أطلس للدراسات: عن فقاعة الاستقرار الأمني والاقتصادي الإسرائيلي

تصريح جون كيري في مؤتمر الأمن في ميونخ عن وهم الأمن والاستقرار الاقتصادي الإسرائيلي، وتوقعه أن تنقيط المقاطعة سيتحول إلي مطر في حال فشل المفاوضات؛ لم يكن خارج السياق أو مفاجئاً، فقد قال كيري ما يقوله الكثير من الإسرائيليين، سياسيين واقتصاديين وأمنيين، فسبق وأن وصفت ليفني الاقتصاد الاسرائيلي في مؤتمر رجال الأعمال في تل أبيب بأنه "فقاعة تحت سقف زجاجي"، سقف ينخفض باستمرار مضيقاً حيز الفقاعة في ظل غياب السلام، الأمر ذاته عبر عنه مائة رجل أعمال اسرائيلي في عريضة كتبوها لنتنياهو تدعوه للمضي في عملية السلام، محذرين من تداعيات الفشل على الاقتصاد الإسرائيلي، الأمر الذي دفع يعلون لأن يصرح في مؤتمرهم أن الدولة الفلسطينية التي ستطلق منها الصواريخ على مطار بن غوريون هي الخطر الحقيقي على الاقتصاد. ونفس الشيء في المجال الأمني؛ فقد سبق وتحدث عدد من الجنرالات الأعضاء في مجال الأمن والسلام الاسرائيلي عن أن غياب السلام وخطر الديموغرافيا يعتبر التهديد الأمني الحقيقي لدولة الاحتلال، فضلاً عما قاله يوفال ديسكين رئيس الشباك السابق عن المخاطر الأمنية المرتبطة باستمرار احتلال الضفة، داعياً نتنياهو للمبادرة باتخاذ قرارات هامة من بينها تجميد الاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى لخلق مناخ إيجابي يمكن معه التقدم على طريق انجاز تسوية، كما أن وزير الحرب السابق ايهود باراك تحدث أكثر من مرة عن تسونامي في حال وصول مسيرة التسوية إلى طريق مسدود. فالهواجس والمخاوف الاسرائيلية من تداعيات استمرار الصراع وفشل المفاوضات حقيقة قائمة ومسلم بها، وتدركها الكثير من القيادات الإسرائيلية، وتعتبر الدافع الوحيد الذي يحركهم باتجاه المفاوضات، وسبق أن صرح كيري أن نتنياهو يرغب جدياً بالمفاوضات لإدراكه المخاطر التي ستواجه اسرائيل في ظل استمرار توقفها. بيد أن تصريحات كيري والمكانة والتوقيت التي قيلت فيه لم تأتِ في خدمة التحليل واستشراف المستقبل، بل جاءت في سياق التهديد وممارسة المزيد من الضغط وتجنيد العالم الغربي على وجه الخصوص لدعم خطته وتوجهاته، وهو عندما يصرح في مؤتمر دولي للأمن عن وهم الأمن واستقرار الاقتصاد الاسرائيلي وعن موجات المقاطعة القادمة؛ فهو كأنما يطالب الدول الحاضرة ويتوقع منها أن تترجم توقعاته إلى حقيقة وتشحن أقواله برصيد حقيقي، فهو هنا يمثل إرادة الأمر الواقع الدولية (الرباعية الدولية)، وعندما يطلب دعمهم فهو يطالبهم بالانسجام مع خطته وتبني أدوات ضغطه. وليس غريباً أن كيري لم يهدد إسرائيل بالجيوش أو التوجهات السياسية للدول العربية، لإدراكه أنها ستكون تهديدات ليست ذات صلة، لا في الحاضر ولا في المستقبل المنظور، بل هددهم بحملة مقاطعة أوروبية، وأمنهم المبني على النووي والدبابات والطيران والأقمار الفضائية وتكنولوجيا السلاح سيتحول