ستون عامًا: لماذا لا نغمر كل شارع وكل مكان وكل عاصمة بروايتنا؟/ عوض عبد الفتاح

-

ستون عامًا: لماذا لا نغمر كل شارع وكل مكان وكل عاصمة بروايتنا؟/ عوض عبد الفتاح
تتهيأ اسرائيل لإحياء الذكرى الستين لإقامتها باحتفالات واسعة وضخمة، في وقت تواجه مجددًا اسئلة مصيرية تتصل بشرعية وجودها ككيان سياسي. وكأنها تريد أن تغطي على هذه الاسئلة وتؤكد وجودها وشرعيتها في مواجهة علامات السؤال.

كما تريد ان تحرف الانظار عما سيقوم به الفلسطينيون او ما يفترض ان يقوموا به من نشاط في هذه الذكرى الأليمة في محاولة لتذكير من يريد ان يسمع ويعرف ان إقامة اسرائيل في فلسطين تمخضت عن اكبر جرائم العصر ضد الانسانية في العصر الحديث وأعقد الصراعات في العالم. يحصل هذا رغم مفارقات الوضع الفلسطيني والعربي الممزق بين وضع مهلهل وتمزق غير مسبوق، وبين وضع تُشهر فيه راية المقاومة والرفض وتوجه ضربة قاسية لقوة الردع الاسرائيلية.

سيشارك في الإحتفالات رؤساء دول، ساهمت تاريخياً في خلق هذه الحركة الكولونيالية، هذه الدول والتي لا تزال تساند وتدعم اسرائيل العنصرية، واسرائيل الكولونيالية، واسرائيل الابرتهايد.

كل التسويات المقترحة من الغرب في الماضي والحاضر هدفت وتهدف الى الحفاظ على اسرائيل كما هي. اسرائيل التي ارادها بن غوريون، يهودية وديمقراطية، تلك المعادلة المستحيلة مستقبلياً التي يقبل الغرب (حكوماته) ان يدعمها ويساندها ويشرعنها حتى لو كانت نقيضاً لما تقوم عليه دولهِ أي معادلة دولة المواطنين. كما هو معروف ان الاصرار على ان تكون اسرائيل دولة ديمقراطية ودولة يهودية استدعى، وبقرار صهيوني وبتخطيط استراتيجي، تنفيذ عملية تطهير عرقي واسعة أي احتلال القرى والمدن العربية وقتل واقتلاع معظم سكانها. فكيف كان بالامكان ان تظهر اسرائيل كدولة ديمقراطية واليهود اقلية قبل عام 48 وهي التي جاءت برسالة " التنوير في المشرق ".

ظلت الدعاية الصهيونية القائلة بأن الفلسطينيين اللاجئين غادروا طوعياً استجابة لنداء قادة الدول العربية انذاك مسيطرة بصورة كاملة على النخبة الاسرائيلية وعلى مؤرخيهم حتى الثمانينات عندما فُتحت الاراشيف وكُشفت الحقائق المرعبة التي يعرفها كل فلسطيني ويعرفها القادة الصهاينة الذين خططوا واشرفوا ونفذوا الجريمة المروعة.

ولكن بعد الانتفاضة الثانية عاد البعض من هؤلاء امثال بني موريس الذي عبر عن صدمته في الثمانينات من حدوث التطهير العرقي، ليبرر هذه الجريمة جريمة التطهير العرقي ويسوغها. بل قال في مقابلة في هآرتس عام 2002 وفي " الاندبندت " البريطانية انه سيتفهم عملية طرد (تطهير عرقي) لعرب الداخل (مواطني دولة إسرائيل ) قد تحصل في السنوات القادمة .

جرح النكبة العميق لا زال ينزف، واجيال ولدت ونشأت في مخيمات البؤس والفقر والعوز واجيال حملت ارواحها على أكفها في الكفاح من اجل العودة، واجيال كابدت ولا تزال تحت الاحتلال الكولونيالي، واجيال ترزح تحت القهر العنصري ومخططات تحطيم الهوية الوطنية. والمخطط الشيطاني (الترانسفير) عاد ليطل بكامل السفور وبدون أي حرج وان بمسميات مختلفة مثل نظام الفصل، والتبادل السكاني.

