خلال طاولة مستديرة: تباين الآراء حول جدوى إطار "حل الدولتين"

البيرة –: أثارت طاولة مستديرة حول الحاجة إلى إطار بديل من التسوية التفاوضية القائمة على أساس "حل الدولتين"، آراء متباينة إزاء تحليل أسباب انسداد الأفق أمام "حل الدولتين" في سياق المسار التفاوضي المستمر منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. ففي حين اعتبر بعض السياسيين والأكاديميين المشاركين في النقاش أن هذا الإطار وصل إلى طريق مسدودة، لاسيما في ضوء تعمق المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني على أرض الواقع، أكد البعض الآخر وجوب التفريق بين "حل الدولتين" كأحد الخيارات التي لا تزال مطروحة على الطاولة، وبين الحاجة إلى تغيير السياسات والأدوات التي فشلت في تحقيقه حتى الآن. غير أن مجمل هذه الآراء أجمعت في المقابل على أن مأزق الإطار الحالي للتسوية التفاوضية، الذي تتحمل مسؤولية الوصول إليه سياسات الاحتلال والاستيطان والعنصرية التي تمارسها إسرائيل، لا ينتقص من الحقوق التاريخية والطبيعية للشعب الفلسطيني أينما وجد، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير. كما أجمعت على رفض فكرة الفصل بين النظام الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني العنصري والمشاركين في بنائه ودعم استمراره والاستفادة من المزايا التي يكفلها للمستعمِرين على حساب أبناء الشعب الأصلاني وحقوقهم التاريخية والسياسية، وهو ما يدحض أيضا الدعوات إلى المساواة في ممارسة حق تقرير المصير بين المستعمِرين والمستعمَرين قبل هزيمة وتفكيك هذا النظام الاستعماري الاستيطاني. وكانت هذه الآراء طرحت خلال طاولة مستديرة نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقره بالبيرة، تحت عنوان "مع تلاشي حل الدولتين: هل من حاجة إلى إطار بديل للصراع؟"، واستضاف خلالها البروفيسور إيان لوستيك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا الأميركية، والمتخصص في السياسات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، بمشاركة عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقادة الفصائل السياسية والشخصيات الفكرية والأكاديمية والفعاليات النسوية والشبابية. ودعا لوستيك في مداخلته إلى التفكير في خيارات بديلة عن إطار "حل الدولتين"، وتبني إطار الحقوق المتساوية في دولة واحدة. وقال إن فكرة إقامة دولتين رفعت إلى مصاف الإيمان المطلق بحتميتها طيلة العقود الثلاثة الماضية، بالرغم من الفشل المتواصل لعملية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، الأمر الذي يمنع الجميع من التحرك في سبيل شيء آخر قد يجدي نفعا. وأضاف أن لكل فريق أسبابه للتمسك بإطار المفاوضات لتحقيق "حل الدولتين" الذي بات "وهما"، فالسلطة الفلسطينية بحاجة لإضفاء مصداقية على خياراتها السياسية أمام شعبها من خلال الإيحاء بأن هناك تقدما نحو "حل الدولتين"، ولكي تستطيع الاستمرار في الحصول على الدعم الاقتصادي والدبلوماسي، في حين تتمسك إسرائيل بالعملية التفاوضية الثنائية، لتفادي الضغوط الداخلية الناجمة عن تأجيج مشاعر القلق على الطابع اليهودي للدولة، ولمواجهة الضغوط الخارجية ومخاطر العزلة الدولية، وللاستمرار في عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. أما السياسيون الأميركيون فهم بحاجة إلى شعار الدولتين كي يظهروا كما لو أنهم يعملون على حل دبلوماسي، وكذلك لمنع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل من الانقلاب ضدهم. وأخيرا، هناك ما أطلق عليه لوستيك "صناعة عملية السلام"، التي تزود المستشارين والخبراء والأكاديميين والصحافيين والمنظمات الأهلية بمادة دائمة لمواصلة العمل أمام جمهور واسع من القراء والمستمعين والممولين! ونوه إلى أنه كان من المتحمسين لفكرة "حل الدولتين" منذ العام 1969، وتعرض لانتقادات إسرائيلية شديدة لعدة سنوات بسبب موقفه هذا، قبل أن يدرك في ضوء فشل المفاوضات طيلة العقود الثلاثة الماضية أن هذا الحل لم يعدا مرجحا، وأن هناك حاجة للتفكير في إطار بديل. وقال: حل الدولة الواحدة ليس متاحا الآن، ولكن في المحصلة النهائية هناك دولة واحدة قائمة بين النهر والبحر، هي إسرائيل، وهي عبارة عن نظام من السيطرة الذي يستطيع إرسال قواته إلى أي مكان في مناطق السلطة الفلسطينية، ولا يمكن دخول أو خروج أي شيء