النكبة في العام 62هل تكفي الذكرى؟../ نزار السهلي*

النكبة في العام 62هل تكفي الذكرى؟../ نزار السهلي*
تحولت القضية الفلسطينية بعد النكبة في العام 48 من القرن الماضي، إلى صاعق تفجير في الحياة السياسية العربية، وحاول النظام الرسمي العربي بعد 62 عاما على نكبته أيضا أن يفصل القضية القومية عن قضية فلسطين، في مسعى واضح لمحاولة إبعاد "لعنة" فلسطين من أن تستمر عليه، فغدت السياسة العربية الراهنة وسيطة لترويج قبول المنكوبين بما يمن عليهم من حلول "واقعية" رسمتها السياسة الاستعمارية التي ألقت بظلالها الثقيلة بعد النكبة الفلسطينية عام 48 والهزيمة العربية في عام 67، وبعد الهزيمة الفلسطينية في أوسلو 1993.

لم يقم العرب اعتبارا، للعصابات الصهيونية التي أصبحت بعد أكثر من ستة عقود، قوة مهيمنة على المنطقة العربية، من خلال التهديد المباشر الذي يمارسه أحفاد وربيبو المؤسسة الصهيونية، الذين تحولوا من متسولين على أبواب القوى العظمى بداية القرن الماضي، إلى مستخفين بكل العالم وشعوبه نهاية القرن الماضي واكتمال عمل العصابات التي أسست لدولة "إسرائيل"، معتمدةً سياسة القتل والتطهير العرقي لسكان البلاد الأصليين الذين تم اقتلاعهم وتهجيرهم من مدنهم وقراهم.

لم تكن النكبة الفلسطينية كذبة، ولم تكن الهزيمة فيما بعد أيضا كذبة، إنها امتداد للحقبة الاستعمارية البريطانية التي سهلت وساعدت وهيأت للحركة الصهيونية السيطرة على الأرض، من خلال التدريب والتسليح والمساعدة بنقل قوافل العصابات الصهيونية من بولندا و وروسيا وهنغاريا، وإقامة المستعمرات وارتكاب المجازر بحق سكان فلسطين الأصليين، في الوقت الذي لم يكن مسموحا للفلسطينيين والعرب اقتناء السلاح للدفاع عن الأرض.

وإذا كانت العصابات الصهيونية، الأرغون وشتيرن والبلماخ والهاغاناة، شكلت نواة القوة لسرقة الوطن منذ العام 48 وفرض النكبة على الشعب الفلسطيني، فانه منذ ذاك التاريخ احتلت فلسطين الحياة السياسية العربية لتغدو حدثا أساسيا في المنطقة وبحضور قوي سكن الوجدان العربي والإنساني.

هذا لا يعني أن تاريخ فلسطين بدأ مع نكبة 48، ولا بعد هزيمة 67. فقبل هذه التواريخ بنصف قرن، بدأت ملامح المشروع الصهيوني تتضح على أرض فلسطين من خلال الهجرة المنتظمة لليهود إلى الأرض الفلسطينية، واتباع إستراتيجية تقوم على السطو المسلح على الأرض والتاريخ والثقافة والجغرافيا، إلا أن تاريخ النكبة مع ما أحدثته في الوعي العربي والفلسطيني جعل منها مفصلا تاريخيا في مرحلة ما قبل النكبة وما بعدها، مع غياب وندرة الدروس العربية المستقاة من تجربة النكبة الفلسطينية والعربية التي توالت فصولا من نكبات أخرى فرضتها وقائع "قيام دولة العصابات المؤسسة لإسرائيل"، التي تحاول بعد أكثر من مائة عام أن تطمس الذاكرة الفلسطينية والعربية عبر استهداف الضمير الجمعي للفلسطينيين، من خلال عزل وفكفكة القضية الفلسطينية عن الوعي العربي، من خلال تصفية قضية النكبة الفلسطينية باعتبارها حدثا عارضا في التاريخ تجب معالجتها في إطار من الواقعية السياسية، التي فرضتها وقائع قيام "إسرائيل".

هذه النسخة من الوعي الزائف، للتذكير بالنكبة على أنها شعار مقتصر على إشهار مفاتيح الديار وكواشين الأرض، والوقوف عند تخوم الأراضي المحتلة عام 48 من كل عام في منتصف أيار تمهيدا لإحلال وعي زائف لكل مكون حقيقي من مكونات الوعي المتصل بالنكبة، لإبعاد الهدف الحقيقي بتحرير الأرض والمرتبط بعودة اللاجئين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم، المحمولة والمحفورة في الذاكرة والوجدان. وكل محاولات طمس صورة العدو الحقيقي للفلسطيني والعربي لم تنجح، بعد أكثر من ستة عقود وبرغم القصف المتوالي على الذاكرة الفلسطينية والعربية، لتحميلها ثمن الخطيئة والهزيمة ولتبرير العجز الرسمي العربي والفلسطيني عن صياغة وإيجاد بدائل لتحرير فلسطين والوقوف خلف قرارات الشرعية الدولية الزائفة للهروب من عجز المواجهة الحتمية.

لا تكفي الذكرى بإحصاء سنوات اللجوء والنكبة، والبقاء في دائرة العجز لإنتاج الواقعية السياسية، لفصل القضية الفلسطينية المتمثلة بنكبة الشعب الفلسطيني عن بعدها القومي العربي. ولن تنجح المطالبة العربية للمجتمع الدولي أن يفرض شرعيته على إسرائيل، بعد أن منحت هذه الشرعية "العصابات الصهيونية" شرعية الوجود على أرض فلسطين من خلال الخديعة الكبرى التي قدمتها الشرعية الدولية للشعب العربي والفلسطيني من خلال القرارات التبريرية للعدوان وتسهيل السطو على الوطن والتاريخ. وما لم يستبدل الفلسطيني والعربي الشرعية المزيفة التي تسمح بتسلل الفكر الصهيوني لإنتاج وقبول إسرائيل كأمر واقع في العالم العربي، ودون التدقيق في طبيعة السياسة الصهيونية المستندة للفكر التلمودي التوراتي التي تقوم على نفي وجود الآخر فإن إحصاء سنوات النكبة سيستمر، ومعها سيستمر المنكوبون في حفظ حقهم بالعودة إلى يافا وحيفا وعكا و بيسان وطبرية إلى آخر قرية ومدينة اقتلعوا منها.

ومهما دمر أدعياء السياسة حقائق التاريخ، ومهما هبط هؤلاء وانزلقوا بالتاريخ إلى مستوى مبتذل، فإن الهدف الدقيق والبسيط، للحفاظ على الحق الفلسطيني متمثل في الأجيال الفلسطينية اللاجئة في الشتات وفي داخل فلسطين 48 والمتوارثة لحقها التاريخي، فلا عملية سياسية متصلة بواقعية سياسية أياً تكن الأسس المقامة عليها تستطيع أن تسلب وتزيف الذاكرة والوعي الجمعي للمنكوبين، وأن تحرف بوصلتها التي تشير دائما إلى المدن والقرى الفلسطينية التي شردوا منها، وهذه حقيقة لا يمكن لأية قوة أن تمنعها، وهي معضلة إسرائيل مع الشعب الفلسطيني ومع الشعب العربي الذي وجد نفسه في مواجهة مع معركة لها عنوان في نكبة الشعب الفلسطيني وهي كلمة السر في تاريخه وثقافته لنيل حريته في العودة لوطنه التاريخي.

التعليقات