إلى وهم سيتبدد عندما لا يستطيع أن ينتصر في مواجهة المطالب الفلسطينية العادلة والشرعية، وعندما لا يستطيع تأمين شرعية بقاؤهم ولا ديمقراطية ويهودية دولتهم، وعندما يصبح مستقبل المشروع الصهيوني يواجه الكثير من علامات الاستفهام. فضلاً عن التهديد الذي انطوت عليه تصريحات كيري؛ فهي كشفت أمرين: الأول يتعلق بالمقاطعة، والثاني بجدية كيري فيما يتعلق بالمفاوضات، فبالنسبة للمقاطعة فقد كشفت تصريحات كيري أن المقاطعة التي بدأت موجتها الأولى مع بداية استئناف المفاوضات في يوليو العام الماضي، وتتصاعد بشكل دائم منذ ذلك الوقت، وما بتنا نشهده من حراك أوروبي فعال على المستويين الرسمي والشعبي؛ ليست ظاهرة تلقائية وعفوية، فلم ينهض الاوروبيون فجأة وقالوا لأنفسهم أن المستوطنات والنشاطات الاقتصادية المرتبطة بها تتعارض مع القانون الدولي ومواثيق جنيف، ومع عدم تقليلنا من قيمه وإسهام حركة المقاطعة الدولية على اسرائيل (BDS ) في حملة المقاطعة؛ إلا أن حديث كيري واتساع رقعة المقاطعة بما في ذلك اعلان وزارة الخارجية البريطانية وتوقيت تصاعدها الذي ارتبط باستئناف المفاوضات وتصريحات أوروبية تؤكد أن قرار تصنيف سلع المستوطنات يأتي في اطار دعم المفاوضات، بالإضافة لبيانهم عن حوافز التسوية؛ كل ذلك يشير أن بعض جوانب المقاطعة على الأقل جاءت بالتنسيق مع كيري وبطلب منه كوسيلة من وسائل الضغط الغير أمريكية لمساعدته في إحراز تقدم على جبهة نتنياهو. كما تكشف تصريحات كيري مدى جديته، ومدى عزمه واصراره ومثابرته وعناده على ألا تتكلل جهوده بالفشل على الأقل، وهو (أي كيري) يظهر عكس الانطباع الأولي عنه، فيظهر تميزاً وبراعة وحنكة وصبراً وعزماً وقدرة على توظيف السياسات الدولية، وعلى خلاف من سبقه يظهر رغبة شخصية كبيرة، ويبدو أنه يقترب من مكانة كيسنجر من حيث بصمته التي سيتركها، وبراعته على الأقل في ملفي الكيماوي السوري والنووي الايراني، وفي مجال الصراع مع اسرائيل يبدي حضوراً برغم يمينية المشهد السياسي الاسرائيلي وانطوائية الحضور الأمريكي أكثر ممن سبقوه، من بيكر وكريستوفر حتى أولبرايت وباول ورايس وكلينتون. كيري الذي يدرك مدى العقبات والصعاب التي تقف في طريقه، وفي مقدمتها التعنت الإسرائيلي؛ يلجأ للتهديد كوسيلة ضغط في ظل انعدام أوراق الضغط الأخرى على إسرائيل، مستخدماً لها كمحفز للحركة وللترويج لأفكاره داخل المجتمع الاسرائيلي عبر الأنشطة الغير رسمية لسفارة واشنطن في تل أبيب، ويقال انه ربما سيوجه خطاباً للمجتمع الإسرائيلي، كما يلجأ إلى أسلوب التلاعب بالكلمات والمفاهيم وضبابية المضامين ليمنح الطرفين ما يمكنهم من البقاء في اللعبة، عبر منح الحق لكل طرف في إبداء تحفظ عام مع الموافقة على الدخول الاضطراري لخيمة تفاوض تقوم على عامودين، دولة يهودية آمنة وخطوط 67 مع تبادل أراضي، والسؤال هو إلى أي مدى يستطيع كيري أن يفرض على الأطراف الاستمرار في لعبته؟!