من الضفة الغربية، بل وحتى قطاع غزة، دون موافقة إسرائيل. وقال: صحيح إن دولة إسرائيل ترسخت لكنها ليست مؤبدة. والذين يزعمون أن إسرائيل ستبقى دوماً كمشروع صهيوني عليهم أن يفكروا كيف تفكك سريعاً الاتحاد السوفييتي وجنوب أفريقيا في ظل التفرقة العنصرية. وتابع: إن الرؤية الإسرائيلية الحالية إزاء "حل الدولتين" تتطلع إلى تخلي اللاجئين الفلسطينيين عن حقهم في العودة، وأن تسيطر إسرائيل على القدس، وعلى أرخبيل من المستوطنات اليهودية الكبيرة تصل بينها طرق لا يمر عليها إلا اليهود، والنسخة الفلسطينية تتخيل عودة اللاجئين وإخلاء كل المستوطنات تقريبا، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطينية. وبالتالي، فإن الجهود الدبلوماسية المتواصلة تحت شعار الدولتين لم تعد تشكل طريقا إلى حل، بل عائقاً في حد ذاتها. إننا متورطون في مفاوضات لن تفضي إلى شيء، وهذه ليست المرة الأولى. وأضاف: القضية لا تتعلق بمكان رسم الحدود السياسية بين اليهود والعرب على الخارطة، بل بكيفية تحقيق المساواة في الحقوق السياسية. وتساءل عما إذا كان نموذج "الصهيونية الدولانية" هو الإطار الوحيد الذي يمكن أن يحقق التطلعات القومية والثقافية لليهود، وأن يضمن وجود دولة قائمة على المساواة بين كافة مواطنيها. وفي تصوره للأسس التي ينبغي أن يقوم عليها حل الدولة الواحدة، اعتبر لوستيك أن أحد أهم الأسس هو عدم التعامل مع حق تقرير المصير بصفته حقا "أحادي الجانب"، بل حق للفلسطينيين واليهود، وهي الفكرة التي استحوذت على حيز وافر من النقاش، إلى جانب التساؤل عن موقف المتحدث الضيف عن وهم "حل الدولتين" ولكن مع عدم استبعاده كخيار لا يزال مطروحا. وقد تساءل معظم المتحدثين خلال الجلسة عن مدى انسجام الدعوة إلى تمتع الشعب الأصلاني والمستعمِرين، بما فيهم المستوطنون، بحق تقرير المصير، مع قواعد وأسس القانون الدولي، لا سيما في ضوء الامتيازات التي يتمتع بها المستعمِرون في ظل النظام الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي العنصري كنتيجة للمشروع الصهيوني، وقبل تفكيك هذا النظام وإنهاء كافة الامتيازات المترتبة عليه. وأعرب العديد من المتحدثين عن اتفاقهم مع الدعوة إلى التفكير في إطار بديل للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع تفاقم مأزق إطار التسوية التفاوضية على أساس "حل الدولتين"، مؤكدين أن استمرار المراوحة ضمن إطار التسوية في مقابل مشروع صهيوني ينطلق من إطار الصراع الاستعماري الاستيطاني القائم على توظيف علاقات القوة لإخضاع الفلسطينيين للقبول بشروط المشروع الصهيوني والإقرار بشرعيته عبر الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، يضعف القدرة على بلورة مشروع وطني جماعي في مواجهة المنظومة السياسية الكولونيالية، بل ويوفر مزيدا من الفرص لتقدم المشروع الصهيوني. ونوهوا إلى أن بلورة هذا المشروع الوطني على أساس منظومة إطار الصراع التحرري من نظام الحكم الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي من شأنها أن تسهم في تحديد هدف الإطار البديل بالانتصار على المشروع الصهيوني وليس التصالح معه، أو إسباغ الشرعية عليه، أو الوصول إلى حل وسط معه وفق شروطه. في المقابل، اعتبر متحدثون آخرون أن فرص تحقيق "حل الدولتين" لم تستنفد بعد، بالرغم من تقدم المشروع الصهيوني الاستيطاني على الأرض، وأن ثمة حاجة لإعادة النظر في السياسات المعتمدة فلسطينيا، بما في ذلك إطار المفاوضات الثنائية، بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، والاستفادة من رفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة مراقب، وغيرها من عناصر قوة تعزز استمرار مطالبة الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال والاستيطان وغيرها من مظاهر فرض فرض الوقائع على الأرض بشكل مخالف للقانون الدولي. ورأى هؤلاء أن الإحجام عن الاستفادة من الهامش الواسع الذي يوفره كل ذلك، إلى جانب صمود وكفاح الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بالمطالبة بحل الدولة الواحدة غير المتاح في ظل شروط الصراع الحالية، إنما يعادل التسليم ببقاء نظام الاحتلال والاستيطان وشرعية ضمه للأرض الفلسطينية، دون إدراك حجم المخاطر التي يمكن أن تترتب على ذلك بشأن مصير القضية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه. .

