انعكاسات معركة قاقون وإسقاطاتها../د.محمد عقل

"السرية الثانية جوبهت بمقاومة عنيفة وشرسة من الجنود العراقيين الذين لم يبدوا أي استعداد للاستسلام، وحاربوا حتى الرمق الأخير، وانتهت مقاومتهم بعد أن أصيبوا جميعاً، وفي كثير من الحالات كان القتال وجهاً لوجه بأعقاب البنادق وبالمسدسات وبالأيدي وحتى بالعض بالأسنان"..

انعكاسات معركة قاقون وإسقاطاتها../د.محمد عقل

(الصورة بعدسة سهر روحانا)

الموقع:

تقع قرية قاقون المهجرة على تلة يبلغ ارتفاعها 52 متراً عن سطح البحر، وهي في الشمال الغربي من مدينة طولكرم وعلى بعد ستة كيلومترات منها. تحدها من الشرق قرية شويكة وبير السكة ويما، ومن الغرب وادي القباني ووادي الحوارث، ومن الشمال خربة الجلمة وخربة المجدل وجت، ومن الشمال الغربي خربة زلفة وخربة المنشية. بجوارها مرت سكة الحديد الموصلة بين طولكرم وحيفا وفي الشمال منها في خربة المجدل كانت محطة للقطار.

سميت القرية بهذا الاسم لاشتهارها بزراعة البطيخ، فكلمة "قاوون" بالتركية تعني "البطيخ الأصفر" أي الشمام.

السكان:

بلغ عدد سكان قاقون في عام 1931 (1367) نسمة لهم 260 بيتاً، وفي بداية عام 1945 بلغ 1970 نسمة، وفي عام 1948 قُدِّروا بنحو 2285 نسمة.

التعليم:

في عام 1307ﻫ/1889م أُنشأ العثمانيون في قاقون مدرسة ابتدائية أولية. في سنة 1893م بلغ عدد تلاميذها 34 تلميذاً. في عام 1938 كان مدير المدرسة الأستاذ حيدر سعيد حلاوة من قرية عنبتا، ومعلمان هما الشيخ عبد الغني عرفة من قاقون، والأستاذ وصفي الخندقجي من طولكرم، أما الأستاذ عادل غزال من نابلس فبقي مدة قصيرة، وكان التعليم حتى الصف الخامس. في عام 1947 كانت هذه المدرسة ابتدائية تامة للبنين فقط من الصف الأول حتى الصف السابع الابتدائي ويقدر عدد التلاميذ فيها بـ 160 تلميذاً. كان آخر مدير لها الأستاذ أسعد عبد القادر أبو حسنة من عتيل. ومن المعلمين فيها: فريد أبو صلاح من طولكرم، محمد علي بدير من قرية فرعون قضاء طولكرم، وعبد الفتاح بركات من عنبتا، والشيخ عبد الغني عرفة من قاقون.

ذكر الدباغ أنه كان يعلم في المدرسة ستة معلمين بينهم معلمان تدفع القرية عمالاتهما. من الذين أكملوا دراستهم الثانوية في طولكرم كان محمد عبد الغني أبو هنطش الذي التحق في عام 1947 بقسم الطب في الجامعة الأمريكية وتخرج منها بعد النكبة، ثم فتح عيادة في طولكرم، وبعدها ذهب إلى الكويت وقد طبقت سمعته الآفاق. يشير الرواي أحمد علي بدير (من مواليد 1932) إلى أن المدرسة كانت في الجهة الغربية من القرية، وكان فيها ملعب، وبئر ماء وماتور لشفط الماء، وحديقة مغروسة بالفواكه مساحتها ستة دونمات موقوفة عليها.