دأبت اسرائيل على محو القصة وإخراج الفلسطيني من التاريخ بعد ان اخرجته من المكان. وبدا لها ولوقت طويل نسبياً، وفي لحظة النشوة من انتصاراتها انها سلمت واستقر مستقبلها، واذا بالشعب ينتفض مرة تلو المرة، وتشهر القصة في وجهها من جديد، ويُطرح علامات السؤال المصيرية على شرعية وجودها من اوساط شعبية في العالم. بل ظهرت اصوات اسرائيلية قليلة (ولكن نوعية – ابراهام بورغ) تُحذر حكام الدولة العبرية من مغبة المضيّ في ايديولوجتهم العنصرية وسلوكهم المغامر. بل وتظهر من جديد إرهاصات التفكير بالدولة الواحدة الديمقراطية او ثنائية القومية نقيض المشروع الصهيوني.

ماذا على الفلسطينيين وعلى اصدقائهم في العالم ان يفعلوا لمواجهة رسالة مشاريع الاحتفالات الاسرائيلية بالذكرى الستين لاعلان اقامة الدولة العبرية وللنكبة الفلسطينية الكبرى. وكجزء من مسيرة الكفاح والعمل الوطني والديمقراطي.

لا بد من ان يكون هناك نشاط موازيٍ بل اكبر، يقوم به الفلسطينيون في فلسطين وفي الشتات، وفي عواصم ومدن العالم الكبرى، عبر المظاهرات، والمحاضرات، والندوات، والافلام، والملصقات، والرسائل وكل ما يمكن ان يساعد على تعرية الرواية الصهيونية تاريخياً وحالياً. يجب ان تكون الرسالة ان الدولة العبرية لن تنعم بالوضع الذي عاشته في السابق من قبول واعجاب وتمجيد في المجتمع الغربي، وكأنها دولة التنور الوحيدة في الشرق البدائي طالما هي أصرت على عدم الاعتراف بمسؤوليتها عن الظلم الذي الحقته بشعب فلسطين، وطالما أصرت على تكريس نتائج وافرازات النكبة.

علينا نحن الفلسطينيون في الداخل الا نكتفي، بنشاطات مركزية محدودة، بل واجبنا ان نظهر حدادنا العام - الشعبي – ان تُنكس الاعلام السوداء على البيوت وان تقام التجمعات في مراكز القرى والمدن ورفع الاعلام السوداء وتذكير المجتمع الاسرائيلي انه ينعم بالعيش هنا على حسابنا وعلى حساب حريتنا واملاكنا، ارضنا وبيوتنا التى نهبها وينهبها يومياً. وهذا الامر لا يمكن السكوت عليه.

على مدراء المدارس العربية المنزوعة مناهجها من الرواية الفلسطينية والمدججة بالرواية الصهيونية الكولونيالية ان يتعاملوا مع هذه الذكرى بمسؤولية وطنية واخلاقية عالية، وان يتمتعوا بالشجاعة الكافية لتذكير ابنائنا وبناتنا بانهم ابناء واحفاد الناجين من اكبر عملية تطهير عرقي ارتكبت بعد الحرب العالمية الثانية. بل ربما هذه مناسبة، وحان الوقت، للتفكير جدياً باعلان اضراب عن تدريس مادة التاريخ والجغرافيا – طالما روايتنا غائبة.

طرحت هذا السؤال ( أي لماذا لا يعلن المعلمون العرب الاضراب عن تدريس هذه المادة المشوهة )، قبل 27 عامًا عندما فصلتني المخابرات الاسرائيلية مرتين من سلك التعليم، المرة الاولى بعد 3 اشهر والمرة الثانية بعد ستة اشهر فقط نتيجة هذا الموقف. فهل يُعقل بعد ستين عاماً ان لا تحظى هذه المسألة الهامة بخطوة راديكالية حتى تُصبح المطالبة بتغيير المناهج ذات جدوى وليس ضريبة كلامية.

التعليقات