خلال طاولة مستديرة: تباين الآراء حول جدوى إطار

البيرة –: أثارت طاولة مستديرة حول الحاجة إلى إطار بديل من التسوية التفاوضية القائمة على أساس "حل الدولتين"، آراء متباينة إزاء تحليل أسباب انسداد الأفق أمام "حل الدولتين" في سياق المسار التفاوضي المستمر منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. ففي حين اعتبر بعض السياسيين والأكاديميين المشاركين في النقاش أن هذا الإطار وصل إلى طريق مسدودة، لاسيما في ضوء تعمق المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني على أرض الواقع، أكد البعض الآخر وجوب التفريق بين "حل الدولتين" كأحد الخيارات التي لا تزال مطروحة على الطاولة، وبين الحاجة إلى تغيير السياسات والأدوات التي فشلت في تحقيقه حتى الآن.البيرة –: أثارت طاولة مستديرة حول الحاجة إلى إطار بديل من التسوية التفاوضية القائمة على أساس "حل الدولتين"، آراء متباينة إزاء تحليل أسباب انسداد الأفق أمام "حل الدولتين" في سياق المسار التفاوضي المستمر منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. ففي حين اعتبر بعض السياسيين والأكاديميين المشاركين في النقاش أن هذا الإطار وصل إلى طريق مسدودة، لاسيما في ضوء تعمق المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني على أرض الواقع، أكد البعض الآخر وجوب التفريق بين "حل الدولتين" كأحد الخيارات التي لا تزال مطروحة على الطاولة، وبين الحاجة إلى تغيير السياسات والأدوات التي فشلت في تحقيقه حتى الآن.

غير أن مجمل هذه الآراء أجمعت في المقابل على أن مأزق الإطار الحالي للتسوية التفاوضية، الذي تتحمل مسؤولية الوصول إليه سياسات الاحتلال والاستيطان والعنصرية التي تمارسها إسرائيل، لا ينتقص من الحقوق التاريخية والطبيعية للشعب الفلسطيني أينما وجد، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير. كما أجمعت على رفض فكرة الفصل بين النظام الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني العنصري والمشاركين في بنائه ودعم استمراره والاستفادة من المزايا التي يكفلها للمستعمِرين على حساب أبناء الشعب الأصلاني وحقوقهم التاريخية والسياسية، وهو ما يدحض أيضا الدعوات إلى المساواة في ممارسة حق تقرير المصير بين المستعمِرين والمستعمَرين قبل هزيمة وتفكيك هذا النظام الاستعماري الاستيطاني.

وكانت هذه الآراء طرحت خلال طاولة مستديرة نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقره بالبيرة، تحت عنوان "مع تلاشي حل الدولتين: هل من حاجة إلى إطار بديل للصراع؟"، واستضاف خلالها البروفيسور إيان لوستيك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا الأميركية، والمتخصص في السياسات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، بمشاركة عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقادة الفصائل السياسية والشخصيات الفكرية والأكاديمية والفعاليات النسوية والشبابية.