 

العائلات في قاقون:

يؤخذ مما قاله الرواة إنه عاشت في قاقون ثلاث حمائل رئيسة: أبو هنطش وهي أكبر حامولة في القرية من وجوهها عقاب أبو هنطش ومحمود أحمد أبو هنطش ومن فروعهم دار العبد السعيد، دار ابراهيم، دار مصطفى، دار موسى الحاج؛ والجمايلة منهم آل زيدان وآل سارة والشوملي ودار عثمان، وهم  يعودون بأصلهم إلى قرية دير الغصون، ومن وجوه الجمايلة محمد يوسف زيدان وعبد الرؤوف زيدان؛ والمصاروة منهم الحامد، شبراوي، حسن، عودة، أبو دية، الشلبي ومن وجوههم ناجي الشلبي، شرقاوي، ناطور، أبو إصبع. كما عاشت فيها عائلات صغيرة وأخرى متفرعة نذكر منها: عرفة، الهوجي، الشوربجي منهم رشيد الشوربجي الذي كان مختاراً ثانياً لمدة قصيرة؛ الحافي منهم نمر عبد الله الحافي الذي كان قائد فصيل قاقون في ثورة 1936-1939، نايفة وأصلهم من شويكة؛ الشيخ غانم وأصلهم من شويكة ومن وجوههم الحاج أحمد الأخرس؛ العزوني وأصلهم من عزون؛ بدير من وجوههم سليم بدير ومنهم دار مكحل من وجوههم أحمد المكحل ونمر المكحل، ومنهم دار الشولي من وجوههم الحاج سعيد الشولي؛ نصر الله؛ زقدح، شاهين، أبو بدر، آل فرح وأصلهم من بلعا، الديراوي وأصلهم من دير الغصون، الحاج علي، الجاروشي ومنهم المختار عبد الله الجبر وأصلهم من الجاروشية، غندور، تفال، جغيم، أبو مرعي، برية، شحادة منهم آل درويش، أبو مصلح. عساف وجبارة وهواري من حامولة واحدة ويلقبون بالحواورة لأن أصلهم من قرية حوارة قضاء نابلس، ومن وجوههم محمد العساف. ناصر، نصار، عبد ربه، حيحي، تكروري، الفرعوني، زغدد، طلوزة، كنعان، القوزح، قوكاز، المتروك، الكردي، جابر(خروبة/خروبي) وأصلهم من جلجولية أو من بديا؛ ومعذرة ممن لم أذكر اسم عائلته بسبب شح المعلومات.

أراضي قاقون:

بلغت مساحة أراضي قاقون 41767 دونماً كلها في السهل الساحلي وهي أخصب أراضي فلسطين. في عام 1932 اشترى يهوشع خانكين منها 4642 دونماً. عليها أُقيم في عام 1945 كيبوتس "همعفيل" الواقع إلى الشمال من البلدة. اشتهرت قاقون بزراعة البطيخ الذي كان أكبر وأحلى بطيخ في فلسطين، وبزراعة البرتقال، وكان هذان الصنفان يصدران إلى حيفا ويافا ومصر عبر ميناء (مينة) أبو زابورة الواقع إلى الغرب من قاقون.

يؤكد الراوي أحمد علي بدير على أن الفلاحين في قاقون زرعوا أراضيهم في مقلبين: شتوي بالحنطة والشعير، وصيفي بالبطيخ والشمام والذرة والسمسم، فإذا سقطت أمطار قليلة غل الموسم الشتوي، وإذا كثرت الأمطار قلت الغلال الشتوية وكثرت غلال الموسم الصيفي، ولذلك لم يعان الفلاح في قاقون من الضنك وعاش في بحبوبة.

