مدريد عام 1991 " ،يريدون منا أن نفاوض الفسطينبين، حسنا سنفاوضهم لمدة عشرون عاما" وصدق شامير، لقد مضت ال20 عاما ونحن ما زلنا نتفاوض في ظل ازدياد الاستيطان، وهدم البيوت وعمليات الإبعاد والاعتقال وقضم الأراضي واستكمال الجدار العنصري، وكذلك في ظل الاعتماد على المساعدات الخارجية وفي هذا الاقتتال الداخلي.

سواء كانت المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة فلن تؤدي إلى نتائج تلبي الحد الأدنى من البرنامج الوطني الفلسطيني، المتمثل بحق تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينة وعاصمتها القدس.

المفاوضات والمقاومة:

وحول رأيه في المفاوضات غير المباشرة يجيب: مبدأ المفاوضات، في ظل تغييب أي برنامج نضالي، برنامج يشكل الضغط السياسي والاقتصادي والأمني على الكيان الصهيوني، إنما هو برنامج الاستمرار في الانصهار داخل مخطط العدو الصهيوني، أي جعل السلطة الفلسطينية أداة مدفوعة الأجر من قبل الأوروبيين و الأمريكيين، لإدارة شؤون السكان في الأراضي الفلسطينية. بناء المجاري، وتحسين الأداء الصحي، والشفافية الإدارية، كل هذه القضايا وإن كانت هامة في المجتمعات المستقلة سياسيا واقتصاديا، إلا أنها إنجازات غير ذي قيمة في الحالة الفلسطينية. وبصوت عال نعلن رفضنا المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، إلا إذا ترافقت مع برنامج نضالى وطني داعم للمفاوض الفلسطيني المتمسك بكامل حقوق شعبنا خاصة إنهاء الاحتلال وتطبيق حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية.

التعليقات