بعد ستين عاما../ رشاد أبوشاور

بعد ستين عاما../ رشاد أبوشاور
قبل ستيّن عاما، تمكنت عصابات صهيونيّة من الاستحواذ على الجزء الأكبر من فلسطين، وأعلنت (دولتها)، وكانت الولايات المتحدة الأمريكيّة الدولة الأولى التي منحتها اعترافها، بعد 15 دقيقة.
بوش الابن، في خطابه أمام ( الكنيست)، أكّد حقيقة يعرفها أبسط الناس في بلادنا: أنتم ونحن 307 ملايين، في مواجهة أي خطر. أنتم ونحن تجمعنا صلات دينيّة!.

من ابتلي بهم الشعب الفلسطيني لا يبدون سوى العتب على بوش، بل وبتساذج يصرّح بعضهم للفضائيات: سنظل نحاول التأثير على الإدارة الأمريكيّة.. كيف؟ ماذا لديكم لتؤثّروا؟ هل ستقنعون بوش، وتشيني، بالتي هي أحسن؟! أتنقصهم المعلومات، وأنتم ستصححون وجهات نظرهم بتزويدهم بمعلومات غائبة عن عقولهم؟!
بصراحة: هؤلاء زجّوا بشعبنا، وقضيتنا، في هذه (النكبة) الجديدة ( أوسلو)، وهم مرتاحون، لا يخسرون: وجاهة، ومال، ومناصب، لا ضميرهم يردّهم، ولا أحد يحاسبهم!.

سمعت عن العصابات في أمريكا، وشاهدت أفلاما عن ( آل كابوني) ورؤساء المافيا. بوش الابن كان يغمز لأعضاء الكنيست كما لو أنه من رؤساء تلك العصابات، باستهتار ولامبالاة بالعرب، وبتلك القيادة النائمة على ( وعده) بدولة!
بوش الابن خاطب الكنيست: بعد ستين عاما، ستحتفل ( إسرائيل) بعيد استقلالها المائة والعشرين!
أنا وأبناء جيلي لن نكون أحياء بعد ستين سنةً، وجورج بوش سيكون قد شبع موتا، وسينسى تماما، اللهم سوى من بعض المؤرخين الذين سيحفظون له موقعا لا يحسد عليه: أردأ رئيس أمريكي، هو وإدارته سبب تدهور أحوال أمريكا.

بعد ستين عاما!
أتوقع أن بلاد العرب لن تبقى كما هي، يقودها حكّام تابعون، منبتون عن أمتهم...
بعد ستين عاما!
أتوقع أن أميركا لن تبقى في موقع التسيّد، وستنتهي سطوتها، وستنسحب جّارة أذيال الخيبة، لتلملم أوضاعها داخل حدودها، ولذا لن يكون الكيان الصهيوني 307 ملايين، لتقهقر أمريكا العدوانيّة، واستعادة فلسطين لوجهها العربي...

بعد ستين عاما!
أتوقع أن الشعب الفلسطيني سيبلغ العشرين مليونا، وسينشىء مدنا جديدة على أرض آبائه وأجداده. ستعود فلسطين جسرا للتواصل بين أقطار المشرق العربي، والمغرب العربي...
سيسافر العربي في القطار من تونس إلى ليبيا إلى القاهرة إلى..العريش إلى غزّة، إلى حيفا، إلى بيروت، ودمشق، ومن ثمّ إلى بغداد التي ستعود لتزدهر من جديد، ومنها إلى بلدان الخليج العربي التي سينقذ عروبتها ملايين العمّال العرب!.

بعد ستين عاما!
سترتفع في القدس لوحة تذكارية كبيرة تنقش عليها أسماء الدول التي تسببت في نكبة فلسطين، وتشريد شعبها، وفي رأس تلك اللوحة: بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكيّة، فرنسا، ألمانيا..ودول تابعة مشتراة الضمير!
وسيكون اسم بوش الابن مباشرة بعد اسم الملعون أبد الدهر: بلفور...

الزعران والمارقون والقتلة لا يصنعون التاريخ، ولكنهم يفوزون بلعناته، وهذا البوش واحد من أبرزهم، فهو دمّر العراق، وأفغانستان، وشجّع العدوان على لبنان، وذبح شعب فلسطين.
ستقدّم تلك الدول اعتذارتها، وستدفع تعويضات للفلسطينيين، والعراقيين، عن كّل الخراب، والجرائم...
بعد ستين عاما: سيرفع مفتاح ضخم، تتدلّى منه سلسلة مفاتيح، في ساحة المفاتيح في مدخل القدس، في ساحة العودة...
ستقرأ الأجيال الطالعة سيرة شعب المفاتيح، وستشعر بكبرياء الانتماء لأولئك الآباء والأمهات، الذين انتصروا على إمبراطوريات كانت عظمى، بعنادهم، وصبرهم، ومغالبتهم شظف العيش.