تاريخ القرية القديم:

كانت لقاقون أهمية إستراتيجية في الدفاع عن قيسارية وأرسوف إبان الحروب الصليبية، لذا بنى فرسان المعبد على رأس التلة قلعة حصينة اسموها "كاكو". بعد معركة حطين حرر صلاح الدين الأيوبي البلدة ودمر قلعتها. في العهد المملوكي ازدادت أهمية قاقون العسكرية لذا أعاد السلطان الظاهر بيبرس في سنة 665ﻫ/1267م بناء القلعة ورمم كنيستها وحَوَّلَها إلى جامع وأوقف عليه وقفاً، وجعل في البلدة محطة للحمام الزاجل. وقد شجع أمراء المماليك الذين حكموا المنطقة الهجرة العربية إلى قاقون وأنشأوا فيها خاناً وسوقاً للتجار، وبنوا على طريقها حوضاً للسبيل، وجعلوها مركزاً من مراكز البريد المهمة بين القاهرة ودمشق أو بعبارة أدق بين الطيرة وفحمة. في تلك الفترة أصبحت قاقون مدينة عامرة إذ يقول القلقشندي (ت821ﻫ/1418م) عنها في كتابه صبح الأعشى: "مدينة لطيفة، غير مُسَوَّرَة. بها جامع وحمام وقلعة لطيفة، وشربها من ماء الآبار..".

في عام 1596م كانت في لواء نابلس ناحية تسمى ناحية قاقون التي اشتملت على 25 قرية وطائفة منها طولكرم ويما وإبثان. في تلك الفترة كان الخان في قاقون لا يزال عامراً إذ جُبيت فيه من التجار ضريبة عالية اسمها "باج بازار". اعتمد سكان القرية في معيشتهم على زراعة الحنطة والشعير والسمسم وعلى تربية الماعز والنحل، في حين كانت أراضي القرية بالكامل وقفاً.

في عام 1799م تمكن نابليون في قاقون من أن يهزم العثمانيين الذين أتوا بفرسانهم لوقف تقدمه نحو عكا. وقد وجد مقاومة من النابلسيين في وادي قاقون الذين رغم ما خسروه من رجال، اضطروه في زيتا وأطرافها إلى العودة إلى السهل ولم يمكنوه من التقدم نحو التلال والجبال.
ولما مر ابراهيم باشا بقاقون وهو في طريقه إلى زيتا وعتيل أمر بتدمير قاقون لمشاركتها في الثورة ضده، لكن سرعان ما أعاد أهل القرية بناءها بعد ذلك.

دور القرية في ثورة 1936-1939:

منذ شهر أيار عام 1936 أخذ الإنكليز يضربون أطواقاً على قرية قاقون ويداهمون بيوتها للتفتيش عن الثوار، ولم يسلم مسجدها من شرهم فقد ورد في مذكرة احتجاج مؤرخة في 28/5/1936 أرسلت إلى واعظ قضاء طولكرم أن الجند كسروا باب مسجد قرية قاقون واقتحموه ومزقوا المصحف الشريف!. يبدو أن ما حدث في قاقون تعدى ذلك إذ أشار أكرم زعيتر إلى أنه استلم في 30/5/1936 نص البرقية التي أرسلها أهالي قرية قاقون إلى المندوب السامي البريطاني جاء فيها: "إن مئتي جندي هاجموا قاقون فكسروا الأواني، ونهبوا البيوت، واعتدوا على النساء المخدرات وضربوا الآمنين.." ، وقد سمع أكرم زعيتر رواية تقول إن البوليس البريطاني داهم بيتاً في قاقون وكان معه نفر بوليس عربي اسمه محمد خليل عامر، فوجد هذا رب ذلك البيت يصلي فتراجع منتظراً انتهاء الصلاة، فأطلق البوليس البريطاني النار عليه (أي على البوليس العربي) فقتله مما أدى إلى إضراب البوليس العربي في فلسطين احتجاجاً على معاملة البوليس الإنكليزي لهم.