ودعا لوستيك في مداخلته إلى التفكير في خيارات بديلة عن إطار "حل الدولتين"، وتبني إطار الحقوق المتساوية في دولة واحدة. وقال إن فكرة إقامة دولتين رفعت إلى مصاف الإيمان المطلق بحتميتها طيلة العقود الثلاثة الماضية، بالرغم من الفشل المتواصل لعملية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، الأمر الذي يمنع الجميع من التحرك في سبيل شيء آخر قد يجدي نفعا.

وأضاف أن لكل فريق أسبابه للتمسك بإطار المفاوضات لتحقيق "حل الدولتين" الذي بات "وهما"، فالسلطة الفلسطينية بحاجة لإضفاء مصداقية على خياراتها السياسية أمام شعبها من خلال الإيحاء بأن هناك تقدما نحو "حل الدولتين"، ولكي تستطيع الاستمرار في الحصول على الدعم الاقتصادي والدبلوماسي، في حين تتمسك إسرائيل بالعملية التفاوضية الثنائية، لتفادي الضغوط الداخلية الناجمة عن تأجيج مشاعر القلق على الطابع اليهودي للدولة، ولمواجهة الضغوط الخارجية ومخاطر العزلة الدولية، وللاستمرار في عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. أما السياسيون الأميركيون فهم بحاجة إلى شعار الدولتين كي يظهروا كما لو أنهم يعملون على حل دبلوماسي، وكذلك لمنع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل من الانقلاب ضدهم. وأخيرا، هناك ما أطلق عليه لوستيك "صناعة عملية السلام"، التي تزود المستشارين والخبراء والأكاديميين والصحافيين والمنظمات الأهلية بمادة دائمة لمواصلة العمل أمام جمهور واسع من القراء والمستمعين والممولين!

ونوه إلى أنه كان من المتحمسين لفكرة "حل الدولتين" منذ العام 1969، وتعرض لانتقادات إسرائيلية شديدة لعدة سنوات بسبب موقفه هذا، قبل أن يدرك في ضوء فشل المفاوضات طيلة العقود الثلاثة الماضية أن هذا الحل لم يعدا مرجحا، وأن هناك حاجة للتفكير في إطار بديل. وقال: حل الدولة الواحدة ليس متاحا الآن، ولكن في المحصلة النهائية هناك دولة واحدة قائمة بين النهر والبحر، هي إسرائيل، وهي عبارة عن نظام من السيطرة الذي يستطيع إرسال قواته إلى أي مكان في مناطق السلطة الفلسطينية، ولا يمكن دخول أو خروج أي شيء من الضفة الغربية، بل وحتى قطاع غزة، دون موافقة إسرائيل.

وقال: صحيح إن دولة إسرائيل ترسخت لكنها ليست مؤبدة. والذين يزعمون أن إسرائيل ستبقى دوماً كمشروع صهيوني عليهم أن يفكروا كيف تفكك سريعاً الاتحاد السوفييتي وجنوب أفريقيا في ظل التفرقة العنصرية.

وتابع: إن الرؤية الإسرائيلية الحالية إزاء "حل الدولتين" تتطلع إلى تخلي اللاجئين الفلسطينيين عن حقهم في العودة، وأن تسيطر إسرائيل على القدس، وعلى أرخبيل من المستوطنات اليهودية الكبيرة تصل بينها طرق لا يمر عليها إلا اليهود، والنسخة الفلسطينية تتخيل عودة اللاجئين وإخلاء كل المستوطنات تقريبا، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطينية. وبالتالي، فإن الجهود الدبلوماسية المتواصلة تحت شعار الدولتين لم تعد تشكل طريقا إلى حل، بل عائقاً في حد ذاتها. إننا متورطون في مفاوضات لن تفضي إلى شيء، وهذه ليست المرة الأولى.