أطلس للدراسات: عن فقاعة الاستقرار الأمني والاقتصادي الإسرائيلي

تصريح جون كيري في مؤتمر الأمن في ميونخ عن وهم الأمن والاستقرار الاقتصادي الإسرائيلي، وتوقعه أن تنقيط المقاطعة سيتحول إلي مطر في حال فشل المفاوضات؛ لم يكن خارج السياق أو مفاجئاً، فقد قال كيري ما يقوله الكثير من الإسرائيليين، سياسيين واقتصاديين وأمنيين، فسبق وأن وصفت ليفني الاقتصاد الاسرائيلي في مؤتمر رجال الأعمال في تل أبيب بأنه "فقاعة تحت سقف زجاجي"، سقف ينخفض باستمرار مضيقاً حيز الفقاعة في ظل غياب السلام، الأمر ذاته عبر عنه مائة رجل أعمال اسرائيلي في عريضة كتبوها لنتنياهو تدعوه للمضي في عملية السلام، محذرين من تداعيات الفشل على الاقتصاد الإسرائيلي، الأمر الذي دفع يعلون لأن يصرح في مؤتمرهم أن الدولة الفلسطينية التي ستطلق منها الصواريخ على مطار بن غوريون هي الخطر الحقيقي على الاقتصاد.

ونفس الشيء في المجال الأمني؛ فقد سبق وتحدث عدد من الجنرالات الأعضاء في مجال الأمن والسلام الاسرائيلي عن أن غياب السلام وخطر الديموغرافيا يعتبر التهديد الأمني الحقيقي لدولة الاحتلال، فضلاً عما قاله يوفال ديسكين رئيس الشباك السابق عن المخاطر الأمنية المرتبطة باستمرار احتلال الضفة، داعياً نتنياهو للمبادرة باتخاذ قرارات هامة من بينها تجميد الاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى لخلق مناخ إيجابي يمكن معه التقدم على طريق انجاز تسوية، كما أن وزير الحرب السابق ايهود باراك تحدث أكثر من مرة عن تسونامي في حال وصول مسيرة التسوية إلى طريق مسدود.

فالهواجس والمخاوف الاسرائيلية من تداعيات استمرار الصراع وفشل المفاوضات حقيقة قائمة ومسلم بها، وتدركها الكثير من القيادات الإسرائيلية، وتعتبر الدافع الوحيد الذي يحركهم باتجاه المفاوضات، وسبق أن صرح كيري أن نتنياهو يرغب جدياً بالمفاوضات لإدراكه المخاطر التي ستواجه اسرائيل في ظل استمرار توقفها.
بيد أن تصريحات كيري والمكانة والتوقيت التي قيلت فيه لم تأتِ في خدمة التحليل واستشراف المستقبل، بل جاءت في سياق التهديد وممارسة المزيد من الضغط وتجنيد العالم الغربي على وجه الخصوص لدعم خطته وتوجهاته، وهو عندما يصرح في مؤتمر دولي للأمن عن وهم الأمن واستقرار الاقتصاد الاسرائيلي وعن موجات المقاطعة القادمة؛ فهو كأنما يطالب الدول الحاضرة ويتوقع منها أن تترجم توقعاته إلى حقيقة وتشحن أقواله برصيد حقيقي، فهو هنا يمثل إرادة الأمر الواقع الدولية (الرباعية الدولية)، وعندما يطلب دعمهم فهو يطالبهم بالانسجام مع خطته وتبني أدوات ضغطه.

وليس غريباً أن كيري لم يهدد إسرائيل بالجيوش أو التوجهات السياسية للدول العربية، لإدراكه أنها ستكون تهديدات ليست ذات صلة، لا في الحاضر ولا في المستقبل المنظور، بل هددهم بحملة مقاطعة أوروبية، وأمنهم المبني على النووي والدبابات والطيران والأقمار الفضائية وتكنولوجيا السلاح سيتحول إلى وهم سيتبدد عندما لا يستطيع أن ينتصر في مواجهة المطالب الفلسطينية العادلة والشرعية، وعندما لا يستطيع تأمين شرعية بقاؤهم ولا ديمقراطية ويهودية دولتهم، وعندما يصبح مستقبل المشروع الصهيوني يواجه الكثير من علامات الاستفهام.