يفيد الرواة بأن الجند كانوا يحشرون الناس في ساحة المسجد، ويداهمون البيوت ويبعثرون المؤن فيخلطون السكر والزيت مع الحنطة والشعير والعدس، ويكسرون الخزائن ويخربون. كان أهالي قاقون يساعدون الثوار بالمؤن والمأوى والمال. كما تشكل في القرية فصيل كامل بقيادة نمر عبد الله الحافي. من بين أعضاء هذا الفصيل كان ابراهيم النايفة، كامل المصلح، عبد الفتاح شحادة، راغب الناصر، علي الأعرج، عبد الرازق زيدان، عبد الرؤوف زيدان، عبد الفتاح محمد زيدان. في عتيل كان فصيل يقوده عبدالله الأسعد، وفي دير الغصون كان فصيل يقوده عبد الرحمن زيدان. يقول الراوي عبد الفتاح حسين أبو هنطش إن هذه الفصائل كانت تهاجم مواتير المياه في البيارات اليهودية الواقعة إلى الشمال من قاقون وخطوط الكهرباء.

يشير الرواة إلى أن الإنكليز كانوا يحكمون بالإعدام حتى على من يحمل رصاصة فارغة. في 5/7/1938 أصدرت المحكمة العسكرية في حيفا حكمها بالموت شنقاً على محمود أحمد جابر(خروبة/خروبي) من قاقون لحيازته سلاحاً نارياً، وفي تاريخ 16/7/1938 تم تنفيذ حكم الإعدام في سجن عكا. ويروى أنه لما وصل جثمان الشهيد من عكا إلى قاقون استقبله أهلوها وجماهير غفيرة من طولكرم والقرى المجاورة، وأبنه المؤبنون ثم تعاهد المشيعون على الاتحاد والجهاد.

المناضلون في قاقون:

بعد قرار التقسيم كانت قاقون نقطة ارتكاز أمامية وبارزة في الجبهة الغربية للمثلث العربي الكبير. حتى آخر شهر آذار من عام 1948 رابط في خطوط التماس مناضلون محليون الذين لم تتوفر لديهم سوى 55 بندقية ورشاشين من طراز برن، وقد وقعت بينهم وبين اليهود اشتباكات متفرقة، فقد ذكرت مصادر الإيتسل أنه في 8 آذار هاجمت الإيتسل القرية وألقت قنابل يدوية فجرحت امرأتين غير أنها فشلت في تحقيق أهدافها. في 21 آذار أطلق أهالي قاقون النار على كيبوتس "همعفيل" لمدة سبع ساعات متواصلة، وفي نفس اليوم هاجمت وحدة من لواء "إلكسندروني" القرية لكنها انسحبت إلى الكيبوتس المذكور بعد أن جُرِحَ اثنان من جنودها.

مرابطة جيش الإنقاذ:

يبدو أنه في ذلك الشهر وصلت إلى القرية سرية من جيش الإنقاذ بقيادة الضابط زبون من فوج حطين المكون من متطوعين عراقيين، إذ في 27 آذار عام 1948 قام العرب بهجوم على كيبوتس "همعفيل" استشهد خلاله ثلاثة مناضلين وجندي عراقي من جيش الإنقاذ. تقول مصادر "الهاغاناه" إنه في تلك الأيام لم يكن بإمكان أعضاء الكيبوتس التجوال في أرجائه في ساعات النهار إلا باستخدام مجنزرة، وإن القرار باحتلال قاقون اتخذ ضمن الخطة المسماة "دالت" القاضية بتوسيع رقعة الدولة اليهودية استعداداً لمجابهة جيوش الدول العربية النظامية.

يقول الراوي محمد سعيد عرفة (من مواليد 1935) إنه قبل قدوم جيش الإنقاذ تكونت لجنة في القرية لجمع الأموال لشراء أسلحة. ذهبوا إلى سوريا فاشتروا بنادق تبين فيما بعد أنها فاسدة ومعطوبة. كان بيد المناضلين رشاش برن ولكن لم يستعملوه لأنهم لم يتدربوا عليه. بعد قدوم جيش الإنقاذ بدأ تدريب الشباب على استعمال البنادق والبرن، كما أن هذا الجيش أمر الأهالي بحفر خندق حول القرية كلها.