وأضاف: القضية لا تتعلق بمكان رسم الحدود السياسية بين اليهود والعرب على الخارطة، بل بكيفية تحقيق المساواة في الحقوق السياسية. وتساءل عما إذا كان نموذج "الصهيونية الدولانية" هو الإطار الوحيد الذي يمكن أن يحقق التطلعات القومية والثقافية لليهود، وأن يضمن وجود دولة قائمة على المساواة بين كافة مواطنيها.
وفي تصوره للأسس التي ينبغي أن يقوم عليها حل الدولة الواحدة، اعتبر لوستيك أن أحد أهم الأسس هو عدم التعامل مع حق تقرير المصير بصفته حقا "أحادي الجانب"، بل حق للفلسطينيين واليهود، وهي الفكرة التي استحوذت على حيز وافر من النقاش، إلى جانب التساؤل عن موقف المتحدث الضيف عن وهم "حل الدولتين" ولكن مع عدم استبعاده كخيار لا يزال مطروحا.

وقد تساءل معظم المتحدثين خلال الجلسة عن مدى انسجام الدعوة إلى تمتع الشعب الأصلاني والمستعمِرين، بما فيهم المستوطنون، بحق تقرير المصير، مع قواعد وأسس القانون الدولي، لا سيما في ضوء الامتيازات التي يتمتع بها المستعمِرون في ظل النظام الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي العنصري كنتيجة للمشروع الصهيوني، وقبل تفكيك هذا النظام وإنهاء كافة الامتيازات المترتبة عليه.

وأعرب العديد من المتحدثين عن اتفاقهم مع الدعوة إلى التفكير في إطار بديل للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع تفاقم مأزق إطار التسوية التفاوضية على أساس "حل الدولتين"، مؤكدين أن استمرار المراوحة ضمن إطار التسوية في مقابل مشروع صهيوني ينطلق من إطار الصراع الاستعماري الاستيطاني القائم على توظيف علاقات القوة لإخضاع الفلسطينيين للقبول بشروط المشروع الصهيوني والإقرار بشرعيته عبر الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، يضعف القدرة على بلورة مشروع وطني جماعي في مواجهة المنظومة السياسية الكولونيالية، بل ويوفر مزيدا من الفرص لتقدم المشروع الصهيوني.
ونوهوا إلى أن بلورة هذا المشروع الوطني على أساس منظومة إطار الصراع التحرري من نظام الحكم الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي من شأنها أن تسهم في تحديد هدف الإطار البديل بالانتصار على المشروع الصهيوني وليس التصالح معه، أو إسباغ الشرعية عليه، أو الوصول إلى حل وسط معه وفق شروطه.

في المقابل، اعتبر متحدثون آخرون أن فرص تحقيق "حل الدولتين" لم تستنفد بعد، بالرغم من تقدم المشروع الصهيوني الاستيطاني على الأرض، وأن ثمة حاجة لإعادة النظر في السياسات المعتمدة فلسطينيا، بما في ذلك إطار المفاوضات الثنائية، بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، والاستفادة من رفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة مراقب، وغيرها من عناصر قوة تعزز استمرار مطالبة الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال والاستيطان وغيرها من مظاهر فرض فرض الوقائع على الأرض بشكل مخالف للقانون الدولي.