بعد ستين عاما!
ستعود لشوارع مدننا أسماؤها. فقط سيكشط الفلسطينيون الأسماء المزيّفة، المكتوبة بلغة غريبة في شوارع ليست لها بها صلة، فيظهر اسم ( المتنبي) ويندثر اسم ( بياليك)، فمكانه هناك في ( بروكلين) و( منهاتن) و (مانشستر) و( لندن ).
سيقول اليائسون: احلموا...
نحن نحلم، ونرى رأي العين تحقّق أحلامنا الواقعيّة، المشروعة، التي تليق بشعبنا وبفلسطيننا.
نقول للعاجزين: يدّعي الصهاينة أن أسلافهم كانوا هنا قبل ألفي عام، وأنهم عادوا إلى ( أرض ) وعدهم ربّهم بها!
نحن هنا، وما زلنا هنا، على أرض فلسطين.

هناك قرابة خمسة ملايين يعيشون في فلسطين التاريخيّة، لم يغادروها، وإن كان بعضهم لاجئا، يرى قريته، وحقله، وبيته، صباح مساء.
وهناك خمسة ملايين وأكثر في الشتات حول فلسطين: الأردن، سوريّة، لبنان، وفي المهاجر البعيدة. هؤلاء بينهم وبين وطنهم فقط ستوّن عاما، فكيف يحّق لمن يدّعون أن أسلافهم، كانوا هنا قبل ألفي سنة، أن يحتلوا فلسطين، بينما نحن الذين ولدنا فيها، وعلى مقربة منها، نطالب باليأس، والكّف عن حلم العودة، ومقاومة مخططات تكريس فلسطين وطنا لغزاة مجلوبين؟!

بعد مرور ستين عاما، ما تبقى من حرّاس ذاكرتنا، من جيل ما قبل النكبة، الجيل الذي عاصر ثورة فلسطين الكبرى، وانتفاضاتها، وهبّاتها، استّل المفاتيح، وأشهرها في وجه العالم: هذه مفاتيح بيوتنا، فإن هدموا البيوت، فإن المفاتيح معنا، سنورثها لأجيالنا القادمة، كي تعرف دائما أن بيوتهم ليست حيث يقيمون، بل حيث تنتظرهم في فلسطين الوطن الذي لا وطن لهم غيره.

حق العودة، لايمكن التخلّي عنه، فها هو، يرفعه صبية وصبايا ولدوا في المنافي، هؤلاء الذين لن تطمس المنافي هويتهم...
في الذكرى الستين، ارتدت الأمهات أثوابهن الفلسطينيّة المطرّزة احتفاءً بعرس العودة الموعود...
من عمق فلسطين، أهالي صفوّرية، وإقرت، وبرعم، وفي مخيمات الضفة: في الدهيشة، وعايدة، والجلزون، وفي قطاع غزّة: في جباليا، والشاطئ، وفي مخيّم اليرموك ( سورية)، والبقعة (الأردن)، وعين الحلوة (صيدا) وفي (صبرا وشاتيلا ).. لبنان، وفي ألمانيا، والنرويج، وهولندة.. أشهروا المفاتيح!

الفلسطينيون هذا العام بحيوية دفّاقة، وروح متوثبة، اشرأبت أرواحهم أمام العالم: سنعود.. لن نفرّط بحّق العودة، ما ضاع حّق وراءه مطالب.. لو ملكّونا مال الدنيا لن نتنازل عن أرضنا. نريد أن نعود لندفن هناك، أن نعيد لحقولنا زيتونها وتينها...
في هذا العام: العالم مدعو لغرس 7 مليارات شجرة، لإنقاذ مستقبل الأرض...
في هذا العام ( دولة الصهاينة)، تواصل اقتلاع ألوف الأشجار في فلسطين، لأن وظيفتها التخريب، والاقتلاع..
هذا دور هذه (الدولة) اللقيطة
أمّا شعبنا فقد كان هو وأشجاره وأرضه، منذ كنعان، الخصب والغرس سيرته ومسيرته.

يعدهم بوش بستين عاما أخرى!...
نعد أنفسنا بأننا سنعود، وسنجدد العهد مع فلسطيننا، قبل أن تمّر ستون سنة...
لا وعد بلفور، ولا وعد بوش، ولا ( فزعة) دول التآمر، والجريمة، والنفاق، وقادتها الذين وفدوا للمباركة للكيان الصهيوني، وخشعوا في محراب الصهيونيّة، يمكن أن تغيّر اسم فلسطين، وهوية شعبها.
كانت فلسطين دائما، ودائما ستبقى، بهمّة شعبها العنيد. النكبة وقعت، ولكن الشعب المنكوب لم يقع تحت ثقلها وهولها، فهو ينهض منذ ستين عاما...
في هذا الصراع الوجودي: لا أنصاف حلول، ولا هدنة، ولا رهان على حياد ونزاهة أمريكا، سواء أكان رئيسها بوش أم غير هذا البوش!

في الذكرى الستين للنكبة، طرّز أبناء شعبنا العلم الأكبر في العالم، والذي سيدخل موسوعة( غينس)، ورفع شعبنا سدّا لا يستطيع القفز عليه أي متواطئ، فشعبنا هو صاحب أطول نفس في تاريخ البشريّة، في الكفاح لتحرير وطنه فلسطين، وهذا سّر صموده، وتأبيه على الانكسار...
شعبنا اعتاد أن يمضي إلى مستقبله وحريّته بهمّة كبيرة، بدون دعم من دول كبيرة مستكبرة...

التعليقات