ذكر الراوي أحمد علي بدير أنه تشكلت في القرية لجنة قومية مهمتها جمع الأموال لشراء أسلحة، وتوزيع المناضلين على نقاط الحراسة، والإشراف على حفر الأهالي خندقاً حول القرية كلها. كان رئيس هذه اللجنة عقاب أبو هنطش، ومن أعضائها محمد النايفة، سليم بدير، أبو شفيق، أحمد الشولي. وقد ذكر الراوي المذكور أن الشهداء الثلاثة هم: توفيق أسعد نصر الله، محمد رشيد الشوربجي وموسى حافظ أبو هنطش.

أما الراوي عبد الفتاح حسين أبو هنطش ( من مواليد 1931م) فذكر أن حفر الخندق توزع على جميع سكان القرية حسب عدد الأنفار، وأن حفره تم خلال أسبوع، وأن من بين المسؤولين عن تنظيم الحراسة بالدور في القرية كان: عقاب أبو هنطش، عبد الرحيم توفيق الشوربجي، صالح الحافي، عثمان عرفة، وأحمد عبد أبو هنطش.  وأضاف الراوي أن المناضلين من قاقون ودير الغصون وعتيل تجمعوا وهاجموا مع جيش الإنقاذ "الكوبانية" الواقعة في شمال القرية، ولكن القائد مدلول عباس ( قائد فوج حطين) حضر من مركزه في قرية جت، وأمر بوقف الهجوم فوراً. وقد وقعت بينه وبين عقاب أبو هنطش مشادة كلامية ما أدى إلى إصداره أمراً بسحب جنود جيش الإنقاذ إلى قرية جت، لكنه أعادهم إلى قاقون بعد أيام.

في 15/5/1948 سحب فوزي القاوقجي جيش الإنقاذ من فلسطين بحجة إعادة ترتيبه وتدريبه في سوريا ولبنان. هذه الخطوة المشبوهة جاءت في ساعات يمكن تسميتها بالساعات "الحرجة". يبدو أن قسماً من المتطوعين العراقيين بقي في فلسطين انتظاراً لقدوم جيش بلادهم. في قريتي عاره وعرعره بقيت وحدة عراقية انضمت إلى الفوج الثاني من اللواء الرابع العراقي، وفي قرية قاقون بقيت وحدة عراقية صغيرة انضمت إلى الفوج الأول من اللواء الخامس عشر العراقي القادم إلى طولكرم.

مرابطة فصيل عراقي:

لسد الفراغ الناجم عن انسحاب جيش الإنقاذ من قرية قاقون أرسل الأردنيون وحدة من الجيش العربي الأردني بقيادة الضابط محمد اسحاق. في اليوم الأخير من شهر أيار انسحبت الوحدة الأردنية من قاقون وحل محلها فصيل عراقي مكون من 33 جندياً عراقياً تابعين للفوج الأول من اللواء الخامس عشر بقيادة الملازم أول محمد يعقوب. إلى هذا الفصيل انضم متطوعون عراقيون ممن تخلفوا في فلسطين من جيش الإنقاذ بحيث أصبحوا 43 جندياً نجا منهم ثلاثة فقط.

سير معركة قاقون ونتائجها:

يقول الراوي أحمد علي بدير إنه بعد عصر يوم 4 حزيران عام 1948 أطلقت قوات "الهاغاناه" قذيفتين على قاقون أدت واحدة منهما إلى مقتل أحد عشر شخصاً وإلى جرح 26 مات منهم فيما بعد ثلاثة. بسبب ذلك نزح سكان القرية نحو الشرق إلى شويكة وطولكرم ويما وبير السكة وغيرها من القرى.