ورأى هؤلاء أن الإحجام عن الاستفادة من الهامش الواسع الذي يوفره كل ذلك، إلى جانب صمود وكفاح الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بالمطالبة بحل الدولة الواحدة غير المتاح في ظل شروط الصراع الحالية، إنما يعادل التسليم ببقاء نظام الاحتلال والاستيطان وشرعية ضمه للأرض الفلسطينية، دون إدراك حجم المخاطر التي يمكن أن تترتب على ذلك بشأن مصير القضية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه.
.
غير أن مجمل هذه الآراء أجمعت في المقابل على أن مأزق الإطار الحالي للتسوية التفاوضية، الذي تتحمل مسؤولية الوصول إليه سياسات الاحتلال والاستيطان والعنصرية التي تمارسها إسرائيل، لا ينتقص من الحقوق التاريخية والطبيعية للشعب الفلسطيني أينما وجد، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير. كما أجمعت على رفض فكرة الفصل بين النظام الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني العنصري والمشاركين في بنائه ودعم استمراره والاستفادة من المزايا التي يكفلها للمستعمِرين على حساب أبناء الشعب الأصلاني وحقوقهم التاريخية والسياسية، وهو ما يدحض أيضا الدعوات إلى المساواة في ممارسة حق تقرير المصير بين المستعمِرين والمستعمَرين قبل هزيمة وتفكيك هذا النظام الاستعماري الاستيطاني.
وكانت هذه الآراء طرحت خلال طاولة مستديرة نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقره بالبيرة، تحت عنوان "مع تلاشي حل الدولتين: هل من حاجة إلى إطار بديل للصراع؟"، واستضاف خلالها البروفيسور إيان لوستيك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا الأميركية، والمتخصص في السياسات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، بمشاركة عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقادة الفصائل السياسية والشخصيات الفكرية والأكاديمية والفعاليات النسوية والشبابية.
ودعا لوستيك في مداخلته إلى التفكير في خيارات بديلة عن إطار "حل الدولتين"، وتبني إطار الحقوق المتساوية في دولة واحدة. وقال إن فكرة إقامة دولتين رفعت إلى مصاف الإيمان المطلق بحتميتها طيلة العقود الثلاثة الماضية، بالرغم من الفشل المتواصل لعملية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، الأمر الذي يمنع الجميع من التحرك في سبيل شيء آخر قد يجدي نفعا.
وأضاف أن لكل فريق أسبابه للتمسك بإطار المفاوضات لتحقيق "حل الدولتين" الذي بات "وهما"، فالسلطة الفلسطينية بحاجة لإضفاء مصداقية على خياراتها السياسية أمام شعبها من خلال الإيحاء بأن هناك تقدما نحو "حل الدولتين"، ولكي تستطيع الاستمرار في الحصول على الدعم الاقتصادي والدبلوماسي، في حين تتمسك إسرائيل بالعملية التفاوضية الثنائية، لتفادي الضغوط الداخلية الناجمة عن تأجيج مشاعر القلق على الطابع اليهودي للدولة، ولمواجهة الضغوط الخارجية ومخاطر العزلة الدولية، وللاستمرار في عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. أما السياسيون الأميركيون فهم بحاجة إلى شعار الدولتين كي يظهروا كما لو أنهم يعملون على حل دبلوماسي، وكذلك لمنع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل من الانقلاب ضدهم. وأخيرا، هناك ما أطلق عليه لوستيك "صناعة عملية السلام"، التي تزود المستشارين والخبراء والأكاديميين والصحافيين والمنظمات الأهلية بمادة دائمة لمواصلة العمل أمام جمهور واسع من القراء والمستمعين والممولين!
ونوه إلى أنه كان من المتحمسين لفكرة "حل الدولتين" منذ العام 1969، وتعرض لانتقادات إسرائيلية شديدة لعدة سنوات بسبب موقفه هذا، قبل أن يدرك في ضوء فشل المفاوضات طيلة العقود الثلاثة الماضية أن هذا الحل لم يعدا مرجحا، وأن هناك حاجة للتفكير في إطار بديل. وقال: حل الدولة الواحدة ليس متاحا الآن، ولكن في المحصلة النهائية هناك دولة واحدة قائمة بين النهر والبحر، هي إسرائيل، وهي عبارة عن نظام من السيطرة الذي يستطيع إرسال قواته إلى أي مكان في مناطق السلطة الفلسطينية، ولا يمكن دخول أو خروج أي شيء من الضفة الغربية، بل وحتى قطاع غزة، دون موافقة إسرائيل.