فضلاً عن التهديد الذي انطوت عليه تصريحات كيري؛ فهي كشفت أمرين: الأول يتعلق بالمقاطعة، والثاني بجدية كيري فيما يتعلق بالمفاوضات، فبالنسبة للمقاطعة فقد كشفت تصريحات كيري أن المقاطعة التي بدأت موجتها الأولى مع بداية استئناف المفاوضات في يوليو العام الماضي، وتتصاعد بشكل دائم منذ ذلك الوقت، وما بتنا نشهده من حراك أوروبي فعال على المستويين الرسمي والشعبي؛ ليست ظاهرة تلقائية وعفوية، فلم ينهض الاوروبيون فجأة وقالوا لأنفسهم أن المستوطنات والنشاطات الاقتصادية المرتبطة بها تتعارض مع القانون الدولي ومواثيق جنيف، ومع عدم تقليلنا من قيمه وإسهام حركة المقاطعة الدولية على اسرائيل (BDS ) في حملة المقاطعة؛ إلا أن حديث كيري واتساع رقعة المقاطعة بما في ذلك اعلان وزارة الخارجية البريطانية وتوقيت تصاعدها الذي ارتبط باستئناف المفاوضات وتصريحات أوروبية تؤكد أن قرار تصنيف سلع المستوطنات يأتي في اطار دعم المفاوضات، بالإضافة لبيانهم عن حوافز التسوية؛ كل ذلك يشير أن بعض جوانب المقاطعة على الأقل جاءت بالتنسيق مع كيري وبطلب منه كوسيلة من وسائل الضغط الغير أمريكية لمساعدته في إحراز تقدم على جبهة نتنياهو.

كما تكشف تصريحات كيري مدى جديته، ومدى عزمه واصراره ومثابرته وعناده على ألا تتكلل جهوده بالفشل على الأقل، وهو (أي كيري) يظهر عكس الانطباع الأولي عنه، فيظهر تميزاً وبراعة وحنكة وصبراً وعزماً وقدرة على توظيف السياسات الدولية، وعلى خلاف من سبقه يظهر رغبة شخصية كبيرة، ويبدو أنه يقترب من مكانة كيسنجر من حيث بصمته التي سيتركها، وبراعته على الأقل في ملفي الكيماوي السوري والنووي الايراني، وفي مجال الصراع مع اسرائيل يبدي حضوراً برغم يمينية المشهد السياسي الاسرائيلي وانطوائية الحضور الأمريكي أكثر ممن سبقوه، من بيكر وكريستوفر حتى أولبرايت وباول ورايس وكلينتون.

كيري الذي يدرك مدى العقبات والصعاب التي تقف في طريقه، وفي مقدمتها التعنت الإسرائيلي؛ يلجأ للتهديد كوسيلة ضغط في ظل انعدام أوراق الضغط الأخرى على إسرائيل، مستخدماً لها كمحفز للحركة وللترويج لأفكاره داخل المجتمع الاسرائيلي عبر الأنشطة الغير رسمية لسفارة واشنطن في تل أبيب، ويقال انه ربما سيوجه خطاباً للمجتمع الإسرائيلي، كما يلجأ إلى أسلوب التلاعب بالكلمات والمفاهيم وضبابية المضامين ليمنح الطرفين ما يمكنهم من البقاء في اللعبة، عبر منح الحق لكل طرف في إبداء تحفظ عام مع الموافقة على الدخول الاضطراري لخيمة تفاوض تقوم على عامودين، دولة يهودية آمنة وخطوط 67 مع تبادل أراضي، والسؤال هو إلى أي مدى يستطيع كيري أن يفرض على الأطراف الاستمرار في لعبته؟!

التعليقات