تمركز العراقيون في شمال قاقون في مبنيين أحدهما أسماه اليهود باسم بيت العراقيين، بينما رابط المناضلون الفلسطينيون في مواقع في غرب القرية وجنوبها بقيادة الزعيم عقاب أبو هنطش الذي لم يكن يملك أي خبرة عسكرية. كانت الناحية الواقعة إلى الشرق من خط سكة الحديد خالية من الحراس والاستحكامات على اعتبار أن منها ستصل الإمدادات والذخائر والمؤن من شويكة وطولكرم. من هذه الثغرة نفذ الجيش الإسرائيلي الذي أمطر القرية بوابل من قذائف المدفعية والراجمات من الجهة الغربية، وأوهم العراقيين بأنه يهاجم من الناحيتين الغربية والشمالية بينما نقل جنوده تحت جنح الظلام إلى الناحية الجنوبية والشرقية، وفي الساعة الرابعة من فجر 5/6/1948 بدأ هجومه على المواقع الواقعة في الجهة الجنوبية، وراحت سرية من سراياه تغرس الألغام في الطرق المؤدية إلى القرية من الجنوب والشرق، ثم راح يهاجم الناحية الشمالية ومبنى العراقيين، وبذلك حسم المعركة  لصالحه.

كان الهجوم غير متوقع، وقد اتصل الملازم أول محمد يعقوب باللاسلكي بقائد المدفعية العراقية في طولكرم المقدم عادل نجم الدين وطلب منه تغطية بالنيران، إلا أن المقدم أجاب "ماكو أوامر"، ثم انقطع الاتصال. يروى أن الملازم محمد استبسل في الدفاع عن موقعه واستعمل مسدسه وتعارك بالأيدي مع أحد المهاجمين.

في بداية المعركة بلغ عدد المدافعين العرب عن قاقون 120 مقاتلاً : 80 مقاتلاً فلسطينياً، و-43 مقاتلاً عراقياً، بينما يُقَدَّر عدد المهاجمين بـ650 جنديا إسرائيليا.

حاول العراقيون استعادة القرية وقصفوها بالمدافع والرشاشات، لكنهم لم يسمحوا للمناضلين الفلسطينيين باجتياز خط سكة الحديد خوفاً من وقوعهم فريسة للألغام التي غرستها القوات اليهودية، وقد فُهِمَ هذا التصرف على أنه خذلان وتقاعس.

من الجدير بالذكر أنه لم يكن بإمكان العراقيين إرسال أكثر من سريتين إلى جبهة قاقون وعدد من المدرعات والدبابات القديمة وطائرتين، لأنهم لم يكونوا قد وطدوا أقدامهم بعد في جبهة طولكرم، ولأن قواتهم كانت منشغلة في معركة جنين التي انتهت بنصرهم المؤزر في 2-4 حزيران 1948 بقيادة المقدم عمر علي قائد الفوج الثاني من اللواء الخامس العراقي.

تضاربت الآراء حول خسائر العرب في معركة قاقون. يقول عارف العارف في كتابه نكبة فلسطين إن عدد ضحايا الجيش العراقي بلغ 47 جندياً وضابطاً، وعدد ضحايا الفلسطينيين 14 شهيداً، في حين أورد في قوائم الشهداء أسماء 27 جندياً وضابطاً عراقياً نظامياً، و-10 جنود عراقيين متطوعين سقطوا في اليوم الأول للمعركة، وجندي نظامي وجنديين متطوعين سقطوا في اليوم التالي ما مجموعه 40 جندياً عراقياً ما بين نظامي ومتطوع، وهي خسارة فادحة. كان من بين الشهداء أربعة مجاهدين من قرية دير الغصون، وسبع نساء وطفلة من أهل البلدة.