وقال: صحيح إن دولة إسرائيل ترسخت لكنها ليست مؤبدة. والذين يزعمون أن إسرائيل ستبقى دوماً كمشروع صهيوني عليهم أن يفكروا كيف تفكك سريعاً الاتحاد السوفييتي وجنوب أفريقيا في ظل التفرقة العنصرية.
وتابع: إن الرؤية الإسرائيلية الحالية إزاء "حل الدولتين" تتطلع إلى تخلي اللاجئين الفلسطينيين عن حقهم في العودة، وأن تسيطر إسرائيل على القدس، وعلى أرخبيل من المستوطنات اليهودية الكبيرة تصل بينها طرق لا يمر عليها إلا اليهود، والنسخة الفلسطينية تتخيل عودة اللاجئين وإخلاء كل المستوطنات تقريبا، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطينية. وبالتالي، فإن الجهود الدبلوماسية المتواصلة تحت شعار الدولتين لم تعد تشكل طريقا إلى حل، بل عائقاً في حد ذاتها. إننا متورطون في مفاوضات لن تفضي إلى شيء، وهذه ليست المرة الأولى.
وأضاف: القضية لا تتعلق بمكان رسم الحدود السياسية بين اليهود والعرب على الخارطة، بل بكيفية تحقيق المساواة في الحقوق السياسية. وتساءل عما إذا كان نموذج "الصهيونية الدولانية" هو الإطار الوحيد الذي يمكن أن يحقق التطلعات القومية والثقافية لليهود، وأن يضمن وجود دولة قائمة على المساواة بين كافة مواطنيها.
وفي تصوره للأسس التي ينبغي أن يقوم عليها حل الدولة الواحدة، اعتبر لوستيك أن أحد أهم الأسس هو عدم التعامل مع حق تقرير المصير بصفته حقا "أحادي الجانب"، بل حق للفلسطينيين واليهود، وهي الفكرة التي استحوذت على حيز وافر من النقاش، إلى جانب التساؤل عن موقف المتحدث الضيف عن وهم "حل الدولتين" ولكن مع عدم استبعاده كخيار لا يزال مطروحا.
وقد تساءل معظم المتحدثين خلال الجلسة عن مدى انسجام الدعوة إلى تمتع الشعب الأصلاني والمستعمِرين، بما فيهم المستوطنون، بحق تقرير المصير، مع قواعد وأسس القانون الدولي، لا سيما في ضوء الامتيازات التي يتمتع بها المستعمِرون في ظل النظام الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي العنصري كنتيجة للمشروع الصهيوني، وقبل تفكيك هذا النظام وإنهاء كافة الامتيازات المترتبة عليه.
وأعرب العديد من المتحدثين عن اتفاقهم مع الدعوة إلى التفكير في إطار بديل للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع تفاقم مأزق إطار التسوية التفاوضية على أساس "حل الدولتين"، مؤكدين أن استمرار المراوحة ضمن إطار التسوية في مقابل مشروع صهيوني ينطلق من إطار الصراع الاستعماري الاستيطاني القائم على توظيف علاقات القوة لإخضاع الفلسطينيين للقبول بشروط المشروع الصهيوني والإقرار بشرعيته عبر الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، يضعف القدرة على بلورة مشروع وطني جماعي في مواجهة المنظومة السياسية الكولونيالية، بل ويوفر مزيدا من الفرص لتقدم المشروع الصهيوني.
ونوهوا إلى أن بلورة هذا المشروع الوطني على أساس منظومة إطار الصراع التحرري من نظام الحكم الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي من شأنها أن تسهم في تحديد هدف الإطار البديل بالانتصار على المشروع الصهيوني وليس التصالح معه، أو إسباغ الشرعية عليه، أو الوصول إلى حل وسط معه وفق شروطه.
في المقابل، اعتبر متحدثون آخرون أن فرص تحقيق "حل الدولتين" لم تستنفد بعد، بالرغم من تقدم المشروع الصهيوني الاستيطاني على الأرض، وأن ثمة حاجة لإعادة النظر في السياسات المعتمدة فلسطينيا، بما في ذلك إطار المفاوضات الثنائية، بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، والاستفادة من رفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة مراقب، وغيرها من عناصر قوة تعزز استمرار مطالبة الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال والاستيطان وغيرها من مظاهر فرض فرض الوقائع على الأرض بشكل مخالف للقانون الدولي.
ورأى هؤلاء أن الإحجام عن الاستفادة من الهامش الواسع الذي يوفره كل ذلك، إلى جانب صمود وكفاح الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بالمطالبة بحل الدولة الواحدة غير المتاح في ظل شروط الصراع الحالية، إنما يعادل التسليم ببقاء نظام الاحتلال والاستيطان وشرعية ضمه للأرض الفلسطينية، دون إدراك حجم المخاطر التي يمكن أن تترتب على ذلك بشأن مصير القضية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه.
.

التعليقات