تقول مصادر الجيش الإسرائيلي إنه شاركت في الهجوم على قاقون كتيبة رقم 33 ، وسرية من الكتيبة 32 من لواء إلكسندروني، وبطارية مدافع ميدان، وبطارية راجمات عيار 120 ملم، وبطارية راجمات عيار 81 ملم، ووحدات تعزيز أخرى خرجت من كيبوتس عين "هاحوريش" الواقع في وادي الحوارث إلى الشمال الغربي من قاقون بالإضافة إلى طائرات . يُقَّدَرَ عدد المهاجمين بـ 650 جنديا إسرائيليا. بلغت خسائر الجانب الإسرائيلي 16 جندياً ولم يرد ذكر لعدد المصابين والجرحى. وقد وصفت تلك المصادر المعركة بقولها "إن السرية الثانية التي هاجمت من الجهة الشمالية جوبهت بمقاومة عنيفة وشرسة من الجنود العراقيين، وأن هؤلاء لم يبدوا أي استعداد للاستسلام، وحاربوا حتى الرمق الأخير بكل ما وقع في أيديهم، وانتهت مقاومتهم بعد أن أصيبوا جميعاً، وفي كثير من الحالات كان القتال وجهاً لوجه بأعقاب البنادق وبالمسدسات وبالأيدي وحتى بالعض بالأسنان".

لم يكن أمام القيادة العراقية سوى الاعتراف بسقوط قاقون، إذ جاء في البلاغ الرسمي العراقي الصادر من بغداد، والذي نشرته "الأهرام" في صباح يوم 7/6/1948 ما يأتي: "أغارت قواتنا على قرية كاكون في شمال غربي طولكرم وكبدت العدو المرابط بها خسائر فادحة.

(تصوير سهر روحانا)

حرب نفسية:

بعد انتهاء معركة جنين قام الجيش العراقي بعرض جثث لقتلى يهود من بينها جثة جندية في شوارع نابلس. كرد فعل على ذلك عرض الإسرائيليون أمام الصحفيين في قاقون جثث قتلى عراقيين، وهم مكبلون بأرجلهم، وادعوا أن الجيش العراقي يربط جنوده بالاستحكامات لئلا يفروا من المعركة، وقد أثار ذلك ردود فعل سلبية في الأوساط الدولية! فتراجع الإسرائيليون عن دعواهم تلك. كل ذلك كان يقع ضمن الحرب النفسية التي كانت دائرة بين الطرفين العراقي والإسرائيلي.

انعكاسات معركة قاقون:

من انعكاسات معركة قاقون ومعركة جنين أن اليهود نجحوا في تثبيت الجيش العراقي في جبهتين، وأجبروه على وقف زحفه  نحو الساحل ومرج بني عامر، ومنعوه من شطر الدولة اليهودية إلى نصفين. منذ ذلك التاريخ توقفت المعارك في المثلث واقتصرت على مناوشات بسيطة بين الطرفين.

بلغ طول الجبهة العراقية من جسر المجامع وحتى مجدل الصادق الواقعة جنوب قرية كفر قاسم 160 كم، بينما بلغ عدد جنود الجيش العراقي في فلسطين حتى انتهاء الهدنة الأولى حوالي 5000 جندي. يُضاف إلى كل ذلك هؤلاء الجنود كانوا يخدمون في أفواج (كتائب) لا تنتمي إلى النخبة. لقد واجهت القوات العراقية في فلسطين مشكلات لوجستية نابعة من طول المسافة بين بغداد ونابلس، ناهيك عن أن أسلحة هذه القوات كانت قديمة وذخائرها كانت قليلة.

إسقاطات معركة قاقون:
تأسيس الأفواج الفلسطينية:

لمساعدته في الدفاع عن خطوط الجبهة قام الجيش العراقي بتجنيد شبان فلسطينيين في أربعة أفواج: فوج الكرمل في منطقة وادي عاره من أبناء عاره، عرعره، أم الفحم، إجزم، عين غزال، جبع، طيرة الكرمل وغيرها؛ فوج الشعراوية في قطاع باقة الغربية وجت؛ فوج خالد بن الوليد في منطقة جنين وقرى الجلبوع؛ وفوج صلاح الدين في قلنسوة والطيبة والطيرة وقلقيلية. بلغ عدد جنود هذه الأفواج حوالي 2000 مناضل. كان الجندي في هذه الأفواج يحصل على راتب شهري قدره 10 جنيهات، وله قيادة فلسطينية تعمل تحت إمرة عراقية، بينما فرض على الرجال البالغين في القرى الأمامية حفر خنادق وطابات (استحكامات). أنيطت بالأفواج الفلسطينية المذكورة أعلاه مهمات المرابطة في الخطوط الأمامية، والقيام بدوريات منتظمة، والتوغل في أراضي العدو لجمع المعلومات، والقيام بمهمات خاصة في حين بقي الجيش العراقي قابعاً في المواقع الخلفية، وفتح أبوابه، كذلك، لتجنيد فلسطينيين في صفوفه مباشرة. كان الفلسطينيون يقومون بمحاولات لاستعادة بعض القرى المحتلة مثل اللجون، ولكن كبار قادة الجيش العراقي كانوا يحولون دون الاستمرار بالهجوم بحجة "ماكو أوامر". لقد خلق ذلك انطباعاً سيئاً لدى الفلسطينيين ورسخ لديهم فكرة وجود مؤامرة لتجميد الجيش العراقي وتكبيله. من الجدير بالذكر أن الجامعة العربية قامت بتمويل المصروفات على الأفواج الفلسطينية حيث دفعت للحكومة العراقية مخصصات شهرية.

 

(تصوير سهر روحانا)

التنسيق بين الجيش العراقي والأفواج الفلسطينية:

تجلى التنسيق التام بين الجيش العراقي والأفواج الفلسطينية في بعض الاشتباكات أو الصدامات الصغيرة. إذ قام العراقيون مع جنود فوج خالد بن الوليد في تحرير قرى الجلبوع في قطاع جنين فور انتهاء الهدنة الأولى في 9-11 تموز 1948، وساندوا فوج الشعراوية بالمدفعية بعد احتلالهم في ليلة 26-27 تشرين الأول 1948 لموقع ربية (تلة) حنفيش بجوار باقة الغربية حيث قُتل هناك ثلاثة من الجنود الإسرائيليين وأُسر جنديان، وخاضوا جنباً إلى جنب مع فوج صلاح الدين معارك ضارية في طيرة بني صعب والتي استمرت من الثالث إلى السابع من شهر كانون الثاني عام 1949.

 

مراجع:

1. مقابلة مع الراوي محمد سعيد عرفة (من مواليد 1935-قاقون) أجراها ركان محمود بتاريخ 29 آذار 2007، سلسلة التاريخ الشفوي للنكبة، موقع فلسطين في الذاكرة.
2. مقابلة مع الراوي أحمد علي بدير (من مواليد 1932-قاقون) أجراها ركان محمود وسعيد عجاوي بتاريخ 30 آذار 2007، سلسلة التاريخ الشفوي للنكبة، موقع فلسطين في الذاكرة.
3. مقابلة  مع الراوي عبدالفتاح حسين عبد الهادي أبو هنطش (من مواليد 1931-قاقون) أجراها سعيد عجاوي في 21 نيسان 2007، سلسلة التاريخ الشفوي للنكبة، موقع فلسطين في الذاكرة.
4. الدكتور محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره-عاره وعرعره من بداية ثورة 1936 إلى نهاية حرب 1948، مطبعة الأمل، القدس، 1999.
5. محمد بدر عبد الرحيم، طولكرم وجوارها من عام 1281-1337ﻫ/1864-ذ1918، رسالة ماجستير، جامعة النجاح، 2011.
6. مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ط2، دار الشفق، كفر قرع، 1988.
7.عارف العارف، نكبة فلسطين والفردوس المفقود، دار الهدى، كفر قرع، دون تاريخ.
8. عبد الجبار رجا العودة، ملكية الأراضي في قضاء طولكرم في ظل الحكم البريطاني، رسالة ماجستير، جامعة النجاح، 2007.
9. أكرم زعيتر، الحركة الوطنية الفلسطينينة 1935-1939، منشورات اليسار، باقة الغربية، 1988.
10. أرشيف الدكتور محمد عقل- عرعره.
11. مصادر عبرية وأرشيفية.

التعليقات